الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة جانبية لهشام شرابي /2

وديع العبيدي

2011 / 10 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وديع العبيدي
صورة جانبية لهشام شرابي /2
"خيارُنا الواضحُ وَالدائمُ هُوَ الاستمرارُ في النقدِ وَالرّفضِ"!

إشكالية التراث والحداثة..
ويبدو أن علم الاجتماع العربي لم يستطع الفصل بين الانسان والهوية والتخلف، فبقيت المنظومة العربية كالشرنقة ملتفة على نفسها ومحصنة ضدّ الخارج بقداسة التراث. وحتى في أكثر المحاولات جرأة في نقد التراث الاجتماعي وتفكيكه على يد عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، فأن تلك الابحاث لم تتواصل إلى صياغة نظرية أو فكر اجتماع عربي يهيئ العرب لمرحلة جديدة من تعاطي الوعي والحضارة.
ان الثقافة العربية/ الشرق متوسطية هي ثقافة جمعية قطيعية بامتياز، والنظام الاقطاعي والأبوي ليس فرديا تسلطيا إلا في منظوره السياسي الحاكم، ولكنه يبني سلطته على قاعدة الدهماء ومحو شخصيات الأفراد. فالاجتماع الشعبي (الرأي العام) موجود ولكنه اجتماع ببغاوي خنيع. ان تاريخ كتابة هذا الموضوع يعود إلى (1997) ونشر الكتاب في عام (2002)، وكان أجدى إضافة هامش تعليق على الدمقراطيات العربية الجديدة. بل أنه لم يتم أخذ التجربة الجزائرية (1992) أو التجربة التركية والمصرية بنظر الاعتبار، ولا إشارة لنظام (المجالس الشعبية) في ليبيا.
لقد فشلت تجربة استخدام (موضة) الدمقراطية وتطبيقاتها الشكلية حتى الآن فشلا ذريعا زاد من جعل الدهماء مطية للحاكم (أو الحكم). والنتيجة هي استشراء الفساد الاداري والاقتصادي والسياسي. وتحمل تيار العلمانية والطبقة المثقفة أفظع نتائجها. وفي كل ذلك لم تنفع طروحات الدمقراطية في تفكيك السلطة الأبوية لا على صعيد الدولة وعائلة الحكم، ولا قيادات الأحزاب والمنظمات والجمعيات، ولا على صعيد القبيلة والعشيرة والطائفة السائدة للآن، ولا على صعيد سلطة الأب العائلية والاستبداد الأسري.
وهذا ينتقل بنا من تأشير طروحات ثقافة المهجر -الأميركي-، إلى طريقة تعامل المثقف الأكاديمي العربي مع منظومته الفكرية. فالمعيارية الغربية لا يمكن فصلها عن مضمارها الحضاري الشامل كثقافة واجتماع وسياسة وتاريخ اقتصادي. وهو مضمار حضاري لا يجد ما يضاهيه خارج الغرب الأوربي الأمريكي. واستخدامه في مجال عربي ينطوي على تعسّف كبير. أن زوايا كثيرة ستبدو مشّوهة وناقصة، وبالتالي لا يصل الكاتب عبر النمذجة الغربية إلى استقراء واقعي أو سليم، مما جعل الواقع والمجتمع العربي يتراجع –عكس المطلوب أو المفروض- مع تزايد دراسات العرب المستغربين أو المهجريين لتحليل وتطوير واقع العرب.
لقد قدم محمد أركون دراسات جادة على مدى ثلاثة عقود، ولكنها لم تخرج في جوهرها ونظامها المنهجي عن تطبيق منهجية غربية متقدمة على واقع متخلف موسوم بالمقدس، والنتيجة أن تلك الكتابات بقيت تعاني اغترابها الخاص. ويمكن تأشير مجموعة باحثين ومفكرين عملوا باخلاص من أجل خدمة شعوبهم، لكنهم لم يحققوا غير القليل، وفي أحسن الأحوال لم يتجاوزا أطر نخبوية ضيقة. بعبارة أخرى، أن جملة الفكر العربي الحديث ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، هو نتاج تأثر بالفكر والثقافة الغربية، فنشأ لقيطا متطفلا عليها مقتبسا وومطوعا للمفاهيم والمصطلحات، ولكنه لم يتجاوز قشرة الثقافة للتعمق في أصولها المبدعة والمولدة. ويبدو أنها كانت سياسية مقصودة قائمة على الخوف من الآخر. الخوف من التأثر بمكانزمات الحياة والفكر الغربي، خشية الانسلاخ عن الأصول الشرقية والتراثية. ولذا جاءت عملية المونتاج/ لصق، قشرة ثقافية غربية (حداثة) على جسد التراث العربي الشرقي.
