الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة في نقد تأويل التأويل // جزء 3

غالب محسن

2011 / 9 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 23


أذا كان لا يحظى برزقك عاقل وترزق مجنوناً وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على أمرئ رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
وللمعري تأويل


التأويل من الأيمان

في مطلع الجزء 2 من هذه التأملات أستشهدتُ بما أوردهُ الطبطبائي في كتابه " الميزان في تفسير القرآن " مما ينبغي على المسلم معرفته من القرآن ليكون من أهله ومن العارفين به . هذه ، وجدتها ، ومعي جمهور غفير من المسلمين على ما أظن ، أقرب " للمهمة المستحيلة " ليس للمتأملين فحسب بل ولحشود المؤمنين الصادقيين . وكما كتبت فقد كان لشروط الطبطبائي التعجيزية مقصداً آخراً لا يفوت القارئ النبيه . وأعتقد أنه عندما كتب تلك الشروط لم يفكر لا بنص الكتاب ولا روحه أو الأصح تناساه . فكيف له أن ينسى وهو العارف والخبير بأسراره ، أن الله أنما يُرِيدُ اليسر بعباده الصالحين " وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ " وأيضاً " لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا " و " رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ " / البقرة الآيات 185 و 286 على التوالي . هذا ليس موضوعنا الآن على أية حال .

قد يتبادر للذهن لأول وهلة أن الطبطبائي ( راجع النص المشار أليه ) لم يذكر في شروطه لفهم القرآن كلمة التأويل ، لكنني أسارع للتنبيه الى عدم التسرع لأنها في حقيقة الأمر وردت عدة مرات وأن كانت ضمناً . أنها في الواقع ، مستعيناً بالتأويل ، كل النص ومنبع الأيمان .

معنى التأويل في القرآن

التأويل هذه الموضوعة المفصلية في الفكر الأسلامي وربما أهمها على الأطلاق لما أثارته من سجال وقتال ، في البعد والوصال ، من الجنوب والشمال ، جبال وبوادي ورمال ، في الواقع كما في الخيال ، من النساء والرجال ، بين الصادق والدجّال ، من غير سؤال ، عن الحق و الكمال ، بل على هذا المنوال ، حتى مطلع المحال .
تكررت كلمة تأويل 18 مرة في القرآن (لو شئت البحث من خلال الجذر تأويل ) ، منها 8 مرات في سورة يوسف وحدها . أليكم بعض الأمثلة في تفسير { ويُعلمك من تأويل الأحاديث } التي وردت في الآيات 6 و 21 ومثيلاتها في الآيات 36 و 37 و 44 و45 و 100 و 101 من هذه السورة :

1. " معناه أنه تعالى يعرفك عبارة الرؤيا - في قول قتادة ، ومجاهد - وذلك تأويل أحاديث الناس عما يرونه في منامهم " ، تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي ( كبير مفسري الشيعة ) .

2. " يقول : ويعلـمك ربك من علـم ما يؤول إلـيه أحاديث الناس عما يرونه فـي منامهم ، وذلك تعبـير الرؤيا . " تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (شيخ المفسرين الكلاسيكيين) .

3. " أنه تعبير الرؤيا ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وقتادة ، فعلى هذا سمي تأويلاً لأنه بيان ما يؤول أمر المنام إِليه . " تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي ( علامة لدى السنة)

4. " ومعنى تأويل الشيء أي معرفة ما يؤول إليه الشيء، ونعلم أن الرُّؤى تأتي كطلاسم ، ولها شَفرة رمزية لا يقوم بِحلِّها إلا مَنْ وهبه الله قدرة على ذلك ؛ " تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي ( من العصر الحديث المعروف بتبسيطاته وأسلوبه الشعبي ) .

يمكن مراجعة التفاسيرالأخرى التي أستشهدت بها سابقاً (في جزء 2 ) لمن يرغب بالمزيد من الأمثلة وسيجد أنها تتفق حول معاني التأويل من حيث المضمون مع ما ورد فيما سبق وأيضاً مع ما سيرد لاحقاً .

التآويل الأولى - تآويل الوحي

وبالرغم من أختلاف مدارس وزمان هؤلاء المفسرين الكبار ، الأصليين ، فأنهم يتفقون على أن التأويل هنا هو مرادف للتفسير وبخاصة تفسيرالأحلام ( الرؤى ) . هذا المعنى للتأويل بدأ يختفي تدريجياً في الثقافة الأسلامية التي سادت في المراحل اللاحقة لأنتصار الدين الجديد بل مباشرة بعد وفاة صاحب الدعوة وحيث توجب على عليهم مواجهة ثقافات الشعوب " العريقة " في البلدان التي أحتلها المسلمون . يعني يمكن القول أن هذه المواجهة هي أحد مسببات ظهور الحاجة لتفسيرات جديدة ( تأويلات) . هذه الحاجة كانت موجودة أيضاً في زمن صاحب الدعوة ، في مواجهة يهود يثرب مثلاً . لكن جعجة السيوف وغبار حوافر الخيل قد طغت على هذه الحاجة وحجبت رؤيتها ، هذا من جهة .

وفي الفترة المتأخرة من وجود النبي في المدينة كان الوحي هو من يقوم بتلبية هذه الحاجة . في أسباب نزول الآية 34 من سورة النساء حول قوًامة الرجال والتي فصًلتُ فيها في الجزء الثاني من هذه التأملات يخبرنا العديد من المفسرين : قال مقاتل: " نزلت الآية في سعد بن الربيع بن عمرو وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من الأنصار وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي ، فقال : أفرشتُه كريمتي ، فلطمها . فقال النبي : لتقتص من زوجها فانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبي : " ارجعوا فهذا جبرائيل أتاني وأنزل الله هذه الآية " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير " . وقد روى هذه الحادثة معظم المفسرون اللذين سبق ذكرهم وهي توضح كيف أن الوحي هنا وفي مناسبات عديدة يقوم بمهمة أعادة " التاويل " وهي التي تعرف عادةً بالناسخ من الأيات .

ومن الحالات المشهورة في تدخل الوحي ما جاء في الآية 52 من سورة الحج الشهيرة { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التي نزلت عقب ما يعرف بآية الغرانيق التي أراد بها الرسول محاباة أهل قريش حسب معظم المفسرين ( الطبري ، الزمخشري ، أبن كثير ، السيوطي ، الطبرسي ، الطوسي ، علي أبن أبراهيم القمي وغيره كثير ) ، فأنبه الوحي عليها في الآية { وَإنْ كادُوا لَـيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ، لِتَفْتَرِيَ عَلَـيْنا غَيْرَهُ... } الأسراء آية 73 .

دور جديد للوحي

صار هذا الأمر ، تدخل الوحي لتصحيح أو تقوية موقف الرسول ، مألوفاً في حقبة الفترة المدينية خصوصاً بعد أن أستقر الأمر لصاحب الدعوة حيث كان الوحي ، بأستمرار ، يلبي حاجة التأويل ليس في الأمور الدينية الرسالية فقط بل وأيضاً حاجات النبي الأخرى السياسية – التكتيكية كما في حادثة تهجير بني النضير ، والحاجات الشخصية مثل تبرير تعدد زيجاته الأستثنائية ، كزواجه من زينب بنت جحش زوجة أبنه بالتبني زيد بن حارث وهي التي قصدها الوحي بأية الحجاب ، وكذلك زواجه من أم شريك الدوسية . وقد أغاض الطفلة / الشابة عائشة كثرة وطريقة زيجات الرسول فسارع الوحي للرد السريع على شكوك عائشة فنزلت في الأولى الآيات 37 – 40 وفي الثانية الآية 50 من سورة الأحزاب الأمر الذي أغاض عائشة أكثر وقالت للرسول قولتها المشهورة " ما لي ارى ربك يسارع الى هواك " . وقد وردت هذه الحادثة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهم وفي أغلب التفاسير التي أشرت لها سابقاً * .

ومن الجدير بالذكر لم تكن " تدخلات " الوحي هذه واضحة في الفترة المكية (بضع حالات ) بل ومن المثير للملاحظة تلك الفترة الحرجة التي مرّت على الرسول والتي يسميها المفسرون فترة " فتور الوحي " عقب وفاة ورقة بن نوفل والتي أختلف المفسرون في مدتها وفي تأويل سببها حيث دخل الرسول في مرحلة من الحزن و " الكآبة " لرحيل معلمه .

تأويل التأويل

وشيئاً فشيئاً أخذ التأويل معنىً ودوراً آخراً مختلفاً تماماً عن ما قصده الوحي و بدى هو أقرب لتصورات المؤولين أنفسهم و" غاياتهم " وأجتهاداتهم . وهذا ما تلقفه الحاكم ، وشجعه ، ليصبح لاحقاً السلاح الأمضى في تثبيت أركان الدين ( الدولة الأسلامية ) بما فيها ملاحقة فكر الآخر ، المختلف ، منذ ظهور المعتزلة في القرن الثاني الهجري في البصرة وحتى يومنا هذا .

وأذا راودت أحدٌ فكرة أن التأويل بحد ذاته كأسلوب وطريق مميز لنيل المعرفة كان قد وُجد قبل الأسلام ، وهذا حق وأن كان في أطواره الأبتدئية ، لكن الصحيح ايضاً أن هذا المعنى لم يكن مقصد الوحي . فالتأويل في القرآن جاء بمعنيين ، الأول التفسير وقد أوردنا بعض الأمثلة من سورة يوسف . والمعنى الثاني هو العاقبة وما تؤول اليه الأمور (المصير) ** .

جاء في جامع البيان للطبري : وأما معنى التأويـل فـي كلام العرب : فإنه التفسير والـمرجع والـمصير، وقد أنشد بعض الرواة بـيت الأعشى : علـى أنَّها كانَتْ تَأَوُّلُ حُبِّها تَأَوُّلَ رِبْعيِّ السِّقابِ فأصْحَبـا

وعن أبن الجوزي في زاد المسير " في التأويل وجهان. أحدهما: أنه التفسير. والثاني: العاقبة المنتظرة . " جاء في تفسير الآية 7 آل عمران في مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي وكذلك في تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي: والتأويل التفسير وأصلـه المرجع والمصير من قولـهم آل أمره إلى كذا يؤول أولاً إذا صار إليه وأوّلته تأويلاً إذا صيرته إليه .

هذا ما أتفق عليه أغلب المفسرين على أختلاف مذاهبهم ليس في تفسير الآيات التي وردت فيها تعابير التأويل فحسب بل وايضاً عندما يسترسلون في الأستشهاد والشرح والأستعارة . يمكن التأكد من المصادر التي وردت أعلاه وغيرها أيضاً لمراجعة معنى التأويل في السور والآيات المتبقية : يونس 10 ، الأسراء 35 ، النساء 59 ، الأعراف 53 ، الكهف 78 و82 .

لكن من بين أشهر آيات التأويل على الأطلاق ، كما أعتقد ، هي الآية 7 من سورة آل عمران التي تعتبر من الآيات المحببة لدى المؤمنين عموماً والقيمين على الدين بالخصوص . حاول النيسابوري تفسير هذه الآية فقط بحوالي 10 صفحات ، أما الطبري فقد حاول أن يشرح هذه الآية بما يوازي 17 صفحة ولم يزد على هؤلاء وغيرهم سوى العلامة الطبطبائي حيث ما قدّرته له في شرح هذه الآية وحدها بحوالي 50 صفحة .

هذه الآية ستكون محور التأملات القادمة !

يتبع .....

د . غالب محسن

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* في تفسير الآية 50 من سورة الأحزاب حول خصوصية وأحقية زواج الرسول بلفظة الهبة ومن دون مراسيم ( بدون شهود ، بدون مهر او صداق ...الخ ) وممن لا يحق لغيره ، يستشهد الطبرسي بأبن عباس : { خالصة لك من دون المؤمنين } أي خالصة لك دون غيرك ( يقصد النبي / التوضيح مني ). قال ابن عباس: يقول لا يحل هذا لغيرك وهو لك حلال وهذا من خصائصه في النكاح فكان ينعقد النكاح له بلفظ الهبة ولا ينعقد ذلك لأحد غيره وأختلف في أنه هل كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له أم لا فقيل: إنه لم يكن عنده امرأة وهبت نفسها له عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: بل كانت عنده ميمونة بنت الحارث بلا مهر قد وهبت نفسها للنبي في رواية أخرى عن ابن عباس وقتادة. وقيل: هي زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار عن الشعبي. وقيل: هي امرأة من بني أسد يقال لها أم شريك بنت جابر عن علي بن الحسين (ع) والضحاك ومقاتل. وقيل: هي خولة بنت حكيم عن عروة بن الزبير. وقيل: إنها لما وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم قالت عائشة ما بال النساء يبذلن أنفسهن بلا مهر فنزلت الآية فقالت عائشة: ما أرى الله تعالى إلا يسارع في هواك .... الخ .
** وقد ودت بمعنى ما تؤول أليها من أمور لا يعلمها ألا الله من قبيل موعد قيام الساعة وظهور المسيح ... الخ كما في الآية 7 من سورة أل عمران .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية