الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرادة التحرر وإرغامات الاستبداد

ماجد الشيخ

2011 / 9 / 22
المجتمع المدني


ماذا تريد الشعوب؟ سؤال جوهري ومصيري تطرحه اليوم شعوبنا، كما كل الشعوب التي تؤكد اليوم وأكثر من أي وقت مضى، أن كرامتها ليست رهينة الحاكم، وليست منّة أو مكرمة منه، مهما يكن عادلا. وأن حريتها كذلك هي الأقدس من كل القداسات الزائفة والمفتعلة؛ فقدسية الحرية لا يعادلها شئ، لا سيما وهي تتجسد في التحرر من كل مكبلات وأغلال الاستغلال والاستعباد والاهانات التي مارست ارتكابها أنظمة الطغيان الفردية والنخبوية "الجماعاتية" على حد سواء. التحرر من احتلال "الوطني" يبدو اليوم في ضوء ثورات التحول التاريخي الراهنة أنها معادل موضوعي للتحرر من احتلال الأجنبي، بل كان ذاك الموصوف بـ "الوطني" أقسى وأمر، أفظع في ارتكاباته بما لا يقاس، أكثر إجراما من "إنسانية" كولونيالية عمدت إلى محاولة اكتساب شرعيتها من قبول الآخر، أو البعض من هذا الآخر بها، وبسياساتها التي لم تمنع "الوطني" من العمل السياسي، كما فعلت وتفعل أنظمتنا الطغيانية الإحلالية والاحتلالية.

في فترات ما قبل الاستقلال، شهدت بلادنا حياة سياسية وأحزابا ونقابات مستقلة، وفي عهد أو عهود ما بعد "الانسحاب الاستعماري"، وبدء "أنظمة الاستقلال" وما تلاها من أنظمة انقلابية، عسكرية وبيروقراطية عقيدية، بناءها لسلطة "وطنية"؛ صادرت السياسة وهمّشت الكل الوطني، وألغت أحزابه ونقاباته، وأقصت كل مفاهيم المجتمعات الحديثة والأفكار السياسية والثقافات غير التقليدية والقيم الإنسانية المشتركة المعاصرة؛ كل هذا لصالح سلطة غلبة وإكراه لم ينج منها كل التشكيل الوطني/الطبقي الذي تبلور في عهود ما قبل الاستقلال، وكان متاحا في ظل الاحتلال الكولونيالي، وذهب في التحدي حدودا قصوى، لكنه في ظل "أنظمة الاستقلال" جرى تفكيكه ليضحي أكثر هشاشة، بفعل تدخلات الهندسة الأمنية والجينية لأنظمة "استقلال" طغيانية لا تنتمي إلاّ لمصالح "وطنية" وطبقية ناشئة بالمعنى الضيق لوطنية السلطة واحتياطيها وقاعدتها الاجتماعية الأشد حلقية ونخبوية وزبائنية.

لم يسجل التاريخ أن الطغيان وأنظمة الاستبداد فعلت فعلها في التاريخ، لجهة المساهمة في صناعته، أو مساهمتها في البناء. إرادات الناس وحدها هي التي صنعت وتصنع التاريخ؛ تاريخها، وتفتح آفاقا واسعة للمستقبل. وحدهم البشر منذ بدء الخليقة هم الذين صنعوا تاريخهم بإراداتهم؛ بنوه بناء صحيحا أو غير صحيح، أخطأوا في مكان ونجحوا في مكان آخر أو أمكنة أخرى، وفي أمكنة أخرى أعادوا البناء وصححوا أخطاءهم، نجحوا كجماعة؛ لكنهم كأفراد ليسوا هم من يصنعون تاريخ شعوبهم، بل إن الشعوب هي التي صنعت وتصنع تاريخها؛ فتعلي من تشاء ومن يستحق، وتهبط إلى الحضيض بمن تشاء ولا يستحق سوى اللعنات. لا تخطئ الشعوب كما يخطئ الأفراد، وقد أخطأت وتخطئ الرأسمالية كونها اعتمدت فردانية الشخص، أو تمجيد فرادة الأشخاص، ولم تزل تراهن على مصلحة أو مصالح الأفراد أو النخبة أو بعض الطبقة، حتى صار اقتصادها اقتصاد مضاربة، ودخلت عمق اقتصاد افتراضي لا دخل للعملية الانتاجية فيه، وها هي أزمتها تمضي إلى المأزق، من دون أن تستطيع باقتصادها الافتراضي أن تصحح أخطاء وخطايا ذاتها بذاتها، أو تجد من وما ينقذها من اختلالات هيكلية وأبنية نظرية تقادم عليها الزمن. كذلك هم الطغاة لا يستطيعون مهما بلغوا من الدهاء والحنكة وبرعوا في أفانين التضليل والأكاذيب تصحيح صورتهم، وإنقاذ أنفسهم من مصير أسود ينتظرهم.

الشعوب لا ولن تتسامح مع طغاتها، وهي تدرك أن الطاغية كما السلطة المنفلتة لا يحتكم أصحابها إلى مبدأ أو ضمير، ومن دون أخلاق العامة أو أخلاقيات المجتمع، الطاغية كما السلطة لا تملك أي امتياز عن الشائع في عالم النفوذ والهيمنة، عالم التسلط وطغيان الاستبداد الفردي أو الطغموي، وحيث لا يمكن توقع فعل الطاغية أو ردود أفعاله، بل هو في مزاجيته أفصح ما يكون في لاعقلانيته، ليس وحيدا هو في هذا، بل إن كل الذين يمارون سلطتهم بسلطته يذهبون حتى الأقاصي في سلوكيات غير متوقعة، لذلك هم لا يدافعون عن الطاغية حين يكونوا في موقف الدفاع عن سلطة لهم تماهي بينها وبين سلطة الطاغية؛ نحن هنا أمام وحدة حال سلطوي لا يمكن أن تنفصم عراها إلاّ حين يسقط الطاغية أو يهيم على وجهه بحثا عن مكان يؤويه، فتنتهي سلطته، وينتهي البعض من أدواته إلى وضع الذات في قلب الخيار الصعب؛ الانسحاب كجرذان أو تسليم أنفسهم لشعوبهم، علها تتسامح معهم، وغالبا ما فعلت مع مرضى السلطة ممن قد يكررون أدواءهم المرضية في ظل السلطة الجديدة، وقد يزايدون على المخلصين منهم، يقودونهم موارد تهلكة، وهم الأولى بقطف ثمار تمردهم وثورتهم.

للأسف لم يقطع الطغاة مع دوائر الوصاية الاستعمارية وثقافاتها، بل إنهم أبقوا على ذواتهم في نفس الدائرة التي أنتجت ثقافة العنف والصمت والخوف، وهي ثقافة لم تكن لتتكرس في ظل الاحتلال الأجنبي، ولكنها بزغت مع بزوغ فجر "الاستقلال الوطني" الذي أرادت السلطة الاستبدادية تأميم ثماره لمصلحتها، لا تعميم مكاسبه لمصلحة الشعب الذي اعتبر قاصرا، وبالتالي لا بد من وصاية و"ولاية عليا" عليه. فكانت دموية وولاية السلطة هي سلطة القداسة العقيدية والعقائدية التي أرادت من الشعب التغني بها والتصفيق لها إكراها، لا بالقناعات الأبعد ما تكون عن سلطة التغول العائلية منها والأسروية والقبائلية، قبل أن تنقلب هذه الأخيرة إلى صراع "أفخاذ" حاد على السلطة، كما يجري اليوم في اليمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


.. تفاعلكم الحلقة كاملة | عنف واعتقالات في مظاهرات طلابية في أم




.. كل يوم - خالد أبو بكر يعلق على إشادة مقررة الأمم المتحدة بت


.. حاكم ولاية تكساس يبدل رأيه في حرية التعبير في الجامعات: المت




.. الأخبار في دقيقتين | مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش غزو رفح ومف