وعلى رغم فشل كل هاتيك التجارب، منذ محاولات محمد عبده المبكرة في تجديد (الاسلام) حتى محاولات محمد عابد الجابري ونصر حامد أبي زيد ومحمد اركون وسواهم كثير، فأن صدى تلك التجارب أو اسلوبها مصيره الرفض المستمر من الرأي العام (في الشارع العربي – أسير الاسلام السياسي السلفي). ولعل هذا ما دفع بالمفكر شرابي إلى رفع شعاره.. (خيارُنا الواضحُ وَالدائمُ هُوَ الاستمرارُ في النقدِ وَالرّفضِ!). وهو منطوق سياسي يحمل رائحة خطابية الستينيات، والأصح، البحث عن وسائل حديثة وتجديد أساليب الفكر والاستقراء، وتجاوز الموانع والخطوط الفكرية والمنهجية التقليدية التي سعت لاستخدام الثقافة والأكاديميا مجرد أطار لفكرة القومية والتفوق القومي في بعدها السياسي الشوفيني، بدء من طروحات ساطع الحصري ودروزة إلى انطوان سعادة وميشيل عفلق.
وليس النزوع الاسلامي المتأخر غير تكرار في الوسائل والأساليب للمحاولات السابقة الفاشلة، مستبدل (وهم) الابتعاث (سعادة/ عفلق) بوهم الرجعة التاريخية السالفية، وهو يستخدم كل منتجات الحداثة والتكنولوجيا والدمقراطية الغربية لتسلق السلطة مع موقفه الواضح والمستمر في رفض كل منتجات الثقافة الغربية، ودون أدنى شعور أو اهتمام بحقيقة التناقض. وإذا كان أحد أسباب فشل الدولة الوطنية العلمانية هو حالة العرج بين (الشرقي والغربي) في التنمية والحياة، فما بال الميكافيللية السلفية غير مزيد من الضياع والدمار الاجتماعي!.
*
مأزق فكري..
الهمّ الرئيس لتجربة هشام شرابي هي (الحداثة) وكيفية تطويعها أو تطويع المجتمع العربي لها دون أن يتعرض لخسارة، أو يتحول إلى مستعمَرة فكرية للغرب. وعدم تخريج هذا الهمّ أنتج حالة من العجز والدوران حول الذات والأفكار. لقد كان شرابي جريئا في طرح فكرة (النظام الأبوي) عربيا، جرأة علي الودي في تأكيد خاصة ازدواجية الشخصية/ العقلية العربية- رغم أن الفكرة لا تتضمن جهدا فكريا ذاتيا، ولكنه لم يتقدم خطوة لتفكيك هذا (النظام) بوسائل مبتكرة غير تبني وسائل الغرب واستقرائه لحركته الاجتماعية.
من الخصائص المنهجية والأكادمية الأخرى في اسلوب شرابي هو اهتمامه بوضع التعريفات أو تقعيد المفاهيم، وذلك وفق قاعدته المعرفية والفلسفية الغربية. لقد استقرأ الكاتب تاريخ الفلسفة والفكر الأوربي في عصر النهضة، ولكنه لم يهتم بدراسة تاريخ الحركة الاجتماعية والسياسية العربية، والتي كانت ستضع بين يديه مفاتيح تاريخية لتحليل مواقع الخلل الميدانية واجتهاد طرق معالجتها. بل ان انقياد شرابي لنظريات الفكر والحداثة الأوربية، غيّبته عن طروحات أنطون سعادة الاجتماعية السياسية وقراءته لتاريخ سورية والعرب (محاولات فيليب حتي والبرت حوراني وجرجي زيدان). ويبدو أن النأي الجغرافي والفكري هو السبب المباشر في ضعف علاقة مثقفي المهجر بدراسات التاريخ والتراث العربي، والاكتفاء بالمعطى السياسي للراهن العربي القريب على حد قوله: "ان التراث الذي ينبغي دراسته والحفاظ على انجازاته هو التراث الذي صنعته الأجيال الثلاثة أو اربعة الماضية."*
بل يمكن القول، أن العمل الفكري ليس مهنة عربية حتى الآن، وأن الأكاديميا لم تنجح في تجاوز عقدة المعيشة إلى فضاء الفكر، فبقيت تابعة لو(صـ/ل)اية الأمر (دولة/دين). وفيما يخص السؤال المطروح آنفا.. أرى ضرورة تمييز جهود الباحثين ودقة تصنيفهم بحسب مرجعية فكرية أو مرجعية فلسفية، وتكوين عقلية الدكتور شرابي بقيت فلسفية الأصول، مقابل ميل فكري عند أدورد سعيد مثلا. بينما تأرجح محمد عابد الجابري بين الفكر والفلسفة، كما تذبذب بين الشرقي والغربي.
