الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى الديمقراطية بين اليساريين والإسلاميين

أحمد عصيد

2011 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كشف اللقاء الذي جمع بين علمانيين يساريين وإسلاميين مغاربة بنادي المحامين بالرباط قبل أيام، عن نقاط الخلاف الجوهرية بين الطرفين، وظهر بالملموس بأن المشكل يتعلق قبل كل شيء بمفهوم الديمقراطية ذاته، فالبنسبة للإسلاميين الديمقراطية تختزل في صوت الأغلبية وصناديق الإقتراع التي تمكن هذه الأغلبية من فرض تصورها وقيمها على الأقلية، بينما تتحدّد الديمقراطية عند العلمانيين ـ قبل الإنتخابات ـ في قواعد اللعبة وقيمها الضامنة لعدم اضطهاد الأغلبية للأقلية مهما كانت، ذلك أن الإضطهاد والحرمان من الحقوق الأساسية ينفي وجود الديمقراطية كيفما كان شكل الإنتخابات ونتائجها، ويعود هذا الخلاف إلى هدف كل طرف من الديمقراطية، فإذا كان الإسلاميون يجدون في الديمقراطية آلية تمكّن من فرض الدّين وفرضه عبر المؤسسات على المجتمع بكامله وجعله مرجعية وحيدة للتفكير والعمل، فإنّ هدف العلمانيين من الديمقراطية هو حماية الحريات باعتبارها جوهر الديمقراطية، وضمان التداول على الحكم عبر تحييد المؤسسات في موضوع الدين، فالديمقراطية الإسلامية هي استعانة بصوت الجمهور من أجل ترسيخ حكم "جماعة المؤمنين" باعتباره خيارا أبديا يمثل الحق الأمثل، بينما الديمقراطية العلمانية هي تدبير سلمي للتعددية بين المواطنين الذين هم في حقيقتهم مختلفون، والذين هم ملزمون باحترام بعضهم البعض والتداول على الحكم مع احترام القواعد التي تضمن لكل واحد حقوقه الأساسية ومن بينها الوصول إلى السلطة.

فالإسلاميون يعتقدون بأن ديمقراطية صناديق الإقتراع تمنحهم الحق في أن يفعلوا بغيرهم ما يشاؤون، وأن يفرضوا من القيم ما شاؤوا بما فيها التي تصادر حرية الغير وحقه في التعبير، حيث يصبح تصويت الأغلبية ذريعة لسحق الأقلية أو إرغامها على تبني قيم الأغلبية، أو لتعليب المجتمع وتحنيطه في إطار إيديولوجيا دينية مطلقة، بينما الديمقراطية عند العلمانيين هي قبل كل شيء الحفاظ على التعددية والحق في الإختلاف باعتبارهما جوهر الإنسان وحقيقة المجتمع، وجوهر الديمقراطية أيضا، إذ لولا التعدّدية والإختلاف لما كانت الحاجة إلى الديمقراطية قائمة.

وقد أحسن ممثل العدل والإحسان في اللقاء المذكور صنعا عندما تحدث عن الديمقراطية اليونانية القديمة، وكيف تطورت بالتدريج عبر مراكمة التجارب الإنسانية في البلدان الغربية، فالفرق بين الديمقراطية اليونانية القديمة والديمقراطية بمعناها اليوم هي أن الأولى كانت عبارة عن صوت الأغلبية العددية بدون ضوابط تحمي من الظلم، ولهذا كان من الممكن للجمهور أن يتجمّع بصخب في الساحة العامة، وأن يصوّت بعد الإستماع إلى خطب حماسية وبلاغية، ولهذا رفض أفلاطون هذه الديمقراطية التي تعتمد تأثير الخطابة الحماسية وتهييج الغرائز، وتغييب العقل والحكمة اللذين ينبغي أن يتحددا في قواعد واضحة تحمي من الظلم، فديمقراطية أثينا بالنسبة لأفلاطون لا يمكن أن تكون عدلا ما دامت قد اغتالت حكيم المدينة سقراط، الذي حكم عليه بالإعدام بتصويت من الأغلبية، بعد أن اتهم بـ"إفساد عقول الشباب" وهو الذي كان لوحده يدعو إلى تحكيم العقل والتفكير بنظام وعدم الإنسياق وراء البديهيات التي قد تكون كاذبة، ولم تكن الضوابط والقواعد التي تمّ بموجبها تدقيق معنى الديمقراطية بعد قرون طويلة من ذلك إلا بهدف تجاوز الطابع البدائي للديمقراطية اليونانية، هذا الطابع الذي يتمسك به الإسلاميون اليوم، لأن هدفهم من اختزال الديمقراطية في صوت الأغلبية هو الإحتكام إلى عواطف الأغلبية بعد تهييجها، وتغييب العقل الذي يحدّد ويحمي ما هو إنساني. والسؤال المطروح هنا هو التالي: هل كان الإسلاميون سيتشبثون باختزال الديمقراطية في صناديق الإقتراع ورفض أسسها الفكرية وقيمها لو لم يكن الشعب المغربي قد تعرض على مدى خمسين سنة لآثار توظيف الدين في الحياة السياسية من طرف نظام سياسي غير ديمقراطي، أليس الإسلاميون، مثل السوفسطائيين اليونان، بصدد اعتماد ذهنية الجمهور التي تشكلت عبر آليات الإستبداد لأزيد من نصف قرن وتغذيتها بالعواطف الدينية والخطابة والبلاغة، بغرض إشاعة نمط من التديّن كبديل نهائي ووحيد للديمقراطية ؟

إن نضج الحوار بين العلمانيين والإسلاميين إذا هو رهين بالإقتراب من المفهوم الكوني للديمقراطية، الذي لا يسمح لأية "خصوصية" بنقض مبدإ من مبادئ الحياة الديمقراطية، وعلى رأسها احترام الحريات وفصل السلط وسمو القانون والتدبير المعقلن للشأن العام، فالخصوصية في الديمقراطية تتعلق ببعض السياقات التي تختلف من بلد إلى آخر، دون أن تضرّ بجوهر النظام الديمقراطي، فالتجارب الفرنسية والأمريكية والإنجليزية والهندية مختلفة في الديمقراطية، لكنها جميعها تسمّى ديمقراطيات لأنها تحترم القواعد التي بموجبها يتمّ ضمان حقوق كل الأطراف قبل عملية الإقتراع، بينما لا أحد يسمي النظام الإيراني ديمقراطية لأنّ "الخصوصية الإسلامية" تبدو نشازا عندما تسعى إلى فرض قيم دينية بشكل شمولي يرسّخ الإستبداد عبر صناديق الإقتراع نفسها، في غياب القواعد الكونية للديمقراطية، فالخصوصيات إن كانت إغناء للتجارب الإنسانية، إلا أنها تصبح إيديولوجيا حربية تسلطية عندما تفهم كخيار للإنغلاق ونبذ الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الديمقراطيةأولوية الشعوب
علي الشمري ( 2011 / 9 / 24 - 19:00 )
الاخ الفاضل أحمد عصيد المحترم
الديمقراطية التي تطمح اليها الشعوب التي عانت من الاستبداد يجب ان تكون مصدر قوة للفرد والمجتمع,لان من خلالها يتمكن الجميع التعبير عن افكاره والتمتع بكامل حرياته التي يكفلها الدستور له,والتوزيع العادل للثروات والتداول السلمي للسلطة بعيدا عن محاولات فرض الاستبداد ,فالاسلامين أينما وجدوا لا يمكن أن يطبقوا الديمقراطية التي تنشدها الشعوب طالما يعتبرون قيمهم هي الامثل والانفع للمجتمع كونها امتداد لتعاليم السماء (كاملة غير منقوصه)فعلى أمتداد التاريخ الاسلامي لم تنشأ دولة ديمقراطية ,فنظام الرق والعبودية ملازم لها وأستباحة حقوق الغير اسلاميين وأستغلالهم يتصدر الواجهة.
أن كل من يعارض السلطة المستبدة يحمل قيم ومبادئ الديمقراطية الحقة,,وليس الذين يعتاشون على جهد الاخرين بحجة انهم وكلاء السماء ,
تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س


.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية




.. 131-An-Nisa