الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار في أسباب التخوف من العلمانية.

أحمد عليان

2011 / 10 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا عاقل ينكر دور النشاط العقلي في ازدهار الحضارة ، و ذلك لأن الهدف الأساسي للنشاط العقلي هو استهداف الحقيقة المتعلقة بوجود الانسان و كيفية تعامله مع الطبيعة .
و من ثمة فان محاولةالبحث عن الحقبقة كمكسب معرفي للاطلاع على كيفية حدوث الظواهر و معرفة قوانين الطبيعة, محاولة ما فتئت تتكرر و تتطور لتمكن الانسانية من امتلاك حقائق توسع المدارك و تمكن من تسخير الطبيعة ، و ترشيد الحياة الجماعية .
لكن القول بامتلاك الحقيقة في المنظور العلماني يبقى دائما معبرا عن امتلاك جزئي للحقيقة باعتبار النسبية من أهم خصائص الروح العلمية ، و الروح العلمية مثلما تمنع العلماء فهي تمنع العلمانيين من ادعاء امتلاك الحقيقة كاملة .
و بهذا المنع و الامتناع الطوعي الصادق عن ادعاء الكمال المعرفي يترفع العلمانيون عن مخاصمة من يعارضهم فيما يعرضونه من أفكار ، و كل ما يقومون به لاقناع العترضين هو النقاش الهادئ المنطقي الموضوعي .
وعلى العكس من هذا نجد ادعاء امتلاك الحقيقة في المسائل الروحية و الاديولوجية زاخرا بأنماط من التشدد و العنف ازاء المتشككين أو المعترضين ..فالخطاب في مسائل القناعات الايمانية و القيمية كان و مازال خطابا متعاليا مغلفا بقدسية أحكامه ..و من ثمة فالمتكلم المدافع عن الدين مثلا يعتبر نفسه بطريقة ما مالكا للحقيقة .. و لا يسمح لمناقشه الا بما يدخل في تفاصيل ما هو مفروغ من صحته ، أو ما يشكل امتدادا لما هو معروض كحقيقة تامة كافية في نظره .
و نتيجة اكتفاء الخطاب الديني بمبررات صدقه فان المتكلم به لا ينتظر من المناقش نقد أطروحته لأنها من الحقائق المفروغ منها. فيتخذ من قبول الحوار و النقاش وسيلة لمحاولة حمل المناقش على تقبل مضمون الخطاب بصيغ أخرى ، أما صلب الموضوع فلا نقاش فيه .
و من الواضح أن الخطاب العلماني لا يقبل النقاش المشروط بمسلمات خارج المتعارف عليه منطقيا و علميا و أخلاقيا و لذلك فهو لا يقبل ولا يفرض على المحاور غير ما يتطلبه الحوار العقلاني و يرفض الالتزام بالمقدمات الغيبية و ما يترتب عنها من نتائج يراد عقلنتها أو تجريبها عنوة في حياة الناس بشكل شمولي.
ان الموقف العلماني بصرامة موضوعيته و عقلانيته كان ومازال مصدر خوف يصل الى درجة الهوس لدى معظم رجال الدين ، لأنه يكشف هشاشة أطروحاتهم في الشأن المعرفي و الشأن الأخلاقي الانساني..و غير ذلك من مقومات المجتمع المدني و اشاعة ثقافة الدفاع عن حقوق الانسان ..الخ
و من الطبيعي ان ينتقل الخوف من العلمانية عبر الثقافة الشعبية (التي يشكل الخطاب الديني أهم منشطيها ) ليشمل الطبقات الشعبية التي تفتقر للحس النقدي بطغيان الشحن الانفعالي العاطفي الذي يتلقاه الأفراد بشكل مباشر او غير مباشر . الامر الذي يجعل الطبقات الشعبية أكثر تقبلا للخطاب الديني الذي يعفيها من استعمال العقل بالصرامة التي يتطلبها الفكر العلماني .
و لا شك ان تخوف عامة الناس من العلمانية ناتج عن نوع من الكسل الفكري الذي يجعلها تركن للمألوف من الموروثات ، و تميل الى لغة الوجدان التي يعج بها الخطاب الديني عبر تصورات منفلتة من ضوابط المنطق و صلابة الواقع الحسي و التجريبي التي تشكل مرجعيات الخطاب العلماني ..
ان قدسية طقوس العبادة وصلابتها اذا لم توازيها ثقافة مستنيرة تحدد حيزها في النفس ، تنتقل قدسيتها الى غير المقدس في عوالم الفكر اللامتناهية معرفيا وقيميا فتدخل بلبلة في البناء الفكري . فالمقدس اذا لم ينحصر في العبادة امتد متطفلا الى نشاط العقل و ضوابط المنطق و مناهج العلم فتصير الأفكار أسيرة قوالب ثابتة ملفوفة بهالة من التقديس التي لا تترك مجالا لفاعليات العقل المبدعة لحراك التخبل و الافتراض و الارتياب و غيرها من ملكات التدقيق و التمحيص التي تفسح المجال أمام عوالم الممكن من صور الوجود .
فالتخوف لدى العامة ناتج عن الجهل و ضيق الأفق الذي يجعل الناس راضين مكتفين بما ترسب في النفوس من صور فكرية اضفى عليها التقليد و المجاراة وضوحا ما يفتأ يضيق الخناق على المستجد من صور الامكان . مما يشكل معاداة لكل انفتاح او تجديد .. فيتقوقع النشاط الفكري ، و تجف ينابيع الابداع . و عندها تصير الثقافة ارثا زاخرا بضوابط المقدس و شبه المقدس التي لا يتوقف منشطوها عن تفريعها و تبسيطها لتسهل هيمنتها على الفكر الجمعي الذي تتحدد بواسطته اطر المعارف و القيم فتصير معظم مبادرات الافراد مجرد تكرار و اجترار منسجم مع حالة الكسل العقلي ، و الرضى على الحال الذي يتحول الى اعجاب بالذات و ادعاء الكمال ، عندها يصاب المجتمع بنرجسية تجعله يميل لمعاداة الجديد أو المخالف خوفا على استقرار قيمه ..
لذا كانت العلمانية محل رفض و استنكار خوفا من افتقاد وضع مالوف مريح عزيز لما هو غاص بأمجاد الماضي و مقومات الهوية القائمة .

وبما أن العلمانية تنادي بفصل المعتقد الديني عن مستجدات الحياة الدنيوية فان عامة الناس تنفر منها قبل التدقيق في مقاصدها ..فتؤخذ دلالة الفصل على أنها رفض أو نبذ للتدين لدى المؤمنين. و هذا ما يبرر خوفهم ثم عداءهم للعلمانية بتأثير و تحريض الكثير من رجال الدين المتخوفين على مكانتهم و سلطتهم الروحية و العرفية ..
لكن الخوف من العلمانية لا ينحصر في رجال الدين و المتأثرين بخطابهم من العامة ، بل يوجد تخوف أخر لدى المنتفعين بثقافة الضحالة الفكرية و ضبابية الرؤى التي تحرم المجتمع من قدرة التصدي لمن يتلاعب بمصالحه تحت غطاء جملة منشطات انفعالية روحية بغرض الانفلات من رقابة الحس النقدي العلماني الديمقراطي ..
و هؤلاء المتخوفون من العلمانية بالدافع المصلحي هم أكثر الناس عداء للعلمانية التي تشكل الأساس الأخلاقي للنظام السياسي الديمقراطي الراشد لأنه يهدد وجود الكثير منهم باعتبارهم أصحاب مناصب ومكاسب استحوذوا عليها بغير وجه حق.
فيعمد خصوم العلمانية بدافع الاحتفاظ بالتميز و الثراء الفاحش الى توظيف كل ما يشغل و يلهي الناس و يصرف نظرهم بأساليب التحايل التي مكنتهم من الاحتفاظ بالمكاسب التي امتلكوها بطرق غير مشروعة أخلاقيا انسانيا و حتى قانونيا ..
و بهذا يمكن القول أن شريحة معتبرة من نخب الشعوب المتخلفة معادية للفكر العلماني بحكم انتمائها لعالم السياسة أو لعالم المال و الأعمال . و من هنا يبدو أن هذه الشريحة هي الأ كثر خطورة على التنوير العلماني لما لها من وسائل الترغيب و الترهيب و لتجردها من أي مبدا مثالي تحتكم اليه خارج عالم المصالح الشخصية ، لذلك تسعى دائما لتوظيف مسوغات الترويج للفكر الشعبوي كالدين و الرياضة و الفن و العرف ، و كل ما له صلة بتأجيج العواطف و تخديرالأحاسيس و المشاعر بغرض تغييب المنطق و اسكات الضمير.
ان المتخوفين من العلمانية بدافع المصلحة مستعدون لاستعمال الخطاب العلماني عند الضرورة في حالة تهديد الخطاب الديني لمصالحهم ، مثلما هم دائما يوظفون الخطاب الديني لمحاربة الخطاب العلماني الفاضح لتلاعباتهم .فلا شك ان هذه الشريحة هي أخطر خصم للعلمانية لأنها غير معنية بالقيم السامية من المنظور العلماني و لا من المنظور الديني ، انها من غير مبدا عدا مبدا المصلحة الشخصية الذي يتعارض مع مواصفات كل فكر حضاري.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
عصام يحيى - طالب - 20 عام ( 2011 / 10 / 10 - 14:49 )
أحسنت فى عرض الإشكال الواقع على العلمانية


2 - العلمانية حادث
صلاح الساير ( 2011 / 10 / 10 - 16:33 )
ان تطور البشرية من سلطة الفرد الى سلطة الجماعة اى المشاركة او حكم الشعب (الديمقراطية ) هذا
التطور لا بدأ منة ... ان العلمانية حادث تخضع وتنتج من خلال التطور الكتلي(مجموع العوامل المؤثرة
فى الاوضاع الاجتماعية ..الاقتصادية ..السياسية ..الفكرية ..الثقافية)الخ كل هذة العوامل تتداخل وتتراكم
لغرض احداث هزة واقعية توعزالى بناء عالم علمانى رائد فى المنطقة 0000
شكرا ومع التقدير


3 - الى الأخ عصام يحيى
أحمد عليان ( 2011 / 10 / 30 - 20:54 )
شكرا على الاطلاع و التعليق.


4 - الى الأخ صلاح الساير
أحمد عليان ( 2011 / 10 / 30 - 21:16 )
احييك الأخ صلاح .. و أؤكد موافقتي على مضمون تعليقك المركز على مقومات البناء العلماني المأمول
مع الشكر و التقدير.

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج