الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوطان للنحل لا للأرانب!!

سعد تركي

2011 / 8 / 24
المجتمع المدني


ذُهل مزارع صيني، بعد هجوم لثلاثة كلاب على حقل لتربية الأرانب، من نفوق أكثر من 600 أرنب لم يكن يبدو عليها أي أثر لجرح أو حتى مجرد خدش بسيط.. وذُهل أيضاً بعد أن أخبره مختصون أن سبب نفوقها هو الرعب الشديد الذي أحدثه هذا الهجوم إذ شلّها الخوف، وأربك تدفقُ الأدرينالين قدرةَ أدمغتها على تنظيم الإيعازات إلى أعضاء أجسامها بما أدّى إلى توقف قلوبها!!
ذكّرني ما قرأتُه عن هذا الخبر وما رأيتُه من صور لمئات الجثث، التي لم يجندلها مخلب ولم ينهش لحومها الطريّة ناب، بما شاهدتُه قبل فترة من قدرة النحلة الضئيلة الحجم والرقيقة المظهر على التصدي لعدوان حشرات أكبر وأضخم حجماً مجهزة للقتل.
النحلُ، كما يعرف الكثيرون، مَثَلُه كبعض ممالك حشرات أخرى، يعيش ويفنى في سبيل المجموع، والتهديد الذي يشعر به هو الخطر الذي قد يواجه أفراد المملكة جميعاً.. الهمُّ والخطر ليس فرديّاً بالنسبة لأي نحلة، فهي تدافع، حتى الموت، عن مملكة من دونها ليس لأي نحلة حياة، في حين أن الأرانب ـ كأنموذج لبعض الحيوانات والبشر ـ ليس الموت أكثر من مشكلةٍ وهمٍّ فرديّ محض.
النحلة ـ إذ يداهم مملكتَها خطرٌ ما ـ لا تفكّر (وهي الحشرة الرقيقة التي لا تُحسن التعامل إلاّ مع الزهور، ولا تنتج إلا أطيب شراب) إن الخطر أكبر منها حجماً وأكثر عدّة وعتاداً. ومع خشيتها وخوفها على حياتها إلاّ أن مصير المملكة أكبر بكثير منها بما لا يعطيها فرصة للخيار بين غريزة البقاء المغروسة في كلّ كائن حي، وبين تقديم الروح دفاعاً عن المملكة / الوطن.
الأرنب، بوصفه حيواناً أليفاً داجناً، يستمرّ بقضم جزرة منحتها له يد ناعمة ستسلبه حياتَه غداً.. يستمرّ بالقضم في الوقت الذي تكون اليد التي ربّتتْ على فرائه الحريري قد غيّبت أُخوته وأشقاءه وزوجه وجراءه.. الأرنبُ منشغلٌ فقط بطعامه وشرابه وفرص طمأنة شهوته وأمنه الشخصي، وما عداها لا يشكل همّاً واهتماماً. وما نفوق هذا العدد الهائل من أرانب هذا الصيني التعس إلا لأنها ـ جميعاً ـ لم تفكر بان الكلاب خطر يتهدّد الجماعة بأكملها، بل تركز الخطر في فكر كلّ أرنب أن الكلاب الثلاثة تستهدفه شخصيّاً فقط وليس الجميع، فلم ينجُ أحدٌ!!
غالباً، توصف أمم وشعوب بأنها حيّة، ليس لأنها قادرة على العيش فقط في أحلك الظروف والمصاعب والمحن، إنما لأنها توقن أن لا توجد أو تُحترم وتُصان الحقوق إلا ضمن دائرة المصلحة العامّة. أما الشعوب الميتة فتضيع حقوقها وتُستلب كرامتها, لأن كلّ فرد فيها يظن أن حياته أثمن وأهم من الوطن والكرامة وحياة الآخرين.
الشعوب الحيّة لا تختزل مستقبلها في فرد على حساب بقية الأفراد، ولكنها تُحمّل كلَّ واحد مسؤولية العمل من أجل مستقبل أفضل وأكثر حضوراً وعزّة.. إنها شعوب لا تتفاخر بالماضي ولا تجترّ إنجازات الرواد الأوائل فتسيء لماضيها ومستقبلها بوقوفها ـ حاضراً ـ على خط الأحداث جامدة بجمود روحها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة رائعة
هادي حسن ( 2011 / 9 / 29 - 18:40 )
مقالة أكثر من رائعة قرأتها حين نشرتها وأعيد قرائتها اليوم لشدة إعجابي بها لقد وضعت إصبعك على الجرح . نعم أرانب وإلا لما دار و جرى كل ما جرى .السؤال كيف يمكن أن يتحولون نحلاً ومتى؟


2 - نحن تأمل
سعد تركي ( 2011 / 10 / 2 - 07:27 )
برغم ظلمة ما نعيش واقعاً إلا أننا نأمل ونحلم بحال أفضل للوطن.. حال رسمناه في خيالاتنا وأحلامنا.. أما متى وكيف فالاجابة صعبة جداً إذا علمنا أن الارانب ـ علمياً ـ لا يمكن أن تتحول إلى نحل!! المراهنة ستبقى على الخيرين والطيبين والمخلصين من أبناء الوطن.. شكراً أستاذ هادي لاطرائك.

اخر الافلام

.. الأمن العام اللبناني يشدد تطبيق القوانين على اللاجئين السوري


.. اعتقالات تضم الناشطة في المناخ غريتا ثونبرغ بمظاهرة تضامنية




.. بعد اعتقال سنية الدهماني، محامو تونس في إضراب


.. جدل في بلجيكا بعد الاستعانة بعناصر فرونتكس لمطاردة المهاجرين




.. أين سيكون ملاذ الأعداد الكبيرة من اللاجئين في رفح؟