الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الفيدرالي وتوزيع الصلاحيات

صاحب الربيعي

2011 / 9 / 3
المجتمع المدني


يمكن عدّ الدولة جهاز إداري متكامل بوحدات إدارية مختلفة المهام والتخصصات تناط إدارتها بكادر فني يعي مهامه التخصصية ويتمتع بصلاحيات اتخاذ القرار، ومع تعدد التخصصات الفنية داخل كل مؤسسة فإنها تحتاج إلى كادر فني ينجز مهامه ويمتتع بصلاحية غير مقيدة في اتخاذ القرار داخل وحدته الادارية.
لذلك يمكن القول إن المؤسسة الواحدة مجموعة إدارات مستقلة تتمتع بصلاحيات معينة لانجاز مهامها الفنية والإدارية بما يحقق هدف المؤسسة العام، فكلما كانت وحدات المؤسسة الفنية والادارية موزعة على مناطق جغرافية متباينة وبعيدة عن مركز القرار تطلب منحها صلاحيات أكبر في اتخاذ القرار المهني لتنجز مهامها على أكمل وجه شريطة إخضاعها إلى اشراف مركزي غير مباشر.
حين يكون القرار في جهاز الدولة الاداري والفني مركزياً على نحو مطلق تصبح صلاحيات وحداته الادارية ومؤسساته الفنية هامشية ومنزوعة القرار، وتحتاج موافقة المركز ما يعرقل انجاز مهامها خاصة في الأطراف البعيدة جغرافيا التي تفاقمة مشكلاتها بفعل نهج المركز البيروقراطي القابض على كل صلاحيات اتخاذ القرار.
يتطلب تقليل الاجراءات الروتينية في الجهاز الإداري الحكومي وتفعيل عمل مؤسساته، إعادة توزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف على نحو يقلل أعباء المركز ويمنح صلاحيات معينة للأطراف لإنجاز مهامها على نحو أمثل.
تعدّ الفيدرالية أحد آليات تقليل الأعباء عن المركز وتحميل مسؤوليتها إلى الأطراف ويرتبط نموذجها بحجم الصلاحيات على نحو لا يضعف ركائز الدولة الأساس ولا يخل بوحدتها الوطنية، توافقاً مع بنود الدستور الضامن للوحدة على نحو صريح وغير قابل للتأويل لقطع الطريق على أجندة الانفصال.
يقول (( ديودين لوكارد )) : " إن الفيدرالية تقر بوجود حكومات محلية تتمتع بصلاحيات محددة في إدارة شؤونها الخاصة بضمانات دستورية وفي إطار دولة واحدة ".
يهدف توزيع الصلاحيات بين المركز الأطراف بعدّه اجراءاً إدارياً إلى تقليل الاجراءات الروتينية للنهوض بالواقع الخدمي والانتاجي وليس إلى تفكيك الصلاحيات، فوحدة القرار تكمن في تحقيق الهدف المركزي على نحو مدورس ومخطط يشترك الجميع في تحقيقه وعلى قدر عال من المسؤولية لتعم الفائدة على الجميع.
بذلك فإن توزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف يهدف إلى توحيد الجهود وعدم تشتتها بالاجراءات الروتينية المعطلة للمهام ما يعزز وحدة القرار، ويجب أن لايفهم خطأً أنه تعدد في مصادر القرار لأن رسم سياسات الدولة العامة تعدّ بمثابة توحيد رغبات الأطراف في إطار هدف مركزي يسعى الجميع إلى تحقيقه. ومن ثم فإن النظام الفيدرالي ليس اتحاداً بين أطراف كانت مستقلة بأهدافها وصلاحياتها، وإنما إعادة توزيع صلاحيات المركز عليها وتوحيد الجهود لتحقيق الهدف المركزي.
يبين (( وليام كروسكي )) " أن الخوض في مناقشة تفاصيل النظام الفيدرالي الامريكي لم تكن تهدف إطلاقاً إلى نظام اتحادي وإنما إلى نظام وحدوي ".
بغض النظر عن تعدد نماذج الأنظمة الفيدرالية وتباين الصلاحيات بين المركز والأطراف، تعدّ توحيداً لجهود الأطراف مع المركز لتحقيق الهدف المنشود ليس لكونه قراراً سياسياً لاتحاد أطراف مستقلة في إطار نظام اتحادي لانجاز هدف موحد، وإنما توحيد إرادات سياسية مشتتة بإرادة سياسية واحدة في إطار نظام وحدوي يحتكم إلى الدستور في توزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف.
يعتقد (( دانيال ويستر )) " أن الدستور الأمريكي الذي جسد فكرة الفيدرالية لا يعدّها اتفاقاً بين ولايات وأقاليم على نحو اتحاد فيدرالي، وإنما سلطة حكومية عليا دائمة ومستقرة يمنحها الدستور صلاحيات تفوق صلاحيات سلطات الولايات والأقاليم وتلتزم بقرارات المحكمة الدستورية العليا في تفسير بنود الدستور لتوزيع الصلاحيات ".
إن عدّ النظام الفيدرالي وتطبيقاته المتباينة في دول العالم على أنه الوصفة السحرية لحل المشكلات السياسية في الدول النامية، يماثل الوصفات السابقة في نسخ تجارب الدول الاشتراكية على نحو قوالب جاهزة وعدّها صالحة لمختلف دول العالم وشعوبها المتباينة الثقافة والوعي، ما عرضها إلى كوارث سياسية واقتصادية ما زالت تدفع ثمنها الباهض.
لذلك يجب التمييز بين الإجراءات الإدارية في توزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف لتوحيد الجهود المشتتة لتحقيق هدف الدولة المنشود وبين التوجهات المريبة التي تفسر الفيدرالية تبعاً لأجندتها الخاصة بعدّها خطوة نحو تقاسم مؤسسات الدولة لتحقيق أجندة الانفصال.
إن النظام الفيدرالي ليس طريقاً صحيحاً لتمرير فكرة الحق في تقرير المصير، وإنما تكريساً لوحدة المصير في اطار دولة موحدة لا يقر دستورها بالانفصال. السياسيون الجهلة يعدّون النظام الفيدرالي مخاتلة سياسية، لكسب الزمن وخداع المركز وابتزازه بالمال والصلاحيات لتحقيق هدفهم الانفصالي.
يتطلب تبني النظام الفيدرالي إدراك النخب السياسية لماهيته الأساس ووعي اجتماعي لمفرداته التطبيقية بعدّه نظاماً وحدوياً وليس انفصالياً وتوحيداً لجهود الأطراف لدعم المركز وتعزيزه وتوزيع الصلاحيات على نحو أمثل وليس ابتزازاً للمركز واضعافه، ولا نهباً للمال العام بعيداً عن الرقابة المركزية.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم