الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة العراقية، ثقافة مفاهيم أم ثقافة علاقات ؟

حيدر علي سلامة

2011 / 9 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تبرز الإشكالية الثقافية بوصفها واحدة من اخطر واعقد الإشكاليات التي يواجهها الواقع العراقي اليوم، وذلك لان الإشكالية الثقافية لها امتدادات وتداخلات مع مختلف الأشكال الثقافية والمعرفية للمجتمع وأيضا مع مختلف الأنظمة السياسية والسلطوية المتعاقبة على تاريخ العراق. الأمر الذي يجعل من دراسة الواقع الثقافي العراقي ليس محصورا على تحليل الوثائق الرسمية والأعمال الثقافية المختلفة للمثقفين فحسب، بل يشمل أيضا دراسة الواقع الثقافي اليوم في مجمل حراك الخطاب الثقافي الذي يشتمل على الممارسات الثقافية للمثقفين والبحث في تاريخها، ثم التساؤل عن إمكانية تداخل تلك الممارسات مع السياسوي والأيديولوجي، أي بمعنى آخر، كيف تشتغل تلك الممارسات ؟ وما علاقاتها مع تاريخ الثقافات التقليدية السياسوية التي هي الثقافات المتحكمة بحركة المجتمع بالضرورة. هذا بطبيعة الحال سوف يجعلنا نعيد النظر بتاريخية المثقف العراقي المحكومة بالنسق الأيديولوجي، وفي العلاقة بين المثقف والثقافة التقليدية والعضوية، إلى جانب إعادة النظر في مجمل أشكال وصور العلاقات البنيوية بين المثقفين أنفسهم وبين المؤسسات السياسية المسيطِرة. من هنا ارتأينا أن نبحث في مجمل هذه القضايا من خلال المقولة السوسيولوجية للمفكر الايطالي انطونيو غرامشي حول المثقف العضوي والمثقف التقليدي.
- غرامشي وإشكالية الثقافة العراقية
ربما تكون رؤية غرامشي هي الأقرب إلى وصف وقراءة الواقع التراجيدي للثقافة العراقية، لما يوجد من ارتباط ثقافي بين البنيتين الذهنية والتقليدية للثقافة الايطالية آنذاك، وبين البنى التقليدية للثقافة العراقية، والرابط المنطقي بين تلك البنيتين المختلفتين هو أن كلاهما محكوما بأنساق ثقافية، أصولية تعمل مع السلطة الأيديولوجية المسيطرة في كل عصر، ومن ناحية أخرى، إن تلك الأبنية الثقافية التي ذكرناها محكومة بأكثر من موروث ثقافي مؤدلج يتحرك بطريقة تاريخية بين مجمل أشكال الطبقات الاجتماعية، لكن درجة الشدة في ظهوره وتجلياته الطبقية تظهر من خلال الثقافات الدنيا والثقافة الشعبية على حد تعبير غرا مشي، لان هذه الثقافات التي لطالما تحملّت تواريخ العبودية والقهر الاجتماعي، محكومة دوما بسلطة الايدولوجيا الحاكمة وتقع عليها مسؤولية كل تبعات وأخطاء القادة، من حروب سياسية ومشاريع تعبوية إلى جانب أعمال السخرة الأبدية التي تهدف إلى خدمة وحماية بِطانة السلطة الحاكمة، كل ذلك دفع غرامشي، إلى أن يعيد النظر في تاريخ الثقافة التقليدية الايطالية وذلك من خلال تفكيك الأنساق الشمولية* والثقافية المتكونة من مجمل الثقافات المندثرة والزائلة أو من في طريقها إلى الزوال والمؤدلجة أيضا، وعلاقات هذه الأخيرة بالثقافات الجديدة أو المعاصرة التي ينظر إليها بمثابة الوريث الشرعي للثقافات الشمولية، وكان ثمن ذلك السجن ونهاية حياة صاحب كراسات السجن.
- المثقف العراقي بين نسق التقليد وأيديولوجية الاستحواذ
من هنا كان علينا أن نبحث عن دور المثقف العراقي ما بعد الحقبة الشمولية وكيف تعامل مع الثقافة التقليدية ؟ هل قدم مشاريع ثقافية وورش عمل نقدية تأخذ على عاتقها تحليل ونقد تاريخ الطبقات السلطوية ؟ كيف تعامل المثقف العراقي مع رجالات السلطة الذين زالوا أو مع من هم في طريقهم إلى الزوال ؟ هل أنتجت الثقافة العراقية ثقافة عضوية ومثقفا عضويا يقفان على الضد من الثقافة التقليدية السلطوية ؟ والى أي حد يمكننا أن نتكلم عن ميثولوجيات المثقف العضوي في صحفنا ومجلاتنا الثقافية ؟ وهل مثقفونا اليوم باتوا جزأ من الثقافة التقليدية الزائلة أم هم أذيال جدد للطبقات التقليدية ؟
إن المتأمل في المشهد الثقافي العراقي الراهن، يجد أنه وحتى هذه اللحظة لم يُنتج ثقافة عضوية تحمل على عاتقها إعادة تشكيل الذهنية العراقية، تلك الذهنية المخترقة من قبل الأنظمة السلطوية والتقليدية، بل إن تلك الثقافة أفرطت في تقليديتها حينما انحسر وجودها في ثقافة "علاقاتية" متحوِلة، فابتعدت بذلك عن أن تكون ثقافة "مفاهيمية" متغيرة. بمعنى آخر، أن الدخول إلى الساحة الثقافية العراقية، لابد وأن يسبقه انتساب إلى سلسلة من العلاقات اللامتناهية مع رجالات الطبقات التقليدية ومع أذيال الأنظمة الزائلة على حد تعبير غرامشي. بهذه الطريقة وحسب يمكن أن تمارس وظيفة المثقف العضوي في المنابر الثقافية، ويمكن أن تمتلك حضورا وفاعلية في كافة المؤسسات التقليدية، وبالتالي ستتمتع بكافة الامتيازات، بل ويمكن أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى سلطة تتحكم في تسيير كافة الأنظمة الثقافية من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون...الخ. لكن أن تكون مثقفا عضويا على طريقة غرامشي التي تعتمد على نقد الأنظمة السلطوية وطبقاتها المتحولة بطريقة عجائبية، فسيعني إقصاءك وتهميشك لأنه وبكل بساطة من لا يتماشى وصرعة العصر السائدة، ألا وهي حمل هوية الانتساب إلى الثقافة التقليدية والسلطوية، والافتقار إلى علاقات معينة مع المتحكمين بصيرورة الثقافة السلطوية، تقوم على تقديم الأضاحي وطقوس التوسل والتقرب إلى معبد دلفي "ألخضراوي"، سيبقى على الهامش العضوي في الثقافة التقليدية.
هذا هو حال الثقافة العراقية فهي ليست ثقافة مفاهيم ولا نظريات ثقافية ولا تحليلات سوسيولوجية، إنها وباختصار شديد، ثقافة عضوية على درجة قربها وتحولها المستمر بين أحضان الثقافة التقليدية ورجالات الثقافات السلطوية، هؤلاء هم العضويون في كل عصر وليس المثقف العضوي الذي تكلم عنه غرامشي، ذلك المثقف الذي ينأى بنفسه بعيدا عن هيمنة سساتيم العلاقات الزائلة التي تقودها تلك الطبقات الزائفة، فهل ثقافتنا اقرب إلى هذا المفهوم أم إلى مفاهيم سدنة هياكل التقليد !



(*) للمزيد يُنظر للكاتب (محاولة لغوية لتحليل ظاهرية الخطاب الثقافي العراقي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها