الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات الدسترة والاستقلال الثاني

ماجد الشيخ

2011 / 8 / 29
المجتمع المدني


وتمضي ثورات الربيع العربي، بكل ما تحمله من زخم الرؤى الحاملة لعناصر التغيير والتحول؛ من حال الاستبداد إلى حال من التحرر، يُفترض أن يكون كاملا؛ ليس فقط من الاستبداد الداخلي، ولكن من كل مكبلات الارتباط؛ ارتباط النظام أو الأنظمة السياسية الحاكمة بخوارج إقليمية ودولية، فرضت العلاقات معها دورة من تبعية شبه كاملة، انحطت معها قوى الدواخل الوطنية – السلطوية خصوصا – إلى اتجاهات لا وطنية.

وثورات الربيع العربي التي استطاعت أن تنتقل بعدواها إلى مواقع ليست متشابهة، أو متماثلة، وبالتالي قابلة وناضجة لإحداث تحولات مشابهة للتحولات التي جرت وتجري في بلادنا، مثال ما جرى في بريطانيا وفي إسرائيل، وقبلها في باريس ومؤخرا في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، مرورا بما جرى في النرويج من طفرة في تفجير نار الحقد والعنصرية. كل هذا لم يكن ناتج الصدفة، بقدر ما كان ناتج تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وكنتاج لتحوّل شبه تاريخي فرضته وتفرضه أنماط العولمة الراهنة؛ الشاملة، وما ولدته من تطورات تقنية غير مسبوقة، في ظل أزمة عالمية ليست مسبوقة هي الأخرى، وإن تكن نتاجا لتغوّل رأسمالي تقوده أنظمة إمبريالية عبر إصرارها على استبعاد تعميم الخسائر، التي كانت هي السبب الرئيس في استحداثه، وخصخصة الأرباح التي قادت إليها بعض الحلول التي جرى اللجوء إليها في الفترة الأولى لبدء الأزمة في خريف العام 2008.

والآن وبعد ما يقارب السنوات الثلاثة من التأزم، وما ترتب عليه من تداعيات، ما زالت جذور الأزمة هي ذاتها؛ تكمن في المأزق الرأسمالي ذاته الذي يتمركز في مسألة استبعاد أيّ دور للدولة، وترك الحبل على الغارب لقوى السوق أن تلعب وحيدة لعبتها الأنانية، في تحميل المجتمعات أعباء أخطائها وخطاياها التي ذهبت وتذهب حدود النهايات القصوى، لتوزيع خسائر ما ارتكبت هي، واستحواذها على كل ما يمكن من أرباح المضاربات في الاقتصاد الافتراضي، الذي لم يحمل للمجتمعات والدول سوى بشائر تحميلها وتدفيعها أثمانا باهظة، مما لا ينبغي أن يستمر الحال وفق ما رأينا وخبرنا من تحكم القلة التي كانت الأزمة نتاج عملها، وهي التي ضاربت وقامرت باقتصاداتها الوطنية، حتى وصل بها وبنا الحال إلى ما وصلت وتصل إليه؛ أزمة ليس لها أي شبيه بالمطلق حتى الآن.

كذلك نحن في مواجهة ثورات ليس لها شبيه، أو أشباه يمكن القياس عليها أو اتباعها كثورات معيارية نمطية، وبغض النظر عن كمالها أو وجود نواقص فيها، ففي كل ثورة مجموعة من أبعاد مختلفة، تتعدد ولا يمكن لها التواجد في منطقة البعد الواحد، وهي في هذا المعنى ليست أحادية، أو ثورة واحدية تقوم على عاتق نخبة أحادية لها مطالب أو أهداف نرجسية، محدودة ومحددة، قدر ما تؤكد على روح الشعب بأمانيه وتطلعاته المستقبلية، خروجا وتمردا على ماض قروسطي قريب وبعيد، جرى تجميده عبر التاريخ وعلى الضد من إرادته، وخروجا على حاضر أكثر جمودا، أرادته أنظمة استبداد سلطوية وطغيانية "نهاية للتاريخ" بالمعنى الذي ذهب إليه هانتغتون في صيغة موقفه الأول الذي نظّر من خلاله إلى تجربة انهيار الاتحاد السوفييتي، قبل أن يتراجع موضحا موقفه حتى من أدلجة الديمقراطية الغربية، واستمرار الصراع كفاعل تاريخي بين أيديولوجيات وأفكار ورؤى تفعل فعلها في التاريخ، ولا تنهيه أو تنتهي معه كمفهوم لا نهائي.

هكذا ذهبت العولمة بكل ما نشرته من أدوات وما امتلكته من إمكانات وطاقات، في اتجاه إحداث ثورات نظرية أدواتها متعددة ومتنوعة، ما أفرز إمكانات وطاقات إنسانية شبابية أكثر تنوعا وتعددا، وأكثر شمولا لجهة فاعليها من شعب أو شعوب أكثر توقا واحتياجا للتغيير وللحرية وللديمقراطية، وللكرامة، لإرساء آليات وقواعد ناظمة دستورية، جرى تغييبها طويلا، وأطول مما كان يُتوقع في أعقاب "الانسحاب الاستعماري" وفي ظل أنظمة ما بعد الاستقلال، تلك التي مضت في ابتناء هيمنة لها؛ ما انفكت تواصلها على الضد من كل تطورات حصلت وتحصل على مسرح العالم المعاصر.

وإذا كان "الاستقلال الأول" قد انطوى على تجربة من استقلالات شكلية، قادت فيها الأنظمة الحاكمة دولها وشعوبها ومجتمعاتها نحو أشكال مختلفة من التبعية للخارج، وخيانة المصالح والتطلعات الوطنية لشعوبها، واستيلائها واستباحتها للدولة، في ما يشبه احتلالها، فإن الأمل والرجاء ألا تنقضي فترات "الاستقلال الثاني" التي تعد بها ثورات الربيع العربي، في اتجاه انتكاسها أو نكوصها نحو تكرار واجترار تجربة تبعية أجهضت "الاستقلال الأول"، وأنهت بناء الدولة حين جرى اغتصابها واستباحة مجتمعها لمصلحة سلطة شرهة متلهفة لامتلاك سلطة غلبة وإكراه، تحت مسميات كثيرة لم تختلف في مآلاتها عن تحويل السلطة إلى بديل للدولة، ومجتمع السلطة إلى بديل للمجتمع الوطني، وزبائنيي السلطة وبلطجييها وشبيحتها كـ "شعب مختار" بديلا للشعب. .

بذا تؤكد الحراكات الشعبية الراهنة، بما هي شكل من أشكال الثورة الربيعية العربية، أنها حراكات دستورية بامتياز، بمعنى أنها إلى جانب المطالب والأهداف التي تدعو إليها، تقف مسألة المطالبة بدستور جديد، أو تحويل السلطة إلى سلطة دستورية، كما في الممالك العربية، في مقدمة ما تريد الحراكات الشعبية تحقيقه، فالدستور أبو القوانين، وعليه يجري التعويل أن يكون قائدا لمسيرة التحول والتغيير التاريخي على دروب "الاستقلال الثاني"، انتقالا من ضفة النظم الاستبدادية إلى ضفاف النظم التي تحاول تلمس طريقها نحو الديمقراطية، وقبلا إيجاد روابط جدلية وضرورية بين الحقوق والواجبات التي ينظمها ذاك العقد أو العقود التي تمتلك قوة القانون، وتجدده الدائم في ضوء احتياجات وضرورات التحاكم والتقاضي التي يجب أن تربط بين الحاكم والمحكوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة