الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا لو انتهى العالم غدا؟

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2011 / 9 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أو بعد غد، أو في أي يوم آخر لا نستلم قبله بيومين على الأقل إشعارا بموعد النهاية المؤكد. إن ما يأتي بغتة لا يترك مجالا لنهاية ثقيلة الظل تتساوى فيها مشاهد الجميع بين منتظر ومصلٍّ ومنتحر، ويعفينا إذا من اللحظات الثقيلة، ليتيح لنا تنوعا هائلا في مشاهد النهاية، فمنا من سيموت ضاحكا ومنا من سيموت باكيا ومنا من سيموت نائما ومنا من سيكون راقصا ومن من سيكون مخدرا أو ثملا.

أواخر أيلول موعد جيد، للبدايات والنهايات معا، فلا بداية بدون نهاية، ولا نهاية لا تعقبها بداية، لذلك فإن أيلول يكون في كل مرة مشتاقا إلى تشرين، حيث ينمو طفل الشتاء على مهل، فتتداخل النهاية مع البداية. فأيلول متفائل، يتعجل البدايات حين يسأم نفسه، ويمل خريفه، مدركا أن لا سبيل للبدايات إلا بالنهايات..

إذا انتهى العالم غدا، فمعنى ذلك أن الحياة لو كانت حلما أو وجودا افتراضيا (وهذا ما يظنه كاتب هذه السطور المهووس) فسيصحو الناس غدا على الحقيقة ويتحرروا من الماتريكس الذي احتبسوا فيه ظانين أنه كل ما هنالك، والأمر في هذه الحالة أشبه بقفزة توم كروز في نهاية فيلم فانيلا سكاي ليبدأ حياته أخيرا بعد أن علق في حلم جلي انقلب إلى كابوس.

وحتى ينتهي الحلم عادة، في حال لم يكن هناك من يوقظك، فإن الحلم في كثير من الحالات ينهي نفسه بطريقة درامية منطقية تتلاءم مع آلية تفكير الحالم وتصوراته عن العالم، فقد يشعر الحالم أنه يسقط من مكان شاهق فيصحو، أو أن العالم من حوله يتدمر فيصحو (ومن شاهد فيلم Inception قد يفهم ما أعنيه هنا)، أوقد ينتهي الحلم عندما يجد الحالم أنه تحت تأثير خوف هائل وتهديد مروع فيصحو..

وما يدفع الحالم إلى إبداع تلك النهاية ليصحو هو رغبته في فهم ما حوله في البداية والنهاية وفقا لافتراضاته العقلية لما يجب أن يكون من تتابع وانسجام بين مكونات العالم المحيط، والمذهل في الأمر أن الإنسان يبدأ الحلم مع معطيات جاهزة، فقد يبدأ الحلم في مكان لا يعرفه، وقد تكون هناك أفكار معطاة سلفا "وغريبة أحيانا" في الحلم، فقد يجد الإنسان نفسه شخصا آخر، وهو يتقبل ذلك ويتحرك ضمن المعطيات ولا يتساءل أين كان قبل قليل،،، وذلك شبيه جدا بالحقيقة التي نصحو عليها من أحلامنا المعتادة،، فحياتنا التي نعيشها ونحن "مستيقظون" هي مليئة بالافتراضات والنظريات التي تفسر العالم والتي تشمل القوانين العلمية التي قد نستخدمها لصنع الأشياء والتنبؤ بالظواهر أحيانا، ولكن إذا كان الواقع وجودا افتراضيا تشبه حياتنا داخله الوجود ضمن لعبة فيديو جيم، فإن كل المادة من حولنا هي انعكاس للوعي ونتاج عنه بما في ذلك كل قوانينها المتسقة، ولا يوجد بذلك ما ينتهي عمليا، ولا يوجد أي ضرورة لأي شيء لبقاء أي نوع من الوعي، أي أن الوعي لا يعتمد على أي شيء للبقاء، فهو باق وغير معرض للخطر (وهذا يفسر السلام الداخلي الذي نصل إليه مع "التيقظ") فالبقاء ليس ببقاء "الحياة" طالما أن الحياة نفسها معطى افتراضي، وبالتالي فإن الغذاء والمأوى وغيرها أيضا معطيات تتعلق بهذا الواقع، أو بهذا الجيم game فقط.. ومعنى ذلك عمليا أنه لا نهاية... فما معنى النهاية،، النهاية لا تعني إلا البداية...

وبالتالي فنحن لا نكون أبدا في مواجهة نهايات، بل الأمر دائما عملية تحول من مستوى إلى مستوى أو من حالة إلى حالة أو من ظرف إلى ظرف، وبالتالي فالنهاية هي بداية لوجود الوعي ضمن مستوى جديد أو حالة جديدة أو ظرف جديد.

وإذا كان العالم حلما فلا بد أن يكون حلما جمعيا، حقيقة افتراضية جمعية تشمل كل من يعيش ضمن "هذا العالم تحديدا"، فأي اثنين من سكان هذا العالم إذا نظرا إلى الأهرامات مثلا سيشاهدان الشيء نفسه ويصفان الشيء نفسه، لأن الوعي متصل، وهو لمن يعيشون في العالم الذي نعرفه والذين يشكلون جزءا من الوعي الكوني العام، مشترك في انحباسه ضمن الحقيقة المفترضة لعالمنا، وضمن حقيقة أكبر خفية علينا كلنا، هي الكون الواعي البانثيستي...

وهذه البداية الجديدة ستكون مخيبة للبعض في لما قد تحمله من مفارقات، فالبعض قد يكون في انتظار شيء ما بعد أسبوع من الآن، والبعض ربما أمضى السنوات الماضية يعد لشيء ما هو على وشك أن يكتمل أو ربما قطع نصف الطريق فقط، والبعض ربما بدأت الحياة للتو تبتسم له، وبالتالي فقد أصبح متعلقا بالواقع أو الظرف الحالي أو الذي يبدو أنه حالي.. والأمر هنا يشبه التعلق بالحلم،، فأحيانا يكون الحلم جميلا إلى درجة تحاول فيها أن تتمسك بالحلم حتى بعد اكتشافك أنه حلم، وأحيانا تولد أحداث الحلم فضولا كبيرا لديك يجعلك تريد التمسك بالحلم حتى بعد أن بدأت تصحو (وعادة يحدث هذا عندما يوقظك أحدهم أو يوقظك صوت ما مثلا، أي غالبا ليس في الحالات التي تصحو فيها من تلقاء نفسك حيث تكون في حالة لا حلم فيها عادة عند هذه اللحظات)... وحتى لو اكتشف أي واحد منا يقينا أن ما هو حقيقي ضمن هذا الوجود الافتراضي هو فقط المشاعر الدافئة وأحاسيس المحبة والعرفان، وأن باقي الأشياء هي من نسيج حلم مشترك، قد يكون جميلا أو نصف جميل أو رماديا أو قبيحا، وأن وراء هذا العالم الافتراضي حقيقة أقرب إلى وعينا المتصل، فهو سيتمسك بالمعطيات الافتراضية ويحاول حلها للوصول إلى شيء ما، إلى (الغاية).. التي اختلف عليه الجميع طوال التاريخ مع أن الأمر بسيط،، وهو أنه رغم كل هذه المعطيات، هنا وفي أي وجود افتراضي او حقيقي آخر، فالمطلوب من الجميع هو: لا شيء

فالوجود الواعي أو الوعي المتصل يخوض نفسه ذاتيا عن طريق كل واحد منا، كل واحد له منظاره الخاص و"الأنا" الخاصة به ورغم ذلك فالكل متصل ضمن محيط أو بحر من الوعي الذي يخلق حالات الوجود الافتراضية (هذا العالم نموذجا) بطريقة جمعية تشمل ذكاءنا الجمعي المتصل، ولكن وطالما أنها افتراضية فهي تخفي "حقيقة اتصال الوعي" لأن الوجود الافتراضي بغير ذلك لا يكون ممكنا ونبقى في حالة الاتصال النيرفانية الأورجازمية المستمرة دون وجود "صراع"...

ولعلنا(نحن، الكون، الوعي المتصل) نشتاق إلى الصراع أحيانا شاعرين أنه يعطي المعنى والهدف، ويجعل للمعطيات هدفا مطلوبا.. وبالتالي فبين فترات النيرفانا الطوباوية الطويلة، لا بأس من وجود عوالم، يدخلها ويغادرها جزء من الوعي، فيبقى جزء من الوعي الذاتي ذي المناظير المتعددة اللانهائية (بشر وحيوانات وكل شيء له وعي) محتبسا داخل الحقيقة الافتراضية لمدة يكون فيها غيره في حالة النيرفانا، ليتبادلا الأدوار بعد ذلك وهكذا... (موتى وأحياء بتفسيرنا الحالي الافتراضي)

وهذه البداية الجديدة قد تكون بالنسبة للبعض الآخر غاية يتوق إليها، ذلك البعض الذي لم يعد لديه ما ينتظره في هذه الحياة، أو الذي لا يجد ضمن معطيات وجوده الافتراضي الحالي ما يدفع للتفاؤل..

لذا فإن نهاية هذا الوجود الافتراضي والتي تفوح منها رائحة البداية الجديدة (التي يتفاوت الناس (المناظير المختلفة للوعي المتصل) في شمها) ستمنحنا الكثير من المفارقات التي قد تشكل مع بعضها استنتاجا معينا من نوع، لا يفضي في النهاية إلى توصيات بشيء آخر..

فنحن سنخوض التجارب تلو التجارب بلا نهاية ودون أن نستشعر الملل، من آلام، ومتع، ونيرفانا، وسبات، واستفاقة... لكنها كلها تحمل معها اللانهائية،، وكل منظار (كل جزء من هذا الوعي المتصل يدرك نفسه كأنا..) هو لانهائي

وفي النهاية، أو البداية، فلا يوجد أورجازم لا ينتهي، لأنه بنهاية هذه النشوة الهائلة فقط تتاح تجربة أورجازم جديد،، أي أن التقطع مفيد... وكذلك نوبات الثمل والسكر لا تستمر، بل هي متقطعة،، تصحو من واحدة لتدخل (وأنصح أن يكون ذلك كل يومين أو ثلاثة ودون مبالغة وإفراط) في نوبة جديدة... والاستمرار في نفس النوبة غير ممكن ويفقدها جمالها..

وأسوة بالأورجازم وبنشوة السكر، فإن الحياة تنتهي وتبدأ..

لذا لا تقلق

Enjoy the ride








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بخصوص الأفعال الخمسة
محمد عبد القادر الفار ( 2011 / 9 / 25 - 16:25 )
تصحيح للفقرة الثالثة : السطر الثاني
ورد: ويتحرروا من الماتريكس الذي احتبسوا فيه
والصواب: --ويتحررون- من الماتريكس الذي احتبسوا فيه

لمم من الأخطاء الطباعية:

الفقرة الثامنة : السطر الأول
ورد: ستكون مخيبة للبعض في لما قد تحمله
والصواب: ستكون مخيبة للبعض لما قد تحمله

الفقرة رقم 12: السطر الثاني
ورد: استنتاجا معينا من نوع
والصواب: من نوع ما.. ال-ما- سقطت سهوا .. والحقيقية هي أنه لا حاجة لل-ما- طالما قلنا أنه معين.. فهو حشو زائد لا يفيد ولكن لا يضر..

ومعلش احنا بنتكلم


2 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 9 / 26 - 03:19 )
أخي محمد الكاتب المحترم تحية لك . المادة بالمناسبة جميلةوتتضمن عدة أفكار ذكية وبعضها سوداوية المزاج . ومع ذلك تستحق القراءة والشكر معاً.


3 - تقدير للقراءة والتعليق
محمد عبد القادر الفار ( 2011 / 9 / 26 - 14:14 )
أستاذي الفاضل سيمون خوري أشكرك للقراءة والتعليق،، وبالنسبة للسوداوية فاسمح لي أن أستعير من فيروز - انا مش سودا بس الليل... سودني بجناحو-

كل الود


4 - سؤال؟
محمد الكردي ( 2011 / 11 / 26 - 14:03 )
انت هسه صرت بوذي ؟ على اساس ملحد مادي حاقد مثل الشلة بتوعك




و لا تخاف من النهاية...الله كريم

اخر الافلام

.. وصول أولى الشاحنات المحملة بالمساعدات عبر الرصيف العائم إلى


.. زيادة حدة التصعيد بين إسرائيل وحزب الله بالتزامن مع اجتياح ر




.. الجيش الإسرائيلي يقصف مخيم جنين في الضفة الغربية ما أدى إلى


.. سوناك وزوجته يتصدران قائمة الأغنى في بريطانيا




.. -ابن ذمتنا قبل ابن ملتنا:.. الداعية الأزهري رمضان عبد المعز