الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعة ... هذا وصف للداء فهل من دواء ؟

العربي عقون

2011 / 9 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


يزداد السقوط الحر تسارعا وإذا لم تتدارك المبادرات الحسنة الوضع فإنّ ما حدث للدينار سيحدث للرتبة العلمية الأكاديمية إن لم يكن قد حدث فعلا.
لقد بدأ مؤشر الانحدار في التسارع منذ أن جرى العمل بصيغة تحكّم الإداري في البيداغوجي – العلمي وأصبحت الإدارة الرقيب المستبدّ على سير العمل العلمي الذي لا يمكن أن ينطلق وأن يرقى في أجواء التسلّط والاستبداد والأدهى أن يكون الاستبداد من قبل المحدودين والأقل كفاءة من الذين استولوا بذهنية الزمر على الإدارة فاتخذوها أداة لخدمة مصالحهم الذاتية.
ما يحدث في الوسط الجامعي في الجزائر يتجاوز الخيال فبعد أن أفرغت العشريات السوداء والحمراء والصفراء البلد من نخبه بنسب كبيرة ومع التوسع في إنشاء مراكز جامعية وترقية بعضها إلى جامعات وجدت زمر المصالح الذاتية نفسها في مواقع القرار وهي أبعد ما تكون عن تلك المواقع التي تتطلب كفاءات علمية عالية تسندها كفاءات أخلاقية لأنه دون الكفاءة الأخلاقية لا يمكن لأي عمل أن يصل هدفه المنشود - كما صوّرته أسطورة بروميثيوس وزيوس الإغريقية - وفي هذه الحالة عوض أن يكون العمل العلمي البيداغوجي الرصين هو جوهر وصلب كل نشاط لتحقيق الأهداف التي أقيمت هذه المؤسسات لأجلها - وهي في الدرجة الأولى تخريج نخب تحوز الحد الأدنى على الأقل من الكفاءة التي تسمح لها بالاندماج في حركية التنمية الاجتماعية الاقتصادية – تحولت الدراسات العليا إلى مصدر آخر من مصادر الريوع التي لا تختلف عن أيّ مجال آخر من المجالات التي يعشش فيها الفساد.
تجتمع هذه الزمر وتعدّ المشروع وتنفذه مع حرصها الذي تعودت عليه وهو تهميش من هم خارج الزمرة، ويقع بعدها اقتسام الطلبة كما تقتسم الغنائم حتى تحوّل الإشراف إلى عمل إداري في أغلب الأحيان لا يتجاوز إمضاءات التسجيل وما يعقبها من تأشيرات ... ويذهب الطالب ليتيه في بحر موضوعه دون مرشد أو دليل ... وعليه فقط أن يأتي ببحث يتجاوز مئات الصفحات ...

من خلال تجربتنا ... وجدنا كوارث في حقّ البحث العلمي ...
o الأخطاء المنهجية الفادحة ...
o اللغة الركيكة التي لا ترقى إلى الحدّ الأدنى الذي ينبغي أن يحوز عليه طالب الماجستير والدكتوراه ...
o الافتقار إلى وسائل التحليل والمعالجة العلمية ... الخ
ولا نكاد نجد أيّ أثر للمشرف الذي هو في الواقع مدير البحث، وفي حال البحوث في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية كيف يمكن لمن لا يكاد يتحكم في اللغة العربية وهي لغته "الوحيدة" أن يشرف على بحوث مصادرها ومراجعها مكتوبة في لغات أخرى، لكن هذا لا يهمّ عند هؤلاء ... فالمهمّ هو الريع وهو التباهي أمام الذين يجهلون خفايا الأمور بقوائم الرسائل التي أشرف عليها هذا السيّد الريعي (Rentier) أو ذاك، لتتحول مناقشة (Soutenance) رسائل الماجستير والدكتوراه إلى شبه حفلات فلكلورية يغيب فيها التقييم الحقيقي للعمل، فهؤلاء يتعمدون إبعاد أيّ طرف يمكن أن يقيّم العمل التقييم العلمي الحقيقي لأن ذلك "سيطيح" بالعمل الذي لم يستوف شروط البحث العلمي فيفقد أولئك "الريعيون" ريوعهم.

يبلغ التواطؤ مداه عندما تتحول الوظيفة الإدارية بحكم امتلاكها لسلطة التنفيذ إلى أداة للحصول على الرتب العلمية واستقطاب الطلبة، ويتقاطع ذلك مع ظهور صنف من الطلبة لا يهمّه التكوين بقدر ما يهمّه الحصول على الشهادة ... وهذا النوع سيقع في شرّ اختياره لان السنين ستمر ليجد أنّ عمله لا يجلب له الاحترام فهل يعود إلى بذل جهد جديد لتنقيحه إن هبّت عليه صحوة ضمير أم يتجاهل الأمر وينضمّ إلى زمرة الريعيين البيروقراطيين.

أبعد هذا كله نتساءل عن تدهور المستوى الجامعي لدى الخريجين سنة بعد أخرى؟

لقد استلمنا بعد الاستقلال جامعة الجزائر وهي الجامعة الوحيدة ، لقد كانت محل افتخار خريجيها وكان يكفي أن تكون شهادة الخريج ممهورة بختم جامعة الجزائر ليجد المكانة والحظوة أينما حلّ أو ارتحل، ولكن بعد طوفان سنوات "التعاون التقني" والمعالجة الشعبوية لملفّ لغة التدريس و"الزج" بمريدي الزوايا في كليات العلوم الإنسانية، من أولئك الذين دافعوا عن "جهلهم اللغات الحية" بشعار أحسنوا استخدامه وهو "اللغات الحية لغات استعمار" ! ها نحن نجني "أشواك" مرحلة لم نحسن تسييرها بحكمة ويا حبذا لو اتعظ من بيدهم القرار فنحن البلد الوحيد الذي تتعايش فيها صيغتان للدكتوراه :

- دكتوراه الدولة وهي دكتوراه الطبقة المتنفذة التي يفترض أنها منتهية الصلاحية منذ 1990 على الأقل .
- دكتوراه العلوم التي نزِّل مستواها إلى مستوى الماجستير (نظام قديم) وهي دكتوراه غير المتنفذين الذين ينتظرهم التأهيل الجامعي ....

فهل يعقَل أن يكافأ المهمل والمتكاسل والفاشل الذي لم ينه بحثه على امتداد أكثر من 20 سنة ويجدد له التسجيل كل سنة وبمجرد المناقشة المصطنعة يصبح في درجة أستاذ محاضر –أ- آليا دون أن يثبت أيّ كفاءة سوى تلك المناقشة التي أصبحت محلّ تندّر المتندّرين في أغلب الأحيان.
ومع استمرار القلّة القليلة من الهيئة الجامعية الجديرة بهذا اللقب في الصراع مع هذا الطوفان من الرداءة الخانقة إلاّ أنّ هذه القلّة على وشك الانقراض، لتصبح الجامعة جامعة لكل شيء إلا العلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عيوب بالجملة
عبد القادر أنيس ( 2011 / 9 / 7 - 18:39 )
رأيي أن الكم هو الذي قضى على النوع. بدأ ذلك في الابتدائي حيث توجب توظيف من هب ودب للتعليم مع الاعتماد على التعاون الأجنبي ثم تواصل الضغط على الإكمالي والثانوي وتوجب مرة أخرى فتح الجامعات لحملة بكالوريا رديئة تمنح عن طريق الإنقاذ لمواجهة الطلب من جهة وبدعوى الجزأرة من جهة ثانية. وكانت هذه الجزأرة وما رافقها من تعريب متسرع نكبة حقيقية على التعليم. ثم تواصل الضغط ليطال الجامعة.
وعليه فعدم التحكم في النمو السكاني وممارسة شعبوية مقيتة تبيح لعديمي الكفاءة، باسم التملق للشعب، من بلوغ مراتب لا يستحقونها. وأخيرا كان للصراع بين المعربين والمفرنسين، وهو صراع بليد، لعب دورا كبيرا بل وإجراميا في انتشار الزبائنية في إعطاء الشهادات وفي انتشار الأصولية.
اليوم صرنا نرى جامعاتنا تقيم ملتقيات حول الإعجاز العلمي في القرآن. فهل بعد هذا الانحطاط انحطاط آخر.
تحياتي على جهدك النقدي الجاد


2 - اين الحل
الشهيد كسيلة ( 2011 / 9 / 8 - 08:05 )
هذا تشخبص دقيق ونزيه تشكر عليه يا استاذ ... لكن اين الحل
هل يعقل اسناد المسؤوليات في مجال البحث العلمي لاشخاص لم نقرا لهم كتابا واحدا
مثل المسمى بوشيشة المنتصب على راس مديرية البحث العلمي في الوزارة ... فما علاقة امثال هؤلاء بالبحث ... كنا نتمنى مثلا ان يتم اسناد المسؤوليات على اساس الانتاج العلمي والفكري ... وأين هي اللجان العلمية التي من المفروض ان تتولى تقييم الاعمال البحثية ... وهذه اللجان ينبغي ان تكون حسب التخصص وان تمنح لها مكافآت مقابل جهدها ... وأن تكون هي من يجيز مشاريع البحوث وليس الجهاز البيروقراطي على مستوى القسم والكلية ...

تحياتي


3 - ماذا بعد درجة دكتوراه في العلوم ؟
مها عيساوي ( 2012 / 7 / 24 - 11:39 )
أستاذي الكريم محق في تعريته لواقع الجامعة الجزائرية ، لكن السؤال الدي يطرح نفسه : كيف ستقيم جامعتنا حملة شهادات الماستير 2 و حاملي شهادات ( دكتوراه نظام (ل م د ، ، وكيف سيساوى أولئك الذين درسوا منذ سنوات قليلة بالدكاترة المحاضرين ممن درسنا نحن على أيديهم ؟
إنه وبمجرد أن يصل الطالب الباحث الآن إلى الماستير حتى ينظر إليك ويناديك باسمك ويقول : اهلا يا زميل ؟ أما زلت لم تنه دراستك إلى الآن ؟ لماذا تأخرت في مناقشة الدكتوراه ؟ آه إنها سهلة فلماذا طال بك المقام ؟ وغيرها من الأسئلة الاستفزازية ، وحدث ولا حرج عن تخصص التاريخ القديم فهم يهربون منه ويجاهرون بعدم قدرتهم على دراسة اللغات الوسيطة فكيف بالغات الميتة ؟ إن الوضع مخيف جدا ما لم تكن هناك حلول فعالة للحد من تفاقم فكرة - الدبلوم للجميع في قسم العلوم الإنسانية - .

اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال