الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوب مُستَبِده

عمر دخان

2011 / 9 / 3
المجتمع المدني


لطالما آمنت بأن الدولة ماهي إلا انعكاس للشعب، و أن شعبا متحضرا لا يمكن له أن ينتج سوى دولة متحضرة، بينما لا يمكن لشعب متخلف سوى أن ينتج دولة متخلفة مهما كثرت المحاولات و التجارب، و هو ما قد يفسر ما نراه واقعا مُعَاشا في معظم الدول العربية اليوم، من حيث وجود أنظمة سياسية قمعية دكتاتورية تحكم شعوبا هي في حد ذاتها قمعية دكتاتورية حتى في معاملات أفرادها بين بعضهم البعض على المستوى اليومي، و هو نفس التفسير الذي يجعلني لا أستبشر خيرا لمستقبل الدول التي نجحت في إزالة رؤوس الأنظمة الدكتاتورية مثل تونس و مصر و ليبيا، إن هي لم تنجح في رفع مستوى الوعي لدي شعوبها و تغيير أخلاقها إلى الأفضل، قبل الحديث عن أي ديمقراطية أو مستقبل أفضل.

الواقع يقول أن الشعوب في تلك الدول لا يمكن لها أن تتغير بين عشية و ضحاها، و هي لازالت نفسها الشعوب التي بنت تلك الدكتاتوريات و ساعدتها على البقاء طوال كل تلك المدة، و هي نفس الشعوب التي لا تنتج شيئا و تستورد كل شيء، و لا يمكننا أن نلوم ذلك أيضا على الدكتاتوريات التي كانت قائمه، لأن الدكتاتورية لا تعيق الأفراد من تنميه أنفسهم على صعيد شخصي، فدكتاتورية مثل التي في الصين مثلا لم تعق الشعب الصيني من أن يكون شعبا عاملا مبتكرا، و شعبا لا تجد لمصطلحات مثل “الكسل” و “التواكل” أثرا في قاموسه، على الرغم من أنه يعيش تحت نظام دكتاتوري أشد قمعا من الأنظمة العربية.

بدون ثورة أخلاقية و علمية لا يوجد أي معنى للثورة السياسية، و لن تعدوا كونها مجرد فوضى ساهمت في نقل الحكم من يد دكتاتور إلى جماعة من الدكتاتوريين، لأن الشعب الذي لا يملك مستوى علميا و أخلاقيا عاليا لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن ينتج أفرادا أفضل من مبارك و بن علي و القذافي، و هي حقيقة يجب أن لا تغطيها فرحة التخلص من الأنظمة الاستبدادية السابقة، لأن تغيير النظام السياسي دون تغيير جوهر الشعب المولد لتلك الأنظمه لا يمكن له أن يأتي بأي نتائج إيجابيه، و لن يكون هناك جديد سوى استبدال دكتاتورية مسنه بدكتاتورية شابه.

لم تذهب الشعوب مع مبارك و بن علي و غيرهما، و هذا معناه أنها نفس الشعوب التي كانت تحت تلك الدكتاتوريات، شعوب تمجد التخلف و الظلم الاجتماعي و التحرش الجماعي و التطرف الديني و كل ما إلى ذلك من أشياء لا يمكننا أن نلصقها جميعا على النظام السياسي القمعي مهما بلغ عتيه، بل الملام الأول هو تلك الشعوب في حد ذاتها و التي لا يمكن لثورة سياسية مهما بلغ زخمها أن تمنحها التطور العلمي و الأخلاق الحميدة التي لم تملكها من قبل و لن تملكها لمجرد أنها أزالت حاكما دكتاتوريا، فالأمر ليس بتلك السهولة و ثورة سياسيه مثل التي حدثت في مصر أو تونس لن تزيل التخلف الأخلاقي و العلمي الذي ساهمت في صنعه تلك الشعوب بنفسها.

الخلل يكمن في طريقة تفكير الشعوب العربية، و لا يمكن أن نحصره في دكتاتور أو آخر، خاصه عندما يكون ذلك الدكتاتور انعكاسا لأفراد مجتمعه، فهم لصوص مثله، نصابون مثله، مستهترون مثله، ساديون و دمويون مثله، دكتاتوريون مثله، و مع ذلك يعارضون وجوده و يفرحون لذهابه، على الرغم من أنه لو كان أي منهم في مكانه لما كان أفضل منه إطلاقا. هذا هو الواقع الأليم، فهذه أفضل النماذج التي يمكن للعرب تقديمها سياسيا، و مالم نقم بعملية إصلاح كامله للقاعدة لا يمكن لنا أن نطالب القمه بأن تكون نموذجيه، و أي مُنَظر أو ناشط سياسي يريد فعلا الإصلاح يجب أن يعالج الأساس أولا، و يبدأ من معالجه المجتمع و تصرفاته و أخلاقياته على المستوى اليومي، و سنرى جميعا كيف أن كل إصلاح على مستوى القاعدة سيكون له انعكاس إيجابي على القمة ولو بعد حين، المهم أن يبدأ الإصلاح الاجتماعي و الأخلاقي قبل الحديث عن أي إصلاح سياسي.

ختاما، لا يمكن أن يكون مستقبل أي دولة من الدول التي نجحت في إزالة أنظمتها القمعية مشرقا أو إيجابيا دون أن يصاحب ذلك التغيير السياسي تغيير أخلاقي و ثورة علميه، لأنه بدون ذلك سيظهر العرب أنهم فعلا من هواة الحلول السهلة و إلقاء اللوم على الغير دائما، حيث بدل أن يصلحوا أنفسهم كأفراد، يلقون اللوم على النظام القمعي في كل شيء، و كأن النظام القمعي أجبرهم على ممارسة الكسل كوظيفه، و أجبرهم على معاملة الآخرين بسوء، و على عدم المحافظة على نظافة الشارع و أشياء أخرى يعتبرها العرب تفاهات فقط لأنهم أكسل من أن يقوموا بإيجاد حلول لها أو يلتزموا بتلك الحلول إن وجدت. إن الأفكار و المبادئ التي ينشأ عليها المواطن العربي هي التي بحاجة لأن يتم تغييرها، الأفكار التي تشجع الكسل و التواكل و تحارب العلم و العمل و تقمع الرأي الآخر و تعلم الإنسان العربي أن يكون آلة حقد و دمار، تلك هي الخطر الحقيقي، و بدون عملية استئصال و تطهير لها، كل مواطن عربي مؤهل لأن يكون قذافي أو مبارك أو بن علي جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لاشك في ذلك
نور الحرية ( 2011 / 9 / 3 - 11:16 )
نعم هذه هي الحقيقة التي لايريد كثير من مثقفينا الاعتراف بها وكل اناء بما فيه ينضح

اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: إزالة دمار الحرب في غزة يتطلب 14 سنة من العمل


.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة




.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج