الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة التي لا يجدي الهرب منها .. ولا يفيد

أحمد حسين حرقان

2011 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لن تفاجئ إذا أطل عليك مبشرٌ مسيحيٌ أو داعية مسلمٌ بابتسامة ملائكية، ثم طلب من وقتك دقيقتين ، و أخذ يعدُ لك محاسن الإسلام أو المسيحية وربما أخذ بدل الدقيقتين الساعة والساعتين ...
(المبشرون) أو (الدعاة) الذين يصغي لهم الآلاف و يُقرأ لهم ، وتخصص لهم ساعات في الفضائيات ، بل صارت لهم فضائيات خاصة مستقلة تبث (دعوتهم) ليل نهار (قنوات يجبى إليها المال من جيوب البسطاء) ولا يلاقون أي استنكار.. هم في حقيقة الأمر يبيعون الوهم ويثرون ويملؤون الكروش...
ومع ذلك كلاماتهم على اختلاف طوائفهم تلقى آذان صاغية ، مرة بدافع الإيمان بما يقولون ومرة بدافع الفضول عند من لا يوافق معتقده معتقدهم. وتدور أحياناً نقاشات بين سائر الطوائف كلٌ ينتصر لما لُقن أنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال؛ ويهتم الناس لها أيضاً ويتابعون..
ومع أني لست ملاكاً .. ولا داعية أحمل لك جنة الخلد .. إلا أني أطمح أن ألقى نفس الأذن الصاغية التي يجدها الداعية والمبشر . مهما كانت خارجة على المألوف ، والباب بعدها مفتوح للنقاش:
ما حدث ويحدث من بين المسلمين والمسيحيين في مصرــ والذي تسابق الكل إلى الحديث عن كيفية تجنيب الوطن إياه ــ وراءه أمرٌ لم يكن سراً يوماً من الأيام، ومع هذا يتجنب الأكثرون التعرض إليه أو الحديث عن مواجهته!
إنه العقيدة الدينية ذاتها!!
انطر.. هذه فتاة تخلت عن دينها وتزوجت رجلٌ على دينٍ مخالف فتقوم الدنيا ولا تقعد ، لأن هذه خيانة عظمى يغضب بسببها الرب وتشعل اللهيب في قلوب المؤمنين.
هذه كنيسة تبنى على أرض الإسلام التي استولى عليها المسلمون يوم الفتح وورثوا أرضها وديارها ومعابدها .. يجب أن لا يقوم فيها معبد أوكنيسة لغير المسلمين .. وهم كرام للغاية ويستغفرون الله كثيراً لأنهم يسمحون ببقاء بعض الكنائس أو بناء كنيسة هنا أو هناك ولو كان بناءها كثيراً ما لا يتم إلا على دماء وأشلاء...ثم ألا يكفي النصارى أنهم يعاملون معاملة أهل الذمة؟ فلولا ذلك الوصف الكريم لقتلوا جميعاً عن بكرة أبيهم : (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) التوبة :13.
العامي البسيط يدرك هذه الحقائق .. أليس يقرأ القرآن ؟ ألا يستمع إلى الفقهاء؟ بلى، والفقهاء لا يملكون أن يبدلوا كلام الله .. والناس تفهم وتعي ثم تغضب وتثور وتهدم وتفعل ما أمر الله به .
المسيحي أيضاً لا يقبل الاستسلام ؛ سينطلق باسم الرب يبني لله كنيسة يمجد الله فيها، ولا ينسى أبداً أن البلد هو بلده (السليب) وأن المسلمين فيها ضيوف لذا: (بالطول بالعرض احنا صحاب الأرض) كما سمعتها بإذني في مظاهرة الأمس على شاطئ الإسكندرية، وسيتحدى كل الصعاب ليبني كنيسته وويحافظ على هويته ..
ويظل الطرفين في صراع مكشوف تارة، ومكتوم تارات وسيظلون كذلك إلى أن تعتنق طائفة دين الأخرى، أو يتخلى كلاهما عن الدين بالكلية؛ وهذا الخيار الأخير هو الحل الصحيح الوحيد وإن كان الأغلب من الناس لا يظنون أنه حتى مجرد خيار، ويظل كامناً في النفوس لا يخطر على البال أبداً.
الحقد والكراهية وازدراء الآخر أمراض كلما تم استئصالها تعود من جديد؛ لأن جذور شجرة الدين قديمة قدم التاريخ .. إنها أشجار غرست بذورها قبل آلاف السنين في زمان كان منطق القوة هو الحكم، وكانت القسوة سائدة لدرجة أنه لم يكن مستغربٌ فيها وجود إنسان حر وإنسان آخر عبد له ، وإنسانة حرة ، وأخرى أمة للمتعة والخدمة؛ في تلك العصور كان بتر الأطراف والرجم بالحجارة حتى الموت عقوبات عادلة ؛ بل إن تلك العقوبات كثيراً ما ترتبت على أخطاء تافهة أو حتى أمور لم تعد البشرية تراها أخطاءً على الإطلاق.
بالأمس يا سادة مات شباب كالورود أمام مبنى الإذاعة والتيلفزيون المصري؛ وأكثرنا جلس بالساعات يستمع إلى الساسة والمحللين والدعاة .. فماذا كان الحل من وجهة نظرهم ؟
التصدي للفلول بقايا النظام السابق، أو تخلي المجلس العسكري عن السلطة، أو اجتماع القساوسة بالمشايخ ــ للمرة الألف ــ أو نشر ثقافة التسامح (كيف؟) أو، أو ...
الجميع يا سادة على معرفة تامة بأسباب الصراع الحقيقية وإن كان لا يتجاهلها أبداً إلا ــ ويا للعجب !ــ حينما يبدأ في الحديث عن الحلول؛ حينها يهرب من الحقيقة إلى حلول سطحية ، جربت مراراً ، اختلفت الوقائع والأشخاص والتفاصيل وظلت هي ثابتة لا تتغير أبداً كما لم تتغير الدوافع وراء الوقائع والأحداث. كانت أطروحات بلا فائدة لأنها كانت تتجاهل جوهر المشكلة التي بدورها كانت تزداد تفاقماً كلما قويت أسبابها ؛ أي كلما عاد الناس إلى دينهم وتمسكوا به .
والهروب من الحقيقة، والتحجج بأن الواقع يفرض هذا الطريق (الأسهل) ، أو أن السياسة تقتضي ذلك؛ مخادعة للذات أو عجز عن مواجهة هذه الأسئلة المهمة:
ما الدين؟
ما الأسس التي قام عليها؟
ما الأدلة التي يستند إليها ؟
ما الذي قدمه للبشرية؟
ما فائدة وجوده واستمراره؟
هل حل نهضت بلد في الأرض وحل بها السلام والاستقرار دون أن تطبق العلمانية تطبيقاً كاملاً؟
هل يوجد نموذج لشعب واحد (متدين) في الأرض كلها طبق العلمانية التي نسعى إليها تطبيقاً جدير بالاحترام؟
هذه أسئلة ضرورية ..
أسئلة مشروعة..
يا إنسانُ قد بلغتْ .. ويا تاريخ فاشهد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أختلف قليلا مع الكاتب
Amir_Baky ( 2011 / 10 / 11 - 13:02 )
صراع الأديان هو صراع سياسي فى الأساس. صراع كونه الإنسان لأجل مصلحة شخصية. فالمسلم المتسامح يمكن فهم آيات القرآن بمفهومها الزمنى و التاريخى. والمتأسلم يريد فرض هيمنة سياسية يسوقها بشكل نازى يكفر من يختلف معه فى الطرح. جميع الأديان و الثقافات يمكن أن تتعايش مع بعضها البعض لو خرجت السياسة من الدين. فإنسانيا ستتمسك بعقيدك أكثر لو وجدت ظلم و إضطهاد موجه لك بسبب دينك. وهذا التمسك و الصراع فرض عليك من الذى يريد فرض أفكاره و نظرياتة بغلاف الدين. فالعلمانية هو حل يرفضة كل من يتاجر بالدين . والله لن يعاتبك لو أن أخيك يكفر بالله بل سيعاتبك لو دمرت أخلاقك و بلدك و أصبحت سلوكياتك مضره لذاتك و للآخرين. الله لا يريد ميليشيات مسلحة تتحدث بأسمه. ولايحتاج لقوة البشر فى شيئ. فمن المنطقى أن لا نصدق كل من يتحدث فى السياسة بأسم الله.


2 - أتفق معك جزئياً
أحمد حسين ( 2011 / 10 / 13 - 00:37 )
معك حق في أن طريقة فهم النصوص الدينية مؤثرة؛ ويوجد كثرٌ لا يفهمون من الدين إلا كل معنى جميل ، ولكن يعكر على هذا أمران :
1 ليست كل النصوص الدينية تحتمل أكثر من معنى ، ويلجأ بعض المتمدنين من المؤمنين إلى تفسيرات بعيدة كل البعد عن روح النص، ويجد نفسه بتفسيراته البعيدة في عزلة، وأحياناً كثيرة محل سخرية وانتقاد واتهام. فسر مثلاً قول القرآن : (فإذا انسلخ الأشهر الحرمُ فاقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم وخذوهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة فخلوا سبيلهم) (وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أني يؤفكون) (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة)؟!
2 جُربتْ على مدى عقود كثيرة فكرة الفهم المتسامح للدين ولم تجد قبولاً وسط الجماهير، ولم يستطع مجتمع متدين أن يقيم دولة علمانية حقيقية ، فالغرب مثلاً لم يقم حضراته إلا على أنقاض الدين.
ثم ما من دين إلا ويزعم أن أدلة صحته مثل الهواء الذي نتنشقه . ثم أنت تضيع عمرك كله بحثاً عن دليل يطمئن إليه قلبك فلا تجدُ! ولولا التقيلد ما بقي على الأرض دين.

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah