الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الشر

ماريو أنور

2004 / 12 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أخشى ان اتناول اليوم ما يسمى مشكلة الشر و الألم , لأنه بقدر ما يبدو لنا النقاش سهلاً , اذا كنا لا نتالم , يجب علينا , ان كنا أمام احد يتألم , ان نعالج هذه المسألة بيدى ممرضة , اى بكثير من اللباقة . ما من شىء أشتم , لمن يتألم او لمن كان ضحية الشر , من أن تقدم له , بلهجة حازمة او ثابتة , حلول ليست بحلول . و مع ذلك , لا سبيل الى إهمال هذه المسألة , لأنها مسألة مطروحة و هى مطروحة منذ ان و جد النسان على وجه الارض.
ان الشر , بوجهيه الألم و الخطيئة , هو ما يصدم صميم ارادتنا و ضميرنا. إنه ما لا نستطيع ان نفهمه ( فليس هناك من حل ) و أن نحبه ( فهو حجرة عثرة ). و المشكلة تثار بالنسبة الى الانسان المسلم و المسيحى بحدة خاصة , لأنهما لا يؤمنان بالثنائية , بأن هناك مبدأ ازليا للشر تجاه مبدأ ازلى للخيى هو الله. نقول بأن الله هو خالق كل ما هو موجود , مع أننا لا نستطيع ان نقول بأنه خالق الشر , و إلأ ضخمنا حجر العثرة. فما عسى ان يكون ذلك الاله؟.
و من جهة أخرى , نقول بأن الله ليس هو إلا خير و بأنه لا يمكن ان يكون فيه إلا الخير . كم من مرة تجرأت على القول : بأن الله هو خير فقط . و هل تعرفون أى جواب جلبت على ؟ " (( ليس الأمر ظاهراً! )), لو كان الله موجود و لو كان خير فقط . لما رأينا مثل هذه الاشياء : الحرب و التعذيب و المرض و الوباء و الخيانة .... الخ.
منذ قديم الايام , يستعمل و جود الشر حجة لانكار وجود الله , و لا غرابة فى هذا الأمر. فاذا كان الشر و الألم موجودين , فلا يمكن ان يكون الله موجوداً. و منذ قديم الأيام أيضاً , قام المفكرون بتبرير الله و تبرئته , محاولين ان يبينوا ان الله لا يستطيع ان يتصرف على وجه آخر , كما لو وجب الدفاع عن الله لتبرئته من كل ما فى العالم من شر و ألم.
أرى ان جميع تلك المحاولات لتبرئة الله لا تنجح , و لذلك أريد أن أوصيكم بأن تكونوا على حذر شديد فى استعمال تلك الحجج.
1- النظرية الأولى ( الحجة الأولى ): يقال ان الألم هو ظل الخير :-

يجب دمج الشر فى مخطط او منجز أوسع , حيث يقوم بدور الوسيلة او الشرط الازم للحصول على خير أعظم. فكما أن الظلال , فى لوحة من لوحات رمبرانت , لا غنى عنها للحصول على التكامل الأجمالى , و أن النور لا يكون جميلاً إن لم يكن هناك ظل , كذلك يبدو الشر و الألم لا غنى عنهما , من حيث جمال العالم لابراز الخير. حاولوا ان تقولوا مثل هذا القول لأحد يعانى الألم!. والحال ان هذه الحجة توسع فيها بعض كبار الفلاسفة , كاقديس اوغسطينس و القديس توما الأكوينى و ديكارت الذى كتب هذا: (( ما قد يكون ناقصاً جداً , لو كان وحده.... يبدو كاملاً جداً , لو عد من اجزاء العالم )).
ولقد تعمق لبنز فى تلك الفكرة الى اقصى حد , فقال بأن (( الشر لا يكون شراً , ان كان مرحلة لا غتى عتها لسير التقدم )) . و هكذا رأى ستالين و هتلر. ففى نظر هتلر , كان القضاء على ستة ملايين من اليهود شرطاً لابد منه لتقدم البشرية , و كذلك , فى نظر ستالين , القضاء على جميع الذين عارضوا حكمه ( وهذا مبدأ بوش ايضاً فى نظرية محور الشر ) . فيقال أن الشر يفقد طابعه الشرير , حالما يوضع فى وجهة نظر التطور الكامل: فلا يصبح الألم سوى ازمة نمو , و تكون الحرب ولادة تاريخ , و تمكن التضحية بالاجيال الحاضرة الى مجتع المستقبل.
على الانسان العاقل ان يرفض هذا الدليل , لأنه يريد ان يقف موقف الذى يتألم و يعانى الظلم . وهو لا يرى ان مثل هذا التبرير هو , لا سطحى فقط , بل غير عادل , واذا كان غير عادل , فهو شر أيضاً. فهناك ادلة هى , لا عقيمة فقط , بل سيئة و معثرة. و لا يمكن الدفاع عن مثل تلك النظرية الفلسفية إلا إن عد الفرد و الشخص و الانسان لا شيئاً. أنا أحتج : فالموجود هو الانسان.
كان برديائف على صواب حين كتب : (( اية قيمة لفكرة نظام العالم و تكامله؟ وهل من شأنها ان تيرر ظلم آلام الشخص؟ )). ما هو فى قلب الانسانية هو الشخص . نشدد كثيراً فى أيامنا على الجماعة و نحن على صواب . لكن الجماعة تعنى جماعة أشخاص . و كل كائن بشرى هو موضع محبة لا متناهية من قبل الله . و لا يمكن ان يكون شرطاً لشىء آخر , ووسيلة لجمال العالم. وكيف لا ننزعج , حين نرى لبنز يضحى بالانسان فى سبيل تكامل العالم؟ لا يمكن ان يستعمل مجد الله لتبرير الألم او الشر الذى تعانيه خليقة واعية واحدة.
ان الحقيقة هى , بالعكس , فى ما قاله ايفان كرمازوف , فى رواية دوستويفكسى : (( حتى و لو أتى المصنع الكونى الواسع بأروع العجائب و لم يكلف إلا دمعة واحدة يسكبها طفل واحد , فأنا أرفض )). الانسان يعارض كل فكرة تنسب الى الله أن يجعل من جيل وسيلة مرحلية لتحقيق بشرية المستقبل و تقدمه عن الشر الذى يعانيه اشخاص بشرية.
و فى هذا الموضوع , لا يتردد الناس فى المبالغة. فيقال بأن الألم على الصعيد الطبيعى هو تنبيه مفيد , و بأن المحنة على الصعيد الروحى تطهر . لعل ذلك غير كاذب تماماً! فقد يولد اللم انتفاضة جرأة , وقد تولد الخطيئة استعادة نشاط. بنى مورياك الكثير من رواياته على هذه الفكرة , وهى ان الانسان لابد له ان ينحط كثيراً فى الخطيئة ليتمكن من القفز ثانية و الانفتاح على الحق و العدل. و قد رأى بعضهم فى الألم , وحتى فى الخطية , وسيلة يستخدمها الله فى سبيل خلائقه. وذهب بعضهم الآخر الى القول بأن الألم علامة معزة الهية خاصة , ولقد سمعنا جميعاً تلك الجملة (( غير الحكيمة )) : (( ان الله يمتحن ( يبلى ) من يحبهم )). اعترف لكم بأنى ميال عفوياً الى هذا الجواب : (( ليت الله لا يحبنى اكثر مما يلزم! )).
لا شك أن فى بيتى ألفريد دى موسيه شيئاً من الصواب:
(( الانسان متدرب و اللم سيده و لا يعرف احد نفسه ما لم يتألم )).
ولكن , على اى شىء يدل ذلك؟ اذا كان اللم تنبيهاً , يبقى اننا نستطيع , مع ماكس شيلر, ان نطرح هذا السؤال : أيجب ان تكون تلك الاشارات مؤلمة؟ لماذا يجب أن تكون موجعة؟ يمكن ان تكون هناك أجراس إتذار لا توجع , و يمكن ان يكون هناك معلم غير الألم , لكى يصبح الانسان بالغاً فى الحقيقة.
ويقال أيضاً : لاشك ان الله لا يريد الشر , لكنه يأذن به. ما رأيكم فى هذا التمييز؟ اكثر من علامات الاستفهام . لستم فى حاجة الى ان يكون رأيكم مطابقاً لرأيى , وفى امكانكم ان تروا ان تلك المرافعات مفيدة , لكنى أترككم تواجهون الذين يتألمون او الذين لا يقتنعون بمثل تلك الأدلة. اتظنون ان ذلك التمييز بين ارادة الله الصريحة و اذن الله تمييز صحيح؟ و ما الذى يجيز لنا الكلام على نوع من الحتمية تفرض نفسها على الله , كما لو كان الله عاجزاً عن التصرف على وجه آخر؟ لا ننس أن قدرة الله هى القدرة على الخير و المحبة . فالله لا يقدر التدمير و السحق و السيطرة , لا يقدر إلا على ما تقدر عليه المحبة و الخير. أفينبغى ان تكون المحبة هى التى تقتضى ان يأذن الله بالألم؟ ربما , لكننا لا نستطيع ان نقول ذلك , ما لم نصل الى ذروة هذا السر.
فى جميع تلك المحاولات التى يقام بها لتبرئة الله او لحل مشكلة الشر , يبدو ان المطلوب هو ان يجعل مقبولاً عند الله ما يعثر ضمائرنا و يثير اشمئزازها. ما أعجب ذلك!!! فالاله الذى يتغاضى عن الشر لا يكون إلا وثناً , و الضمير الذى يرفض الشر هو أفضل من الاله الذى يتغاضى عن الشر.
( النظرية الثانية) ............... المقالة القادمة......الى القاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو