الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في النموذج الأندلسي

بن جبار محمد

2011 / 8 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يتحدث إبن العريف الإندلسي عن فـقهاء السوء في عصره , فيقول "كان الكبر و الفخر و السرور بجنب الدنيا في وجوههم باديا , و ناموا و أتكؤوا بجنوبهم على اللين من أنواع الملبوس , إيثارا لراحـة النفوس , عملا متمـاديا و أعتـمدوا بظهـورهم على صدور المجـالس زهوا على خـواطر المجـالس ظـاهرا باديا , و أي ظهور لم تثـقل بأعباء الدين , و لا نشطت للقيام بأمور المساكين , بل خفت و أستراحت بطرحـهـا لأثقال الأمانة و قامـت بشرائع أمثالها أهل العجز و الخيانة ..." من كتاب السعـادة و تحقيق طرق السعادة –ص 100 منه .
و إنتقاد الفقـهاء لم يقتصر على الصوفية بل و أمـتد الى الأدبـاء و العـامة , أتـهموهم بالرشـوة و الفسـاد و الفسـق و النفــاق و خدمة أهواء السلـطة و البـلاط بغير قيـود و لا حـدود و بالمقـابل تم التضييق على الرجال الأفاضل و اضطهادهم و نعني تحديدا رجال الحركة الصوفية في الأندلس الذين أستطاعوا بفضل قريحتهم و صفائهم الذهني و تكوينهم النفسي أن يعارضوا معارضة لا لبس فيهــا . يذكـر لنا التاريخ الأندلسي في أحد فتراته تحالف الفقهاء مع السلطة مستغلين للثروات إستغلالا فاحشا في مقابل خدمات جليلة يقدمونهــا للبلاط في تبرير السلطة الإستبدادية الظالمة و الجائرة و إستمالة العامة و ضمان ولاءها .., فقد شرعوا ما لم يشرع و خالفوا القرآن و السنة و أهدروا أموال و دماء المسلمين و كل من يقف في وجه السلطان.. أستولوا على أراض شاسعة كمورد لرزقهم و ضمانا للمال و الأرباح و قد أورد إبن الآبار في مؤلفه الحلة السيراء أنهم أكثر الناس ملكية في الأندلس من العصر الأموي و الطائف, فمثلا أن الفقيه محمد بن اسماعيل اللخمي (439 هــ/ 1047 م ) كان يملك ثلث إشبيليه ضيعة و غلة . لم يكتفوا بذلك و إنما وسعوا ملكياتهم بتحالفهم مع ملوك الطوائف ضد مصالح الشعب و قد رأى إبن حزم أن ذلك خرابا للأندلس و أهلهــا .

توثقت علاقة الفقهاء مع السلطة المرابطية التي تعتنق المذهب المالكي , ففي وحدة المذهب كان عاملا أساسيا لكي يصبحوا منظرو الدولة و مسيروها مراكزها البيروقراطية و بإحتكارهم للمراكز الحساسة و الأساسية في خطط الدولة , أزدادت ثرواتهم و تضخمت . و يورد المؤرخون نماذج كبيرة و أمثلة من هؤلاء الذين أصبحوا يتمتعون بثراء فاحش ..مكانة الفقهاء كانت في تعاظم مستمر و كان الأمراء لا يقطعون أمرا في جميع مملكته دون مشورة الفقهاء الذين بلغوا مبلغا لم يحدث من قبل في تاريخ الأندلس فكثرت أموالهم و أتسعت أرزاقهم .. و نتيجة لما سبق أثار خنق الناس عليهم و ظهرت عليهم مشاعر الإستياء الشديدة لسيطرتهم الإقتصادية .. في هذه الفترة التاريخية ظهرت الى الوجود مجموعة ضخمة من الفتاوى و الشرائع و التعاليم و الأحاديث النبوية تتماشى مع مصالحهم الإقتصادية و التسلطية حفاظا على الهيمنة و الأموال و الممتلكات الطائلة .إذ ليس غريبا أن يشنوا حملات مسعورة على الحركة الصوفية و المتصوفة الناشئة في كل أرجاء الأندلس ..لأنهم الحلقة التي تتمرد على تعاليمهــا و ترفض إملاءاتها و لا تتركهم و شأنهم المشين.. الحركة الصوفية أخذت على عاتقها المعارضة الدينية و السياسية محاولة الى و ضع الأمور إلى نصابها و الإشارة إلى الانحرافات الكبيرة المرتكبة باسم الدين . فظهرت الى الوجود ثورة ابن قسي مع مريديه المعروفة تاريخيا " بثورة المريدين (1156م ) " ضد الدولة المرابطية بمضمونها الإجتماعي –السياسي تهدف الى رفع المظالم و التحرر من الإستبداد ..
خاتمة القول , نقول أن النموذج الأموي –العباسي تكرر مع النموذج الأندلسي من حيث التحالف الطبيعي بين الفقهــاء و السلطة في تبادل المنافع و المصــالح بين القطبين بــل كان وضع الفقهــاء مخزيــا تجاه الأمة التي تريد تحقيق العدالة السماوية و المساواة بين البشر بتوافر شروط الكرامة الإنسانية . و يمكن القول أن العصور الإسلامية كانت عصور فقهاء السوء بإمتياز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah


.. المقاومة الإسلامية في العراق تدخل مسيرات جديدة تمتاز بالتقني




.. صباح العربية | في مصر.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنائز