الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعزيز الوحدة الوطنية في النظام الفيدرالي أو تفككها

صاحب الربيعي

2011 / 9 / 18
المجتمع المدني


يعزز النظام الفيدرالي الوحدة الوطنية في إطار الدولة والوطن خلال منح الأطراف صلاحيات الإدارة الذاتية على نحو يقلل أعباء المركز ليؤدي مهامه الاتحادية على نحو أفضل وتختص الأطراف بمهام الخدمات المحلية. لكن الفهم القاصر لبعض السياسيين بماهية النظام الفيدرالي يعدّونه ارتباط شكلي مع المركز وبصلاحيات مماثلة لصلاحياته أو تفوقها أحياناً ويتمادى بعضهم الآخر ليصوره خطوة متقدمة نحو الانفصال بدالة الزمن متكئين على مبدأ حق تقرير المصير لدعم توجهاتهم الانفصالية.
يؤكد النظام الفيدرالي على وحدة المصير في إطار الدولة الواحدة وعلى نحو مخالف يؤكد حق تقرير المصير خارج اطار الدولة على الاستقلال وكلا الخيارين مكفولين للشعوب في المواثيق الدولية لكنهما ذو مسارين مختلفين، فلا يصح التمسك بالفيدرالية بعدّها خياراً لوحدة المصير المشترك والمطالبة بالانفصال كما لا يصح المطالبة بالانفصال بعدّه خياراً لحق تقرير المصير المنفرد والتمسك بالفيدرالية.
إن خيار حق الشعوب تقرير مصيرها وحدها أو وحدة مصيرها المشترك واضح ومكفول لكن من دون مختلة سياسية تمارسها نخب سياسية مأجورة لا تعي المفاهيم السياسية ومدلولها على نحو صحيح، فلا يمكن لأي قوة فرض إرادتها على شعب ما يسعى إلى تقرير مصيره على نحو اتحادي أو انفصالي.
لكن كلا الخيارين يتطلبان مساندة القوى الصديقة لانجازهما فمن دون أن تحدد نخب الشعب السياسية خيارها الصريح لا يمكنها حشد المؤازرة والدعم لخيار معلن وخيار خفي خاصة إن للآخرين الحق أيضاً في تقرير المصير مع شريك في الوطن أو مشارك في الوطن ينتظر فرصة فسخ الشراكة على نحو يحقق مصالحه ويضر بمصالح شريكه الذي يحق له أيضاً التخطيط لمستقبله وتحديد مصيره القادم.
إن لعبة المخاتلة السياسية التي تمارسها بعض النخب السياسية المرتبطة بأجندة دولية لفرض إرادتها على الشعوب خلال شق وحدة الصف وتجزأة الوطن وحرف مساره وتمزيق صلاته الحضارية المشتركة يعدّ خيانة عظمى بالمعيار الوطني وتأمر على الوطن ومكوناته الاجتماعية الأساس، فالخيار الوطني لا يحدده على نحو منفرد مكون اجتماعي واحد على حساب مكونات اجتماعية شريكة في الوطن ووحدة المصير وإنما تحدده الحوارات السياسية بين المكونات الاجتماعية المتباينة لتقرير مصيرها على نحو مشترك أو منفرد.
يعتقد (( أحمد أوغلو )) " أن التمزق الجيوسياسي يعني تجزأة الاقاليم الجيوسياسية الكبيرة إلى وحدات سياسية صغيرة تتنافس فيما بينها على تحقيق مصالحها الخاصة. والتمزق الجيوثقافي يعني قطع الصلات المشتركة بين المجموعات الثقافية المتداخلة وفصلها إلى وحدات مستقلة ذو مصالح متعارضة. والتمزق الجيواقتصادي يعني تفتيت التكامل الاقتصادي لإعادة توزيع الموارد الاقتصادية على نحو غير عادل بين الوحدات السياسية المنفصلة ".
تسعى القوى المتحكمة بالسياسية الدولية إلى تحقيق مصالحها الخاصة بتجنيد مرتزقة أو عملاء أو سياسيين يتمتعون بنفوذ ما على مجتمعاتهم وقادرين على شحن عواطفهم بنعرات عنصرية أو طائفية ومن ثم زجهم بحروب طاحنة لتحقيق أجندتها على حساب المصالح الوطنية، فالنخب السياسية المأجورة تجييد اشعال الحروب بين المكونات الاجتماعية المتباينة أو ضمن المكون الاجتماعي الواحد، لكنها لا تجييد فن إطفاءها ما يجعلها هشيماً لنار يحدد حجم رمادها أسيادها من خارج الحدود.
يقول (( كانو )) : " إن تسارع الأحداث السياسية وانفلاتها تقودنا إلى نتائج بعيدة كل البُعد عن تفكيرنا، فأحداث الثورة الفرنسية المأساوية لقنتنا درساً قاسياً ".
تعدّ القوى المتحكمة بالسياسية الدولية خططاً بعيدة المدى لخوض الحرب بالوكالة مع الآخرين بوساطة تجنيد نخب سياسية لتنفيذ أجندتها على حساب مصالحها الوطنية، فكلما جرى اضعاف المجتمعات وتقويض صلاتها المشتركة وتقزيم دورها الحضاري وتمزيق أوطانها أمكن السيطرة عليها بسهولة.
إن خيار المجتمعات تقرير مصيرها على نحو حقيقي ليس سهلاً لأنها تخوض حرباً غير معلنة مع نخبها السياسية المرتبطة بأجندة دولية وحرباً معلنة للتحقق من مساراتها المجهولة للحفاظ على كيانها الوطني وصلاتها المجتمعية المشتركة، فكلما كانت واثقة من نفسها وحريصة على تاريخها الحضاري المشترك أمكنها التصدي لأجندة تقسيم أوطانها إلى كيانات عرقية أو طائفية هزيلة يحكمها عملاء من نخبها السياسية ينفذون أجندة اقليمية أو دولية مضرة بمصالح الوطن.
يعتقد (( أحمد أوغلو )) " أن المجتمعات التي تصمد أمام التحديات العالمية المتباينة ولا تفقد الثقة بنفسها تصبح أحد مراكز قوى العالم الجديد، والمجتمعات التي تفقد الثقة بنفسها تتفكك إلى كيانات ضعيفة قابلة للزوال في المستقبل ".
إن خيار الشعوب تقرير مصيرها بنفسها في النظام الفيدرالي، يعدّ خياراً وحدوياً لتقرير وحدة المصير المشترك لمكونات اجتماعية متباينة لها تاريخ حضاري مشترك يمتد لمئات السنيين على أرض الوطن. أما حق تقرير المصير على نحو منفرد بعدّه انفصالاً عن الوطن فمساره الصحيح ليس النظام الفيدرالي ولا تقرره نخب سياسية خاضعة إلى أجندة دولية تحدد زمن انفصالها من عدمه، وإنما تقرره نخب سياسية وطنية بخطاب سياسي واضح وغير ملتبس تناشد الدعم من شركاء الوطن والمجتمع الدولي لتقرير مصيرها على نحو منفرد واقامة دولة مستقلة بعيداً عن مخاتلة مافيات التهريب وخداعها واصرارها على التيه السياسية بين حق تقرير وحدة المصير المشترك بالفيدرالية وفي الوقت نفسه حق تقرير المصير المنفرد بالانفصال.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ليس هناك تكافؤ بين إسرائيل وحماس ونرفض تطبيق المحكمة


.. تونس.. منظمة حقوقية توثق 20 حالة انتحار خلال شهر أبريل




.. تداعيات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق إسر


.. بتهمة ارتكاب جرائم حرب.. الجنائية الدولية تسعى لاعتقال نتنيا




.. ما فرص تنفيذ مذكرات المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال مسؤولين