الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثيوبيا وأزمة إقليم أوجادين .. هل ينجح إتفاق التسوية؟

صلاح خليل

2011 / 9 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



بعد صراع طويل استمر لمدة عشرين عاما وقعت الجبهة المتحدة لتحرير أوجادين إتفاقا مع الحكومة الإثيوبية يقضى بوقف إطلاق النار بين الجانبين ، فى29 من يوليو 2010، الأمر الذى يطرح العديد من التساؤلات حول خلفية الصراع فى إقليم أوجادين ومطالب أهل الإقليم، والعوامل التى دفعت الطرفين إلى عقد عقد هذا الاتفاق، وما هى تأثيرات هذا الصراع وتداعياته على النظام على النظام الاثيوبى.
خلفية الصراع
انفجرت أزمة إقليم أوجادين بعد أن قامت بريطانيا بتسليم أراضي الإقليم إلى أثيوبيا عقب الحرب العالمية الثانية، ليتحول الإقليم منذ ذلك الوقت إلى أحد بؤر الصراع التى خلفها الاستعمار الأجنبى بعد رحيله، تاركًا ورائه حدودا رسمها وفقا لمصالحه بعيدا عن إعتبارات الصراع التى تخلقها هذه التقسيمات، دون أدنى إعتبار لعوامل الجغرافيا والتاريخ والتوزيع الديمجرافى والتركيبة الإثنية والدينية والعرقية للسكان.
وقد كان واضحا أن هذه السياسات هدفت إلى تفتيت الهوية القومية الأساسية في القرن الأفريقي، وهي القومية الصومالية، لخلق بؤر صراع تقوض مقومات هذه الهوية. لذا كان منطقيا أن تندلع شرارة الثورة داخل الإقليم مبكرا حيث كانت حركة (نصر الله) عام 1959 تمهيداًَ لقيام الحركات التحريرية المسلحة فى اقليم الاوجادين .
وفى عام ١٩٦٠ بعد إعلان اندماج واستقلال الصومال البريطاني والإيطالي معا في ظل جمهورية الصومال، نص أول دستور للصومال على أن تعمل الجمهورية الوليدة على استعادة سيادتها ووحدتها عبر ضم باقي الأقاليم الأخرى، أي الصومال الفرنسي (دولة جيبوتى حاليا) ومنطقة الصومال الغربي (الاوجادين)، والإقليم الشمالي الشرقي لكينيا ((N.F.D، ونتيجة لذلك وقعت اشتباكات حدودية بين الصومال وكينيا وإن كانت متفرقة فى نفس العام، كما سارع الصومال إلى صدام مباشر وان كان محدودا مع إثيوبيا في ١٩٦١لاستعادة الإقليم الغربى. وأصبحت الدولة الإثيوبية مهددة ككيان موحد من جراء تحرك الصومال للمطالبة بمنطقتى هود وأوجادين من ناحية، والتحرك الأريترى في الشمال للمطالبة بحقهم في الاستقلال الوطني من ناحية ثانية، الأمر الذي أدى إلى انتشار هذه الروح بين قوميات وسلالات أخرى تحت السيطرة الأمهرية الحاكمة في إثيوبيا، وعلى اثر ذلك قامت إثيوبيا وكينيا بتوقيع معاهدة دفاع مشترك عام 1963م، كان الغرض منها التعاون ضد مطالبة الصومال بنزع الإقليم الشمالي الشرقي من كينيا والصومال الغربي من إثيوبيا، وقد وفرت هذه الظروف الإرهاصات الأولى لنشأة حركة تحرير أوجادين التى بدأها السلطان مختل طاهر عام 1963 م والتي استمدت الدعم من الحكومة الصومالية.
ولكن نتيجة للضغوط الدولية هدأ الموقف، لكن في بدايات عام ١٩٦٤ اشتعل قتال دام على الحدود الصومالية الإثيوبية، وأعلنت حركة التحرير الصومالية عن إعلان قيام حكومة مستقلة في إقليم أوجادين، وسرعان ما امتدت نيران القتال إلى أكثر من مكان على الحدود بين الدولتين، واشتعلت الجبهة الإثيوبية الصومالية بطول 900 ميل على الأقل بقتال شامل. وتدخلت منظمة الوحدة الإفريقية الوليدة لفض الاشتباك بين الجارين الإفريقيين، حيث استطاعت الوساطة الإفريقية الوصول إلى تسوية سلمية مرضية للطرفين بعد أن استمرت هذه المواجهات المسلحة الأولى بين الدولتين حتى عام 1967 .
بعد إستيلاء محمد سياد برى على الحكم عام 1969 نشط في تقديم الدعم المادي والعسكري للفصائل الصومالية المعارضة لاثيوبيا فى إقليم أوجادين، ثم نشبت الحرب الثانية بين الصومال واثيوبيا عامي 1977 و1978. حيث وصل الصومالييون إلى مناطق في العمق الإثيوبي مثل هرر وبالي، ولكنهم تراجعوا تحت الضغوط الأمريكية والدولية وتوقف الدعم السوفيتى، مما أشعر المؤسسة العسكرية الصومالية بالإهانة والحرمان من النصر المؤكد. ورغم توقف القتال بين الدولتين إلا أن النزاع المسلح عبر المليشيات المدعومة من الجانبين لم يتوقف، وقد تسبب قرار سياد بري إنهاء الحرب تحت الضغوط الأمريكية التى دعمت إثيوبيا بالمال والسلاح في ضياع المكتسبات التي أحرزها الجيش الصومالي والمقاومين الذين كانوا قاب قوسين من تحقيق حلمهم القومي باستعادة إقليم أوجادين، وتسببت الاضطرابات التي عمت البلاد إلى قيام م سياد برى بالاتفاق مع إثيوبيا على عدم المطالبة بحقوقها التاريخية فى الإقليم وكان ذلك مقدمة للانقلاب على بري وإنهاء نظام حكمه عام 1991.
أصبحت إثيوبيا أكبر المستفيدين من حالة غياب الدولة فى الصومال بعد سقوط حكومة سياد بري، حيث لم يعد أمامها خصم يمتلك جيشا منظما يطالب بحقوق تاريخية أويدعم الجماعات التى تسعى لهذا الغرض ، إلا ان هذا الوضع أدى فى النهاية إلى أن تعيد الحركات والجبهات الصومالية المسلحة فى اقليم اوجادين حساباتها من أجل ترتيب أوراقها من جديد، بعد فترة من الانشقاقات واعادة التنظيم والعودة بمسميات جديدة .
الجبهة المتحدة لتحرير أوجادين
نتيجة للمتغيرات الإقليمية التى أحاطت بالصراع داخل وخارج الإقليم انفصل ستة من قادة جبهة التحرير الصومال الغربي عن المنظمة وتشكلت الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين فى أغسطس 1984، ومرت بتحولات وتغيرات أثناء نظام مانجستو، وبصورة أكبر فى عهد حكم مليس زيناوى بعد عام 1991،حيث تم تسجيلها كحزب سياسى وشاركت فى انتخابات الفترة الانتقالية 1991-1994 وفازت بحوالى 84 % من مقاعد البرلمان فى اقليم الصومال وشكلت الجبهة مع جبهة التحرير الصومالى الغربى الحكومة الصومالية الإقليمية في الفترة من 1991 حتى 1994، إلا أن البرلمان الإقليمي أصدر قرارا في عام 1994 بضرورة موافقة البرلمان المركزى على الاستفتاء على تقرير المصير لأى قومية، وأجبرت الجبهة الشعبية الحاكمة فى إثيوبيا الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين على الخروج من الحكومة، واستبدلتها بمجموعات أكثر مرونة ونقلت العاصمة الإقليمية إلي المدينة الشمالية "جيجيجا" ذات الأغلبية غير الأوجادينية. ومن أبرز التطورات التى مرت بها الجبهة تولى محمد عمر عثمان قيادتها فى عام 1998 . حيث حملت الجبهة السلاح ضد الحزب الحاكم وحصلت على دعم من الحكومة الاريترية، وهو الأمر الذى أجبر الحكومة الاثيوبية على محاولة تسوية الخلاف، حيث اجتمع ميليس مع زعماء العشائر في "كيبردهر" وطلب من الجبهة إلقاء السلاح غير أن الطرفين فشلا في التوصل إلى اتفاق، وتم لقاء آخر بين الطرفين في عام 1998 لكنه فشل أيضا، ومنذ ذلك الحين والجبهة تصر على أن أي محادثات مع التنظيم الحاكم وهو الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية، يجب أن تجرى في وجود مراقبين محايدين وفي مكان محايد.
وقد حددت الجبهة المتحدة لتحرير اوجادين مبادئ وثوابت فكرية وسياسات انطلقت منها حيث أعطت الأولوية للمحيط الحضاري والجغرافي للشعب الأوجادينى، كما تبنت الوسائل السلمية لتحقيق أهدافها، وتعلق على الاستفتاء الشعبي لحق تقرير المصير أمالا كبيرة، ولا ترى استخدم الكفاح المسلح إلا كحل أخير للقضية.
وقد تمكنت جبهة تحرير أوجادين من أن تصبح أقوى جبهة على ساحة الإقليم حيث نجحت بعد انهيار الدولة فى الصومال، فى جعل قضية أوجادين مستقلة بذاتها وإخرجتها عن التبعية للحكومات الصومالية. كما استطاعت الجبهة تطوير قدراتها العسكرية بما ألحقته من خسائر مادية وبشرية بالقوات الإثيوبية، هذا إضافة إلى تواصلها مع الجاليات الأوجادينية فى الخارج وربطهم بقضية وطنهم بل ودعمهم لمطالب الجبهة ماديا ومعنويا، حيث كونت الجاليات تنظيمات شبابية وجمعيات لحقوق الإنسان وقامت هذه الجاليات والتنظيمات الشبابية والجمعيات الحقوقية بجانب الجبهة بشرح وتوضيح القضية فى المحافل الدولية وغير الدولية، واستطاعوا جذب الرأى العام العالمى إلى عدالة قضية أوجادين، وقاموا بإعداد مسيرات ومظاهرات كثيرة أمام المحافل الدولية، كما نجحت الجبهة فى تكوين إذاعات وشبكات إعلامية موجهة تبث أخبار شعب أوجادين ومأساته المنسية والقتل والتهجير والسجن وجميع الجرائم التى ترتكبها قوات الاحتلال الاثيوبى فى منطقة أوجادين. كما أن نشاط الجبهة الاجتماعى الرعاية باللاجئين قد ساهم بدوره فى التفاف أهل الإقليم حول الجبهة دون اعتبار للانقسامات القبيلة.
الاتفاق بين الحكومة الإثيوبية والجبهة
تضمن الاتفاق قبول الجبهة لمضمون الدستور الفيدرالي الإثيوبي، والسعي من خلاله لتحقيق أهداف الجبهة السياسية والدعوية، علما بـان الدستور الإثيوبي ينص على أن لجميع القوميات، وليس للشعب الصومالي الغربي فقط، حق تقرير المصير إذا رغبت في البقاء في البلاد أو الانفصال عنها، وهو ما يعنى قبول الجبهة بما رفضته منذ عام 1994 عندما أعلنت الكفاح المسلح، ويعنى أيضا فى مضمونه العودة إلى النهج السلمى فى حل مشاكل الإقليم وربما يرجع ذلك إلى التطورات على الساحة الإقليمية، إضافة إلى الخسائر المادية والبشرية وسوء الأحوال الإنسانية والمعيشية لأهل الإقليم نتيجة الحرب وتفجر مشكلة اللاجئين.
إضافة إلى ذلك فقد تضمن الاتفاق بعض الجوانب الايجابية وهى العمل على توفر الحريات الأساسية لشعب أوجادين وحقه فى تقرير مصيره، إضافة إلى حرية الدين والتعليم، وإعادة التأهيل والتعمير ومساعدة العائدين وتوفير الأجواء لعودة الذين نزحوا إلى الخارج، كما تضمنت بنود الاتفاق إيقاف الأعمال القتالية وإطلاق جميع سجناء المنتمين إلى الجبهة.
على جانب الحكومة الاثيوبية، كان من الواضح أن أديس أبابا تريد تحسين صورتها واجتذاب الاستثمار الأجنبي مما يؤدي إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية تسير قدما في سبيل الإصلاحات الاقتصادية، ومما يؤكد ذلك أن جهود التسوية جاءت في سياق شامل، حيث تم إتباع نفس النهج مع معظم الجبهات المناوئة كجبهة تحرير أورومو، مما يعطي مؤشرا لوجود سياسة إثيوبية تسعى لإطفاء كل عوامل التأجج والصراع داخل إثيوبيا، ومحاولة استيعاب الجبهات المناوئة لها في النسيج الاجتماعي.
هناك أيضا أسباب أخرى دفعت إثيوبيا إلى الاتفاق مع الجبهة بعد أن كانت تعتبرها منظمة إرهابية، حيث تعرضت أديس أبابا لانتقادات دولية على اثر الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى جرت فى مايو 2010، إضافة إلى الضغوط التى مارستها واشنطن ردا على تطور العلاقات الإثيوبية الصينية، هذا على جانب أما على الجانب الآخر فان إثيوبيا تسعى إلى الاستفادة من الثروة المعدنية والاكتشافات البترولية فى إقليم أوجادين من أجل معالجة مشكلات الفقر ونقص الخدمات فى الأقاليم المختلفة، وهو الامر الذى كان الصراع يحول دون تحقيقه.
فى النهاية فان ضمانات نجاح الاتفاق تتوقف على مدى استعداد الدولة الإثيوبية لاستيعاب مطالب الجبهة المتحدة لتحرير الاوجادين، لاكتساب المصداقية التى قد تؤدى لاجتذاب بقية الحركات الصومالية المسلحة والقوميات الأخرى داخل إثيوبيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