الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قول ابن خلدون في أصول الأمازيغ .

الطيب آيت حمودة

2011 / 9 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المتصفح لتاريخ ابن خلدون يلحظ بأنه بحق جدير بحمل لقب مؤرخ الأمازيغ بامتياز ، فهو الوحيد الذي خصص فصولا عديدة في تاريخه (العبر) لذكر أصولهم ومآثلهم ورموزهم الوطنية وخصوصياتهم المتميزة عن غيرهم ، و بتوسع لم يكن معهودا سابقا عند المسلمين، لهذا اقتبست بعضا من آرائه بشأن أصول البربر لما فيها من رأي قد يكون سديدا، لأنه أقرب لنتائج ا لأبحاث الأركولوجية والجينية والإجتماعية .



***من أقوال ابن خلدون ( عبد الرحمن ) في كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر[*] :

[وأما إفريقية كلها ( تونس)إلى طرابلس فبسائط فيح ، كانت ديارا لنفزاوة وبني يفرن ونفوسة ومن لا يحصى من قبائل البربر ( الأمازيغ ) ، وكانت قاعدتها القيروان ( تيكيروان بالأمازيغية) ، وهي لهذ العهد مجالات للعرب من سليم وبني يفرن وهوارة ، ومغلوبون تحت أيديهم ، وقد تبدوا معهم ، ونسوا رطانة الأعاجم ، وتكلموا بلغات العرب وتحلوا بشعارهم في جميع أحوالهم...].
[*] ابن خلدون ، العبر ، ج6 ص 134/135..

[ واعلم أن هذه المذاهب كلها مرجوحة وبعيدة عن الصواب ، فأما القول بأنهم من ولد إبراهيم فبعيد ،لأن داود الذي قتل جالوت وكان البربر معاصرين له ليس بينه وبين إسحق بن إبراهيم أخي نعشان الذي زعموا أنه أبو البربر ، إلا نحو عشرة آباء ذكرناهم أول الكتاب ، ويبعد أن تشعب النسل فيهم مثل هذا التشعب ، وأما القول بأنهم من ولد جالوت أو العماليق ، وأنهم نقلوا من ديار الشام وانتقلوا ، فقول ساقط يكاد يكون من أحاديث خرافة ، إذ مثل هذه الأمة المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض ، لا تكون منتقلة ، من جانب آخر وقطر محصور، البربر معروفون في بلادهم وأقاليمهم ، متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام ، فما الذي يحوجنا إلى التعليق بهذه الترهات في شأن أوليتهم ؟ ، ويحتاج إلى مثله في كل جيل وأمة من العجم والعرب ، وافريقش الذي يزعمون أنه نقلهم قد ذكروا أنهم وجدهم بها ، وأنه تعجب من كثرتهم وعجمتهم ، وقال : ما أكثر بربرتكم ، فكيف يكون هو الذي نقلهم ؟ ، وليس بينه وبين ذي المغار من يتشعبون فيه إلى مثل ذلك إن قالوا أنه الذي نقلهم ؟ وأما القول أيضا بأنهم من حمير من ولد النعمان ، أو من مضر من ولد قيس بن عيلان فمنكر من القول ، وقد أبطله إمام النسابين والعلماء أبو محمد بن حزم ، وقال في كتاب الجمهرة ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن ومن حمير ، وبعضهم ينسب إلى بربر بن قيس ، وهذا كله باطل لا شك فيه ، وما علم النسابون لقيس بن عيلان إبنا إسمه بر أصلا ، وما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن ، وأما ما ذهب إليه إبن قتيبة أنهم من ولد جالوت ، وأن جالوت من ولد قيس بن عيلان فأبعد من الصواب ، فإن قيس عيلان من ولد معد ، وقد قدمنا أن معدا كان معاصرا لبختنصر وأن أرمياء النبي خلص به إلى الشام حذرا عليه من بختنصر حين سلط على العرب ، وبختنصر هو الذي خرب بيت المقدس بعد بناء داود وسليمان إياه ، بأربعمائة وخمسين سنة ونحوها ، فيكون معد بعد داود بمثل هخذا الأمد ، فكيف يكون إبنه قيس أبا لجالوت المعاصر لداود ؟ ، هذا في غاية البعد و أظنها غفلة من أبن قتيبة ووهما .
**والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح كما تقدم في أنساب الخليقة، وأن اسم أبيهم مازيغ وإخوتهم أركيش وفلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام، وملكهم جالوت سمة معروفة له. وكانت بين فلسطين هؤلاء وبين بني إسرائيل بالشام حروب مذكورة. وكان بنو كنعان واكريكيش شيعاً لفلسطين فلا يقعن في وهمك غير هذا، فهو الصحيح الذي لا يعدل عنه. ولا خلاف بين نسابة العرب أن شعوب البربر الذي قدمنا ذكرهم كلهم من البربر إلا صنهاجة وكتامة. فإن بين نسابة العرب خلافاً والمشهور أنهم من اليمنية، وأن أفريقش لما غزا إفريقية أنزلهم بها.
أما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب، مثل لواتة يزعمون أنهم من حمير، ومثل هوارة يزعمون أنهم من كندة من السكاسك، ومثل زناتة تزعم نسابتهم أنهم من العمالقة فروا أمام بني إسرائيل. وربما يزعمون فيهم أنهم من بقايا التبابعة ومثل غمارة أيضاً وزواوة ومكلاتة يزعم في هؤلاء كلهم نسابتهم أنهم من حمير حسبما نذكره عند تفصيل شعوبهم في كل فرقة منهم، وهذه كلهما مزاعم. والحق الذي شهد به المواطن والعجمة أنهم بمعزل عن العرب إلا ما تزعمه نسابة العرب في صنهاجة وكتامة. وعندي أنهم من إخوانهم والله أعلم. وقد انتهى بنا الكلام إلى أنسابهم وأوليتهم فلنرجع إلى تفصيل شعوبهم وذكرهم أمة بعد أمة. ونقتصر على ذكر من كانت له منهم دولة ملك أو سالف شهرة أو تشعب نسل في العالم وعدد لهذا العهد وما قبله من صنفي البرانس. والبتر منهم وترتيبهم شعباً شعباً حسبما تأدى إلينا من ذلك واشتمل عليه محفوظنا، والله المستعان.
[ كتاب العبر ج6 ، ص 126/127/0128 ]
هذه الرغبة الجامحة للإمازيغ في الإنتساب للعرب العدنانية المستعربة ترجمها حديثا عبد العزيز الثعالبي بتونس ، وابن باديس ومدرسته بالجزائر ، وعلال الفاسي بالمغرب ، وهؤلاء ومن واكبهم ساهم من حيث يدري أولا يدري بجعل بلدان شمال افريقيا أكثر عروبة من عرب نجد وحمير، والغريب أن هذه العروبة يفسرونها حضارة وثقافة لكنهم سرعان ما يقلبون ظهر المجن للإبانة عن عنصرية إثنية مقيتة ، سايرها بعض الأمازيغ مكرهين من باب كما تدين تدان ، أومنطق (العنصرية بالعنصرية )والباديء أظلم ؟! ، وكان الأصوب أن يعرفوا بالأمازيغ الناطقين بالعربية استبعادا لكل تلوين وخلط مقصود بالغير .
• هذه الرغبة الجامحة للإنتساب للغير فُسرت على أنها ( قابلية للإستعمار ) (ومركوبية ) مركبة تحتاج إلى علاج ، وأعتقد جازما بأن الهبة الأمازيغية اليوم ليست دعوة للعنصرية بقدر ما هي رغبة جامحة لمحاربة الوهن الذي أصاب قومها جراء التراكمات التاريخية التي قرأتهم قراءة خارجية استحواذية مغلوطة ، فجل ا لدراسات التاريخية والإجتماعية تناولتهم كأتباع منفعلين متأثرين لا فاعلين مؤثرين ، وهو ما يتطلب إعادة القراءة لتاريخهم بمنظور محلي ، خاصة وأنهم دعاة هوية الأرض لا دعاة عنصرية دموية ، فكل القاطنين بأرض (تمازغا) مهما كانت أصولهم فهم مغاربيون أمازيغ ليس بحكم الدماء وإنما بحكم الجغرافيا ( الأرض) التي تأوينا جميعا وإن اختلفنا لسانا وثقافة ودينا .
.

***استنتاجات ابن خلدون بشأن انتساب الأمازيغ للشرق السامي . .

في استنتاجات ابن خلدون ، نحن معشر الأمازيغ لسنا من ولد الخليل ابراهيم ، ولا من ولد جالوت أو العماليق ، ولا انتقلنا من ديار الشام ، ولا نحن من مضر ولا حمير ، فذاك يعده منكر من القول، ويذكر ابن حزم في جمهرته قائلا :( ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن ومن حمير ، وبعضهم ينسب إلى بربر بن قيس ، وهذا كله باطل لا شك فيه ، وما علم النسابون لقيس بن عيلان إبنا إسمه بر أصلا ، وما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن...).

**وخلص ( ابن خلدون ) إلى القول الشافي والوافي :

إذ مثل هذه الأمة ( الأمازيغية ) المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض[1] ، لا تكون منتقلة ، من جانب آخر وقطر محصور ،البربر معروفون في بلادهم وأقاليمهم [2] ، متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام [3]، فما الذي يحوجنا إلى التعليق بهذه الترهات في شأن أوليتهم ؟[4].

*** توضيحات / :
[1] يقصد ابن خلدون بأن الأمة الأمازيغية متعددة القبائل وكثيرة العدد ، ملأت جزءا كبيرا من الأرض وبالأخص شمال افريقيا ، الذي يعد قارة أكثر من إقليم جغرافي ، والذي يمتد من غرب النيل الى بحر الظلمات ومن مشمولات هذه الأمة الأمازيغية عناصر وافدة من فنيقية ورومانية ووندالية وعربية ذابت إثنيا في نسيجها السلالي .
[2] هذه الأمة الأمازيغية لم تأت لا من الشرق ولا من الغرب ، ( غير متنقلة )، فهي معروفة في التاريخ بتواجدها في هذه الرقعة الجغرافية منذ الآف السنين ومدركة بتسمياتهم المتميزة .
[3]أي أن لهم خصائص تميزهم عن غيرهم بيولوجيا و حضاريا ولغويا ، منذ الأحقاب التاريخية البعيدة وقبل وصول الإسلام إليهم .
[4] يتساءل ابن خلدون مستنكرا ، ما حاجتنا لهذه النظريات الهابطة التي تسعى إلى استلحاقنا بالآخرين لهوى في نفوسهم ، فما بالهم يريدون جعل الأصل فرعا ، والفرع أصلا ؟ .

هذا رأي من آراء أهل العقل ، الناقد لما وصل إليه عن الأولين بالتواتر ، فتاريخ ابن خلدون يختلف كلية عن تاريخ الإمام الطبري في نهجه ، فإن كان هذا الأخير يذكر الروايات دون فحصها والنظر فيها ، فإن ابن خلدون كثيرا ما يذكر المرويات المختلفة لكنه يفندها ويصححها ويذكر موضع الغلط فيها بالحجة الفصيحة الدامغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مفهوم -الامة-الحديث ارقى من العنصر النقي
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 9 / 15 - 11:10 )
ان هذه المقالة تدخل في باب الدراسات الانثروبوليجية وهي توسعت حتى صار للانثروبولوجيا اقسام علمية مستقلة حتى في جامعاتنا
ولكن الى جنب الدراسات اعلاه التي تبحث في الخصوصية والانفراد للشعوب والجماعات فاءن هنالك ايضا الدراسات التي تبحث بالوقائع الموثقه بالامتزاج والتشابك بين بني البشر حتى فيما يتعلق مثلا باكثر شعوب اوربا اعتزازا كالالمان تتوصل الى الالمان اليوم هم شعب هجين من موجات اللاجئين ومنهم اليهود والبولنديين والسلافيين عموما وبان هذا المزج ترك اثاره الايجابية ليس فقط على بيولوجيا الالمان-وهذا الاقل ديناميكية في التاءثير على حياة الشعوب-ولكن حضاريا وحتى ثقافيا فاليوم لاتوجد عروق صافية نقية وانما عروق هجينة متداخله تكونت منها ثقافات هجينة في المسيرة الانسية نحو التاءخي البشري من اجل الانتصلر المتواصل على عفوية الطبيعة وقواها الهدامه لمايؤدي الى حياة انسانية افضل
ان ظاهرة اوباما زاركوزي ورايس والسهيل في السويد والسوريين بل واليانيين الذين اصبحوا رؤساء في العديد من بلدان اميركا الجنوبية واحد من المؤشرات على تلاقي مكونات الانسانية وليس عبر الفتوحات والكولونيالية وانما بحثا عن الحياة


2 - احقاق الحق
الشهيد كسيلة ( 2011 / 9 / 15 - 15:29 )
لكن با استاذ كحلاوي لا يقول ساركوزي للفرنسيين انهم يعود او هنغاريين ويحرمهم من لغتهم وهويتهم وكذلك اوباما او غيره
من هاجر الى بلد عليه ان يندمج فيه
لكن العروبيون لا يندمجون ويظلون متعلقين بالنسب العرقي

فكيف يصبح شمال افريقيا عربيا في الصحافة والاذاعة والمدرسة والمسجد ويطمس اهله ويفرض عليهم ان يتنكروا لهويتهم ولغتهم ومن تكلم عن هويته اعتبر انعزاليا عنصريا مثيرا للفتنة


3 - الارض وليس العرق
اج امازغ ( 2011 / 9 / 16 - 20:45 )
لو اعطيت القراءة،مجرد القراءة،السيد كحلاوي حقها لعلمت ان كل القصة لا تدور حول العرق بل حول الارض وهوية جغرافيتها.كيف يعقل لمنطقة واقعة جغرافيا في شمال افريقيا سكنها الامازيغ منذ الازل(منذ وعي الانسان على هاذي البسيطة) ان تتحول في لمحة البصر وبجرة قلم عربي الى مغرب عربي،الاتعلم تاريخ دخول الغزاة العرب الى المنطقة؟


4 - ليس العيب في العرب و لا في الامازيع
sofiane ( 2011 / 10 / 16 - 08:10 )
الامر الاساسي في الانسان رغم لسانه هو ما يحمله في طياته من ايمان بالله سبحانه و العبودية له و التقوى لكن مع ذلك الله سبحانه يقر بأن اختلاف السنتكم آية و يجب المحافظة عليها مع ان العرب صحيح أتو الى الجزائر قبل الفتوحات و كانوا مسلمين قبل ذلك الا ان التراخي الذي شهده الامازيغ حتى انه يتكلم بالفرنسية ولا يستطيع ان يكون كل كلامه امازيغيا فلا كان لابد ان يأتي يوم تضعف هذه اللغة و لا يكون قوامها بمحاربة العربية و انما العربية لغة ايضا بل كان بالمحافظة على اللغة الامازيغية و لا تتأثر باللغة الفرنسية كما نشاهده حاليا وان كانت العربية لغة تفيدنا في معرفة ديننا الحنيف لأن النبي كان عربيا و كنا نستطيع ان تكون كل دراساتنا و مساجدنا و خطبنا في المساجد بالامازيغية ولا يأتي شخص يتكلم بالعربية في منبر حضوره كلهم من الامازيغ و لا يفهمون دينهم لبعدهم على ذاك اللسان و كان لابد من تطوير انسان في الدين حتى يتمكنوا من ايصال الدين باللغة الامازيغية و هذا لا يتنافى مع الدين كما نشاهد الكثير من البلدان الغير العربية هكذا
و السلام عليكم