الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسرار الكتابة

باسم عبدو

2011 / 8 / 31
المجتمع المدني


كثيرون حينما تسألهم لماذا لا تكتبون وتعبّرون عن موقفكم في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد؟ يجيبون بكلمات مترهلة، وبفم مائل وشفاه مقلوبة، ثم تنتفخ وجوههم وتحمرُّ عيونهم، ويقولون ببرودة أعصاب إن حرارة الموقف وقيظ تموز غير ملائمين للكتابة، فالكتابة لها طقوسها. وبعضهم يردد كما يفعل بعض الكتاب الكبار (لقد جفت أقلامنا وهرمت أفكارنا، ولم نعد نجد الصحف التي تتحمَّل أثقال الكلمات). وهناك من يقول ما الجدوى من الكتابة، أو لم يعد هناك من يقرأ.. إلى آخر التبريرات. ويفضّل هؤلاء الجلوس في البيت ومراقبة الفضائيات وكشف أهدافها وسمومها، مع شرب (المتّة)، فهو الأكثر جدوى في هذا الزمن المكهرب بالأكاذيب.
أما أسرار الكتابة فيزيد عددها على عدد الأسنان والأضراس، ومنها على سبيل المثال، أن أحدهم لا يستطيع الكتابة إلاَّ بين أكوام الصحف والكتب المرصوفة على مكتبه. وآخر لا يكتب إلاَّ إذا حلق ذقنه وتعطَّر، وارتدى بذلة وربطة عنق مع (ركوة قهوة) سادة. ومن الأسرار الأخرى الاستماع إلى الموسيقا الكلاسيكية التي تشحن بطارية الذاكرة، وآخرون يحبذون الاستماع إلى أغاني جورج وسوف. وقال أحدهم إن صوته الأجش يبعث الثورة في ذاكرتي المحطّمة، التي سرعان ما تتجمع أجزاؤها المتناثرة، مثل حروف الكلمات فأرتّبها من جديد. وأشعر أن نبعاً فوَّاراً يتدفق من جبل الروح، ثمَّ يتحول إلى سيل جارف من الأفكار..عندئذ أمتلئ بالسعادة وأرشف ما بقي في فنجان القهوة رشفة أخيرة باردة، وأستلقي بارتياح وأتنفّس وأنا مطمئن على مستقبلي، فمقالتي ستنشر في الغد أو بعده في أكثر الصحف انتشاراً. ويتابع باسترسال ونفحات تشاؤم تحطّم آخر دفعة تفاؤلية. وتثلَّجت أعصابي وهو يشحنني بنرجسيته ويقول، إنَّ مقالته الميمونة تأجل نشرها، فاضطر إلى نقلها بالبريد السريع إلى صحيفة أخرى ، ثم إلى ثالثة.. ونامت هناك إلى الأبد!
ومن الطبيعي أن تكون في حياة كل كاتب وأديب طقوس للكتابة..وللكتابة سرّ عميق، بل هناك أسرار تتشكل نُطفها وتنمو في اللاشعور، وتتجسد في خياله، دون مشورة الذاكرة.
وفي أحايين أخرى تخرج الأسرار من رحم الذاكرة قسراً، ويمكن أن يولد السرّ معوقاً، فيحتاج حينئذ إلى رعاية واهتمام وعلاج يتطلّب تبديل الفواصل والنقاط، والكثير من الجمل الهرمة التي اقتحمها الشيب.
هناك من يتلذذ بالكتابة عند غروب الشمس، وهي تسقط في البحر مع أحلامها، أو قبل بزوغها، وفي الليل يشارك قلمه السكون.. للكتابة طقوس وأسرار دوَّنها عديد من الكتاب في يومياتهم ومذكراتهم ورسائلهم وكشفوا الأغطية عنها، فهي في الحقيقة تتحول إلى عادة من كثرة تكرارها، وتصبح جزءاً من السلوك.
أتساءل أحياناً في نفسي كيف يستطيع بعض الكتاب كتابة قصة أو مقالة في المقهى؟
إن المقهى أكثر الأمكنة صخباً وضجيجاً( طقطقة النرد وقرقرة النراجيل). أتصور أن الضجيج هو العامل الأول الذي يحفّز الكاتب ويحثّه على الكتابة والإبداع، ومن دون هذه الأجواء لا يكون الكاتب قادراً، على تفعيل الذاكرة في أجواء هادئة ونظيفة وغير ملوَّثة..!
تتعدد أنماط الكتابة.. وتتعدد أسرارها ووجوهها المرئية والخفية.. وعندما سألت أحد النقاد لماذا تحبس نفسك في مكتبك وتغلق النوافذ والباب؟ أجاب والابتسامة تتحرر من القيود أريد أن أحجر على ذاكرتي، وأطلق الحرية لهواجسي في هذا الفضاء الضيق، فهو الذي يحرّرني من سيطرة الخارج..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غوتيريش يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإخلاء سبيل جم


.. اعتقال محامية تونسية بارزة بعد تصريحات وصفت بـ-المهينة- لبلا




.. واصف عريقات: يوم 7 أكتوبر ضربت ركائز الكيان الصهيوني الثلاث


.. شهادة لأحد النازحين في غزة: -أخي ترك منزله واستهدفته الطائرا




.. عائلات الأسرى الإسرائيليين: حكومة نتنياهو تخلت عن الأسرى وتر