الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتاوي النجاسة والكاماسوترا

إبراهيم رمزي

2011 / 9 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تبذل الدول الأموال الطائلة من أجل الترويج لإمكانياتها السياحية، وتنشر المعطيات حول طبيعتها وتراثها وحضارتها وعاداتها، ... وبعضها لا يتورع عن إغراء السياح بما يصطلح عليه بالسياحة الجنسية.
ويبدو أن خبراء السياحة ملزمون بإضافة عنصر جديد، يتمثل في الفتاوي النجسة.
تحكي الخرافة أن الشيطان تصدى لرجل يلعنه دون سبب، مؤكدا - للرجل - أنه يفعل الخير ويتلقى الشتائم. وليطلعه على نموذج من ذلك، أوقفه على حالة تاجر تكسرت قلة عسله، فانشغل الناس بلعق العسل، وكيل التهم والسباب للشيطان.
أتذكر هذا بمناسبة صدور أي فتوى (جامعة مانعة، قاصمة مفحمة، لا يأتيها الباطل من بين يديها، لأنه - ربما - يأتيها من خلفها).

المواطن العادي في بلدان العالم الإسلامي، كوّن فلسفته الخاصة عن الحياة، والمعيش اليومي، شعاره في ذلك: الراديو يكذب. التلفزيون يكذب. المسؤول يكذب. فهل بعد هذا سيستسيغ أيَّ فُتيَا ولا يصنفها - أيضا - في خانة الكذب؟
المفتي كالطفيلي الذي أوهم الأطفال بوليمة في مكان، فلما انصرفوا، صدق كذبته، وتبعهم يبحث عن الوليمة. وأنت لو بيّنت له سفاهة فتواه، لأصر على أن المعزى هي التي طارت وليس الغراب.
إطلالة أي مُفْتٍ من خلال وسائل الإعلام مثل النكتة التي تضحكنا في حينها ثم نركنها في زاوية النسيان، لأننا - في الغالب - نضحك من غرائبيتها، وليس لواقعيتها.

عمائم كالأشرعة، ولحى كالمكانس، ومنابر كنسيج العنكبوت هنا وهناك، وأصوات هادرة لم تحرر من عقولها ذرة ولا من فلسطين شبرا، توزع بيمينها نياشين الغفران، وبشمالها صكوك الردة والتكفير والإدانة.
"فقهاء وأئمة وعلماء" يعيشون بأفكارهم في كهوف الماضي، ويغنمون من الحاضر كل ما تجود به الحضارة المعاصرة، من: حياة رافلة، ومساكن فخمة، وسيارات فارهة، وقطارات وطائرات سريعة، واستشفاء بأدوية ومعدات عصرية، وفي المصارف أرصدة لا تعاني سوء التغذية ... ثم بعد ذلك يلعنون الشرق والغرب، ويبعثون برسائل "الإنذار والوعيد" لكل أمم الأرض، لأنهم ليسوا "إسلامويين" ... علما بأنهم أصحاب "العسل" والمخترعات الرائعة التي تطبع الحياة القائمة.

ابتلينا بفتاوٍ ما قال أصحابها خيرا، وما صمتوا. فليتهم لم ينشروها أو قصَروا نشْرَها على محيطهم الخاص. ولكنهم يتنافسون على نشر "غسيلهم الدنس" للعالم كله، معرضين أنفسهم وأتباعهم للسخرية المريرة ممن يرون في "إنتاجاتهم" المرتبطة - قبل كل شيء - بالمَبال والشرج، ترديدَ خزعبلاتٍ، وتفاهةَ موضوعٍ، وضحالةَ اهتمامٍ، وسطحيةَ إقناع، وشرودًا عن متطلبات العصر، وبعدًا عن جوهر الإنسان، وتغييبا للفكر البناء.
الحديث عن الجنس مهم، وله رجاله المختصون الذين يربأون به عن تمريغه في الترهات والأراجيف. غير أن المفتي يتطاول على كل شيء، ولا يخجل من نفسه وهو ينتحل صفة عالم جنس Sexologue ليخوض في دقائق علم لا يلم بمبادئه وقواعده وفنونه.

ابتلينا بفتوى "إرضاع الكبير"، وفتوى "مفاخذة الرضيعة" وفتوى "زواج الصبية في سن الثامنة" وفتوى "ممارسة الجنس على جثة الهالكة"، وفتوى "الاستشفاء بالبول" وفتاوٍ أخرى في الكاماسوترا ... إلى غيرها من فتاوي الصديد والغثيان المنفرة والمقززة. وكلها ما تزال تسيل مداد الردود، وتلهي الخلائق عن تصحيح ما أفسده التخلف، وعن رسم معالم غد أفضل للإنسانية، ومناقشة ما تعج به الحياة من: نبض، وتمدن، وصراع للانعتاق من كوابيس: الحِجر والطغيان.

وما جفت الأقلام بعد، حتى طلع أحدهم بفتوى "حرمة دخول الجنُب إلى مواقع القرآن".
والذي يتبادر إلى ذهني هو وجود: طهارة، وجنابة، افتراضيتين Virtuelles.
قد أسلِّم بـ "تعليلاتهم" - حتى ولو لم تكن منطقية - وسأعتبر أن الجنابة الافتراضية توجد في الشبكة العنكبوتية، لأن الذين أبدعوها ويسهرون على تطوير خدماتها هم غير إسلاميين، بمعنى أنهم - حسب المنظور الثيولوجي المتعصب - "شياطين، كفار، نجسون، قردة وخنازير" وهم المشمولون بلعنات أصحاب العمائم واللحى ...
فإذا كان هذا القول مما يؤمنون به، فإنني أفتي غير متحرج - من باب سد الذرائع - بتكفيرهم، لأنهم أدخلوا القرآن إلى الشبكة العنكبوتية النجسة، ليلوثوه بما فيها من: أفكار تقدمية، وعقول نيرة، ومواقع إباحية (يدمنون اختلاس النظر إلى ما فيها، ثم يكتبون مستنكرين).
وقد ينفون أن ذلك ليس مقصودهم، وأنهم يتقبلون الشبكة بخيرها وشرها - على مضض، وليس من باب التسامح والتعايش والاعتراف بما للغير من فضائل -، ويقولون إنّ التفسير الذي يرتضونه لفتواهم هو في الجنابة - الفعلية - للشخص المقبل على فتح موقع القرآن الذي "لا يمسه إلا المطهرون".

لا أذكر اسم الشخص الذي وصف المتفائل بأنه: "المتفرج القابع في الصفوف الخلفية ويغمز الممثلة على خشبة المسرح" آملا أن تشاركه ليلة حمراء. ولكنني أيضا أهمل حتى هذا المتوهِّم أن القرآن - على الشبكة - سيعْلَق به - ومن بعيد - درن من جنابة المتصفح للموقع، مما قد يتسبب - "لا سمح الله" - في تحريف مضمونه، وتلطخ صفحاته، وانفصام تعاويذه، وانكشاف عورته، وتشتت بركته، وتبخر قدسيته، فيصير "موقع القرآن" كأي موقع إباحي، يفيض بالمجون والفسوق ...

أما كيف سيحصل ذلك، فالمفتي وحده أدرى به من غيره، لأنه بصبره الأيوبي، ومثابرته المنعدمة المثيل، وتضحيته بالغالي والنفيس من الوقت والمال، أجرى سلسلة طويلة ومعقدة من التجارب في مختبره الخفي، حرص على سريتها وحمايتها من القرصنة والتجسس، إلى أن توفّق - بتحايل أو بغباء - إلى السبق في إخراج فتواه كاملة غير منقوصة، لينجِّس بها حياة جميع المؤمنين - وخاصة العاديين والبسطاء -، ويحمِّلهم من الذنوب ما لم يكونوا يظنون أنهم يقترفون، ليسارعوا إلى "بقاع" التوبة، وليقفوا أذلة صاغرين يَنشدون العفو والغفران، وليبذلوا النذور - مما خف وزنه وغلا ثمنه - عسى أن تُمحى صحيفة "آثامهم" ويُتجاوَز عن "معصيتهم"، ويتطهروا من "رذائلهم". ومن ثم تمتليء خزائن "راعي الأساقفة".

Business is business حتى ولو أدى ذلك لتكريس الغباء والتخلف. هم يعمِّدونك لتفتي. وهم يستفيدون من فتواك، ثم يفيدونك من مردوديتها. إذن، ادخل مختبرك السري واحلم بفتوى نجسة - لم تُسبَق إليها - وأنت تلعن الشيطان.

فهل هناك أذكى من هذه الدعاية "للسياحة - دولار" (على قياس بترودولار) والتي يعجز عنها دهاة التسويق الدِّعائي Marketing؟ وهل هناك فتوى تتفصّد جنابتها بنجاسة مماثلة؟

ولنختم بهذه الدعابة التي يستفتي فيها "مخطيء" فتَح موقعا إباحيا، فرد عليه "الشيخ": كفارتك يا هذا أن تشاهد قناة (بلد متخلف) ثلاث ليال متتابعات. ومن ثم أقترح على المتصدين للفتوى أن ينقعوا شخوصهم في أحواض بها مواد مطهِّرة ثلاث سنوات، عسى أن تزول نتانة تفكيرهم الواهم، وينعتقوا من عمَه ضلالهم، ويتخلصوا من زلفاهم لمغدقي الدولار، ويبتعدوا عن إضلالهم الرخيص لعقول السّذَّج.
ألا فلْيُرحْنا من "نفحات نبواتهم" متنبئو هذا الزمان. ولْيرحمونا بنعمة خرسهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل


.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة




.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س


.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر




.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا