الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التخلف كممارسة يومية

بن جبار محمد

2011 / 9 / 30
المجتمع المدني


لسنا بحاجة لخبراء البنك الدولي ومستشاري منظمات الأمم المتحدة المتخصصة لمعرفة أننا فعلا بلدا متخلفا بامتياز ودون الخوض في حساب المؤشرات وقراءة الإحصائيات و فحص البيانات..هناك مظاهر واضحة للعيان ولا تحتاج إلى جهــد كبير بل أن تلك المظاهر ذاتها تستفزنا يوميا و تفرض وجودهــا علينا و بإصرار.

1- مواكب الوزراء و الولاة الضخمة:
ما درج عليه المسؤولين في زيارتهم لمدننا و قرانا الموشحة بالبؤس , أن هؤلاء يتعمدون في إيذاء مشاعر المواطنين بمرافقتهم لمئات السيارات الفخمة في مواكب كرنفالية ضخمة و إستهلاك آلاف الغالونات من البنزين في مشاهد إستعراضية لا طائل من ورائها سوى البهرجة الزائفة و حرق الأعصاب و أستفزاز الناس .
في تلك الفترة الزمنية تعلق الأنشطة التجارية و أرزاق الناس و تغلق الطرقات و المنافذ و تؤمن له السماء و الأرض ريثما يمر السيد "الأكبر". في حين أن أحد رؤساء دول الشمال "الأروبي" يدشن أكبر مجمع تكنولوجي في القارة دون بهرجة و لا إستعراض قوة , كانت في رفقته مجموعة سيارات لا تتعدى الأربع .

2- الإجراءات الإدارية المعقدة :
لا يتعلق الأمــر هنا بالإستثمار الإقتصادي و التجاري لأن الأجانب أصحاب المشاريع قلما يداومون على نشاطاتهم , سرعان ما يغلقون مصانعهم و يفرون بجلودهم أو ينخرطون في المضاربات كوسيلة للربح السهل ذلك أن المناخ الإقتصادي و السياسي لا يساعد كثيرا على المشاريع الجادة و المبدعة . أنا أتكلم عن البيروقراطية بإجراءاتها المعقدة للحصول على وثيقة إدارية لتكوين ملف بسيط , بالإضافة الى الوقوف لساعات طويلة أمام الشبابيك فأنت مجبــر على الحصول على وثائق أخرى و تصاريح من مكاتب أخرى في متاهات جهنمية لا تنتهي. أما إذا تعلق الأمــر بسحب أجرتك من مراكز أو وكالات البريد فستخوض حرب ماراثونية مريرة مع إستنفاذ الكثير من الطاقة و الجهــد.

3- بلدان غنية و شعوب فقيرة
و هي من أكثر المفارقات التي تدعو للحزن , أن بعض البلدان العربية غنية جدا بمواردها الطبيعية و البترولية و المنجمية إلا أن السواد الأعظم من شعوبها تعيش تحت خط الفقــر و لا تكاد أسرة متوسطة توفير حاجياتها الأساسية إلا بصعوبة بالغة لتأمين المتطلبات الحيوية و الضرورية لسد الرمق و القلة القليلة تستحوذ على الثروات و ملايين الدولارات من الريع البترولي دون جهد يذكــر . نتج عن ذلك يأس شديد لدى الشباب الذي أدى به الى خوض غمار المغامرات الخطيرة في هجرات سرية فيها الكثير من المهانة و إهدار الكرامة و السقوط في أحابيل المنظمات المافيوية في البلدان الأروبية ناهيك عن الإستغلال و الإستعباد.

4- الإنتخابات الرئاسية : الفوز ب99 بالمائة
لا يرضى الرئيس الذي يعاد انتخابه إلا برقم 99 بالمائة أو أكثر , تزوير الانتخابات أمر مفروغ منه و لا يحتاج الى تدقيق و إنما نرى كيف أن النظام بكل أطيافه المدنية و العسكرية يتكالبون لتحقيق هذا الرقم دون خجل من شعوبها و الضحك عليه دون حياء , و يطلع علينا الناطق الرسمي بقراءة نتائج الانتخابات أمام مرأى العالم و كاميراته و بذلك أصبحنا أضحوكة العالم و مصدر تنذرو سخرية . و ينهي الناطق الرسمي مؤتمره الصحفي الدولي بقوله أن الانتخابات كانت نزيهة و شفافة و ديمقراطية و أن المجلس الدستوري سيبت في الطعون المقدمة لمكتب انتخابي أو أثنين على الأكثر .

5- تردي مستوى الخدمات
عند أول سقوط للمطر أو هبوب رياح أو إرتفاع درجة حرارة الموسمية تبدأ المتاعب في إنقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي يدوم ساعات طويلة تستمر مرات الى يوم كامل .
قبل عدة سنوات قال لي صديق أن المرحلة الآتية ستشهد مراحل مأسوية على كل الجبهات و لكن تفاؤلي الكبير لم يجعلني آخذ كلامه مأخذ الجد , قال لي بوضوح أن أننا سنشهد إنقطاعات متكررة للكهرباء بل أن أجهزتنا ستصاب بأعطاب بليغة و ضارة لا يمكن إصلاحها . و فعلا بعد سنوات , أهترأت الشبكات بشكل كبير لنقص الصيانة و عدم الإكتراث بغالبية السكان كما أنوه أن الإنقطاعات لا تخص سوى المدن الصغيرة و القرى النائية و قد حدث أنه في إحدى المدن الروسية الصقيعية أن أنقطع التيار الكهربائي فيها لعدة أيام دون أن تقوم الجهات المعنية بإصلاح الكهرباء هناك رغم وجود مبررات و أسباب تتعلق بقساوة المناخ فطلب الرئيس بوتين من وزرائه المبيت في تلك المدينة على الظلام حتى يقاسمون السكان معاناتهم .تردي مستوى الخدمات لا يقتصر على الإمداد الكهربي و إنما يمتد الخدمات الأخرى كالخدمات الصحية و المياه وشبكات الطرقات , ما يحزنني فعلا أن الطرقات التي تم إنجازها حديثا أهترأت و فسدت و لم تعد تصلح للسير عليها رغم المبالغ المالية الكبيرة التي رصدت لها أو أنها تم حفرهــا من جديد لأجل تمديد قنوات المياه أو الصرف الصحي ..الخ .

6- الإكتظاظ في وسائل النقل العامة :
رغم وجود ترسنات قوانين ردعية و تنظيمية تتعلق بالنقل و التنقل إلا أن الملاحظ و هذه هي السمة العامة التي نراها في الدول المتخلفة و هي الإكتظاظ في وسائل النقل حيث أن الحافلات تحمل أكثر من طاقتها الإستيعابية بعشرات المرات مما يعرض المسافرين الى أخطار متعددة إضافة الى المهانة و الحط من الكرامة الإنسانية و سهولة إنتقال العدوى و الروائح الكريهة . وسيلة النقل في حد ذاتها مستهلكة و قديمة لا تصلح للخدمة تنفث في داخلها دخان العوادم و الغبار و تنعدم وسائل الراحة.

الخاتمة :
أي شخص يمكنه تمييز هذه الأشياء و النقاط التي ذكرناه كمظاهر للتخلف العام و لا يمكن حصــرها لأن القائمة طويلة و ما يخفى على النظر هو أعظم و أسوء بكثير و خاصة أن بعض الأشياء لا تفصح عن نفسها إلا بمعاشرتها طويلا و معاينة للواقع البائس . التخلف أصبح كممارسة يومية عن قصد و عن غير قصد إلى درجة لم نعد نفرق بين الطبيعي و غير طبيعي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر


.. الجزائر وليبيا تطالبان المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة




.. إعلام محلي: اعتقال مسلح أطلق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا


.. تحقيق لـ-إندبندنت- البريطانية: بايدن متورط في المجاعة في غزة




.. مستوطنون إسرائيليون يضرمون النار في مقر وكالة الأونروا بالقد