الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانيّة: كمرفق عام للسوريين

حمزة رستناوي

2011 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(1)

ما يكاد يحظى بالإجماع بين شرائح المتظاهرين و المناهضين للسلطة السورية هو الشعار التالي" دولة مدنية ديمقراطية تعدّدية"

يُفهم من كلمة "الدولة المدنيّة" أنها نقيض للدولة العسكرية :و الدولة السورية حاليا محكومة بنظام أمني عسكري , فبديل المتظاهرين و المناهضين و منذ ما يزيد عن ستّة أشهر هو "المدنيّة" عوضا عن الدولة الأمنية العسكرية.

و يُفهم من كلمة "المدنيّة" كذلك أنها نقيض للدولة الدينيّة: بالعودة للتاريخ القريب فالدولة السورية المُقترحة وفقاً للبرنامج السياسي لمعارضين إسلاميين "الطليعة الأخوانية المقاتلة, حزب التحرير ..الخ " في ثمانينات القرن الماضي هي دولة إسلامية أو دولة الخلافة الإسلامية.

بديل المتظاهرين و المناهضين للسلطة و منذ ما يزيد عن ستة أشهر هو "المدنية" كنقيض للدولة الدينية.

أما صفتي الديمقراطيّة و التعدّدية فها قليلتي الالتباس.

لا يوجد قرائن وازنة تكفي لاتهام التيار الأساسي للمحتجّين و الحراك الشعبي بالتقيّة و سوء النية و أنّهم ينشدون دولة دينية على النموذج الطالباني أو الوهابي..الخ غير هواجس مُبَالَغ فيها لمثقّفين , و كذلك كجزء من الآلة الإعلامية المنحازة للاستبداد ضد الحراك الاحتجاجي .

و لكن هل هذا يكفي ؟؟ !!

خاصة إذا انتقلنا إلى مناقشة التعبير السياسي للحراك الاحتجاجي الشعبي , و سيكون هذا مدخل لمناقشة مفهوم العلمانية الغائب الحاضر

سأتوقّف عند :أسباب خفوت الصوت العلماني في الحراك الاحتجاجي

و من ثم أناقش: ما تستطيع "العلمانيّة" أن تضيفه لحيويّة الحراك الاحتجاجي

(2)

بالوقوف عند أسباب خفوت الصوت العلماني الصريح , يجب تأمّل المشهد السياسي و الثقافي و الاجتماعي للمجتمع السوري- و العربي- قبيل اندلاع شرارة الحراك الاحتجاجي.

و سنوجزها بنقطتين:

الأولى: إخفاق المشروع النهضوي العربي, و تعثّر حركات التجديد الديني : حيث قام التيار السلفي و الاخواني و الجهادي بشيطنة العلمانية و تشويه دلالاتها الايجابية, حيث أصبحت مساوية في ذهن غالبية المسلمين للكفر و التغريب و العداء للدين , و نجد نماذج ذلك نجده في الخطاب الديني لطيف إسلامي واسع يبدأ من الإخوان المسلمين – راجع مثلاً كتاب القرضاوي" الإسلام و العلمانية وجها لوجه" – التيار السلفي , الوهابي, القاعدة و لا ينتهي بالإسلام الرسمي الملحق بالسلطة – كالشيخ البوطي حيث شنّ هجوما على ناشطي ربيع دمشق قبل عشر سنوات كونهم علمانيين كفره.

لم يتم التعامل بموضوعية و حيويّة مع العلمانية , فالعلمانية هي تجربة بشرية و هي علمانيّات و ليست عقيدة أو صيغة أحادية .

لم ينظر الإسلاميين إلى العلمانيّة كإجراء مفيد وضروري لاستقرار و وحدة الدولة و تجنيبها الصراعات الطائفية و الحروب الأهلية المعيقة لبناء ديمقراطيتها و سيادتها و المحافظة على وحدتها , و ما كان ذلك ليتم بحضور رجال دين متنوّرين مُنْفَتِحي الذهن على تجارب السياسيّة المعاصرة في العالم , رجال دين شجعان يقرؤون الإسلام في إطار سياقاته التاريخية.

ثانياً: التجارب السلبية للأنظمة العلمانية ممثّلة في تركيا الأتاتوركية التي تبنّت علمانية عقائدية معادية للدين , و كذلك النموذج التونسي الاستبدادي التغريبي , و الأهم من ذلك كذلك التجربة العلمانية لنظام البعث في سوريا, التي لعبت دورا متناقضا منتهكاً لأسس العلمانية في فصل الدين عن السياسة

عدا عن وجود مواد في الدستور السوري تناقض العلمانية من مثل المادة الثالثة من الفصل الأول التي جاء فيها:

1- دين رئيس الجمهورية الإسلام.
2- الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.

و ذلك قليل الأهميّة في المثال السوري كون الدستور لم يشكّل فعليا ً مرجعيّة ملزمة للسلطة.

فمن جهة جرى رعاية إسلام رسمي مُسَخَّر لخدمة السلطة " وزارة الأوقاف- مؤسسة المفتي- طرق صوفيّة – القبيسيات – تعاميم حزبية داخلية توجه بدعم رجال دين و تيارات بعينها- شخصيات دينية مُسوّقة اعلاميّاً و نافذة كالشيخ البوطي"

و من جهة ثانية تمّ تقييد الحرّيات الدينية أثناء و عقب صراع السلطة مع الأخوان المسلمين , على سبيل المثال لا الحصر: نزع حجاب النساء المارات في شوارع دمشق من قبل رجال رفعت أسد – إلزام فتيات المدارس بنزع الحجاب مما تسبّب بخروجهنّ من المدرسة مبكّرا- تطبيق قرار بنقل المعلّمات المنقّبات من سلك التعليم و هذا من ناحية المبدأ قرار جيد و مطلوب , و لكن طريقة تطبيقه بشكل تعسّفي و أمني أفقده معظم ايجابيّاته - التمييز ضد المتدينين في الوظائف الرسمية خاصة المناصب الرفيعة و المؤسسة الحزبية و العسكرية فيكفي كتابة تقرير أمني أن فلان مواظب على الصلوات و من مرتادي الجامع حتى استثناءه و تهميشه..الخ.

و من جهة ثالثة: تمّ تبنى البعث كعقيدة رسميّة تنافس الدين إضافة للوثنية السياسية و استغلال ولاءات فئوية تنتمي لما قبل الدولة..الخ.

إنّ كل هذه الخروقات للعلمانية في النموذج السوري كانت بدافع الحفاظ على السلطة و امتيازاتها و تماسكها في وجه خصوم هم بدورهم معادين للعلمانية يستندون إن ايديلوجيا الإسلام السياسي بصيغته الجوهرانيّة.

(3)

ما تستطيع "العلمانيّة" أن تضيفه لحيويّة الحراك الاحتجاجي ؟

ما الغرض من طرح العلمانية الآن؟!

رغم إدراكي أن الوقت متأخر و الانتفاضة الشعبية تدخل منعطفاً خطيراً باتجاه أكثر عنفاً أو باتجاه ثأري يتحمّل مسؤوليته :

أولا السلطة كونها هي التي دفعت الحراك الاحتجاجي دفعاً لذلك , إما أنا أو الهاوية و الكثير قد يفضّل الهاوية. و ثانياً المعارضة السورية بشقها التقليدي و الشعبي الوليد بضرورة ضبط النفس و تغليب صوت العقل و المُشْتَرَك الوطني على صوت العاطفة و الانتقام من مظالم السلطة السابقة.

النقطة التي أركّز عليها هي أنْ تُقَدّم المعارضة سواء التقليدية أو الشعبية بديل سياسي متفوّق , و قد بدأت إرهاصات ذلك في ولادة كتلتين معارضتين " قوى التغيير الوطني الديمقراطي " و "المجلس الوطني السوري" , و أهمية أن يكون البديل دولة علمانية أنّه :

أوّلاً: يوسّع القاعدة الشعبية للحراك باتجاه الأقليات الدينية و كذلك قطاع من السنّة المتخوّفين من بديل إسلام سياسي , و إنّ توسيع هذه القاعدة سيقوّي القاعدة الشعبية للثورة بما يعيق قمعها.

ثانياً: الوقاية من قيام أو اندلاع حرب طائفية مفتوحة ستكون كارثيّة على الجميع

ثالثاً: العزل النسبي للتأثير الإيراني السعودي التركي على الشأن السوري.

رابعاً: تحريض قيادات الجيش على اتخاذ موقف يليق باللحظة التاريخية كجيش وطني لجميع السوريين حامي للعلمانية ريثما يتم الانتقال بسوريا لحد الأمان .

خامساً: في حال تجاوزت سوريا الأزمة- و كلّنا أمل بذلك- فإنّه ييسّر إطلاق سوريا ديمقراطية ذات السيادة و دور إقليمي فاعل, و ليس سوريا المحاصصة الطائفية و عدم الاستقرار و الانقلابات.

(4)

البديل العلماني المطروح علمانية هو علمانيّة إجرائية تفصل الدين عن السياسة

و تمنع استغلال الدين لغايات سياسية و تكرّس مبدأ حيادية الدولة تجاه مواطنيها , و ليس علمانية معادية للدين أو تفصل الدين عن المجتمع.

-هذه النمط من العلمانية شرط ضروري لتحقيق المساواة بين المواطنين

- هذا النمط من العلمانيّة يحترم الدين و حرية الإنسان في الاعتقاد و العبادة و سيكون حاضنة ايجابية للإسلام, فمن المفيد هنا التذكير بأنّ المجال الأوسع لممارسة الإسلاميين حريتهم الدينية بل و نشاطهم السياسي كان في دول علمانية أوربيّة .

-هذا النمط لا يتعارض جوهريا مع الإسلام كدين, فالإسلام قابل لفهوم و طرائق تشكل مختلفة ضمن سياقات الكينونة الاجتماعية , فهوم و طرائق تشكّل: الأكثر حيوية من بينها ما يسهم في بناء و تنمية و استقرار الدولة المدنية الحديثة , و بدلا من التركيز على دين الدولة و دين رئيس الدولة و المصدر الأساسي في التشريع..الخ - ليس لكون الإسلام لا يصلح أو يصلح و لكن تأكيدا على البعد الأساس و الحيوي للإسلام - أقترح التركيز و استخدام مصطلح "مقاصد الشريعة الإسلامية " و للتذكير هي وفقاً لعلم أصول الدين خمسة " الدين – النفس- العقل – النسل- المال" و هي مقاصد عامة للشرائع البشرية ترقى لمستوى بداهات حياتية لكل إنسان و أمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدولة شخص معنوي لا يمكن أن يكون لها دين
Elias Ashor ( 2011 / 10 / 4 - 21:54 )
استاذ حمزة
لا شك أن المادة الثالثة من الدستور السوري، مادة عنصرية بإمتياز. الدولة شخص معنوي لا يمكن أن يكون لها دين. وإذا أضيفت كلمة دين فيجب أن تضم الجملة دين الدولة الإسلام والمسيحية والدرزي واليزيدي
وسورية دولة عربية وكردية وآشورية وأرمنية وشركسية. فالدولة لا يمكن أن تميز بين رعاياها دينيا أم قوميا.أم كيف نلغي لغة سورية قبل الإسلام السريانيةـ بالعربي آشوري ـ
مع كل إحترامي

اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا