الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان المسلمون العباءة التي خرجت منها التنظيمات الأصولية

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2011 / 10 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التقط الشيخ حسن البنا - تلميذ رشيد رضا - أفكار رواد الحركة الإصلاحية لثلاثة (الأفغاني، وعبده ورضا) وأخذ منهم مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ثم انقلب عليهم بعد تأسيس جماع الإخوان المسلمين. فإذا كان الأفغاني وعبده قد انضما للمحفل الماسوني ظنا منهما أنها وسيلة لخدمة المسلمين، وكذلك وثّقا علاقتهما في فترة ما بالإنجليز على نفس القاعدة، فإن البنّا وعلى نفس المبدأ قد تحالف مع الملك فاروق وأشاد به، وتحالف مع النحاس والسعديين، واتصل بالألمان، وهادن الإنجليز، وحاول دخول البرلمان غير مرة.
أي أن الشيخ البنّا آمن بالتقية أسلوباً ومارسها فعليا، فهو من ناحية يدّعي أن جماعته ما هي إلا جمعية خيرية مسالمة، تنأى بنفسها عن الدخول معترك السياسة، ومن ناحية أخرى تجده ينثر بذرة العنف في صفوف الجماعة، ويؤسس التشكيلات التي سيوكل إليها تنفيذ المهمات السرية، والتي تتخذ طابع العنف، كالفرق الرياضية والجوالة وفرق الرحلات ومعسكرات التدريب، ثم التنظيم السري، وهي بمجملها تشكيلات شبابية تختفي تحت شعارات رياضية وكشفية، ويتم خلالها التدريب والتحريض والتهيئة لتنفيذ ضربات معينة، وهذه التشكيلات وما تحمله من أفكار عنف كانت مستترة في الخفاء، ولكنها كانت بندا أساسيا من بنود خطة مرحلية أعلن عنها صراحة الشيخ البنا في المؤتمر الخامس للجماعة ، فقد أسند للجهاز السري فيما بعد مهمات عديدة، ومن بين المهمات التي أُتهم بها، تفجير مساكن لليهود، وقتل أحد القضاة، وقائدا للشرطة، وحيازة متفجرات، ثم دعم الإنقلابيين على ملك اليمن، وضلوعهم بقتل رئيس الوزراء النقراشي، والذي كان سببا بمقتل البنا نفسه ، ثم ضلوعهم فيما بعد الثورة بمحاولة إغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادثة المنشية 1954 ..
إذن، لاحظنا كيف حوّل البنّا المدرسة الإصـلاحية ( الأفغاني، عبده، رضا ) إلى جماعة تؤمن بالعنف، وسنلاحظ كيف ستخرّج من تحت عبائتها أكثر التنظيمات تطرفا وغلواًً (التكفير والهجرة، الجهاد، القاعدة).
وفي الحقيقة فإن بذور العنف لدى الأخوان وغيرهم من الجماعات الإسلامية مردها الأيديولوجي عائد لإيمان أتباعها بأن الله قد ميز أتباع الدين الإسلامي على غيره من الديانات الأخرى، وأن هذا الدين يمثل الحقيقة المطلقة، ويحتكرها دون سائر الأديان والمعتقدات، وبالتالي فإن من يحملون راية هذا الدين هم ظل الله على الأرض، والقيمون على دينه .. ثم يأتي الإعتقاد التالي بأن أهل السنة والحديث هم ممثلوا الإسلام الصحيح، وهذه الإصطفائية التراتبية والإيمان الجازم بامتلاك الصواب سيمنح بالضرورة الشعور بالإستعلاء والسمو عن باقي البشر، وستغذي بالضرورة اتجاهات العنف والتعصب، وستجعل من المسلم المنضوي تحت راية الجماعة يؤمن بأن جماعته بالذات هي من يمثل هذا الدين التمثيل الصحيح، ومن شذ عنها شذ عن الدين وضل سواء السبيل، ويتعين عليه أن يردّه إلى الصراط المستقيم .. وهذه النظرة الإستعلائية تجعل من الحركات الإسلامية تنظر إلى نفسها على أنها أكبر من النقد، بل وترفض أن يوجه لها أي نقد، وبأي شكل، لأنه سيعني هنا نقد للإسلام ذاته، ولهذا السبب قلما تجد جماعة إسلامية تمتلك منهجا علميا للنقد والمراجعة أو تعترف بأنها أخطأت ذات يوم !! فباستثناء المراجعات التي قام بها أمراء الجماعة الإسلامية داخل السجون المصرية، واعترافهم ببعض الأخطاء كقتل السادات، وبعض المراجعات الخجولة والمرتبكة للجماعة الإسلامية في الجزائر، لم نشهد أي مراجعة نقدية لأي جماعة أخرى، وبالبحث في أدبيات الأخوان المسلمين سنجد ما يدعم هذه الفرضية ويثبت مصداقيتها، فمثلا سنجد العبارات التي تزرع التعصب في نفوس الشـباب مثل: "أيها الأخ العزيز: إن في نسبتك إلى الله تبارك وتعالى أسمى ما يطمح إليه الطامحون، وفيها كل معاني العزة والمجد، وأي شرف أكبر من أن ترى نفسك ربانيا بالله صلتك وإليه نسبتك"، كما سنجد أن مقارنتهم بين عضو الأخوان مع المسلم العادي أن الأول ربانيا قائما على الحق، أما الآخر فإن غايته في الحياة هي لقمة العيش كالأنعام بل أضل سبيلا.
وقد اعتبر الهضيبي المرشد العام للجماعة أن دعوة الإخوان هي الإسلام نفسه، ولم يقل انها مقتبسة عن دعوة الرسول، أو تسير على هديها، أو أنها تُنسج على منوالها .. بل صورها على أنها الإسلام بحد ذاته وبصورته النقية الخالصة، وهذه الرؤية ستقود صاحبها إلى أن يرفض كل الأشخاص أو الأفكار أو الاتجاهات التي لا تتبنى نفس الخط الإخواني، أي رفض الآخر والعمل على إقصائه لأن ذلك بحد ذاته ضرب من ضروب الجهاد وإعلاء لكلمة الحق ومحاربة للفئة الضالة !! ولا شك أن هذا النهج في التنشئة من شأنه أن ينتج أفرادا متعصبين منغلقين مندفعين برؤيتهم للحد الأقصى، ومستعدون لعمل أي شيء.
المصدر الآخر لجذور التشدد في الفكر الاخواني متمثل بالأيديولوجيا الوهابية / السعودية، وهي أيديولوجيا مستمدة من الفقه الأصولي المتشدد المنغلق، والتي تأخذ موقفاً متزمتا من القضايا الاجتماعية، وموقفا متخلفا من موضوعات الحب والجمال والفن، وموقفا ديماغوجيا من القضايا السياسية، والتي نشأت بداية على يد محمد بن عبد الوهاب ذو الأصول البدوية، ويشير المفكر المصري طارق حجي إلى هذه النقطة بعمل مقاربة بين أسلوب تفكير ونمط حياة سكان الخليج العربي المطلين على البحر وما في ذلك من انفتاح نسبي على العالم، وبين سكان صحراء نجد المغلقة حيث الكثبان الرملية تحيط بالبشر من كل جانب على امتداد مئات الأميال، مما يعطي مناخا مجافيا قاسيا يولد شعورا بالضيق، وحدة بالتصرف، قد تنعكس على أفكارهم ونمط معاشهم.
فبعد أن أعطى ابن عبد الوهاب الفقيه الشرعية الدينية لآل سعود، وأصبحت الوهابية هى مصدر الشرعية للنظام، تمكن الملك عبد العزيز من تأسيس مملكته بمساعدة البدو، الذين شرّبهم تعاليم الوهابية، ولقّنهم مفاهيم الجهاد وتكفير الآخرين، كمبرر لغزوهم واحتلال أراضيهم، فكل من ليس وهابيا من المسلمين مشرك، وكل يهودي ونصرانى كافر، ولا بد من جهاد الجميع، هؤلاء البدو الوهابيون اشتهروا باسم " الإخوان " وكان اسمهم كافيا لدب الرعب في قلوب الناس، لما اشتهروا به من مذابح مروعة.
أراد الملك بعدها تكوين تنظيمات اخوانية خارج الجزيرة العربية، عوضا عن الاخوان البدو المشاغبين، بهدف نشر الوهابية فى بلاد المسلمين مع التركيز على مصر والهند، والعمل على تحويل الصوفية فى مصر إلى الوهابية.
وقد دعم النظام إنشاء حركات وتنظيمات للشبان المسلمين، وكان من بينها جماعة أنصار السنة، وهى حركة وهابية خالصة يقودها الشيخ الأزهرى حامد الفقى صديق الملك عبد العزيز، وفى النهاية أنشأت حركة الإخوان المسلمين بديلا عن إخوان عبدالعزيز، ولكنها تحمل اسمهم ونفس شعارهم ، وكان هدفها المعلن هو التربية الاسلامية، وهدفها المستتر هو الوصول للحكم لاقامة دولة وهابية.
عن طريق الدعم السعودى استطاع البنا، وهو المدرس البسيط، أن ينشئ آلاف الشُّعَبْ والفروع للإخوان فى العمران المصرى، من الإسكندرية إلى أسوان ، واستطاع إنشاء الجهاز السري العسكرى إلى جانب التنظيم الدولى للإخوان.
عن طريق الاخوان المسلمين المصريين انتقلت الوهابية والنفوذ السعودي إلى شمال أفريقيا غرباً، وإلى الشام شرقا، وإلى الجاليات الاسلامية فى أوروبا وأمريكا فضلا عن الهند والباكستان، واليوم فإن مجمل ما أنفقته المملكة العربية السعودية على نشر ثقافتها الدينية في ربوع العالم كبناء مساجد تتبعها، ودعم فقهاء ووعاظ موالين لها، وغير ذلك من مواد دعائية وإعلامية وصل إلى ملياري دولار، وبهذه الأموال استطاع الاخوان تقديم الفكر الوهابى للمثقفين المسلمين والطبقة الوسطى بأُسلوب عصرى مفهوم، يختلف عن اسلوب محمد بن عبدالوهاب الفقهى الاصولى الجاف، ثم صاغوا الوهابية فى شعارات سياسية مقبولة لجماهير المسلمين مثل الاسلام هو الحل، وتطبيق الشريعة، دون الخوض فى التفصيلات.
أهم من ذلك كله أن الإخوان المسلمين أجهضوا المشروع الإصلاحى التنويرى للشيخ محمد عبده الذي كان يعد بالكثير، لصالح الهدف السياسي السعودي، واستطاعوا نشر الكثير من المفاهيم الوهابية المتشددة والتي تأخذ طابع العنف والتعصب ضد الغرب والمسيحيين واليهود وطابع التخلف والتزمت في قضايا المرأة والمجتمع .
الدليل على ذلك ان ما كان محمد عبده يقوله منذ قرن من الزمان فى دعوته الاصلاحية أصبح هرطقة وكفراً فى عصرنا الحالى يستوجب القتل !! فإذا بدأ القرن العشرين بأفكار الكواكبي وقاسم أمين وهدى شعراوي، فإن القرن الحادي والعشرين قد بدأ بفتاوى تحريم استخراج شهادة ميلاد لأطفال الإسلاميين في القاهرة، وتحريم استخدام الثلج في بغداد، وتفجير مقاهي الإنترنت في غزة !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصديق الكريم عبد الغني سلامه المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 10 / 8 - 03:07 )
امتنان وعرفان
اختنا في جوله سريعه عبر اقوى واخطر حركه سياسيه دينيه دخلت او انتشرت او تعاضمت في القرن العشرين
بعد وصول القرضاوي الوسطي الى قطر شكل المحفل الاسلامي وابتعد عن الماسونيه هذا المحفل الذي قاد ما يسمى الوسطيه والذي اثمر حزب العداله الاردوغاني في تركيا
وضع هذا التنظيم احكام سار عليها ليصل اليوم الى ان يقود ما يجري من حراك وتحرك وثوره ولم يقطع صلته بالجماعات المتطرفه التي يعلن رفضه لها وانما كان و لا يزال الحاضن لها لاستخدامها كرأس رمح
النظره الاستعلائيه التي تفضلتم بها وصلت الى التقديس الذي يستوجب عدم الاقتراب منه لا تحليلا ولا نقدا
اكرر الشكر
مع:سلاما من الارض حتى السماء....يبن الكرام الماجدين الاوفياء
لقد اهديتك رابط على تعليقكم على ما نشر لنا تحت عنوان الى الخالدات اتمنى ان تطلع عليه مع الشكر


2 - المنافق هو من يهتم بالمظهر فقط
Amir_Baky ( 2011 / 10 / 8 - 20:25 )
لا بأئس أن يشعر الإخوان المسلمون أنهم الفرقة الناجية. ولا بأس أن يؤمن كل شخص بأن إيمانه هو الحق المطلق. ولكن قمة الإرهاب هو التطاول و تكفير من يختلف عنك بل إستحلال محاربته و قتله. فهذا هو قمة الإجرام. الله يملك الكون كله و قوى ولا يحتاج لبشر ليتستر خلفهم لنشر القتل و الدماء. الإخوان يتاجرون بالله لأجل مصالحهم الشخصية. نجحوا فى فرض الحجاب كمظهر خارجى ولم يستطيعوا أن يفرضوا الأخلاق.

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam


.. نشر خريطة تظهر أهداف محتملة في إيران قد تضربها إسرائيل بينها




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف الكريوت شمال