والمدهش أن كتابات الكاتب تحمل الغرب مسؤولية تحديث المجتمع العربي وتتجه إليه باللوم لبطء تلك العملية أو استمرار جمود الأوضاع كما هي. وهناك حيث فشلت تجربة التحديث أو تعرقلت، يلقي اللوم على نظام الحداثة أو سياق التحديث الغربي. وبنفس الطريقة يعمل على تفسير النزعة الأصولية العنفية بطائلة الوجود الغربي أو (الاسرائيلي) وأن هذه النزعة سوف تختفي عندما تعود (الأوضاع) إلى حالة التوازن.
*
ألم واحباط..
لا يخفى أثر العوامل النفسية والاجتماعية على الباحث بعد استغراق في الغربة والاغتراب السلبي، مما يشحذ من أثر العاطفة الوطنية والنوستالجيا، ويقض من واقعه الفكري وصرامته المنهجية. والقارئ يلمس ذلك القدر من التقاء أواخر طروحات شرابي وادورد سعيد من نبرة الاستهلاك الاعلامي للغة الشارع. وجدير بالمفكر والباحث والفيلسوف أمانته التاريخية والعقلية لرفع منسوب الفكر والحركة الاجتماعية. وبقدر هشاشة الاسلوب الانشائي والانسياق وراء العاطفة الرومنطيقية القومية، يسجل ابتعاده عن طبيعة الواقع وحركته الاجتماعية وجذورها التاريخية والكتابية، وبالتالي غلق باب المستقبل في وجه التغيير. وهو عندها يضع نفسه وأفكاره، في موضع اتهامه للغرب الذي لا يريد تحديث واقع العرب وانما ابقاءه على حاله. علما أن الوقوف أمام حركة الزمن سرعان ما يتحول إلى تراجع (سريع)!.
هذا الفراغ الفكري في علم الاجتماع التاريخي العربي غيّب عن الباحث استقراء الحركة الاجتماعية في الشرق الأوسط التي توقفت عند المرحلة الأبوية وعجزت عن تجاوزها، وبدل الاعتراف بالعجز فقد تم تلبيس فكرة الدولة والحزب على مقاس القبيلة والعائلة. وعندما يتوقع نجاح الدمقراطية في تحديث وتحرير المجتمع من السلطة الأبوية، لا يتوقف عن مفهوم الفرد والحرية، واللذين بدونهما لا يمكن قبول الدمقراطية كواقع فكري واجتماعي.
وديع العبيدي
لندن
سبتمبر/ 2011
ــــــــــــــــــــ
• هشام شرابي، دكتور – مواليد يافا/ فلسطين في الرابع من أبريل 1927. خريج الجامعة الأميركية في بيروت 1947/ قسم الفلسفة. أثناء الجامعة انتمى للحزب القومي السوري الاجتماعي، ظل مسؤولا لفرع الحزب في الولايات المتحدة حتى عام 1955. بعد نكسة حزيران عاد إلى بيروت في 1970. ثم غادرها بسبب ظروف الحرب الأهلية وعاد مرة أخرى عام 1997. في الثالث عشر من يناير 2005 توفي في بيروت بمرض السرطان. قائمة مؤلفاته تضم: مقدمات لدراسة المجتمع العربي/ 1975- المثقفون العرب والغرب/ 1981- النظام الأبوي/ 1988- النقد الحضاري للمجتمع العربي/ 1991- نصوص ومقالات في القضية الفلسطينية- أزمة المثقفين العرب- الجمر والرماد- صور الماضي.
• هشام شرابي- أزمة المثقفين العرب (نصوص ومقالات مختارة)- دار نلسن/ السويد- ط1 2002.
• انظر قائمة مؤلفاته- كتابه/ النظام الأبوي- 1988.
• عبد الرزاق عيد- هشام شرابي: النظام البطركي/ الحداثة- صحيفة الأوان الالكترونية- يوم الأحد المصادف للثالث من يونيو 2007.
• ياسر جاسم قاسم- هشام شرابي: قراءة في نظرية البعث الاسلامي والأصولية- مجلة الحوار المتمدن الالكترونية- ع 1596- التاسع والعشرين من يونيو 2006.
• كتابه- ص14.
• كتابه- النقد الحضاري للمجتمع العربي- 1995، كذلك كتابه – أزمة المثقفين العرب- م.س.- ص14
• وديع العبيدي: صورة جانبية لأدورد سعيد- مجلة الحوار المتمدن ع 2090/ 5 نوفمبر 2007.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة