الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الماركسية القادمة

علاء الفزاع

2004 / 11 / 29
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


بعيدا عن النشوة المبالغ فيها بانتصارات اليسار في الانتخابات في الهند، وبعيدا عن تقدمه في الانتخابات البلدية في بلد أوروبي أو أكثر، وبعيدا عن ظاهرتي شافيز ولولا، بعيدا عن كل ذلك تلوح في الأفق بوادر الثورة الماركسية القادمة. قادمة عالميا، كما هي قادمة محليا، رغم أن الواقع المحلي لا يعطي نفس المؤشرات والبوادر التي يعطيها الواقع العالمي.
هي ثورة على الذات بداية، من داخل المؤسسات الماركسية، التي هي الأحزاب الشيوعية بشكل رئيس. تقوم على مراجعة ماركسية علمية بدأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكنها لم تكتمل حتى الآن، وتعطلت لعقد من الزمن على المستوى الفكري لمعظم الأحزاب الشيوعية العالمية. إنها تقوم على مراجعة النتائج باستخدام معمق للمنهج الماركسي يقرأ جيدا واقع علاقات الإنتاج الموجودة حاليا، ويلاحظ بشكل أساسي تغير الوضع العمالي مع دخول العالم-مع دخوله مرحلة العولمة-في مرحلة جديدة من علاقة الشخص المنتج بوسيلة الإنتاج، وتغير الصورة التقليدية لمئات العمال الذين يعملون في ظروف عمل سيئة في بيئة ملوثة تحت سيطرة رأسمالي تمت تسميته تقليديا بالبرجوازي (العفن). إنها ثورة. والثورة الحقيقية سيرورة وأخذ ورد. ونتيجتها رهن بمعطيات كثيرة. ولا بد أن نسجل هنا أن عددا من الأحزاب الشيوعية العربية كان لها شوط جيد قطعته في هذا المجال، وتحقق نجاحات ملحوظة في دراسة الواقع العالمي الجديد الناتج عن عولمة وسائل الإنتاج.
إنها كذلك ثورة على زحف اليمين. حين تتعرض هوية أية جماعة للخطر فإنها تعود إلى مرحلة سابقة في تاريخها، وتتمسك بها كنوع من آليات الدفاع الذاتي في وجه الخطر القادم. وهذه الأصولية قد تتخذ شكلا عرقيا أو دينيا أو حتى وطنيا. ومع اندفاع العالم بكل قوة وسرعة إلى مرحلة العولمة واجهت معظم الهويات تحديات ضخمة مع اندفاع سيل وسائل الاتصال، وانفتاح كل الثقافات والهويات على بعضها. وكنتيجة حتمية فإن معظم هويات وثقافات العالم الثالث اندفعت إلى الوراء في انكفاء دفاعي يمثل آلية دفاع لحظية غير مجدية على المدى البعيد. وقد حصل هذا أيضا في بعض الدول المتقدمة التي تراجع مركزها العالمي مع سيادة فوضى الاقتصاد والإنتاج التي سادت لفترة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي قبل تشكل العلاقات والتوازنات العالمية الجديدة. وهكذا برزت الأصوليات المتعصبة، والتي اندفع كثير منها إلى العنف بسبب عجزه عن مواجهة سيل التغييرات الكبير الذي حل به دون أن يستطيع وقفه. وظهر الإرهاب على نطاق واسع من هنا. الثورة الماركسية تهاجم هذا المنطق الانكفائي، الانتحاري بالضرورة. وتسعى بكل علمية إلى الوصول إلى آلية تستطيع ضمان العدالة الاجتماعية، وإنسانية الإنسان. إنها تدرك أن المجتمع يستجيب مرحليا لطرح الفكرالانكفائي الأصولي. ولكنها تدرك أن هذه الاستجابة يجب أن تستبدل بأخرى أكثر علمية وانفتاحا وإيجابية. وتحمل الماركسية على عاتقها تقديم البديل، مهما طال انتظاره. وتأتي مشروعية هذا البديل من أنه يحمل الأمل للمضطهدين والمهمشين في عموم دول العالم الثالث، في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
إنها كذلك ثورة على الهيمنة الرأسمالية العالمية المتعاظمة، وتوابعها المحليون. تلك الهيمنة التي تسحق المليارات من البشر، حتى في أمريكا وأوروبا. هذه الهيمنة تتمثل في الذراع الأمريكية بشكل رئيس، وفي أوروبا الصناعية كذلك. إنها تقود العالم إلى وضع أكثر قسوة، رغم اختلاف التكتيك بين النهج الأمريكي المستعجل والعنيف، والنهج الأوروبي الدبلوماسي، ولكن الراغب في مزيد من الهيمنة الاقتصادية. إن الماركسية تسعى إلى اكتشاف آليات حقيقية لمواجهة هذا التحدي العالمي الجارف. وقد تكون بذور هذه المواجهة بدأت مع تنامي تيارات مناهضة العولمة، والتي ينقصها إلى الآن القدرة على طرح بديل حقيقي.
ولكن لماذا هذه الثورة حتمية؟
أولا: كثير من التيارات الماركسية الحالية عاجزة عن مواجهة ما يجري، وقد فقدت مساحاتها الجماهيرية لصالح تيارات يمينية متشددة. إنها ما عادت قادرة على مخاطبة الواقع، بل إن بعضها انزلق إلى منحدر أصولية شيوعية، رغم كل الادعاءات بالمراجعة والتطوير. والدليل على ذلك هو تراجع شعبيتها لصالح تيارات يسارية إصلاحية، بل وحتى فقدان جماهيرها التقليدية لصالح اليمين.
ثانيا: بعد ما يزيد على عقدين من الزمن لم يفلح اليمين في تقديم البديل الحقيقي. ولم يثبت قدرته على مواجهة التحديات، مما أدى إلى انجرار قطاعات كبيرة منه إلى العنف والإرهاب. والإرهاب يمثل مرحلة اليأس في عمر أي تيار يسعى إلى التغيير.
ثالثا: إفلاس الرأسمالية العالمية إنسانيا، وسقوط مشروعية الأنظمة التابعة لها في العالم الثالث أمام شعوبها. فبعد البريق الكبير والآمال العريضة التي روج لها منظروا العولمة لم يجد فقراء العالم الثالث إلا السراب، وتراجع الدور الاجتماعي الذي تقوم به الدولة، ووجد معظم البشر أنفسهم بلا أمل.
ولماذا هذه الثورة ماركسية؟
لأنها تقدم الأمل المبني على العلم. إنها منهج علمي للتحليل الاجتماعي يقود إلى السعي لتغيير الواقع الاجتماعي، والثورة عليه. إن الرأسمالية تعامل العلم على أنه التقنية فقط. وهكذا فإنها تختصره إلى جزئيات وتخصصات دقيقة غير مترابطة تضيع النظرة الشمولية. بينما تبقى الماركسية هي الأقدر على فهم مجمل الصورة، وربط الجزئيات لفهم الكل.
ولكن حتمية هذه الثورة لا تعني الانتظار إلى حين حدوثها. إنها تعني تكثيف جهود كل الماركسيين الحقيقيين الذين يفهمون الماركسية كمنهج، وليس كمجموعة نتائج جاهزة معلبة، ذات مدة صلاحية غير منتهية. تلك الثورة بحاجة إلى المزيد من العمل والمراجعة. ومستقبل العالم رهن بهذه الثورة، وبالجهد المبذول في سبيلها. فمن يعمل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا