الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألإسلام بحاجة إلى ثورة جنسية - الحلقة الثالثة والأخيرة

موريس صليبا

2011 / 8 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا تطالب "سايران أتاش" بثورة جنسية في الإسلام


صدر في برلين كتاب للكاتبة والمحامية التركية "سايران أتاش" عن دار "أولشتاين" بعنوان "الإسلام يحتاج إلى ثورة جنسية"
Seyran ATES : Der Islam braucht eine sexuelle Revolution.
عرف هذا الكتاب رواجا كبيرا في معرض فرانكفورت الأخير للكتاب. وحتى الآن لم يتجرأ بعد أي ناشر عربي على إصداره بالعربية، مع العلم أن أهل الضاد والمسلمين هم بأمس الحاجة إلى التعرف إلى مضمونه نظرا إلى علاقتهم المباشرة بالموضوع. في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة نتابع عرض الأسباب التي دفعت بهذه المحامية التركية الأصل والمقيمة في برلين إلى وضع هذا الكتاب والمطالبة بثورة جنسية في الإسلام.

الحياة الجنسية تحتاج إلى حريّة
غداة بلوغها سنّ الثامنة عشرة غادرت "سايران أتاش" المنزل العائلي، ليس فقط هربا من القمع العائلي بل أيضا كي تتمكن من عيش حياتها الاجتماعية والإنسانية والعاطفية بحرية. لم يكن هدفها أن تحظى كل يوم بشريك حياة، بل كانت عاشقة وتتمنّى التعبير بشكل طبيعي عن هذا الحبّ. لم تعش هوسا جنسيّا على الإطلاق، بل كانت تطمح إلى العيش بحرية والتفكير بحرية والتعبير عن مشاعرها الإنسانية بحرية دون خجل أو خوف. وهنا كانت بداية الرحلة في ثورتها الجنسيّة الهادئة.
تعترف "سايران أتاش" بأن صديقها الأول كان شابا المانيّا واقعيّا مرهف الشعور وذا خبرة في الحياة. تعلّمت منه أن الحياة لا ترتكز فقط على الجنس والعلاقات الجنسية الهوس الجنسي. عاشت معه في عدة مساكن جماعية للشباب والبنات، وقد ساعدها هذا الأمر كثيرا على التحرّر شيئا فشيئا من خجلها وخوفها كما تخطّت كل العقد الوهمية التي ورثتها من بيئتها الأصلية. تذكر في كتابها أنها كانت مرة مستلقاة في مغطس الحمّام، وإذ بزميل لها يدخل إلى الحمّام ليقضي حاجته. فاعتذر منها قائلا: "هل تسمحين؟ أنا محشور جدّا ولا أستطيع انتظار خروجك من الحمّام!" فأجابته: "لا بأس، إقض حاجتك!" وعندما انتهى غادر الحمام قائلا لها بكل احترام : "أتمنّى لك إنشراحا كاملا في المغطس!" خرج دون أن يلقي أية نظرة على جسدها، لأنه اعتبر وضعها في تلك الحالة أمرا طبيعيا. هنا تعبّر "سايران أتاش" عن عنفوانها وشعورها العميق بقوة الثقة بالنفس فتقول: "في تلك اللحظة بالذات، أصبح الأمر أيضا عاديا بالنسبة لي، أدركت أنني إنسانة أستحق الإحترام، إذ اعتراني شعور رائع بالحريّة وأدركت كإمرأة مدى قيمة هذه الحرية في حياتي وفي تكوين شخصيتي."
هذا الإختبار الشخصي في بيئتين مختلفتين ثقافيا واجتماعيا وفّر لهذه الكاتبة اقتناعا أكيدا بأن موضوع الجنس يعكس الفجوة العميقة بين العالمين الإسلامي والغربي، كون هذه الفجوة ترتبط كثيرا بمظهر القوة وبفرضها بين الجنسين. في العالم الإسلامي يتميّز سلوك القوة ليس فقط في انعدام المساواة بين الجنسين بل أيضا وإلى حدّ بعيد باللجؤ إلى العنف أكثر بكثير مما هو الحال في الغرب. في العالم الإسلامي يُستخدم العنف كثيرا خاصة لكبت السلوك الجنسي عند النساء وفرض الزواج المبكر على الفتيات من شخص تختاره لهن العائلة، وكذلك للحفاظ على ما يسمّى بشرف الرجال، هذا الشرف الوهمي الذي لا يستطيع أحد تحديده لا علميا ولا موضوعيا.
إضافة إلى ذلك، صُدمت "سايران أتاش" بجانب من هذه السلوكيات، كما تأثرت من ردود الفعل المخزية في جانب آخر منها، خاصة بسبب الحالات التي واجهتها منذ البدء بإعداد هذا الكتاب، إذ إتّضح لها أنها اقتربت شيئا فشيئا من تشخيص النزاع المؤلم والمتستر الذي لا بدّ من تجاوزه إذا أردنا إحلال السلام والوئام بين المسلمين من جهة وغير المسلمين من جهة أخرى. علينا أن نتحدّث عن حريّة تقرير الفرد بشأن حياته الجنسيّة، وبالتالي الدفاع عن حق النساء والرجال في تنمية حياتهم الجنسية بحرية وبمعزل عن الدين.
كذلك إتّضح لها جليّا كيف توصّل مجتمع ما إلى إقامة ديموقراطية حقيقية بين الجنسين. فكما كتبت الباحثة الأميركية في أمور الجنس، "شار هايت" في أوخر السبعينات من القرن الماضي في مقدمة كتابها "هايت ريبورت عن حياة المرأة الجنسية" فقالت: "إن كيفية تعريفنا ل ، تعطينا صورة كاملة عن المجتمع. كما يعكس دور المرأة في الحياة الجنسية مكانتها في استقرار وسلامة المجتمع."
في فبراير / شباط 2005 قُتلت في المانيا الفتاة الكردية "هاتون سوروشو" (Hatun Sürücü) ثلاثة وعشرون عاما، من قبل إخوتها وتناولت وسائل الإعلام هذا الحدث بتأثير بالغ على صفحاتها الأولى. وقد أبرزت التحقيقات أنها قالت لأحد إخوتها خلال نقاش حادّ معه قبل يوم واحد فقط من اغتيالها: "أنا حرّة، ومن حقّي أن أحبّ وأضاجع من أشاء". على أثر هذه الحادثة وعند قراءة هذه الجملة بالذات اتخذت "سايران أتاش" قرارها وعزمت بقوة على وضع هذا الكتاب، لأنه ما زال هناك عدد من الرجال يُصدمون ويتهيّجون ويثورون بوحشية لا مثيل لهل عندما تتجرأ امرأة على التلفّظ بمثل هذا الكلام وتوجيهه إليهم.
كثيرات هنّ البنات والنساء المسلمات اللائي يتجرأن ويخاطبن هكذا آباءهنّ وإخوتهنّ وأمهاتهنّ وأقاربهنّ ويدفعن بالتالي حياتهن ثمنا لهذه الجرأة. لا يمكن تصوّر هذا الأمر في الغرب إطلاقا. حتّى وإن حصل فلا يثير أي ردّة فعل لدى سامعيه. قد يقابل فقط بصمت مبهم. أما السؤال الأساسي الذي يطرح هنا فهو : لماذا يخطر ببال إنسان أن يتفوّه ويعبّر هكذا عن مشاعره؟ في الواقع يعتبر هذا أمرا بديهيا في المجتمعات الصناعية الغربية. أما في العالم الإسلامي في المقابل فتأتي ردود الفعل الكثيرة على شكل تحذيراتقاسية أوتهديدات نارية، مثل: "إنتبهي إلى ما تقولين!" أو "هل أنت عيّانة؟ هذا كلام كافرة! أنت تستحقين نار جهنم! الويل ثم الويل لك!" فالتي تجرؤ على ذلك، عليها أن تخشى من وصفها بالكافرة والمعادية للإسلام، هذا إذا لم يُعتدى عليها وتتم تصفيتها جسديّا. والسبب في ذلك يعود إلى وجد اقتناع يحرّم على النساء إبراز حقّهن، وكذلك على الرجال، بالتعبير عن حبّ أحدهم للآخر وإقامة علاقات جنسية مع من يريدون.
أثناء إعدادها هذا الكتاب التقت "سايران أتاش" بمثقفين من أصول عربية وتركية وناقشت معهم موضوع بحثها. سألت مرة أحدهم عن إمكانية التعاون وتبادل الأفكار للعمل معا في سبيل "ثورة جنسيّة في الإسلام"، فأجابها في البداية قائلا: "إذهبي يا عزيزتي واقبري نفسك! ألا تدركين أنك تلعبين بالنار!" ثم أوضح لها لاحقا بأنه بحكم موقعه لا يستطيع المشاركة ولا الإسهام كرجل في موضوع يتطرق إلى الجنس في الإسلام. وهكذا تمنّع الكثيرون من أمثاله ممن يعتبرون أنفسهم من كبار المثقفين في العالم العربي والإسلامي عن دعم "سايران أتاش" في بحثها وفي مطالبتها بثورة جنسية في الإسلام.
في إطار بحثها العلمي ومناقشاتها العديدة واختبارها الإنساني والاجتماعي في بيئتين ثقافيتين مختلفتين، كم من مرّة تساءلت هذه الكاتبة الجريئة: "لماذا يحقّ للنساء الغربيات التمتّع بحريتهن الجنسية كما يشأن، ولا يجوز ذلك للنساء المسلمات؟ و هل تتقيّد فعلا النساء المسلمات بهذا الحظر؟" وسرعان ما استدركت وتنبهت إلى ما تعرفه عن بيئتها وإلى ما تعانيه الكثيرات من بنات جنسها التي درست حالاتهن أو دافعت عنهن في المحاكم، فأجابت بالنفي القاطع. أما دليلها على ذلك فيبرز في انعكاسات تمردهنّ السرّي ولجوئهن إلى ممارسات مقيتة، كالعلاقات الجنسيّة الإستيّة أي خلافا للطبيعة، والإجهاض السرّي الذي يترك انعكاسات أليمة واللجؤ إلى العمليات الجراحية لإعادة تركيب ما يسمّى بغشاء "البكارة" الذي تستورده البلدان الإسلامية بكثافة من الصين والدول الأسيوية. أليست كل هذه الأمور مخزية ومؤلمة ومسيئة حتما لصحة الإنسان العقلية والجسدية ولسلامة المجتمع الذي يعيش فيه؟"
في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك لاحظت "ساريان أتاش" نشر كتب كثيرة عن الإسلام والتطرّق فيها إلى كل المواضيع المتعلقة بنشأة هذا الدين وتعاليمه وتطوره وعلاقته بالعنف والإرهاب، غير أنها لم تر كتابا واحدا يتطرّق إلى المشاكل الجنسية العديدة والمعقدة في الإسلام ويحلّل بصدق وموضوعية المآسي المنبثقة عنها في حياة الأفراد وفي السلوك الجماعي ويحاول الإجابة عنها بلغة تربوية علمية بعيدا عن كل الروايات والأساطير الموروثة. تأسفت كثيرا لإبقاء هذا الموضوع الأساسي في حياة الإنسان مغيبا أو محظورا لأن الكثيرين من المسلمين يعتقدون أن هذا الموضوع لا يستحق الإهتمام، إضافة إلى أن من يسمّون أنفسهم بعلماء الدين المسلمين وبالفقهاء الكبار يرددون باستمرار: "إن الإسلام هو أكثر احتراما وتسامحا مع قضايا الجنس مما هو الحال في المسيحية أو اليهودية."
لم تتحمّل "سايران أتاش" كل هذه المزاعم والأحكام المسبقة البعيدة عن الواقع وعن المنطق. بل أكّدت أن الإسلام يسمح بالعلاقات الجنسية فقط داخل مؤسسة الزواج، خاصة بالنسبة للنساء، ولكنه يحظر عليهن كل علاقة جنسية خارج الزواج ويردعها من خلال إجراءات قاسية ومكثّفة ومشينة. ولذا لا يمكنها اعتبار هذا الدين إطلاقا دينا متسامحا مع الحياة الجنسية بالنسبة للنساء رغم أن أحكامه فضفاضة للغاية بالنسبة لحرية الرجل وحقه المطلق بنكاح ما ملكت يمينه.
أجرت الكاتبة حوارات ومقابلات مع عدد لا بأس به من النساء والرجال المسلمين حول موضوع الحياة الحنسية والإسلام، ضمّت معظمها بشكل كامل أو ملخص في هذا الكتاب. غير أنها تعترف بأن حساسيّة الموضوع لم يسهل لها دائما عملية إيجاد محاورين بين المسلمين يتكلمون بحريّة‘ كما يفعل الغربيون، عن اختبارهم ومفهومهم للحياة الجنسية. فبعضهم خاف من نشر إسمه والتّعرف إليه، كما امتنع آخرون عن النقاش والحوار لقلّة الكفاءة والمعرفة السطحية أو الخاطئة بالموضوع. وكذلك برز الحذر بوضوح لدى العديد منهم خوفا من وصفهم بأعداء الإسلام. وهذا ما كان يدفع بهم إلى الكثير من التحفّظ. فرغم ملاحظتها واعترافها بوجود جانب من السلاسة والانفتاح لدى عدد محدود جدا بين محاوريها المسلمين، إلا أنها اكتشفت لدى العدد لأكبر منهم ظاهرة مرضية مكبّلة بالكبت المرير والإنغلاق على الذات تجسّدت في صعوبة التعبير لديهم عن المعانات الشخصية.
لقد اكتشفت فروقات جليّة بين مفاهيم وتطلّعات الذين تسنّى لها مقابلتهم ومحاورتهم، غير أن معظمهم أكدّ لها بأن العالم الإسلامي هو فعلا بحاجة ماسّة وسريعة إلى ثورة تربوية تعالج قبل كل شيء المشاكل الجنسية بعلمية وموضوعية لأنها الأساس الصحيح والسليم لكل ثورة تطمح إلى تصحيح المفاهيم الإجتماعية والسياسية والدينية. وهذا ما دفع "سايران أتاش" إلى التعبير عن اقتناعها العميق بان إنقاذ العالم الإسلامي متوقف على نجاح هذه الثورة الجنسية التي بدونها لن تعاد الى المرأة كرامتها ولن تؤمن لها حقوق متساوية مع الرجل. فبدون هذه الثورة لن يستطيع العالم الإسلامي أن يتاقلم ويتكيّف في مجتمع شامل ومنفتح وأن يقدم دينه كدين يستحق التقدير والاحترام وليس الاحتقار والازدراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هناك فرق كبير بين الحرية المطلقة والمنظمة
غازي الجبوري - كاتب واعلامي ( 2011 / 8 / 31 - 18:40 )
الاسلام هو دين الله الذي خلق البشر ذكر وانثى وجعل المتعة الجنسية وسيلة وليست غاية للتكاثر واحد عوامل تماسك الاسرة التي تعد اللبنة الاساسية لبناء المجتمع المنظم المتكون من شعوب وقبائل ليتعارفوا فمن يؤمن بالله عليه ان يقبل بتشريعاته واوامره ونواهيه والاسباب الموجبة لها والتي نعتقد انها تصب في مصلحة الانسان حزمة واحدة او يتركها حزمة واحدة مع قناعتنا بوجود الكثير من الاخطاء في التفسيرات للايات القرانية والروايات عن الرسول محمد صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم ...ولو اراد الله عزوجل غير ذلك لما خلق غشاء بكارة للانثى ولجعلها اسوة باناث الحيوانات لحكمة يريدها وهي حفظ النسل وان لايمسها رجل الا بعقد زواج صحيح يهدف الى تكوين اسرة تعيش طويلا ان لم يكن مدى الحياة وكان باستطاعته ان يضع جهازي التكاثر الذكري والانثوي في جسد واحد ولكن من سيعمل ويجلب القوت في فترات الحمل وتربية الرضيع لكنه حرم على اولياء الامور اكراه المراة على زواج من لاتحب وحدد عقوبات متساوية للزناة ولم يفرق بين رجل وامراة ولكن الاستخدام الغاشم من قبل الرجل لقوته جعله يبيح لنفسه مخالفة الدين دون عقاب فيما يطبقها بشكل قاسي على المراة


2 - كتاب يستحق الترجمه
د. علي عبدالحمزه / أستاذ جامعي العراق ( 2011 / 9 / 1 - 10:43 )
شكراً لموقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي على نشر هذا المقال الذي يمهد للدخول للكتاب .. وأسأل هل الكتاب كتب باللغه الألمانية أم الأنكليزية ؟ فأذا كان باللغة الأنكليزية أرجو إرسال نسخه منه لي كي أترجمه ومسألة دور النشر ستكون متوفرة ساعتها ... لكم مني خالص الحب والتقدير


3 - علينا الاستعانة
امل ( 2012 / 6 / 16 - 19:58 )
بنشيد الانشاد فهو ادرى بمواضيع السكس منا

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24