الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغيير العالم رهن إرادات التغيير

ماجد الشيخ

2011 / 9 / 16
المجتمع المدني


عقد كامل منذ هجمات نيويورك وواشنطن الإرهابية، وقد شهد عالمنا تغييرا فعليا، تغيّر العالم، ولكن ليس حسب مشيئة وإرادة تنظيم "القاعدة"، ولا كما أرادت وشاءت الولايات المتحدة، بنزوعها الإمبراطوري الذي انهار في وقت أقصر، مما كان يحلم أرباب الإمبراطورية من قوى اليمين المحافظ؛ "محافظيهم الجدد" الأكثر يمينية بالطبع من قوى اليمين الليبرالي التي كان يمكن لها أن تكون أكثر عقلانية، لولا تأثيرات أولئك "المحافظين الجدد" ونزوعهم الدائم نحو الخراب والدمار الداهم، ليس في مواجهة الشعوب والدول في المناطق الأخرى، بل وفي مواجهة ولاياتهم المتحدة ذاتها، وقد انكسرت اقتصاديا، كما لم تنكسر دولة أو امبراطورية من قبل، لتدخل في مأزق لا مخرج أو مخرجات لها منها، من دون انحطاط الإمبراطورية ذاتها، ومشارفتها على "الخروج من التاريخ" الذي أرادته لنفسها، وها هي تخرج ليس من التاريخ، وإنما من الجغرافيا الآسيوية كذلك، وذلك بخروجها أو بتحضير نفسها لوضع "استراتيجية خروج" عسكرها من العراق وأفغانستان، بعد أن لم تستطع قواتها وقوات حلفائها الأطلسيين "إنجاز المهمة"، التي انتدبوا أنفسهم لها منذ البدء؛ بدء الخروج إلى الغزو العسكري، في أعقاب تنفيذ "القاعدة" لـ "غزوة نيويورك وواشنطن" قبل عقد من السنوات.

نعم.. لقد تغيّر العالم، ولم تتغيّر "القاعدة"؛ كتنظيم وأفكار وأيديولوجيا سلفية إنتحارية، فاشية الطراز، وإن حاولت أن تعدّل من تكتيكاتها لتتلاءم وعالم يتغيّر على وقع إرادات الشعوب، لا على وقع "الإرادة الإلهية المزلزلة" على أيدي بعض إرهابيي هذا التنظيم، أو التنظيمات التي فرّخها، الذين اعتبروا ويعتبرون عملياتهم، بل جرائمهم بحق الإنسانية، عملا من أعمال "الإرادة الإلهية" التي تمثلوها ويتمثلونها وكأنها من أعمال "المؤمنين" ضد رجس الشيطان أو الشياطين على اختلاف هوياتهم وأطياف أوطانهم وجنسياتها.

نعم.. لقد تغيّر العالم ولم تتغيّر الولايات المتحدة، بنزوع إمبراطورييها إلى محاولة إعادة إحياء اليمين الأميركي المحافظ، واستعادة تنظيم "المحافظين الجدد"، على الرغم من الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة، والتي لا ولن تتيح لها لا مثل تلك الاستعادة، ولا الخروج من مأزق فقدان وتدهور النفوذ والهيمنة، في عالم لم يعد يدين للغلبة فيه إلى قوة أحادية، فقدت ركائزها وقواعدها الإمبراطورية، وأضحت تتجه نحو الحفاظ على الحد الأدنى من سيطرتها الخاصة على حلفائها الأقربين (الأطلسيين)، الغارقين بدورهم في محيط من أزمات اقتصادية ومالية وإجتماعية وإثنية قل نظيرها في التاريخ الأوروبي، في ظل فقدان أوروبا الآن لمارشال جديد ينقذها مما كان قد أنقذها مشروع مارشال في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بل إن الأزمة الراهنة أفظع بما لا يقاس من فظائع الحرب، طالما بقيت الرأسماليات الحديثة تعتمد مقاييس ومعايير نظرية تقليدية، هي أبعد من أن ينجح تطبيقها في الواقع، خاصة في ظل المضاربات وخيانة الاقتصاد الحقيقي، وهيمنة قوى السوق والاقتصاد الافتراضي، واضطراب عالم المال والتجارة، وتحميل الناس نتائج أخطاء وخطايا بعض الأفراد والنخب، والطغم المالية التي قامرت وتقامر باقتصادات بلادها، وقامت بقيادتها في اتجاهات كارثية، وفي الأخير يجري اللجوء إلى تعميم الخسائر وخصخصة الأرباح، في سياق خروج غير منظم من اعتماد أي دور للدولة في فرض ضرائب باهظة تدفعها الأكثرية، ولا تستفيد منها سوى الأقلية من قوى الأزمة التي قامرت وخسرت، وها هي تستعيد ما خسرته في عمليات المضاربة واعتماد "الاقتصاد الافتراضي" كبديل لاقتصاد وطني أو قومي، ليس من العقل والعقلانية اعتماده في بلاد حديثة.

نعم.. لقد تغيّر العالم، ولكن التغيير الذي نعنيه هنا؛ هو ذاك التغيير الإيجابي الذي فرضته وتفرضه ثورات الربيع العربي، الهادفة إلى تحريك الراكد التاريخي، وإحداث تحولات حداثية راهنة في واقع كان رهين الاستبداد السلطوي. أما التغيير الذي أحدثته "القاعدة" بتداعيات ما أحدثته الولايات المتحدة داخليا وخارجيا، فهو التغيير السلبي، الذي حوّل الدولة الأميركية بوظائفها وأدوارها إلى "دولة أمن قومي" في الداخل، إلى حد فقدت معه خارجيا نفوذها السياسي الذي تدهور على وقع غزواتها العسكرية، وانحسار بل انكسار وضعها ودورها الاقتصادي والمالي الذي انفجرت فقاعاته منذ خريف العام 2008، ولم تستطع الامبراطورية ترميمه، أو انتشاله من حضيض انحطاطه وانحطاطها حتى اللحظة.

تغيّر العالم.. نعم، وليس في هذا أي فضل لا لتنظيم "القاعدة"، ولا للولايات المتحدة، إنما الفضل الأكبر لإرادات الشعوب؛ كفاعل تاريخي راهن، يذهب مباشرة نحو ما يصنع اليوم عالمنا، وهو يخوض غمار مخاضه العظيم الهادف للتغيّر نحو الأفضل، في غياب أعمدة استبداد أساسية كان يجري الرهان على تأبيد هيمنتها على شعوبها، وعلى الإقليم الذي خضع يوما لإرغامات وإكراهات الشراكات السلطوية والجيو إستراتيجية، التي عملت على إخضاع الشعوب في هذه المنطقة لخوارج إقليمية ودولية، جمعت بين أعداء وطنيين وأعداء سلطويين وطبقيين، كوّنوا جبهة معادية موحدة لتطلعات شعوبنا وأمانيها في التحرر والعدالة، وأحلامها ببناء عقود المساواة الدستورية والقانونية الكفيلة باستعادة الكرامة الإنسانية التي هدرتها أنظمة استبداد طغيانية، هي حليف موضوعي بشكل ما؛ أو بشكل غير مباشر، لأمبريالية الولايات المتحدة، ولـ "قاعدة" السلفيات الانتحارية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بقبول مقترح -خارطة الطري


.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان




.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو


.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا