الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأكوان الموازية : نهاية حياة الإنسان .. ورحلته مع الموت

محمد الحسيني إسماعيل

2011 / 9 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



الأكوان الموازية [1]

نهاية حياة الإنسان .. ورحلته مع الموت

دكتور مهندس / محمد الحسيني إسماعيل


يخاطب المولى (  ) الإنسان الغافل .. بقوله تعالى :

 لَّقَدْ كُنْتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) 
( القرآن المجيد : ق {50} : 22 )

[ التفسير : الغطاء : الجسد المادى للإنسان / فبصرك اليوم حديد : أى بصرك اليوم نافذ الرؤية فى ما لم تكن تستطيع أن تراه من قبل / وسنأتي إلى شرح معناها لاحقا ]

وبالتوافق مع الآية الكريمة السابقة .. يقول الإمام عليّ ( كرم الله وجهه ) ..

" الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " [2]

ودعنا نبدأ القصة من البداية .. قصة تجربة الأستاذ حمدي الشامي ( المدير السابق لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، ونقيب الصحفيين بالأسكندرية فى الفترة من 1995 - 1997 ) [3] عندما اقترب من الموت بدرجة كافية .. كما يرويها بنفسه .. فنجده يقول ..

[ .... كانت العربة تنهب الطريق نهبا ، ومع ذلك كان الجمع من حولى يستحث هذا السائق الإنسان ، على الإسراع خيفة أن أموت فى الطريق قبل وصولى إلى المستشفى ، بينما كنت أطالبه بصوت واهن وضعيف بالتمهل رغم فظاعة الآلام التى تشق صدرى ، إلا أن طمأنينة روحانية كانت ترفرف حولى ... فالسائق الطيب لا يعرف سوى أنه يحمل مريضا لم يحتمل انتظار سيارة إسعاف لتحمله إلى المستشفى ، ولهذا كان يشعر بأنه يؤدى مهمة إنسانية لوجه الله ... كانت الكثافة المرورية فى ذروتها والسيارات تملأ الطرق والميادين تسير الهوينى ، وكان السائق الطيب يمر بينهم كالسهم إلى أن وصل إلى المستشفى بعد دقائق خِلت أنها ساعات طويلة ... نقلونى إلى وحدة العناية المركزة ... حيث التف حولى عدد من الأطباء وجهاز التمريض كل منهم يجرى ليؤدى عملا مطلوبا منه على وجه السرعة .. أسلاك تدخل الصدر وأخرى تخرج منه لتثبت فى الأجهزة ( Monitors ) ... مجموعة كبيرة من الحقن بدأ تثبيتها فى يدى لتشغيل أدوية سائلة ... وأوشكت الغيبوبة أن تحيط بى ، فإذا بطبيب جاء مسرعا على عجل ـ عرفت فيما بعد أنه رئيس الوحدة ـ فهمس فى أذنى بعدة أسئلة : ما آخر مرة جاءتك هذه الجلطة القلبية ؟ هل مرضت بنزيف من قبل ؟ هل لديك قرحة فى المعدة أو الإثنى عشر ؟ ... وكنت أرد عليه بلسان واهن توقف بعد أول سؤال ... وبدأت إجاباتى عن باقى أسئلتة بالكتابة بإصبعى على جانب السرير إلى أن غبت عن الواقع حولى ...

وفجأة … وجدت نفسى أصعد إلى السماء ... لحظتها كم سعدت لأننى فى الطريق إلى الله بعد إنتهاء مهلة عذابى على الأرض . كانت نفسى هادئة مطمئنة ، بل فرحة فى رحلتها إلى أعلى . وفجأة توقفت نفسى فى برزخ لازوردى تنظر إلى أسفل كأنها تودع ذلك الجسد الذى كانت تحتل داخله وتتحكم فى إرادته وحركاته ... ويا للـهول !! لقد رأيت مجموعة من البشر تتحرك حول جسدى مهرولة بسرعة زائدة هنا وهناك ... بعض الدماء تنساب من يدى وجهاز يسجل تحركات قلبى ، ومجموعة من الأدوية والسوائل تنساب داخل هذا الجسد المسجى أمامهم ، يحاولون قدر جهدهم ألا يتوقف القلب الذى أصابه هبوط حاد من جراء ضربة عنيفة أصابت أحد أجزاؤه [3] .

تصورت نفسى وهى تنظر من عل أنها نفس الإصابة فى نفس الموضع الذى أصابنى من قبل ... ورغم هول ما أراه أسفلى من جهود مضنية لإنقاذ هذا الجسد ، إلا أننى مع كل هذه الآلام فإن نفسى فى السماء ـ رغم إشفاقها على الوعاء الذى كانت فى داخله ـ كانت كائنا آخرا سماويا لا تحده حدود ... تسبح فى ملكوت الله سعيدة بعودتها فى حياة أخروية ، غير محسوسة ماديا ، وإن كانت موجودة ومحسوسة بشكل ما أو بآخر . يجرى كل ذلك وأنا فى قمة النشوة فى الطريق للسماء مطمئن ... هادىء أنتظر الصعود إلى أعلى أكثر فأكثر لعلى بالغ ما هو مقدر لى ولا أعرفه ... وبين الفينة والفينة أنظر إلى جسدى ورغم عدم إحساسى به وبعدى عنه ، إلا أننى أحس كأن رباطا خفيا [4] يربط بينى فى السماء وبين هذا الوعاء الممدود على الفراش ، والذى يعيش فى حالة تشبه الموت نفسه ...

مازال الأطباء حول جسدى منهمكين فى أداء واجبهم بقدرة غير عادية ... وكأن بعضهم ليس من البشر بل ملائكة رحمة نزلوا من السماء لعلاج هذا الجسد الذى أحاطوه بكل الحب والرعاية ... نفسى فى السماء وسط أجواء ورد ورياحين وألوان وبهجة بالتأكيد ليست دنيوية ... ورغم البعد المكانى والمسافة الطويلة التى تفصل بين نفسى وروحى وعليائهما وبين جسدى فى سفليته ، إلا أن الخيط الرفيع الغير المرئى الذى يربط بينهما مازال مشدودا ... كانت نفسى وروحى فى السماء تمثل قدرة وعظمة وإرادة إلهية ، بينما جسدى ممدد أسفلى لا حول له ولا قوة ... إلا اللون الأبيض الذى يرتديه الأطباء وجهاز التمريض ، بينما الألوان حولى مبهجة متناغمة متناسقة كأنها سيمفونية علوية لا مثيل لها على الأرض ...

هكذا عشت ليلة بأكملها نفس وروح علوية وجسد سفلى ... الروح مرفرفة ترنو لأعلى وكأنها على ثقة بأن الإطمئنان الذى يحيطها سيكون أكبر والسعادة التى تملأ هذا الكيان لا يمكن وصفه بقلم ستكون أعظم ، وجسد فى موقع بعيد أدرك أنه يتألم ويتعذب ... ورغم الرباط الواهى الذى يربط بين الإثنين وأظنه علاقة ربطت بينهما ، وجعلت من كل منهما وقت المحن العصيبة يرتبط بالآخر بنوع من حنين يؤكد أن الروح لها عالمها الخاص ، وتعيش فى عالم علوى مع " الله " وفى ملكوته . وإن الإحساس بالصعود أمر إلهى لكى يرى المرء قدرة " الله " سبحانه وتعالى . بينما الجسد وعاء النفس والروح ، خلق من تراب وهو عائد إليه مهما طال الزمن أو قصر ... لذلك صدق قوله تعالى لرسوله الكريم ...

 وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبـِّى وَمَا أوتيتُمْ مِّنَ العِلْم إلا قَليلاً (85) 
( القرآن المجيد : الإسراء {17} : 85 )

فهذا هو حول الإنسان وعجزه ، وهذا هو غاية علمه  ... وَمَا أوتيتُمْ مِّنَ العِلْم إلا قَليلاً  ... ويتجلى التناهى العلمى للإنسان ومحدودية فكره فى قوله تعالى :

 ... وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) 
( القرآن المجيد : الواقعة {56} : 61 - 62 )

أى أن غاية علم الإنسان هو هذه النشأة الأرضية ... أى النشأة الأولى ...!!


ونتابع التجربة ...

ولست أدرى كم من الزمن مضى ولا كيف عادت الروح إلى الجسد سوى أن عينى مع بواكير الصباح تتحرك ببطء شديد لأرى وجه أخى الصغير مضيئا مثل القمر يبتسم لى ابتسامة ربانية مضت لحظات لأفهم مغزاها ...

بعدها وفى ضوء النهار سمعت صرخة من ممرضتى الطيبة تنادى الأطباء ، فقد عاود القلب الهبوط ... لتصبح " نفسى وروحى " فى السماء مرة أخرى تشاهد نفس الأحداث السابقة … وهرول الأطباء كالعادة يقومون بواجبهم ...

ثم يتكرر الهبوط للمرة الثانية وفى نفس اليوم ... وفى كل مرة تصبح " نفسى وروحى " فى السماء تشاهد نفس الأحداث السابقة فى متوالية متسقة رأيت خلالها " الله وملكوته ... "

وعادت الروح للمرة الثالثة إلى الجسد بعد أن أصابه الوهن والأطباء حولى يتنفسون الصعداء ومعهم مدير المستشفى ، بعد ان أدوا ـ جميعا ـ واجبهم ليدور القلب ولو بجزء من طاقته ... ولا تملك روحى فى النهاية إلا السجود لله العلى القدير ... والشكر لكل أحبائى الذين إلتفوا من حولى ... "
( انتهى )

تجربة متكررة ومثيرة عند اقتراب المرء من حافة الموت ..!! وهكذا الإنسان " جسد مادى " مُسَجّى فى كوننا هذا ( أى فى هذه السماء الدنيا ) ، و " نفس وروح " هائمين فى كون آخر متعالٍ ( أى فى سماء أخرى ) يحتل نفس حيز كوننا هذا ولا ندرك منه شيئا ، ولا نعى منه أو نعلم عنه وعن قوانيه أى شئ .. ويبقى إدراك الإنسان خير شاهد على قصور فكره .. وحدود علمه البسيط ..!!

وهكذا يبقى الغموض .. كما يبقى بصيص النور الإلهى الخافت الذى يتلألأ فى جنبات الإنسان عن بعد .. ليمثل الوعى الكامن فى اللاشعور الذى يدفع الإنسان بدون أن يعى أو أن يدرك .. نحو البحث عن هذا العالم الزاخر بالجمال اللامتناهى ..!! نحو البحث عن الله ..!!

وعندما صلب شهيد التصوف الإسلامى الحسين بن منصور الحلاج [5] تعرض للتعذيب الشديد ، فقد بترت يداه ، وقطعت قدماه ، وهو لم يتغير .. وظل على نشوته ومناجاته وضراعـاته وذكره لله ... وظل الحلاج على هذا الحال ثلاثة أيام حتى قطع رأسه فى اليوم الثالث .

ولما سأل الشيخ محى الدين بن العربى .. الحلاج ( فى مشهد روحى ) ، عـن كيفية تحمله لكل هذا العذاب ، ولمـاذا ترك بيته ( أى جسده ) يخرب ؟ أجابه الحلاج وهو يبتسم :

[ لما إستطالت على بيتى ( أى جسدى ) الأكوان ، حين أخليته ، وخلفت هارون فى قومى ( أى خلف بقية عقله فى جسده ) ، استضعفوه لغيبتى ، فأجمعوا على تخريبه ، فلما هدموا من قواعده ما هدموا ، وكنت قد فنيت ، رددت إليه بعد الفناء ، فأشرفت عليه ، وقد حلت به المثولات ، فأنفته نفسى ، وقلت : لا أعمر بيتا تحكمت فيه الأكوان ، فانقبضت نفسى عن دخوله ، فقيل : مات الحلاج .. والحلاج ما مات .. ولكن البيت خرب ، والساكن ارتحل ]

فهذا هو الإنسان العاجز .. وهذه هى حقيقة إتصاله بالعالم المادى المحيط به ..!! جسد وسيط من تراب عائد إلى تراب .. يشغله أو يسكنه ذلك الإنسان الحقيقى ( النفس والروح ) .. فى أثناء فترة تواجده فى هذه الحياة الدنيا المحدودة زمانيا ومكانيا .. ثم يغادره إلى آفاق لا نهاية لها .. ولا زمان لها .. لأنها غايات من الخلق ..!!

• خبرات القرب من الموت ...

ونذهب معا للبحث عن تجارب مماثلة نتحسسس بها طريق يبدد ظلمته بصيص من نور خافت ، وتضيئه بارقة أمل تلوح فى الأفق عن بعد ... وهى التجارب التى يمكن أن تعيننا على كشف ورؤية هذا الواقع الذى نحياه . هذا الواقع الذى يكتنفه غموض الوجود ... ويحيط به لغز الموت ...!! فنجد أن مثل هذه التجارب ... هى تجارب متكررة قد كتب عنها كثيرين وبنفس النمط وسير الأحداث بالضبط ...!! منها على سبيل المثال التحقيق العلمى الذى أجرته مجلة " فوكس : Focus " اللندنية فى عددها الصادر فى سبتمبر 1993 ، تحت عنوان :

" خبرات القرب من الموت : رؤية لما بعد الحياة :
NEAR DEATH EXPERIENCES ( NDEs ) : Visions of the afterlife "

فيقول هذا التحقيق ، أن تجارب وخبرات القرب من الموت هى خبرات غريبة جدا ، ولكنها مألوفة تماما . ولكن ما يمنع الناس الكلام عنها هو الخوف من إتهامهم بالجنون . ويقول التحقيق ، أنه يوجد بعض الأشخاص يرون ـ فى أثناء هذه التجربة ـ نفق ضوئى ، أو نفق ينتهى بدائرة من الضوء المبهر . وقد أمكن لبعض الأطباء وأطباء علم النفس تقديم تفسير بيولوجى ( وهو تفسير نظرى وظنى أقرب إلى التخمين منه إلى العمل العلمى المؤسس على المنهاج التجريبى ) لرؤية هذا النفق الضوئى مبنى على أساس أن عقل ( أو مخ ) المحتضر ينقصه الأوكسجين اللازم لإدراك العمليات المختلفة ، وأن هذا النقص هو المسئول عن حدوث مثل هذه الرؤية ، أى رؤية هذا النفق الضوئى . ولكن هذا التفسير ، لا يفسر حضور وعى المحتضر فى لحظاته الأخيرة ، والذى يؤكده الشخص المار بالتجربة نفسها . فالشخص المار بالتجربة يؤكد دائما على وجود هذا الوعى الكامل وكذا إدراكه الواعى بكل ما يحدث حوله وحول جسده أثناء مروره بهذه التجربه .

ففى التجربة السابقة ـ كما رأينا ـ نجد أن الشخص قد رأى جسده وما حوله من أحداث مختلفة ، كما رأى المحاولات المبذولة لإنقاذ هذا الجسد بتفاصيل واضحة وغير مشكوك فيها . فمثل هذه الخبرة لم يستطع أحد تفسيرها أو حتى الإقتراب منها لمحاولة فك طلاسم هذا اللغز الخاص بها .

ويضيف التحقيق الذى أجرته مجلة " فوكس : Focus " ، أنه مهما يكن من شكل تجربة القرب من الموت والخبرة التى يمر بها الشخص ، إلا أنها ـ بعد نجاته ـ تجعله شخص مختلف تماما عن الشخص الأول ، إذ يصبح أقل أنانية ، وأكثر أخلاقا وصديقا محبـّا بدرجة واضحة ، وهو ما يؤكد على أنه قد تعرض لتجربة غير أرضية ، أو بمعنى آخر أنه قد تعرض لتجربة " إلهية : Divine " بطريقة ما أو بأخرى .

وسوف نرى ـ الآن ـ أن ما ورد ذكره فى هذه القصص السابقة متفق تماما مع مفهوم النفس والروح والجسد ، كما جاء بيانه فى القرآن المجيد . كما وأن هذه المغادرة " النفس / روحية " ( للجسد ) ، ما هى إلا مجرد بداية جديدة لحياة أخرى تعرف باسم " الحياة البرزخية " . وأن هذه المغادرة هى مجرد إنتقال الإنسان من الفصل الأول من سيناريو الوجود إلى الفصل الثانى وليس الأخير من نفس السيناريو ، والذى يحكى قصة وجود وخلق الإنسان من أجل غايات بعينها يتحتم على الإنسان تحقيقها حتى ينال الخلاص المأمول ، والحصول على السعادة الأبدية التى ينشدها بالفطرة منذ ميلاده ..

• معنى الأكوان الموازية / أو الأكوان المتطابقة ..

ولكى نفهم معنى انتقال الإنسان بين فصول الرواية الواحدة ، " رواية الوجود " ، نبدأ هذا المعنى بالإخبار الإلهى عن طبيعة خلقه لهذا الوجود والأكوان المتواجدة فيها ، والتى سوف يتواجد فيها الإنسان فيما بعد . ونبدأ هذا بالإخبار الإلهى عن قيام المولى (  ) بخلق " سبعة أكوان " موازية ، أو متوازية ، أو متراكبة كما جاء فى قوله تعالى :

 الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاواتٍ طِبَاقـًا مَّـا تَرَى فِى خَلـْقِ الرَّحْمنِ مِن تَفاوُتٍ فارْجعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) 
( القرآن المجيد : الملك {67} : 3 )

[ سماوات : مفرد سماء ، وأحد معانى " السماء " هو " كونا كاملا " بمجموعة قوانينه المختلفة / طباقا : تعنى التماثل والمشابهة ، وتعنى التوافق والتساوى ، وتعنى الإنطباق / تفاوت : اختلاف / فطور : ضعف وشقوق وتصدع ]

والسماء ـ فى هذا السياق القرآنى ـ تعنى كونا كاملا . و " كوننا المادى " واحدا منها ، حيث يطلق عليه ـ القرآن المجيد ـ لفظ أو اسم " السماء الدنيا " . ويبين لنا المولى (  ) أن مكونات " كوننا المادى " هى الكواكب والمصابيح ، أى " المادة المظلمة : The Dark Matter " ، والمادة المضيئة بذاتها . ويأتى مفهوم المادة المظلمة فى قوله تعالى :

 إِنـَّا زَيَّنـَّا السَّمَاءَ الدُّنـْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ (6) 
( القرآن المجيد : الصافات {37} : 6 )

كما يأتى مفهوم المواد المشعة بذاتها ، أى كل ما هو مضىء بذاته فى قوله تعالى :

 … وَزَيَّنـَّا السَّمَاءَ الدُّنـْيَا بِمَصَابِيحَ [7] وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ (12) 
( القرآن المجيد : فصّلت {41} : 12 )

[ وحفظا : تشير هذه الكلمة ـ عن بعد ـ إلى وجود قانون طبيعى لم يستطع الإنسان إدراكه بعد أو الكشف عنه حتى الآن ، لتقيم علينا الحجة البالغة والدليل الكافى على قصور الفكر البشرى وعجزه ، وينبع هذا المعنى مباشرة ؛ من أن هذه الكلمة يمكن حذفها بدون تأثير على معنى السياق القرآنى بالنسبة إلى فكرنا ]

فالسماء الدنيا ، كما نرى من هذا السياق القرآنى هى " الكون المادى " الذى نحيا فيه . وتصبح السماوات ـ إذن ـ هى أكوان متطابقة  … سَبْعَ سَمَاواتٍ طِبَاقـًا …  ، أى هى أكوان تحتل نفس الحيز المكانى والزمانى لكوننا هذا . ولكن كيف تحتل هذه الأكوان نفس الحيز " المكانى / والزمانى " لنا ولا ندرى عن وجودها أى شىء ..؟! وليس هذا فحسب ، بل ولا يمكننا حتى الكشف عنها باستخدام ما نملك من أجهزة علمية متاحة ، أيا كان نوعها . ولكى نجيب على هذا السؤال .. نأتى إلى قوله تعالى :

 فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ [8] وَأوْحَى فِى كُلِّ سَمَاءٍ أمْرَهَا … (12) 
( القرآن المجيد : فُصّلت {41} : 12 )

وهنا يتضح من قوله تعالى :  ... وَأوْحَى فِى كُلِّ سَمَاءٍ أمْرَهَا ...  ... أن الله (  ) قد جعل لكل " سماء " ، أو لكل " كون " مجموعة القوانين الفيزيائية الخاصة بها ، والمغايرة لمجموعة القوانين الفيزيائية الخاصة بالسماوات ، أو الأكوان الأخرى . أى هى مجموعة ( سبعة ) من الأكوان المتراكبة أو المتداخلة ، يحكم كل منها مجموعة من القوانين ( الفيزيائية ) التى تختلف فى جوهرها عن مجموعة القوانين الخاصة بباقى الأكوان الأخرى . فمثل هذا التغاير ـ فى القوانين الحاكمة ـ يسمح بالوجود الغير مدرك لهذه الأكوان ، حتى وإن احتلت نفس المكان والزمان لكوننا هذا . ولهذا يأتى قوله تعالى :

 وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) 
( القرآن المجيد : النبأ {78} : 12 )

أى لا نستطيع تجاوزهم . ولإلقاء الضوء على مثل هذه المعانى ؛ نقول أن السماء الأولى ، كما يخبرنا بهذا القرآن المجيد ، ليست من ضمن سمائنا الدنيا ، بل هى كون آخر مغاير تماما لكوننا هذا ، حتى وإن كان موازيا أو متراكبا أو منطبقا عليه . أى أن السماء الأولى هى كون يحتل نفس الحيز المكانى والزمانى لكوننا هذا ، ولكن تحكمها مجموعة من القوانين الفيزيائية ( إن جاز لنا تسميتها بهذا الإسم ) مختلفة تماما عن قوانين كوننا المادى المألوفة لدينا .

وبديهى لا أقصد بالفرق بين القوانين الفيزيائية فى الكونين ، أى بين السماء الأولى وبين السماء الدنيا ، هو فرق فى إختلاف ذبذبات الموجات الكهرومغناطيسية ، كما تشير بذلك بعض الكتب ذات الثـقافات البسيطة . بل أقصد أن الفروق تكمن فى جوهر وطبيعة " المادة " وطبيعة " مجالات القوى " ـ إن جاز لنا استخدام نفس هذه المفاهيم ـ فى كل كون .

فاختلاف الذبذبات ، أو بمعنى آخر اختلاف تردد الموجات الكهرومغناطيسية لا تمثل ـ فى الواقع ـ أكثر من تعدد محطات الإذاعة والتليفزيون ، أو أى إرسال لاسلكى آخر . وبديهى ؛ هذا لا يخرج الموجات الكهرومغناطيسية عن مفهوم القوانين الفيزيائية الخاصة بكوننا هذا . فتغير الذبذبة ( أو التردد ) هو أمر وارد فى قانون سرعة انتشار الموجات الكهرومغناطيسية ( أى الضوء ) ، أى لا يوجد تغير فى طبيعة القانون الذى يحكم انتشار هذه الموجات ، كما وأن تغير الذبذبة ( أو التردد ) لا يعنى انتقال أو خلافه من كون إلى آخر ، فالموجات مازالت جزئية من عالمنا المادى هذا ، كما يمكن كشفها بطرق وأجهزة علمية كثيرة ممكنة ، ومنها العين المجردة كالتمييز بين الألوان لاختلاف تردد الضوء مع اختلاف اللون .

ولكن ما أقصده بالكون الموازى أو الكون المتراكب أو المتطابق مع كوننا هذا ، أى هو وجود " كونى مجهول تماما " عنا ، فهو وجود مغاير ومستقل تماما عن وجود كوننا هذا ، وتحكمه قوانين فيزيائية مختلفة تماما عن القوانين الفيزيائية المألوفة لدينا ، كما سبق الإشارة إلى هذه المعانى فى قوله تعالى :  ... وَأوْحَى فِى كُلِّ سَمَاءٍ أمْرَهَا ...  . وهذا الكون الجديد بهذا المعنى يدخل فى الحيز الغيبى وليس فى حيز الشهادة ، ولكن مع ذلك يمكننا البرهنة على وجوده بشكل قاطع ومحدد .

وبهذا المفهوم ؛ إذا ما انطلقنا فى كوننا هذا بصاروخ يتحرك بسرعة الضوء مثلا [9] ، فمن غير المتوقع أن نصل بعد زمن ما ( أو حتى زمن لانهائى ، فهذا لا يهم ) إلى نهاية كوننا الحالى ، حيث نجد " لافـتة ما " مكتوب عليها عبارة : " مع السلامة " ، هذا هو الحد النهائى للسماء الدنيا ، أو الحد النهائى للكون المادى أو " ولاية السماء الدنيا : The Lower Heaven - State ( بمفهوم الولايات فى الولايات المتحدة الأمريكية ، ومفهوم المحافظات فى مصر ) . ثم نجد بعد انطلاقة قصيرة " لافتة " أخرى " ترحب بقدومنا إلى السماء الأولى " ، مكتوب عليها " مركز ترحيب : Welcome Center " ـ خاص بالسماء الأولى ـ على غرار مراكز الترحيب الموجودة بين الولايات المختلفة فى الولايات المتحدة الأمريكية .

بديهى هذا لن يحدث ..!! ففى واقع الأمر ؛ إن انتقالنا الزمكانى ( الزمانى/المكانى ) ـ فى كوننا هذا ـ لن ينقلنا من فيزياء إلى فيزياء أخرى ، بل سنبقى نتحرك فى داخل إطار مجموعة القوانين الفيزيائية الواحدة ، أى فى داخل إطار هذه السماء الدنيا ( أى الكون المادى ) حتى وإن ظل انطلاقنا بسرعة الضوء إلى مالانهاية ، هذا إن لم نعود ثانية إلى نقطة انطلاقنا مرة أخرى بعد فترة زمنية ما ...!!

ويأتى مفهوم التغير التام لمجموعة القوانين الفيزيائية عند الإنتقال من كون إلى كون آخر ، بنص مباشر فى قوله تعالى ، عندما يتكلم المولى (  ) عن المعاندين :

 وَلَوْ فَتَحْنـَا عَلَيْهِم بَابـًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أبـْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) 
( القرآن المجيد : الحجر {15} : 14 - 15 )

[ يعرجون : ينتقلون من فيزياء الكون المادى إلى فيزياء كون آخر موازى / سكرت : عميت وغشيت ، أى لا يرى شيئا ]

وتمثل هذه الآيات الكريمة ـ فيما تمثل ـ القيثارة الفكرية التى يترنم بها لحن الوجود ، والذى تمتزج فيه القوانين الطبيعية .. بقوانين المنطق الرياضى .. بقوانين الجحود والحرية الإنسانية فى الإعتقاد .. كما تمثل الغايات من وجود العقل الإنسانى ..!! لهذا ينبغى إعادتها مع قليل مما ورد قبلها من آيات .. كما جاء فى قوله تعالى :

 كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِى قُلُوبِ الْمُجرِمِينَ (12) لَا يُؤمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلـِيَن (13) وَلَوْ فَتَحْنـَا عَلَيْهِم بَابـًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أبـْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) 
( القرآن المجيد : الحجر {15} : 12 - 15 )

[ كذلك نسلكه : أى اتخذ الكذب طريقا إلى قلوب المجرمين . أو بمعنى آخر ؛ سوف يجد من يريد التكذيب بالقرآن المجيد ما يبرر به ما يريد أن يعتقده فيه ، ولكن بلا برهان أو سند / وقد خلت سنة الأولين : وقائع الله فيمن سبقوا الناس من الأمم ]

وهو ما يعنى أن الإنسان يملك ـ ببساطة شديدة ـ التكذيب بالقرآن .. كما يملك ـ ببساطة شديدة ـ أن يقوم بلىّ الحقائق الواضحة لكى يبرر ما يريد أن يعتقد فيه ..!! وليس معنى هذا أن يصبح المطلق نسبى ..!! ولكنه هو عناد وتكبر من يريد أن يعرض ويُكَذِّبْ ..!!

فالآيات الكريمة السابقة تضع الإنسان وجها لوجه مع المعجزة  وَلَوْ فَتَحْنـَا عَلَيْهِم بَابـًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ  ، ومع ذلك لن تعييه الحيلة فى أن يجد المبرر ليكذب المعجزة ويتنكر لها ، على الرغم من معايشته لها بشكل مباشر ..  .. إِنَّمَا سُكِّرَتْ أبـْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ  . وهكذا خلق المولى (  ) الإنسان على هذا النحو لحكمة اختباره ، واختبار عقله ، فى هذه الحياة الدنيا .

ومن جانب آخر ؛ يبين لنا المولى (  ) ، أن جسد الإنسان الحالى الذى يسكنه ، وحواسه المصاحبة غير مؤهلة لإدراك قوانين ومعانى الأكوان المتراكبة ( أو الموازية ) الأخرى . أى هو جسد صالح فقط للتعامل مع هذا الكون المادى فقط ، وغير صالح للتعايش مع قوانين الأكوان الأخرى . فكما رأينا إذا ما فتح الله للإنسان بابا ( جوازا وتشبيها ) إلى أحد الأكوان الموازية الأخرى ، وظل الإنسان يعرج ويرتقى فيه ، فإنه لن يرى من هذا الوجود الجديد شيئا ..!! فأجهزته الحالية المستخدمة لتحديد الإتصال مع عالمنا المادى لا تصلح لتحديد الإتصال مع الأكوان الأخرى ..!! لهذا يمكن أن يفهم قوله تعالى لنا ( ذلك المخلوق ) ..

 ... وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) 
( القرآن المجيد : الواقعة {56} : 61 - 62 )

أى إن غاية معرفة الإنسان هى " النشأة الأولى " فحسب . وهكذا ؛ يصبح الانتقال من سماء إلى أخرى يستلزم بالضرورة " نشأة أخرى " ، أى تغيير الهيئة المادية أو الأجهزة التى نحن عليها ، لندخل فى المفهوم الجديد للقوانين الفيزيائية الأخرى الخاصة بالكون الجديد ، أو الأكوان الجديدة والتى تخضع لها ظواهره ، وهى القوانين والظواهر المختلفة والجديدة علينا تماما . ومثل هذا التغيير لن يحدث إلا بالتخلص من هذا الجسد المادى ، والذى يعتبر وسيلة الوصل بيننا وبين هذا الكون المادى .

ومن هنا يمكننا أن نفهم مقولة مثل مقولة الحلاج ، عندما رأى جسده قد تقطعت أوصاله ، فقال : " فلما رددت إليه ( أى رد إلى جسده ) وجدته قد حلت به المثولات ، فعافت نفسى أن أدخله ، فتركته وانصرفت . وقيل مات الحلاج ، وما مات الحلاج ، ولكن البيت خرب والساكن ارتحل ..!! " [10] . إذن ؛ فنحن ـ فى الواقع ـ نمثل ذلك المستخدم لهذا الجسد فحسب ، أى أن هذا الجسد يمثل العلاقة المتبادلة بيننا وبين الكون المادى الذى نحيا فيه فحسب .

وهكذا يصبح الموت ـ وتجارب القرب من الموت ـ هو وسيلة الانتقال الفورى من كوننا هذا إلى الأكوان الأخرى ، أو إلى كون آخر تحكمة قوانين مغايرة لما نألفه هنا فى كوننا المادى هذا ( السماء الدنيا ) . ويصبح حدوث " الموت " للإنسان ، هو مجرد تغير فى المناظر المحيطة بالإنسان فحسب ، وتبقى الإتصالية قائمة منذ لحظة حضور الوفاة [11] ، أى منذ لحظة بداية انتقالة إلى الأكوان الموازية ، وحتى تمام انتقاله إلى العالم الآخر ..!!

ولتأكيد هذه المعانى السابقة ، فإننا نرى القرآن المجيد يستخدم كلمة " أسرى " للدلالة على السير فى نفس السماء أى نفس المستوى الفيزيائى .. بينما يستخدم كلمة " عرج " ومشتقاتها ، عندما يتكلم عن الانتقال من سماء إلى أخرى ، أى عند الإنتقال من مستوى فيزيائى ( أو فيزيقى ) إلى مستوى فيزيائى ( أو فيزيقى ) آخر .

ففى " رحلة الإسراء والمعراج " [12] ، وهى الحادثة التى حدثت للرسول (  ) فى السنة الحادية عشرة من بعثته نرى تحرك الرسول فى أكثر من مستوى فيزيائى واحد . حيث أسرى به من المسجد الحرام ( فى مكة ) إلى المسجد الأقصى ( فى بيت المقدس ) ، كما يأتى هذا قوله تعالى عن هذا الحدث ...

 سُبْحَانَ الَّذِى أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِى بَاركْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيـَاتِنا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) 
( القرآن المجيد : الإسراء {17} : 1 )

[ الإسراء و السرى : هما السير ليلا ]

والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى كلاهما فى نفس الفيزياء ، هى فيزياء كوننا هذا ( أو السماء الدنيا بلغة القرآن المجيد ) . ثم " عرج " بالنبى بعد ذلك إلى السماوات العلى ، أى الأكوان الموازية أو المتراكبة مع كوننا هذا . وكلمة " يعرج " ومشتقاتها يستخدمها المولى (  ) عند التكلم عن الإنتقال من سماء لأخرى .. كما يجىء قوله تعالى :

 ... يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَ مَا كُنْتـُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) 
( القرآن المجيد : الحديد {57} : 4 )

وهو ما يعنى بكلمة " يعرج " بأنه الإنتقال من فيزياء لفيزياء أخرى .. وكما جاء فى قوله تعالى عن عروج الملائكة والروح إليه :

 تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفِ سَنَةٍ (4) 
( القرآن المجيد : المعارج {70} : 4 )

ولابد لى من أشير هنا إلى أن التمدد الزمنى ـ والخاص بالملائكة ـ والذى نحن بصدده فى هذه الآية الكريمة ( فى مفهوم يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) ، هو تمدد زمنى ناتج عن تغير فيزياء الأنظمة المختلفة ، وليس ناتج عن التمدد الزمنى النابع من حركة الأنظمة بالنسبة إلى بعضها البعض فى نفس الفيزياء ، أى التمدد الزمنى المألوف لدينا فى هذه السماء الدنيا ، والذى نعرفه كما تجىء به قوانين الحركة فى " النظرية النسبية الخاصة " . فالتمدد الزمنى المقصود ـ هنا ـ بكلمة  تَعْرُجُ ..  هو تمدد زمنى ناتج عن الإنتقال من فيزياء إلى أخرى ، كل منها لها القوانين ( الطبيعية ) الخاصة بها ، وكل منها لها طبيعة مغايرة عن الأخرى . فهى فيزياء مغايرة تماما عن فيزيائنا هذه ، ولا ندرك عنها أو نعلم عنها شيئا سوى بعض الإشارات التى تأتى بها ما يعرف باسم " الحواس الزائدة للإنسان " مثل : " الجلاء البصرى : Clairvoyance " و" الجلاء السمعى " . أو الإشارات التى يجىء بها القرآن المجيد فحسب ، وبديهى صدق القرآن ( بالأدلة المادية ) إنما يعنى وجود مثل هذه الأكوان بالتالى .

وفى رحلة الإسراء والمعراج دليل آخر على أن الحياة لا تنقطع بالموت ، فالمعروف ، وكما ورد فى السنة النبوية ، أن النبى (  ) صلى بالأنبياء فى " المسجد الأقصى " ، كما رآهم بعد عبوره لهذه السماء الدنيا ، كما جرت بينه وبينهم أحاديث ( مع موسى ، عليه السلام ) ، والمعروف أن أجسادهم قد احتواها الثرى قبل ذلك بآلاف السنين ..!!

ويقف الإنسان ـ ذلك المعاند ـ لا يعلم إلا القليل من واقع ضيق ومحدود ، وظاهر من حياة قرب مغادرتها ...!! ولا يعلم ـ فيما يعلم ـ إلا ...

 … ظَاهِرًا مِّنَ الحَياةِ الدُّنـْيـَا وَهُمْ عَنِ الأخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) 
( القرآن المجيد : الروم {30} : 7 )

وهكذا يتضاءل علم الإنسان ويتناهى حتى لا يعلم إلا  .. ظَاهِرًا مِّنَ الحَياةِ الدُّنـْيـَا ..  فقط ، أى يعلم عِلما لا عمق فيه ..!! ويغفل ـ الإنسان ـ عما ينتظره من وجود عريض يقول عنه المولى عز وجل :

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) 
( القرآن المجيد : الحج {22} : 5 - 9 )

[ التفسير : تعتبر هذه الآيات الكريمة من الآيات العلمية العميقة التي يمكن أن يفرد لها دراسات منفصلة ، ويمكن الرجوع إلى مرجع الكاتب السابق : " الدين والعلم وقصور الفكر البشري " ، ودراسة الكاتب المنشورة على النت بعنوان : " المنهاج العلمي في القرآن المجيد " . كما تشير نهاية الآية الكريمة رقم 6 إلى مرض الزهايمر / ثني عطفه : هو حال الإنسان الذي يلوي عنقه ويعرض عن الإيمان ، فالعطف الجانب عن يمين أو شمال . والقضية في مجملها وجود الغايات من خلق الإنسان ]


فهذا هو الإنسان وحقيقتة ، فالإتصالية قائمة بين الوجود والمصير ، أى إنها ـ فقط ـ مجرد تنقل بين " سيناريو أحداث الرواية الواحدة .. هى قصة أو رواية الوجود " الذى نسجه الله ، عز وجل ، للإنسان ..!! فهو كتاب وقدر وملحمة .. لقصة كتبت للإنسان عن علم وقبول منه بجهل ..!! أى هى قصة قد كتب الله فصولها المختلفة من قبل .. وشارك الإنسان فى إخراجها من بعد بكامل حريته واختياره .. كما يأتى فى قوله تعالى :

 إنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالجِبَالِ فَأبـَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَهَا وَأشْـفَقْـنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (72) 
( القرآن المجيد : الأحزاب {33} : 72 )

[ عرضنا الأمانة : التكاليف من أوامر ونواه / فأبين : امتنعن / أشفقن منها : خفن من الخيانة فيها ]


• نهاية حياة الإنسان .. وبداية الرحلة الحقيقية مع الموت ..

في الواقع ؛ نجد أن الاتصالية بين حياة الإنسان المادية ( في كوننا المادي هذا ) .. وبين حياة الإنسان فيما بعد أو فيما وراء الموت ( أي عند الانتقال إلى الأكوان المتطابقة ) .. هي اتصالية عميقة للغاية .. وهي تبدأ مباشرة عند اللحظات الأخيرة لمغادرة الإنسان لهذه الحياة الدنيا ..!! ففي الحقيقة لا يوجد موت بالمعنى الحقيقي .. بقدر ما يوجد تغير في مناظر رحلة وجود الإنسان .. المقدرة له من قِبَل المولى عز وجل .. لتنقله بين الأكوان المختلفة ( السماوات السبع على النحو الذي بيناه في الفقرة السابقة ) .

ودعنا نبدأ هذه الرحلة .. رحلة موت الإنسان منذ بداية اقترابه من حافة الموت بشكل نهائي . ونبدأ هذه الرحلة بصورة الأفراد الظالمة لنفسها ( أي المشركين بعبادة الله عز وجل .. على النحو الذي بينته في دراسة : " سيكلوجية الدين والتدين : قضية الشرك بالله / من سقطات بعض الصوفية والرهبنة المسيحية " ) .. وكيف تتلقاهم الملائكة .. كما جاء في قوله تعالى .. في كتابه الكريم ..

 .. وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) 
( القرآن المجيد : الأنعام {6} : 93 - 94 )

ويأتي في المقابل وصف الافراد الصالحة عند بداية رحلة موتها .. كما جاء في قوله تعالى ..

 إنَّ الَّذينَ قالوا رَبـُّنا اللَّهُ ثُمَّ استَقاموا تَتَنزَّلُ عَليهم المَلائكةُ ألَّا تَخافوا وَلا تَحْزَنوا وأبْشِرُوا باِلـجَنَّةِ الَّتى كُنتُمْ تُوعَدونَ (30) نَحْنُ أولياؤكُمْ فى الحَياةِ الـدُنيا وَفى الأخِرةِ وَلكُم فيها مَا تَشتَهى أنفُسُكُم وَلكُم فيها مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِن غَفورٍ رَّحيمٍ (32) 
( القرآن المجيد : فصلت {41} : 30 - 36 )

وننتهي إلى القاعدة العامة في تصنيف البشر .. كما جاء في قوله تعالى ..

 فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) 
( القرآن المجيد : الواقعة {56} : 83 - 96 )

بديهي ؛ لابد من الإشارة ـ هنا ـ إلى أنه لا يوجد أي تضحيات فكرية أو منطقية بالإيمان بهذه القضايا الغيبية .. وبين الواقع المقدر لوجود الإنسان . فالإنسان يستطيع الوقوف فى كلا الجانبين بوعى كامل منه .. هذا إن وعى معنى الإيمان بالله .. ومعنى القـرب من الله عز وجل . فمثل هذه الآيات ـ الغيبية ـ الإخبارية ، تؤخذ على أنها مسلمات جزئية ( Subsets ) تقع ضمن المُسلّمة الأساسية ( Universal set ) التى تقول بأن : " الديانة الإسلامية ديانة صحيحة " . وبديهى عند البرهنة على صحة المسلمة الأساسية ، نكون بالتبعية قد أقمنا البرهان على صحة المسلمة الجزئية ( أنظر دراسة : المنهاج العلمي في القرآن المجيد / القانون الفيزيائي والمُسَلَّمَة العلمية بين الصياغة البشرية والصياغة الإلهية ) .

• الحياة البرزخية ... والبعث ...

والأدلة على اتصالية حياة الإنسان المادية بالحياة فيما بعد أو فيما وراء الموت وردت فى القرآن المجيد فى مواقع كثيرة ، وبتباينات ومعان مختلفة لتوضيح وتقريب هذه المعانى إلى فكر وذهن الإنسان . وبديهى لا يمكن سرد كل هذه المعانى ولكن سوف نكتفى بالأساس اللازم لتوضيح هذه المعانى . ومن هذه المعانى ما جاء عن حياة الشهداء فيما بعد أو فيما وراء الموت فى قوله تعالى :

 وَلا تَحْسَبنَّ الَّذين قُـتِلوا فى سَبيلِ اللَّهِ أمْواتًا بَلْ أحْياءٌ عِندَ رَبـِّهِمْ يُرْزَقونَ (169) فَرحينَ بِمَا آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبشِرُون بالَّـذِينَ لَمْ يَلْحَقوا بِهِمْ مِّنْ خَلفِهم ألَّا خَوْفٌ عَليهِم وَلا هُم يَحْزنونَ (170) 
( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 169 - 170 )

ومن منظور تكميلى آخر لهذا المعنى يأتى قوله تعالى :


 وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتٌ بَلْ أحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) 
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 154 )

أى هى حياة عادية ... تحتمل السعى ، كما تحتمل الرزق ... ولكن لا نشعر بها لاختلاف القوانين الفيزيائية الحاكمة الحالية ، وذلك على الرغم من التأهيل الجوهرى لنا لحياتها . وكما تحتمل هذه الحياة السعادة ، فهى تحتمل أيضا الشقاء ... فكله فى إطار الاختبار والغايات من الخلق ...!! ولهذا يأتى قوله تعالى عن حياة المجرمين ـ فى هذه الحياة ـ متمثلين فى حياة فرعون وقومه ...

 … وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ (46) 
( القرآن المجيد : غافر {40} : 45 - 46 )

ويحول دون رؤيتنا لحياة التجمع هذه حائل من القوانين الفيزيائية ، يعرف باسم " البرزخ " لا يسمح لنا بإدراكها . وتتجلى جميع هذه الحقائق فى اللحظات الأخيرة عند مغادرة الإنسان لهذه الحياة ، وقبل إدراك الموت للإنسان بشكل نهائى . وتأتى هذه اللقطة لتبين جميع ما سبق فى قوله تعالى :

 حَتَّى إِذَا جَاءَ أحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّى أعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [13] كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يـُبْعَثُونَ (100) 
( القرآن المجيد : المؤمنون {23} : 99 - 100 )

وتنص هاتين الآيتين بوضوح على أن الإنسان يحيا بعد الموت حياة أخرى ، يمكن تسميتها باسم " حياة البرزخ " .. أو " الحياة البرزخية " ( لوجود برزخ أو فاصل بيننا وبين هذه الحياة ) ، وتمثل هذه الحياة منطقة التجمع أو انتظار البشرية لكل ما هو قادم ـ بالموت ـ من الحياة الدنيا وحتى يوم البعث ، وهو اليوم الذى يسبقة " موتة ثانية " غير هذه الموتة الأرضية الأولى ، كما جاء فى قوله تعالى على لسان المجرمين ..

 قَالُوا رَبَّنـَا أمَتَّنـَا اثْنَتَيْنِ وَأحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ (11)
( القرآن المجيد : غافر {40} : 11 )

ومعنى : .. فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ  هو حال المجرمين فى الآخرة كمحاولة للخروج من هذا الواقع الأليم الذى قادوا أنفسهم إليه ، إلى واقع مختلف أو أقل عذابا مما هم فيه فى حينه ..!! وبديهى ؛ لكى يقول الإنسان  .. رَبَّنـَا أمَتَّنـَا اثْنَتَيْنِ وَأحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ .. فلابد وأن الله ، عز جل ، قد أحياه مرتين عقب كل موته . وبهذا المعنى تكون " الموتة الأولى " هى " الموت الأول " عقب هذه الحياة الدنيا . ثم تأتى عقب هذه الموتة " الحياة البرزخية " . ثم يعقب الحياة البرزخية " الموتة الثانية " وهو " الموت الجماعى " لكل من السماوات والأرض . ثم يعقب الموتة الثانية حياة البعث النهائى [14] . ويتضح معنى " الموتة الثانية " عقب الحياة البرزخية ثم حياة البعث النهائى فى قوله تعالى :

 وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الأرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإِذَا هُمْ قِياَمٌ يَنْظُرُونَ (68) 
( القرآن المجيد : الزمر {39} : 68 )

كما يمكن أن نفهم النص القرآنى .. وَمَن فِى الأرْضِ ..  بأن القيامة سوف تحدث وجزء من البشرية مازال يحيا على سطح الأرض ، أى لم تنتقل بعد إلى الحياة البرزخية . وهنا نصل إلى معنى " التماس " بالمفهوم الرياضى ، أى إنطباق الموتتين والحياتين على موتة واحدة وحياة واحدة ...!! وهنا يصبح طول الحياة البرزخية " صفرا " بالنسبة لمن يحضر هذه الصعقة ، أو بمعنى آخر يصبح طول الحياة البرزخية قيمة صغيرة جدا يمكن أن يمر بها الإنسان ـ المعاصر للأرض وقت حدوث القيامة ـ بشكل لحظى . وهو نفس المعنى الرياضى الذى نقول فيه جوازا بأن الخط المستقيم يمس المنحنى فى نقطة واحدة ، بينما حقيقة الأمر أن الخط المستقيم لا يمس المنحنى فى نقطة واحدة ، بل هو يمس المنحنى فى أكثر من نقطة ، ولكنها جميعا متطابقة ..!! ويأتى موقف ما وراء البعث البرزخى فى قوله تعالى :

 وَنـُفِخَ فِى الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِن كَانَتْ إِلَّا صِيْحَة وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتـُمْ تَعْمَلُونَ (54) 
( القرآن المجيد : يس {36} : 51 - 54 )

لتكون  .. فَإِذَا هُم مِّنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ  هو القيام عقب الصعق ، أو الموت فى نهاية الحياة البرزخية ...

• ثلاثية الإنسان : النفس والروح والجسد

هل يمكن ـ ببساطة شديدة ـ أن يختصر الإنسان في مجموعة من العمليات البيولوجية التى تؤديها مجموعة من الأعضاء الحيوية ، التى تجمعت معا بالصدفة فى شكل كائنا حيا على هيئة إنسان ، لتعمل ـ هذه الأعضاء معا ـ عملا تكامليا مذهلا فى تجانس غريب وعجيب فحسب …؟! ثم تنتهى حياة هذا الإنسان عندما يتوقف أحد هذه الأعضاء عن العمل أو عن أداء وظيفته فحسب ..!! ثم ليذهب الإنسان ـ بعد ذلك ـ إلى العدم من حيث جاء ... ولا يذهب بالصدفة أيضا إلى عالم آخر .. كما جاء بالصدفة إلى هذا العالم ..!! هل يمكن أن نطلق مثل هذه التكهنات على الإنسان ..؟! أم أن الإنسان هو كائن آخر يختلف فى حقيقته وفى جوهره عن هذا الظاهر البسيط للأمور التى نعرضها ...؟! فى الواقع ؛ هذه نوع من الأسئلة التى نطرحها ، والتى فشلت الفلسفة ، كمل فشل العلم أيضا فشلا ذريعا فى الإجابة عليها ولو عن بعد ..!!

وبديهى ؛ لكى نجاوب على مثل هذه الأسئلة ليس لنا إلا الذهاب إلى " المنهاج الدينى المطلق " . وهو كما بينا من قبل " منهاج علمى كلى " ، يمكن التثبت منه ومن صدقه إلى أى درجة مطلوبة من الدقة بتتبع نتائجه واختبارها معمليا ، وليس مجرد منهاج لقضية إعتقادية لا يمكن البرهنة أو غير البرهنة عليها ، كما سبق وأن قدمنا فى مقدمة هذا الكتاب .

ودعنا نبدأ ـ الآن ـ معا قصة وجود الإنسان وطبيعة هذا الكائن وجوهره منذ بدايتها ، أى منذ أن قرر المولى (  ) خلق هذا الكائن ، وتحديد طبيعته وجوهره ... وتأتى هذه المعانى فى قوله تعالى :

 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنِّى خَالِقٌ بَشَرَا مِّن صَلْصَالٍ مِّن حَمَإٍ مَّسْنـُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيـْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) 
( القرآن المجيد : الحجر {15} : 28 - 29 )

[ من صلصال : قيل هو الطين الذى لم تمسه النار / من حمإ : ( الحمأ : جمع حمأة ) وهو الطين المتغير إلى السواد / مسنون : متغير وقيل : منتن ، وقيل : من طين رطب ]

فكما نرى أن الإنسان فى " جوهره " هو جزئية من " روح الله " . ولكن ما هى هذه الروح ؟! ويحسم ـ الحق تبارك وتعالى ـ معنى الروح بداية فى القرآن المجيد ..!!! بأنها ليس أمرا من أمور الفكر ، فهى أمرا يستغلق فهمه على الإنسان ..!! حيث ييبين لنا المولى (  ) ، بأن فهم معنى " الروح " يستلزم نوع : " من العلم ، ومن المعرفة ، ومن التأهيل العقلى " يقع جميعها خارج ، أو فيما وراء التأهيل العقلى الحالى للإنسان . ويجىء هذا المعنى فى قوله تعالى للرد اليهود عندما سألوا محمد (  ) عن معنى الروح :

 وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبـِّى وَمَا أوتيتُمْ مِّنَ العِلْم إلا قَليلاً (85) 
( القرآن المجيد : الإسراء {17} : 85 )

وبـديهى ، لا يؤثر هذا بالسلب أو بالنقص على عمومية قضية وجود الإنسان والغايات من خلقه . فالتأهيل العقلى والعلمى الحالى للإنسان يكفى ـ بزيادة ـ لإدراك الإنسان لمعانى وجوده والغايات من خلقه بدون الحاجة إلى معرفة ماهية الروح وطبيعتها . فبديهى أن العدل الإلهى يقضى بأن :

 لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا … (286) 
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 286 )

وهكذا أغلق المولى (  ) الإجتهاد فى معنى " الروح " ، وتبقى " النفس " . ولكن قبل أن ننتقل إليها ، أود أن أشير ؛ إلى أن الخلط من جانب الكتاب والمفكرين والفلاسفة بين : " النفس " ، وبين " الروح " هو أمر شائع . ولكن كما رأينا ؛ فالروح ـ من المنظور القرآنى ـ هى أمر محسوم فكريا بأنه خارج نطاق الإمكانيات والتأهيل العقلى والعلمى للإنسان . أما النفس ، كما سنرى ، فهى الكائن المكلف والمسئول فى الإنسان . والخطاب القرآنى كله ـ كما سنرى ـ موجه إليها ، أى إلى النفس ، وليس إلى " البدن أو الجسد " لأنه كائن ميت مآله إلى التراب . فمن المنظور القرآنى ، تمثل " النفس " ... " جوهر الإنسان وذاتيته " . فـ " النفس " ـ فى الفكر القرآنى ـ هى فى حقيقة الأمر هى " الكائن المكلف والمؤهل لحمل الأمانة " ، أى هى " الإنسان ذاته " ... ويأتى بداية هذا التأهيل فى قوله تعالى :

 وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَـألْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَـقْوَاهَا (8) 
( القرآن المجيد : الشمس {91} : 7 - 8 )

[ سواها : شكلها على هيئة الإنسان / فجورها : عمل الشر / وتقواها : عمل الخير ، بما فى ذلك إتباع المنهاج الإلهى ]

و" التسوية " فى القرآن المجيد تأتى دائما بمعنى التصوير والتشكيل ، كما جاء فى قوله تعالى :

 أيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أن يُتْرَكَ سُدًى (36) ألَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَـةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنَ الـذَّكَرَ وَالأنْثَى (39) ألَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أن يُحْىِ الْمَوْتَى (40) 
( القرآن المجيد : القيامة {75} : 36 - 40 )

[ التفسير : علقة : أحد معانيها القطعة الدموية المجلطة / فجعل منه : أى جعل من منى الرجل نوع الجنين الذكر والأنثى .. وتحسب هذه الآية الكريمة من ضمن الإعجاز العلمى للقرآن المجيد . ويأتى هذا الإعجاز العلمى فى " هاء " الضمير الوارد فى كلمة " منه " ، والذى يعنى أن " نوع الجنين من ذكر أو أنثى يتحدد من " منى الرجل " . وهى حقيقة علمية لم تكتشف إلا فى القرن العشرين ، وقد تحددت بحرف واحد من أحرف القرآن المجيد . ]


فـ " تسوية " العلقة حتى تكون إنسانا كاملا ، إنما تعنى تشكيله وتصويره فى خلال مراحل نموه المختلفة حتى يصل به الحال إلى شكله النهائى الكامل . وبنفس المعنى يصبح تسوية " النفس "  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  هو تشكيلها حتى تصبح ذلك الكائن الحقيقى المكلف ، أى الإنسان بما له وما عليه . وبهذا المعنى تصبح " النفس " هى صورة الإنسان وشخصيته الحقيقية .

ولإعطاء معنى معقول يساعد على فهم وتخيل المرامى ، يقول الكاتب الروحانى " جيمس آرثر فندلاى [15] فى كتابه " على حافة العالم الأثيرى " ..

[ إن أجسامنا فى هذا العالم مزدوجة التركيب ، أحدهما فيزيقى ( أى مادى ) نستطيع رؤيته ولمسه ، بينما الآخر هو جسم أثيرى ( نسبة إلى الآثير ) لا تستطيع أعضاؤنا الفيزيقية ( أى المادية ) أن تدركه أو تلمسه ، والجسمان متداخلان معا ... وحينما نخلع عنا هذا الرداء البالى ، أى الجسم الفيزيقى ، بعد التغير الموتى ، نقف فى مأوانا الجديد بجسم أثيرى . وتصبح قوانا الذهنية أنقى ، وتصير تحركاتنا أسرع عندما نتحرر من قيود هذا الجسم الفيزيقى . ولن نفقد بهذا التغير شيئا ذا قيمة ، كما سنبقى شكلا وملامحا وفكرا وعملا كما نحن عليه الآن ] .
( انتهى )

فهذا هو الواقع ؛ فالإنسان يحيا ـ فى هذه الحياة الدنيا ـ بجسدين متداخلين معا . الجسد المادى منهما ـ ويمثل وسيلة التواصل مع هذا الكون ـ يعود إلى الأرض بعد الموت ، أو كما يقال عادة : " التراب إلى التراب : Dust to dust " . أما الجسد الثانى فينتقل إلى العالم الآخر حاملا معه قوى الإدراك والعقل ، وحاملا معه الحياة وشخصية الفرد وذاتيته ، بل وكافة المشاعر التى تجعل من الإنسان إنسانا . فالإنسان الحالى هو جماع بين الجسد من جانب ، والنفس والروح من جانب آخر . ومن خلال هذا المنظور ؛ يصبح الموت هو ـ ببساطة شديدة ـ مغادرة " النفس والروح " ، أى الإنسان الحقيقى ، لهذا الجسد المادى فحسب . وتصبح لحظة الموت هنا بمثابة لحظة الإنتقال التى تتغير فيها المناظر البيئية المحيطة فحسب من السيناريو المقدر لوجود الإنسان ...!! ويمكننا تحسس معنى هذه المغادرة " النفس/روحية " فى قوله تعالى :

 اللَّـهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالِّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيـُمْسِكُ الِّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أجَلٍ مُّسَمَّى إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (43) 
( القرآن المجيد : الزمر {39} : 43 )

وكما نرى فإن " النفس " هى التى تغادر الجسد ، وبهذا المعنى يصبح الموت هو مغادرة " النفس والروح " للجسد ـ إلى العالم الآخر ـ عندما يفشل هذا الجسد فى القيام بوظائفه ، أو بمعنى آخر ، هى مغادرة النفس والروح للجسد ، عندما يصبح هذا الجسد غير صالح للسكنى ، لفشله فى تأدية وظائفه ، لأن الجسد السليم للنائم تعود إليه النفس والروح عند الإستيقاظ . وهكذا يصبح النوم صورة من صور الموت أيضا ، ولهذا عادة ما يطلق عليه اسم " الموتة الصغرى للإنسان " .

وتـأتى " النفس " ومشتقاتها فى حوالى ( 193 ) موضع ( أو آية ) من آيات القرآن المجيد . وبديهى ليس متوقعا ، أن نأتى إلى ذكر كل هذا الكم من الآيات ، ولكن يمكن أن نكتفى بذكر الخطوط العريضة فقط التى تخدم وتبين المعنى العام لقضية وجود الإنسان وطبيعتة . وتتلخص مظاهر " النفس الإنسانية " فى القرآن المجيد فى ثلاث مظاهر أو خواص أساسية [16] هى :

(1) النفس الأمارة بالسوء : وهى ما يعنى قدرة الإنسان على إدراك الخير والشر مع تغليب جانب الشر لديه ، كجزء من إختبار الإنسان وتحقيقه للغايات من خلقه ، ويأتى هذا المعنى فى قوله تعالى ، على لسان إمرأة العزيز أو يوسف عليه السلام (  ) ..

 وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّـفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) 
( القرآن المجيد : يوسف {12} : 53 )

(2) النفس اللوامة : وهى تمثل الضمير الأخلاقى لدى الإنسان ، كما جاء فى القسم الإلهى بها

 وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَةُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ (4) 
( القرآن المجيد : يوسف {12} : 53 )

[ اللوامة : التى تلوم صاحبها على الخير والشر ، وتندم على ما فات / نسوى بنانه : أى نشكل بصمة أصبعة كما كانت تماما ، ولهذا تحسب هذه الآية الكريمة من ضمن الإعجاز العلمى [17] للقرآن المجيد ]

(3) النفس المطمئنة : وهى خاصية تمثل الكمال الإنسانى ، التى تتحقق فى طمأنينة الإنسان عند بلوغه الموت . وهى خاصية تمثل التراضى المتبادل ـ أيضا ـ بينها وبين خالقها (  ) ، كما جاء فى قوله تعالى عنها :

 يَا أيَّتـُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِى فِى عِبَادِى (29) وَادْخُلِى جَنَّتِى (30) 
( القرآن المجيد : الفجر {89} : 27 - 30 )

وبديهى ؛ طالما وأن النفس ـ فى حقيقة أمرها ـ هى الكائن المكلف ، فبديهى تصبح ...

 كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) 
( القرآن المجيد : المدثر {74} : 38 )

وهى التى تدافع عن نفسها كذلك يوم القيامة ...

 يَوْمَ تَأتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَّفْسِهَا وَتـُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) 
( القرآن المجيد : النحل {16} : 111 )

ومن منظور مغاير يشمل الندم على فعل الشر ..

 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أمَدًا بَعِيدًا وَيـُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ (30) 
( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 30 )

وتأتى " النفس " يوم الحساب معها الشهيد الكاف على أعمالها فى هذه الحياة الدنيا ...

 وَنُفِخَ فِى الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) 
( القرآن المجيد : ق {50} : 20 - 21 )

وننتهى من النفس ليبقى لنا " الجسد الإنسانى " ... أو الغطاء المادى ... الذى يحول بيننا وبين رؤية كل هذه الحقائق المطلقة ... فيأتى قوله تعالى لتنبيه الإنسان :

 لَّقَدْ كُنْتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) 
( القرآن المجيد : ق {50} : 22 )

[ والغطاء : الجسد المادى للإنسان / فبصرك اليوم حديد : أى بصرك اليوم نافذ الرؤية فى ما لم تكن تستطيع أن تراه من قبل ]

وأحد معانى " الغطاء " هو " الجسد المادى " ، أى الغطاء الذى يغلف " النفس والروح " . فالجسد هو " الحائل أو الغطاء " الذى يحول دون رؤية الإنسان لهذه العوالم الأخرى ، لأن غاية إمكاناته هو التجهيز فقط بالوسائل اللازمة ( الحواس ) للإتصال بهذا العالم المادى . أى أن الجسد هو جهاز الوصل بيننا ذلك " الإنسان الحقيقى " أى " النفس والروح " وبين " الكون المادى " الذى نحيا فيه ، حتى يمكننا إدراك القوانين الطبيعية والمادية الخاصة بهذا الكون والتعامل معها ، وكله فى إطار وجود الغايات من الخلق .

وأخيرا ؛ ينبغى أن أشير ـ هنا ـ إلى أن ظهورنا فى عوالم مغايرة لكوننا هذا ، يستلزم الإستفادة ـ أيضا ـ من قوانين هذه العوالم المتوقع ظهور الإنسان فيها ، وهنا يمكننا أن نفهم معنى قوله تعالى :

 وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ جَمِيعًا مِّنـْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيـَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) 
( القرآن المجيد : الجاثية {45} : 13 )

و ... السَّمَاوَاتِ ...  ، كما سبق وأن بينت ، هى الأكوان الأخرى المتوقع ظهور الإنسان فيها فيما بعد . ونرى فى معنى  .. جَمِيعًا مِّنـْهُ .. أن تسخير القوانين الطبيعية للإنسان هى رحمة نابعة من الله (  ) بهذا الإنسان ، ولا فضل فيما ينتهى إليه الإنسان من تقدم علمى ، فالكل مردود إلى الله (  ) ، وربما استلزم هذا ختام الآية السابقة بالفكر ..  .. إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيـَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  . وبديهى ؛ عدم استخدام الفكر ، إنما يعنى الغفلة عن واقع الوجود الممتد ..

• ورؤية فلسفية عاجزة ...

يقول جورج سنتيانا [18] عن " العقل فى الدين " :

[ إن أمامنا ظاهرة تستدعى الإلتفات وتستحق الإهتمام وهى أن الناس فى كل مكان على ظهر هذه الأرض يدينون بدين من الأديان ، فكيف نستطيع أن نفهم الإنسان إذا كنا لا نفهم الدين ؟ "
ويضيف " سنتيانا " : " إننى فى الفلسفة الطبيعية مادى صميم ... ولكنى لا أزعم إننى أعرف ما هى المادة فى ذاتها ... وأنا أنتظر من رجال العلم أن يخبرونى بهذا ]

وفى الحقيقة ؛ لا قيمة ـ لسنتيانا أو لغيره ـ فى معرفة ما هية المادة وطبيعتها ..!! لأنها معرفة لن تضيف شيئا إلى معرفة طبيعة الإنسان وحقيقته . لسبب بسيط ؛ هو أن المادة ينقصها " الوعى أو الإدراك لذاتها " . فمهما تكلمنا عن " الذكاء الصناعى " لأى " آلة " فإن هذه الآلة لن تعرف أنها تمتلك مثل هذا الذكاء . بمعنى ؛ إذا قلنا بوجود " جهاز كمبيوتر " ـ مثلا ـ يستطيع لعب الشطرنج ويهزم أبطال اللعبة ، وربما هذا هو الحادث ـ فعلا ـ الآن ، فإن هذا الجهاز لن يعرف فى أى لحظة من اللحظات أنه يلعب الشطرنج ... كما وإنه لن يفرح أو يحزن للمكسب أو الخسارة ..!! فالوعى أو الإدراك ( وكذلك الصفات الإنسانية : الكبرياء .. التضحية .. الرغبة في العطاء .. تحقيق الذات .. الشجاعة .. وخلافه .. ) هى الخاصية الإلهية التى أسبغها الله (  ) على الإنسان وميزه بها عن المادة الصماء . فمن منظور الفكر المقارن ، يمكن أن تؤدى دراسة المـادة إلى تأكيد المعرفة بالـوعى والصفات أو إلقاء الضوء على إدراك الإنسان لذاته فحسب .

أما عن طبيعة المادة ؛ التى يريد أن يعرفها سنتيانا ، فوفقا للنموذج القياسى ( The Standard Model ) المقبول الآن فى الأوساط العلمية ، والذى تقدمه لنا نظرية المجال الكمى النسبى ( Relativistic quantum field theory ) ، فإنها تتكون من " فيرميونات [19] : Fermions " و " بوزونات [20] : Bosons ". وتأتى الفيرميونات فى ثلاثة عائلات . العائلة الأولى منها تكون المـادة العادية ، بينما العائلتان الآخرتان لا توجدا إلا فى المعجلات الذرية القوية . وتتكون العائلة الأولى ـ أى المادة العادية ـ من " الكواركات : Quarks " [21] ، و " اللبتونات : Liptons " [22] . وتترابط الكواركات ـ بالجليونات ـ فى مجاميع ثلاثية لتكون البروتونات والنيوترونات ، التى تترابط بدورها لتكون معا نواة الذرة . ثم تترابط نواة الذرة بدورها مع الإلكترونات ـ من خلال الفوتونات ـ لتكون الذرة الكاملة . وكلا من الكواركات واللبتونات عبارة عن " نقط هندسية " لا أبعاد لها ، أو على الأقل هى جسيمات شبيهة بالنقط الهندسية . ومن منظور " نظرية الخيط الفائق : Superstring Theory " [23] ، فإن هذه الجسيمات ليست نقطا ، بل هى عرى ( جمع عروة ) ، أو خيوط متذبذبة ، وضئيلة جدا بدرجة لا يمكن تصورها . وهذه الجسيمات الأولية ـ أى اللبتونات والكواركات ـ سواء كانت نقطا أو عرى ، فنحن أبعد ما يمكن عن فهم هذا " الشىء " الذى تتكون منه " مادة " هذه الجسيمات ، إن جاز لنا استخدام كلمة " مادة " هنا ...!! ففى الحقيقة ؛ على المستوى الكمى لا يوجد شىء سوى " النماذج الرياضية : The Mathemsatical Models " ... فحسب ...!!

فهذا ما كان يريد أن يعرفه " سنتيانا " عن المادة ..!! فهل مثل هذه المعرفة يمكن أن تضيف له شيئا عن القضية الإيمانية ، أو أن تضيف له شيئا عن قضية وجود الغايات من خلقه ..؟!! بديهى لا .. فمثل هذه المعرفة لا ولن تضيف شيئا إلى مثل هذه القضايا ..!!

ويحتار " سنتيانا " فى تقبل الإيمان بالديانة المسيحية ..!! لهذا نجده يقول عن إيمانه بها : " إننى كالرجل الذى لا يزال يشعر بالحب والحنين إلى المرأة التى خدعته .. أصدقها على الرغم من أننى أعرف أنها تكذب " ..!! وكان سنتيانا يبكى ضياع إيمانه ، وكان يعتقد أن الإيمان " غلطة جميلة " تلازم نوازع النفس أكثر من الحياة نفسها .

وهكذا نجد النزعة المادية لـ " سنتيانا " قد فرضتها عليه خرافات الديانة المسيحية ، كما فرضتها ـ هذه الديانة أيضا ـ على كل الفلاسفة الماديين ، أى هى نزعة مادية فى مواجهة خرافات دينية . ولهذا يستطرد سنتيانا قائلا …

" إن أسوأ ما يقع فيه الفكر هو قبوله للآراء التقليدية قبولا أعمى . ولكن قد تكون عقيدة الإنسان خرافية ، ولكن فى هذه الخرافة نفسها خير ما دامت الحياة تصلح بها . وإذا كانت الحياة تصلحها الخرافة أكثر مما يقومها القياس المنطقى ، فإن صلاح الحياة أهم من استقامة المنطق الصحيح " .

وبهذه المعانى يعنى سنتيانا ـ فيما يعنى ـ أن على الإنسان التضحية بالعقل ، وقبوله للخرافة التى تأتى بها الديانتين " اليهودية/ والمسيحية " طالما أن الدين يُصلح الحياة أكثر مما يُصلحها المنطق والقياس العلمى . وبديهى ـ كما نرى ـ لم يستطع " سنتيانا " أن يتخلص من فطرته الدينية أى الرغبة فى التدين ...!! ولم يدرك سنتيانا ـ فيما يدرك ـ أن " الرغبة فى التدين " هى وجود عاطفى بحت لدى الإنسان ( أنظر : سيكلوجية الدين والتدين : لماذا الاعتقاد في الديانات الخرافية ) ... بينما " المضامين الدينية " هى " قضية عقلية " لا علاقة لها بالعاطفة . ولهذا رأى ـ سنتيانا ـ ضرورة استثنناء العقل والفكر من الدين ، لأنه لم يعرف ـ فيما يعرف ـ من الأديان إلا " اليهودية / والمسيحية " .. أي لم يعرف سوى الديانات الخرافية ..!!

ومات سنتيانا .. ولم يفهم ـ فيما يفهم ـ معنى " الدين " ..!! كما لم يفهم ـ فيما يفهم ـ معنى دور الدين فى حياة الإنسان ..!! وأكاد أرى البسمة الحزينة الممزوجة بالألم ترتسم على وجه هذا الفيلسوف .. تلك البسمة الباهتة التى تعلو شفتيه .. بينما تمتلىء عينيه بالدمع .. ويعتصر قلبه الحزن والألم ..!! وهو لا يدرى إلى أين تقوده الأيام .. وإلى أين ينتهى به المصير ..!! وهكذا أدرك سنتيانا ـ بوعيه الفطرى ـ وجود الله .. الخالق المطلق .. ولكنه لم يفهم لهذا العالم غايات يمكن أن تقوده لحل هذا اللغز .. لغز الوجود ..!!

وتذرف العين دمعة ألم وحسرة على هذا الإنسان المفكر الذى إعتراه اليأس .. ووقع وزره علينا .. نحن من نملك الحقيقة المطلقة ولم نبلغ بها ..!! وهكذا طال إنتظار " سنتيانا " لنا .. ولم نحضر .. حتى أدركه الموت ..!! وهكذا خذلنا " سنتيانا " ، كما خذلنا أنفسنا من قبل ، لأننا لم نرى الله إلا " إلاها " ... كما لم نرى الإسلام إلا " دينا "..!! ولهذا لم نحقق قوله تعالى ـ فينا ـ عندما قال لرسوله الكريم ( ) ..

 قُلْ هَذِهِ سَبِيلـِى أدْعُـو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنَاْ وَمَنِ اتَّبـَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أنَاْ مِنَ المُشْرِكِينَ (108) 
( القرآن المجيد : يوسف {12} : 108 )

 .. أنَاْ وَمَنِ اتَّبـَعَنِى ..  .. فهل نحن من أتباع الرسول حقا .. أم نحن أدعياء وبلا خجل ..؟! و  .. أدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ .. ؛ هى الدعوة إلى الله بالرؤية المستيقنة والمنطق العلمى ، وهى الدعوة بالتناهى العقلى والتناهى العلمى ، وهى الدعوة بالبرهان القاطع والحجة الواضحة ، وقل ما شئت كذلك عن العلم ذاته فى هذه الدعوة ... فحدث بلا قيود ، وحدث بلا حرج ... فهل قمنا ـ نحن ـ بتبليغ سنتيانا ..؟!

فإن قمنا بتبليغ " سنتيانا " والآخرين .. بالدين الحق وبالغايات من خلقهم لتحقيقها .. ولم يتبعها " سنتيانا " .. كما لم يتبعها الآخرين .. وقعت المسئولية على عاتقهم وليس على أحد سواهم ..!! فليس علينا إلا البلاغ .. تحقيقا لقوله تعالى لرسوله الكريم ..

 … فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) 
( القرآن المجيد : الرعد {13} : 40 )
وليتحقق قوله تعالى فينا ..

 وكَذَلِكَ جَعَلْناكُم أمةً وَسَطًا لِتكُونُوا شُهَداءَ عَلَى الناسِ وَيـَكونَ الرَّسُولُ عَليكُمْ شَهِيدًا ... (143) 
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 143 )

وهكذا نصبح شهداء على الناس .. ويكون الرسول شهيدا علينا ..!! وتذرف العين دمعة ألم لأننا لم نكن شهداء على الناس بل أصبحنا شهداء على أنفسنا ..؟!! لنشارك الناس سوء المصير .. لأننا لم نرى الله .. إلا إلاها .. كما لم نرى الإسلام إلا دينا ..!!

وهنا يلزم أن أكرر على أن " القضية الدينية " ليست " قضية تبشيرية " ، كما قد يظن البعض ممن ليس لهم رؤية دينية ، كما وأنها ليست قضية صدام مع حضارات ..!! ولكنها قضية بلاغ فى المقام الأول والأخير ؛ بلاغ الإنسان بوجوده وبوجود الغايات من خلقه ومنتهى مصيره . ولهذا يصف المولى (  ) " قرآنه المجيد " بقوله تعالى :

 هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيـُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أنـَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّر أُولُوا الألْبَابِ (52)
( القرآن المجيد : إبراهيم {14} : 52 )
وهو فى نفس الوقت ...

 … هُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) 
( القرآن المجيد : النحل {16} : 89 )

ولهذا يجىء قوله تعالى لرسوله الكريم ..

 يَا أيـُّهَا النَّبِىُّ إِنـَّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرَا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) 
( القرآن المجيد : الأحزاب {33} : 45 - 46 )
فحسب ..

 فَإِنْ أعْرَضُوا فَمَا أرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا البَلَاغُ وَإنَّا إِذَا أذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ (48) 
( القرآن المجيد : الشورى {42} : 48 )

فـ " القضية الدينية " ـ إذن ـ ليست " قضية صراع بين حضارات ... أو قضية صراع بين أيديولوجيات مختلفة " ... كما وإنها ليست " قضية كسب أتباع " ، بل هى قضية إدراك الإنسان لمعنى وجوده ، ولمعنى الغايات من خلقه . ولهذا يصبح الإنسان هو الرابح الوحيد لنفسه إذا ما أدرك هذه المعانى ، أو بمعنى أدق إذا ما أدرك معنى " القضية الدينية " ...!!

 قُلْ مَا سَألْتـُكُمْ مِّنْ أجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ … (47) 
( القرآن المجيد : سبأ {34} : 47 )

فهذه هى الحقيقة التى لا تقبل الشك أو الجدل ... فإن الأجر الحقيقى هو لمعتنق الديانة الحقة أو الحقيقة المطلقة ، وليس لأحد سواه ... لأنها الوسيلة الوحيدة التى تقوده إلى الخلاص ، بتحقيقه للغايات من خلقه ...!!

ولا يبقى سوى تذكير البشرية بقوله تعالى ..

 وَسَارِعُوا إِلَى مَغْـفِرَةٍ مِن رَّبـِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتـَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنـُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنـُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهَم يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّـغْفِرَةٌ مِّن رَّبـِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنـِعْمَ أجْرُ العَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبةُ المُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلمُتَّقِينَ (138) 
( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 133 - 138 )

[ لاحظ أن الآيتين 134 ، 135 هما تعريف للمتقين / قد خلت : قد مضت / سنن : طرائق الكفار ]



 وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا أمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أوْ هُوَ أقْرَبُ إِنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ (77) 
( القرآن المجيد : النحل {16} : 77 )


[ وما أمر الساعة : تحتمل طيف عريض من المعانى منها : كل ما يخص إدراك الموت للإنسان ، وكل ما يخص نهاية البشرية من على سطح الأرض ، وكل ما يخص يوم القيامة ]


وإلى حديث آخر إن شاء الله تعالى ..

موقع الكاتب على الإنترنت :
www.truth-2u.com


****************

هوامش المقالة :


[1] الأكوان الموازية لها نفس معنى الأكوان المتراكبة أو الأكوان المتطابقة كما سيأتى شرح ذلك في هذه الدراسة . وهذه الدراسة هي نفسها التي سبق نشرها تحت عنوان : " الأكوان الموازية : حدود وسقف المعرفة البشرية " ، ولكن بتعديلات طفيفة .

[2] أورد هذا الحديث ـ منسوبا للنبى (  ) ـ الإمام الغزالى ( 4 / 20 ) . كما أورده ـ أيضا ـ منسوبا للنبي كلا من الشيخ الملا علي القاري في كتابه : " الأسرار المرفوعة " ، والشيخ محمد بن درويش بن محمد الحوت في كتابه : " أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب " . ولكن أورده موقع " إسلام ويب " منسوب لعلي بن أبي طالب في الفتوى رقم 73376 . وعموما فإن معنى الحديث يتفق تماما مع الآية رقم 22 من سورة " ق " والتي تم ذكرها في بداية الفقرة .

[3] هذه " التجربة الحقيقية " ؛ هى التجربة التى مر بها الأستاذ " محمد حمدى عبدالحكيم الشامى " ( المدير السابق لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، ونقيب الصحفيين بالأسكندرية فى الفترة من 1995 - 1997 ) ، أثناء أزمته القلبية الأخيرة . وقد تم نشر هذه التجربة فى جريدة الشعب ، بتاريخ : 30 / 8 / 1996 ، تحت عنوان : " رؤيتى لله وملكوته مع أزمة قلبى ... " . وأعيد كتابتها هنا ـ بعد أخذ الإذن منه ـ بتصرف محدود جدا ، مع محافظة كاملة على المعنى والنص ، مع حذف ـ فقط ـ أسماء الأطباء والمستشفى ، وإضافة بعض من آيات القرآن المجيد وبعض التعليقات الضرورية . وهناك تجارب مماثلة لكثيرين يعرفهم الكاتب عن قرب ، ومنهم من أصابه الإكتئاب بعد عودته ـ من هذه التجربة ـ إلى حياته الأرضية ، وبعد إدراكه لهذه السعادة المطلقة . ولكن الكاتب فضل كتابة تجربة الأستاذ " حمدى الشامى " لأنها تجربة تكررت أكثر من مرة فى أقل من يوم واحد . كما يود الكاتب أن يشير هنا إلى أن هذه التجارب ، هى تجارب لأفراد مسلمين ، وهى تجارب تختلف فى فحواها ومعناها عن تجارب أفراد آخرين يدينون بديانات أخرى ، كما سنرى من خلال باقى هذه الدراسة .

[4] يعرف هذا الرباط باسم : " الحبل الضوئى الباهت : The Shimmering cord " .

[5] الحسين بن منصور الحلاج ( 858 - 922 م ) ؛ ( 244 - 309 هـ ) . هو " شهيد التصوف الإسلامى " ، قال : " ما فى الجبة غير الله " ، وقال " أنا الحق " ، و " الحق " من أسماء الله الحسنى . وقد دفع فكره هذا بمعاصريه إلى إتهامه بالكفر والفسوق ، وبأنه يقول بـ " نظرية الإتحاد والحلول " ، أى بإتحاد الله به أو بحلوله فى جسده . وقد أدين الحلاج على هذا الفكر ، وقيل أنه أدين لأسباب سياسية وإتخذت هذه المقوله ذريعة لإدانته ، ثم صلب وقتل وأحرقت جثته ، فى بغداد فى 26 مارس عام 922 ميلادية . [ أنظر كذلك " الحقيقة المطلقة : الله والدين والإنسان " ، لنفس مؤلف هذا الكتاب ]

[6] لابد وأن أشير هنا إلى أن مثل هذه الخبرات ( خبرات القرب من الموت ) لم تكن متاحة من قبل بمثل هذا المعدل التكرارى الواضح . وبديهى إن مثل هذه الزيادة الملحوظة ، هو ناتج طبيعى من تقدم العناية أو الرعاية المركزة التى تقدم للمريض فى الحالات الحرجة والحوادث الخطيرة ، والتى يمكن معها أن يقترب الإنسان كثيرا من الموت . وبديهى ؛ استخدام الأجهزة المتقدمة الآن فى المستشفيات ، جعلت من فرص إنقاذ الإنسان وهو على مشارف أو على حافة الموت أمرا ممكنا . وتكرارية العودة بالإنسان إلى الحياة ـ وهو على مشارف الموت ـ وقبل مغادرته للحياة بشكل نهائى ، جعل من هذه التجربة أمرا قابلا للملاحظة . وعلى الرغم من أن هذه التجربة ذاتية ، إلا أن تكرارها النمطى يجعلنا نقبل بوجودها من الناحية التجريبية فقط ، ولكن البرهان العلمى الدال على صحة ما تأتى به من مشاهد فله أسلوبه الخاص ، وهو أسلوب مغاير عن الإستماع إلى التقارير وشهادة الشهود ، فهو برهان يعتمد على مسلمات علمية صحيحة نتأكد من صدق نتائجها معمليا فى مجالات أخرى ، وبالتالى صدق ما تؤدى إليه من نتائج فى هذا المجال . وسوف نعرض لهذه البراهين فى سياق هذا الكتاب .

[7] لم يذكر فى مقابل كلمة " الكواكب " الواردة فى فى سياق الآية السابقة ، كلمة " نجوم " بدلا من " مصابيح " ، لأن المصابيح كلمة جامعة تعنى كل ما هو مشع بذاته ، وليس الإشعاع مقتصر على النجوم بأنواعها ، بل يشمل أيضا المجرات و" الكوازارات " وخلافه . أما ذكر الكواكب فى السياق الأسبق للإشارة إلى المادة المظلمة ، لأنها تكاد تكون هى المادة المظلمة الوحيدة القابلة للملاحظة المباشرة من نظامنا الشمسى .

[8] أكتفى بالإشارة ـ هنا ـ إلى معنى " يوم " بأنه " الفترة الزمنية التكرارية " التى تتوقف على مفهوم النظام الزمنى المستخدم فيه هذا اللفظ . فـ " اليوم الأرضى " ـ كما نعلم ـ يبلغ طوله (24) ساعة ، بينما يبلغ طول اليوم فى " كوكب عطارد " ـ مثلا ـ (4224) ساعة ( أرضية ) ، وهكذا بالنسبة للأنظمة الأخرى . فلكل نظام زمنه الخاص به ، كما وأن له " يومه " الخاص به أيضا . واليوم كما ورد في النص الكريم لا يعلم مدته الزمنية إلا الله سبحانه وتعالى .

[9] بديهى أن مثل هذا الصاروخ هو صاروخ خيالى . لأن وصول الصاروخ إلى سرعة الضوء ، معناه أن الطاقة اللازمة لتحريك هذا الصاروخ ينبغى أن تكون طاقة لانهائية . وعند مثل هذه السرعة ( أى سرعة الضوء ) تزيد كتلة الجسم ـ المتحرك بهذه السرعة ـ إلى مالانهاية ، ومع ذلك ينكمش طول هذا الجسم فى اتجاه حركته ليصل إلى الصفر المترى ، أى يصبح الصاروخ لا طول له فى اتجاه حركته ، بينما تبقى أبعاده الأخرى لامتغيرة ( وهو ما يعنى أن الأبعاد المتعامدة على إتجاه الحركة مستقلة عن معادلات الحركة ) . كما يتجمد الزمن ـ زمن طاقم تشغيل الصاروخ ـ عند هذه السرعة أيضا ، أى لا تزداد أعمارهم فى هذه التجربة . وجميع هذه النتائج السابقة هى نتائج مباشرة عن " النظرية النسبية الخاصة " ، وقد تم البرهنة على صحتها معمليا . وبديهى جميع هذه التغييرات الفيزيائية ، تجعل من الوصول بأى جسم مادى إلى سرعة الضوء هو درب من المستحيلات التى لا يمكن تحقيقه عمليا . ولكن ليس هناك ما يمنع أن نستخدم مثل هذه السرعة فى تجاربنا الذهنية فقط .

[10] أنظر مرجع الكاتب السابق : " الحقيقة المطلقة ... الله والدين والإنسان " ؛ مكتبة وهبة .

[11] أنظر تعريف الإنسان فى الدراسة رقم 26 : " سيكلوجية الدين والتدين : لماذا الاعتقاد في الديانات الخرافية "

[12] أنظر تفاصيل هذا الحدث فى مرجع الكاتب السابق : " الدين والعلم وقصور الفكر البشري " ؛ مكتبة وهبة .

[13] قـال ابن عباد : كان الربيع بن خيثم قد حفر فى داره قبرا وكان يضع فى عنقه غِلا وينام فى لحده وهو يردد : ( رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت ) ثم يقوم ـ فى الصباح ـ وهو يقول لنفسه : " يا ربيع أعطيت ما سألت .. فاعمل قبل أن تسأل الرجوع فلا ترد " .
وعن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال : " إن معاذ بن جبل دخل على رسول الله (  ) وهو يبكى فقال له الرسول : كيف أصبحت يا معاذ ؟ قـال : أصبحت مؤمنا حقا . فقال النبى (  ) : إن لكل قول مصداقا فما مصداق ما تقول ؟ قـال يا نبى الله ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت ألا أمسى . وما أمسيت مساء قط إلا ظننت ألا أصبح . ولا خطوت خطوة قط إلا ظننت ألا أتبعها أخرى .. وكأنى أنظر إلى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التى كانت تعبد من دون الله ، وكأنى أنظر إلى عقوبة أهل النار ، وثواب أهل الجنة " . قـال (  ) : عرفت فالزم .

[14] لا يتعارض تفسير هذه الآية الكريمة مع تفسير ما جاء فى قوله تعالى :

 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّـهِ وَكُنتُمْ أمْوَاتـًا فأحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) ( البقرة {2} : 28 )

حيث يبقى تعريف :  .. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ  قائما ليستوعب أى مفهوم للرجعة النهائية لله (  ) ، ليشمل النفخ فى الصور وتوابعه .

[15] جيمس آرثر فندلاي : أحد علماء الروح فى إنجلترا ، وهو اسكتلندى النشأة ولد فى جلاسجو عام 1883 ، والتحق بجامعة فيتس ، ثم بجامعة جنيف ، وعمل فى جملة أعمال خاصة ومناصب حكومية . كان أول رئيس للمعهد الدولى للبحث الروحى بإنجلترا . وهو مؤسس جمعية جلاسجو للبحث الروحى ونائب رئيسها ، وكان رئيسا للإتحاد الروحى اللندنى ورئيسا فخريا لإتحاد الروحيين الوطنى .

[16] هناك من يذهب بهذا التقسيم إلى سبعة خواص للنفس البشرية هى : (1) النفس الأمارة بالسوء (2) النفس اللوامة (3) النفس الملهمة (4) النفس المطمئنة (5) النفس الراضية (6) النفس المرضية (7) النفس الكاملة . وجميع هذه التقسيمات مستخرجة من الفكر القرآنى ، ولها آياتها الدالة عليها .

[17] بصمة الأصبع يتميز بها الفرد ولا يتشابه فيها اثنين كما تظل ثابته على طول حياة الفرد . وهو الأمر الذى لم يكتشف إلا فى القرن التاسع عشر . وأول من اقترح استخدام بصمة الأصبع فى التعرف على الشخصية هو العالم البريطانى : " سير فرانسيس جالتون : Sir Francis Galton " ، واستخدمها لأول مرة بوليس البنجال فى الهند فى عـام 1890 ، ثم بوليس لندن فى عام 1901 ، ثم تـوالى استخدامها بعد ذلك فى مجـال التعرف على المجرمين . وفى الوقت الحالى ؛ تحتفظ بعض البنوك ببصمة أصابع بعض العملاء المهمين على الكمبيوتر ، كما يحتفظ مكتب التحريات الفيدرالى ( FBI ) بالولايات المتحدة بأكثر من ( 213 ) مليون بصمة أصبع لمدنيين ومجرمين كل على حد سواء .

[18] جورج سنتيانا ( 1863 - 1953 ) فيلسوف أمريكى ، ولد فى مدريد عام 1863 ؛ وجاء إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1872 ، وبقى فيها حتى عام 1912 . ثم غادرها إلى إنجلترا ثم إلى روما حيث توفى فيها عام 1953 . أهم كتبه : " حياة العقل " و " الشك وإيمان الحيوان " . [ عن : " قصة الفلسفة " ؛ ول ديورانت ؛ ترجمة د. فتح الله المشعشع ، مكتبة المعارف ؛ بيروت . ص : 601 ] . أنظر كذلك " الحقيقة المطلقة ... الله والدين والإنسان " ؛ لنفس مؤلف هذا الكتاب ؛ لرؤية الخرافات فى الديانتين اليهودية والمسيحية ، وحتى يمكن معرفة الدوافع وراء تلك الفلسفات المادية ومنها فلسفة سنتيانا .

[19] الفيرميونات ( Fermions ) : هى جميع أنواع الجسيمات الأولية التى لفها المغزلى ( Spin ) يتناسب طرديا مع نصف أو ( قيم فردية ) من نصف قيمة ثابت بلانك ( Plank’s Constant ) . والكواركات واللبتونات ( أنظر التذييلين التاليين ) هى فيرميونات لفها المغزلى نصف .

[20] البوزونات ( Bosons ) : هى " الحامل الإفتراضى : The Hypothetical carrier " للقوى بين الجسيمات الأولية وتشمل : الفوتونات ( Photons ) ، والجرافيتونات ( Gravitons ) ، والجليونات ( Gluons ) ، والبوزونات الضعيفة ( ويكونات : Weakons ) ، ولفها المغزلى ( Spin ) جميعا يتناسب طرديا مع القيم الصحيحة لثابت بلانك ( Plank’s Constant ) . والبوزونات هى المسئولة عن نقل القوى بين الجسيمات المختلفة ، ويتم ذلك بأن تطلق الجسيمات الأولية البوزونات الخاصة بها بينما تقوم الجسيمات المناظرة بامتصاصها . والفوتونات هى المسئولة عن نقل القوى الكهرومغناطيسية كالضوء ، بينما الجرافيتونات هى المسئولة عن نقل قوى الجاذبية ، والجليونات هى المسئولة عن نقل قوى المجال النووى القوى بين الكواركات المختلفة ( أنظر التذييل التالى ) ، والويكونات هى المسئولة عن نقل قوى المجال النووى الضعيف بتغيير الفوتونات إلى جسيمات أخرى . كما يوجد بوزون أخير يعرف باسم ( بوزون هيجز : Higgs boson ) يعتقد بأنه مصدر كتلة أغلب الجسيمات . ويأتى اسم البوزونات نسبة إلى العالم الهندى : " ساتييندراناث بوز : Satyendranath Bose " ، الذى ساهم مع آنشتين ـ فى عام 1920 ـ فى تطوير النظرية الإحصائية الخاصة بسلوك هذه الجسيمات .

[21] الكوارك : Quark ( وجمعه كواركات ) : هو أى واحد من ستة جسيمات افتراضية ( Six hypothetical particles ) يعتقد فى أنها تشكل أو تكون " الجسيمات الأولية " المعروفة باسم : " الهادرونات : Hadrons " . والهادرونات هى عائلة تشمل العديد من الجسيمات الأولية مثل : البروتون ، والنيوترون ، والبيون ، والسيجما .. وخلافه . وفكرة " الكوارك " قد أقترحت لأول مرة فى عام 1963 . وقد إقترحها ، بشكل مستقل ، كل من العالمين الأمريكيين : " مورى جيلمان : Murry Gell-Mann " و " جورج زويج : George Zweig " .

وقد صنفت الكواركات فى بادىء الأمر على أنها ثلاثة أنواع فقط ، حيث أطلق عليها الأسماء : " الأعلى : Up " و " الأسفل : Down " و " الغريب : Strange " . وقد أعتقد ، على سبيل المثال ، فى أن بروتون الذرة يتكون من " كواركين " من النوع " الأعلى " ، وكوارك واحد من النوع " الأسفل " . وإعتبارا من عام 1974 توالى اقتراح ثلاثة أنواع أخرى من الكواركات أطلق عليها الأسماء : " الفاتن : Charm " و " القاع : Bottom " و " القمة : Top " . وقد توالى التأكـد من وجود هذه " الجسيمات الإفتراضية " ( أى الكواركات ) معمليا حتى مارس 1995 . حيث شوهد آخرها ( Top quarks ) فى إبريل 1994 ، ثم تأكد هذا الكشف فى مارس 1995 ، فى : " معمل فيرمى : Fermilab " بالولايات المتحدة الأمريكية .

ولكل نوع من أنواع الكواركات الستة ، يوجد " الكوارك المضاد : Anti quark " له . وتأتى الكواركات والكواركات المضادة فى ثلاثة " ألوان : Colors " . فالكوارك من الممكن أن يكون : أحمر أو أزرق أو أخضر . بينما تكون ألوان الكواركات المضادة : " أحمر مضاد : Anti-red " أو " أزرق مضاد : Anti-blue " أو " أخضر مضاد : Anti-green " . وبديهى ؛ ألوان الكواركات والكواركات المضادة ليس لها علاقة بالألوان التى تراها العين البشرية ، بل هى مجرد " خاصية كمية : Quantum property " فحسب . فعندما تتحد الكواركات ( والكواركات المضادة ) لتكون الهادرونات ، فإنها توجد فى مجاميع ذات ألوان معينة فقط ( أنظر التذييل السابق ، كما يوجد تفاصيل أخرى فى تذييل رقم 14 من الفصل السادس ) .

[22] واللبتونات ( Leptons ) هى عائلة تشمل الجسيمات الأولية التالية : " الإلكترونات : Electrons " ، و" الميونات : Muons " و" التايونات : Tauons " ، و " النيوترينات : Neutrinos " ؛ بجميع أنواعهم المختلفة .

[23] " نظرية الخيط الفائق : Superstring Theory " ، وتعرف بأنها " نظرية لكل شىء : Theory of Every Thing " ، ولهذا يرمز لها بالأحرف ( TOE ) . ومن منظور هذه النظرية فإن كل الجسيمات والنوى ، وربما الفضاء والزمن أيضا ، يتكون من خيوط متناهية فى الصغر تحت توتر وشد هائل . وهى خيوط تتذبذب وتدور فى فضاء فائق ذو " عشرة أبعاد " . والأبعاد العشرة ـ لهذا الفضاء ـ هو ضرورة رياضية بحتة لتجنب : " التاكيونات : Tachyons " ، وهى الجسيمات التى تتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء ، وتجنب : " الأشباح : Ghosts " ، وهى الجسيمات ذات " الإحتمالات سالبة : Negative propability " . وتقول هذه النظرية بحدوث شرخ هائل فى هذا الفضاء ( ذى العشرة أبعاد ) فانقسم إلى فضائين : فضاء ذى " ستة أبعاد " ، يعتقد بأنه قد تقلص وإلتوى على نفسه فى صورة دوائر متناهية فى الصغر ولم يعد قابلا للملاحظة الآن ، وفضاء آخر ذى " أربعة أبعاد " ، هو عالمنا أو كوننا المادى الحالى . والجسيمات الأولية المختلفة والموجودة فى عالمنا هذا ، تناظر الصيغ الكمية المختلفة التى تتذبذب بها تلك الخيوط . ومن سوء الحظ ؛ أن نظرية الخيوط الفائقة بالغة التعقيد فى حساباتها ، كما وأنها لم تقدم أى نتائج يمكن التحقق من صحتها أو اختبارها معمليا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا ادري ما اقول...
حيدر السعدي ( 2011 / 9 / 22 - 08:47 )
اعترف باني لم اقرأ كل المكتوب و انما تقريبا الثلث و احسست بغثيان , يا اخي يا كاتب المقال لما تترك الوجود و تذهب لتبحث عن ذاتك في اللاوجود لا و تحث على ذلك و لا دليل لديك الا كلام رجل قال انه اوحي اليه بدون اي دليل, كل ما يمر به العرب من ضعف و تخلف و انحطاط يرجع الى هذا الهروب من الواقع المادي الى سماوات و جنان و عروش لا وجود لها الا في خيالهم , امم الارض سبقتنا لاهتمامها بالوجود فقد سخرته لخدمتها و خدمة مصالحها , اي روح تتكلم عنها و نحن ننقل الاعضاء من شخص الى اخر و نحن ننتج الاصناف المعدلة وراثيا و نتحكم بجنس الجنين , انا في بعض الاحيان ضد الحرية التي تسمح بنشر هكذا فكر ان صح تسميته بفكر

اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا