الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشقاء المقدس

عمر دخان

2011 / 9 / 2
المجتمع المدني


كُتب على المواطن العربي أن يعيش حياة كئيبة حزينة، حياة مليئة بالشقاء و العناء، و هي حياة تم إقناعه بأنها الأفضل له و لمصلحته، بحكم أن السعادة و الهناء ليستا سوى مفاسد لقلب المؤمن، و الذي لا يكون مؤمنا بمعنى الكلمة إلا عن طريق معاناته و عذابه، و يدخل تحت هذا تنازله عن حقوقه في حياة سعيدة، و عن حقوقه في أن يكون أفضل، و حقوقه في أن يحصل على المزيد و كل ذلك من باب "الحمد لله على كل حال" و لسنا بحاجة للمزيد، ففقرنا و شقائنا يغنينا!

المواطن العربي الذي ارتبط الفكر الديني في رأسه بالشقاء و الشعور الدائم بالذنب، بالإضافة إلى الحرمان و عمل اللاشيء سوى الدعاء و تمنى الأفضل، و ذلك من قبل أشخاص يسمون أنفسهم فقهاء دينيين و علماء، أشخاص يعيشون الحياة بكل ملذاتها و سرورها و من ثم يطلون على المواطن العربي من شرفاتهم الرخامية ليخبروه أن شعوره بالسعادة يعني أن الله لا يحبه، لأن من يحبه الله يبتليه، بل و يقنعونه أنه لو كان سعيدا في حياته فيجب أن يراجع نفسه، لأن ذلك يعني أنه يقوم "باستهلاك" حسناته في الدنيا و لن يبقى له شيء في الأخير و كأن الأمر يتعلق بكوبونات وجبات إن استهلكتها مرة انتهى مفعولها و يجب عليك الحصول على المزيد. طبعا لا ينسى أولئك العلماء أن يذكروه في نهاية الخطاب من على شُرف قصورهم الرخامية أن "لحوم العلماء مسمومة" و أن عليه الحذر من الحديث عنهم أو حتى سؤالهم سؤالا بريئا عن سر الثراء الذي يعيشونه بينما هم يُسَوِقون ثقافة الفقر و عذاب القبر للمواطن العربي البسيط.

أمثال أولئك الأشخاص أزالوا من الدين كافة معانيه الروحية الجميلة و التي تتضمن العيش بهناء مع بني الإنسان و إعمار الأرض، و أزالو من الحياة الآخره كافة مظاهرها الجمالية من جنان و نعيم و غيرها مما وُعِدَ به المؤمنون، و حولوا كلا من الدين و نظرته للحياة الآخره سلاحا لتدمير حياة الملايين من العامة، و إشعارهم بالذنب طوال حياتهم حتى و إن لم يذنبوا بشيء، فأصبح الضحك "للكفار" و اللعب "للكفار" و المرح "للكفار" و طلب العلم الحقيقي غير الشرعي "للكفار" و البحث العلمي من أجل تطور الإنسانية "للكفار" و حتى عيش الحياة الهنيئة الممتعة "للكفار" أيضا. بينما ينال المؤمن حظا وفيرا من الكآبة و المصائب و الابتلاءات لأنه الله يحبه، و ينال حظا وفيرا من الفقر لأن الغنى مفسده، و الجهل لأن العلم الغير ديني لا فائدة له، و من الحزن لأن الفرح مرتبط غالبا بالموبقات، و من الكآبة لأن السعادة تلهي عن ذكر الله!! و هم حريصون على تذكير المؤمن دائما أنه لا مكان له في دنيا "الكفار" هذه، و يجب عليه أن يسلم بذلك و لا يقاومه أو يسعى لتغييره، بل يجب عليه أن يُمضي حياته مجهزا لآخرة جعلوا من الجحيم و العذاب رمزا لها، و حتى و إن حاول أن يكون له مكان و تأثير في الدنيا فهو غالبا كإرهابي يتمنى دمار الحضارات الأخرى و زوال النعمة عنهم لمجرد أنهم لم يعيشوا نفس الكآبة التي اختار هو بنفسه أن يعيشها، أو على الأقل تم تغذية دماغه بها و تضليله ليقبل بها.

سياسيا، هناك أيضا على الساحة السياسية من الأشخاص الذين يلعبون على نفس الوتر و يستخدمون نفس الخطاب الترويعي المستخدم من بعض الذين يدعون كونهم علماء دين، فهم ينشرون أفكارا مدمرة على غرار: ما دمت مذنبا منذ مولدك كإنسان، و مادامت هناك فرصه كبيره جدا أن تمسك نار الجحيم مهما فعلت فلم لا تصوت على الحزب الديني الفلاني مما قد يكسبك بعض الأجر و يخفف عنك يوم الحساب، و هو أحد أبشع أشكال استغلال الدين لتحقيق أغراض سياسيه، و مع ذلك فهو يؤتي أكله و ترى العامة يعتقدون فعلا أن التصويت لحزب ديني يعني أنه قام بخدمة للدين أو نال أجرا عند الله فعلا، بينما هم لم يفعل شيئا سوى تغذية أحزاب طائفيه يحمل أصحابها أطماعا شخصيه و لا يهمهم من الدين السياسي سوى ما يملأ جيوبهم، و من ثم يتظاهرون – أي أصحاب تلك الأحزاب الدينية - بالبكاء خوفا من المسؤولية يوم ينجحون و يتم تقليدهم مناصبهم الجديدة، و هو ليس بكاء خوف من المسؤولية بل بكاء فرحة لوداع للفقر و أيامه. طبعا أمثال هؤلاء لا يهمهم عذاب القبر و أهوال جهنهم لأن يؤمنون يقينا بأنهم معصومون من كل الأهوال لأنهم فرسان "الدولة الإسلاميه" المستقبليه وفقا إعتقادهم الشخصي، على الرغم من أنهم يخدعون عباد الله و يتاجرون بعواطفهم بشكل يومي.

محزن جدا أن نرى ما فعله مثل هذا الفكر بالمجتمعات العربية و الإسلامية، و كيف حولها إلى مجتمعات عالة على الإنسانية بالمعنى الحرفي للكلمة، فهي مجتمعات تعيش فقط من أجل أن تموت، و تعتبر نفسها ضيفا على الحياة الدنيا، و كأنه ليس للضيف حق على الكوكب الذي يؤويه، و يتم غرس فكرة راسخه في العقل العربي مفادها أنه بمحاولتك أن تعيش حياة بشرية طبيعية فأنت تخاطر بأن تجرفك "الفتن" و "البلاوي" و تصبح إنسان منحلا و "صايعا"، و لذلك يجب عليك أن تحرص على أن تبقى حزينا و كئيبا لأن تلك هي علامات "المؤمن الصالح"، و كلما زادت حياتك كآبة و بؤسا، كلما كانت منزلتك أعلى في الأخرة، لأنه وفقا لفكرهم المنحرف، يجب أن تكون إنسانا مُدَمَرا تماما لكي تصبح مؤمنا حقيقيا، و هو ما قد يفسر الأمراض النفسية التي غالبا ما نراها في المتطرفين الدينيين الذين يعتقدون أن لا هدف لهم في هذه الحياة سوى نشر الكآبة و الدمار أينما حلوا، و كل هذا بسبب شيوخ دين-سياسيين أقنعوهم بأن الخير كل الخير هو في أن تعيش حياة مزريه و لا تفكر في الدنيا إطلاقا، و تجعل كل تفكيرك منصبا على الآخرة و كل الأهوال التي تنتظرك هناك، و تترك جمع الأموال و إكتنازها لأمثال أولئك العلماء المزيفيين و السياسيين المخادعين، و تجدهم دائما يتحدثون عن الأهوال بشكل مستمر و متكرر مع إغفال أي جزء يتعلق بأي نعيم في الآخرة، بل يقدمونها لك على أنها سلسلة متتالية من الأهوال تبدأ من اللحظة التي يلفظ فيها الإنسان أنفاسه. المفارقة العجيبة أنه حتى المؤمن – وفقا لمعاييرهم – لا يمكن له أن ينجوا منها إلا بشق الأنفس، أي أنه يمضى حياة دنوية كئيبة للغاية ليبدا حياة أخروية أكثر كآبة، حياة قد ينجوا فيها و قد لا ينجوا بفرص متساوية لكلا الفرضيتين، و هو تفكير مدمر لحياة الإنسان المؤمن أولا و قبل كل شيء، فهو إن عاش سيعيش حياة كئيبة في الدنيا يفكر في كل ما ينتظره بعد الموت من أهوال تم تضخيمها له بحيث غطت على أي حديث متعلق بجنة أو نعيم.

لسنا على الأرض لنقتل أو نُقتل فقط، و لسنا هنا لنعيش حياة سلبية كئيبة فقط لأن فلاناً أو علاناً قال لنا أن ذلك من أساسيات المؤمن الحقيقي، بل نحن هنا لنعيش حياة بشرية متوازنة أساسها السعادة و الرضا، و هما عنصران لا يأتيان دون عمل و علم، و أقصد هنا العلم الحقيقي و ليس العلوم الدينية فقط كما يعتقد بعض الجهلاء الذين يقترحون إلغاء كافة العلوم و إستبدالها بالعلم الديني فقط، و الذي لن يبني لنا طائره و لن يخترع لنا علاجا مهما تفلسف المهرطقون. المسلم هنا من أجل أن يكون جزءا من البشرية بكافة دياناتها، و هو ليس موجودا على هذه الأرض ليكون عبدا للآخرين أو سيدا لهم، بل هو أخ في الإنسانية لكافة بني الإنسان، و الذين يعبد كل منهم الله وفق معتقده الشخصي.

الحزن و الكآبة و الشعور الدائم بالذنب و الخطأ ليسوا أساس الدين الإسلامي أو أي دين آخر، بل إن نشر السعادة و إعمار الأرض و المساهمة في تقدم الإنسانية هي أسباب مقدسة لوجود الإنسان على الأرض، و العمل و العلم مقدسان في كافة الأديان و لا يجب أن نسمح لأي كان أن يزيلهما من حياتنا بدعوات ظلامية تريد أن تزيدنا تخلفا. المؤمن الثري قد يكون أفضل من المؤمن الفقير لأنه أطاع أوامر دينه و عمل من أجل أن يصل إلى ذلك الثراء، و المؤمن العالم المخترع هو أفضل بالتأكيد من المؤمن الجاهل و لو كثرت صلوات الأخير و عباداته، لأنه لا صلاة تعادل اختراع مصل طبي يداوي آلام ملايين البشر، و المؤمن الذي يعيش حياة سعيدة لن يكون أقل منزله من مؤمن اختار أن يعيش حياة كئيبة، بل سيكون المؤمن السعيد أفضل من المؤمن الكئيب، لأن السعادة غالبا ما تُنتج تصرفات حميدة، بينما يمكنك أن تتوقع كل شر من إنسان مُدَمَرٍ منهار، و هو يفسر مانراه من إنتشار الشرور و التخلف في المجتمعات العربية التي بنيت على الكآبة و محاربة السعادة و شيطنتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش




.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر


.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..




.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