الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صاحب الجلالة والنساء

نوال السعداوى

2011 / 10 / 11
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



منذ الطفولة، فى الأربعينيات من القرن الماضى، لم أنطق كلمة صاحب الجلالة الملك أو صاحب المعالى الباشا أو البيه، ورثت عن أبى وأمى كراهية الألقاب التركية، يستخدمها العبيد والجوارى والأجراء فى مخاطبة الأسياد، أما جدتى الفلاحة «مبروكة» فلم تكن جارية ولا أجيرة لزوجها أو أبيها، كان رأسها برأس أكبر رجل فى البلد، منهم زوجها، جدى «السعداوى» الذى مات قبل أن أولد، كانت تكرهه كالموت، تحلم كل ليلة بأنه مات ضربا من أصحاب المعالى، كما كان يضرب زوجاته القديمات والجديدات، إلا هى، زوجته الأخيرة، تزوجها طفلة فى العاشرة من عمرها، مات وهى فتاة عذراء فى العشرين، كان يكبرها بخمسين عاما ويدللها بالضرب المباح فى الشرع، لا يسبب عاهة لها أو فقدان عين أو ذراع، قالت لى، إنها بعد موته، تحممت وغسلت جسدها وشعرها بالماء المغلى والفنيك والجاز، أطلقت زغرودة وصلت إلى آلهة السماء، وأقسمت بأغلظ الأيمان ألا تقرب الرجال حتى تموت، ليس كرهاً فى الرجل الذى لم تعرفه، ولكن حبا فى الحياة التى لم تعشها.

كانت جدتى امرأة عظيمة قادت أهل قريتها ضد العمدة والملك والإنجليز، لم يذكرها التاريخ مثل أصحاب الجلالة أو أصحاب المعالى، الذين تعاونوا مع الاستعمار ونهبوا أموال البلد على مدى القرون والعقود.

لم تكن أمى «زينب» أقل عظمة من جدتى «مبروكة» بل كانت أكثر ثقافة، إلى حد أنها لم تحلم أبدا بالزواج، بل بجائزة نوبل فى العلوم مثل مدام كورى، وكان من الطبيعى أن أهدى كتابى الأول إلى أمى، نشر الكتاب عام ١٩٥٥ بالإهداء «إلى زينب شكرى، المرأة العظيمة التى عاشت وماتت من أجلى دون أن أحمل اسمها، أمى»، حدث ذلك القرن الماضى منذ ستين عاما، ولم يقدمنى أحد للمحاكمة بتهمة الزندقة.

بالطبع لابد من تشجيع الملوك والحكام على إنصاف النساء، وإن كان مجرد دعاية لديمقراطية زائفة، أو لمجالس نيابية تنوب عن الملك وليس عن الشعب، لكن لابد من الوعى بالغواية الملوكية اللغوية، وكشف التناقض بين تقديس السيدة أم جلالته، وتحقير النساء، (نصف الشعب فى بلده)، بل إهانة الشعب كله بالتعاون مع الاستعمار الأجنبى ونهب الأموال، وإجهاض الثورات العربية (منها الثورة المصرية والتونسية وغيرهما)، وتمويل التيارات الدينية التى تعتبر وجه المرأة عورة، يجب أن يغطى بالنقاب أو بالحجاب حسب أوامر الأسلاف.

هذا التناقض الصارخ بين تمجيد الأم نظريا واحتقار النساء عملياً، وحرمان الأمهات وأطفالهن من أبسط الحقوق الإنسانية، (التى تنادى بها كل الثورات الشعبية «الكرامة الحرية العدالة»)، كيف نعاقب ملايين الأطفال الأبرياء فى بلادنا بسبب جريمة الأب الذى يغتصب الأم ثم يهرب؟ كيف يحرم هؤلاء الأطفال من الكرامة والشرف والعدل بينهم وغيرهم من الأطفال؟

هل لأن هؤلاء الأطفال وأمهاتهم ليس لهم حزب من الأحزاب القوية الثرية؟ أكتب هذا المقال اليوم عن قضايا اجتماعية وأخلاقية مهمة، تبدو للبعض ثانوية تافهة فى سعار الحمى السياسية الانتخابية، لكن السياسة الحقيقية النزيهة هى التى تهتم بمشاكل الشعب من النساء والأطفال والفقراء، السياسة الحقة النظيفة ليست حناجر فى الانتخابات وصراعاً على كرسى الرئاسة قبل تغيير القوانين والدستور والعقد الاجتماعى الجديد بعد الثورة، السياسة النزيهة هى توفير الشرف والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية الاقتصادية الأخلاقية الثقافية، لجميع المواطنين، النساء والرجال، المسلمين وغير المسلمين، وجميع الأطفال الشرعيين وغير الشرعيين، هذه العدالة الحقيقية والسياسة الحقة، التى لا يتحدث عنها أحد من المرشحين للانتخابات أو قيادات الأحزاب، هم مشغولون بعمل الصفقات والتحالفات الهزيلة مع الأحزاب الدينية المراوغة، لقد استلهمت شعوب العالم مبادئ ميدان التحرير فى مصر لتنهض وتثور، حتى الشعب الأمريكى نساء ورجالاً قام بالثورة ضد فساد حكم أوباما، وجشع الرأسمالية بعقر دارها فى وول ستريت، والشركات الكبرى والبنك الدولى وصندوق النقد، الذى فاحت رائحة فساده الاقتصادى والأخلاقى معا، حين اعتدى رئيسه الفرنسى العجوز على خادمة الفندق الفقيرة، ثم أخرجه القضاء الأمريكى بريئا نظيفا كالشعرة من العجين، نحن نعيش فى عالم أشبه بالغابة، تحكمه عالمياً ومحلياً قوى ذكورية قائمة على المال والسلاح والإعلام، قلة من الأسياد والملوك فى كل بلد تتحكم فى البلايين من الأموال والملايين من البشر، لا تشبع من النساء والسلطة والذهب، رغم شيخوختها وعقمها الفكرى والجنسى فى آن واحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إذا كانت الجدة بقيت عذراء فكيف ؟؟؟؟
أحلام أكرم ( 2011 / 10 / 11 - 17:15 )
المقالة رائعة .. لأنها توجه الأنظار لفئة لا يعترف بحقوقها أحد .. فئة الأطفال الغير شرعيين ..
ما لفت نظري أن الكاتبة الدكتورة تتحدث عن معاناة المرأة من خلال جدتها ..والتي تزوجت في العاشرة ومات جدها وهي في العشرين ولم يلمسها أحد .. وبقيت عذراء بقية عمرها لرفضها الزواج مرة اخرى .. فمن أين جاءت الدكتورة نوال ؟؟؟؟


2 - تعليق
أمل خالد ( 2011 / 10 / 11 - 18:51 )
.لأحلام أكرم مع التحية /ليس شرطا يحتمل حملها وهي عذراء


3 - اخيرآ تحقق الحلم
Rajaa Safi ( 2011 / 10 / 12 - 07:46 )
كنت اتمنى احد كتابنا الكبار يتناولوا هذا الموضوع المهم واخيرا تحقق حلمي.. لانصاف هذه الشريحه من المجتمع يجب سن القوانين العادلة والمنصفة التي تساويهم بالحقوق مع الاخرين وخاصة منحهم هوية الاحوال المدنيه وجواز السفر من غير عبارة مجهول النسب ويجب تكثيف الجهود والعمل على تنوير المجتمع من خلال الاعلام المقروء والمرئي والمسموع من اجل تغيير نظرة المجتمع لهم .ويجب ابعاد رجال الدين من الافتاء في هذا الموضوع .على احدى القنوات الفضائية شاهدت برنامج يتناول معاناة هذه الشريحه في البداية تفاءلت خيرآ ولكن عندما ظهر رجل دين معمم وأخذ يبين رأي الدين قال بما معناه ان لايجوز منحهم اسماء آباء واسماء عوائل وهميه لأن في هذا اختلاط في الأنساب أريد ان أسأله بالله الذي يؤمن به هل اختلاط الانساب مهم ام ضياع حياة انسان برىء في متاهات جهلهم وتخلفهم
شكرآ لك سيدتي


4 - the topic needs more research
أحلام أكرم ( 2011 / 10 / 12 - 11:37 )
since my computer insisting on English writing .. I am left with no choice but...
I certainly agree with Mr. Saffi#s comment.. but would like to point out that this subject was shown on TV few years back in an Arabic series .. and the actor was Yahia El Fakarani ..
it was very moving success story for a man .. yet how the society spit him out when they found that he was an illegimate child.. unfortunatly it was lost in the midst of the other series of Hag Mitwali at the time and did not get its share of success .. or real discussion..
its time for this tipic to be opened to humaine our societies rather than keeping tem in the dark ages.. thanks..


5 - قوة الرجل فقط على زوجته وبناته وخواته وامه
خلده عبدالله - الكويت ( 2011 / 10 / 14 - 07:14 )
واللبيب بالاشارة يفهم. . . . جائهم القران مخاطبا بصيغة الذكر وانزل الله تعالى الرسل والانبياء كذلك من الذكور تبشر وتنذر بعذاب من الله . . . وجعل ربي اياته للناظرين بالعظة والعبره . . . وذكر ربي ملكين في القران رجل وهو فرعون وكان صعب الاقناع والفهم والتعقل والتدبر فكان مصيره حهنم وبئس المصير هلك واهلك قومه معه سنين مستعبدين لا يعصونه ابدا. . . حتى اتاة من عقر داره من انقلب عليه لظلمه وكان رجل صالح على رجل فاسد ظالم. . . فلم يشفع فرعون. ضمه موسى في صغره فالظلم ظلم وربي لا يقبل عمل الظالمين .

اما الملك الثاني . . . وهي ملكة سبأ امراه تحكم قومها بالشورى والامر اليها قالت لقومها ماكنت قاطعة امرا حتى تشهدون . . امراه ملكة حكيمه نظرت وارسلت وترقبت ونجت ونجا قومها معها فكانوا لها متبعين وعنها حامين فلم تسود قوتهم وبأسهم عليها وكانو لها بامرها منقدين . . ذكرها ربي ولم يفصل فيها اسلم تسلم لا جدال ولا مقال. الحق بين وميزانه العدل

المراه. عندما تكون غنيه بالمال والجاه تخاف اكثر على نفسها وعلى ماتملكه ومع ذلك ترضيهم
الرجل عكس يكون قوي جدا ولا يخاف ان يذهب مايملكه ومع ذلك لا يرضيهم


6 - النعمة والنقمة
nainiabdu ( 2011 / 12 / 11 - 17:28 )
الله اعطى للعرب في جزيرتهم نعمة الذهب الاسود ولم يعملوا عليها وحتى لم يستغلوها في تعليم نقي علمي يصنعوا به من أبنائهم عباقرة عصرهم بل اعتمدوا سياسة ان علمت الشعب فلن تستطيع أن تحكمه وبقي العرب في أسفل الترتيب رغم ثرائهم المجاني بل اصبح هذا النفط نقمة ووبالا عليهم وتمسكوا بتعليم رديء واستغلال سيء للدين الاسلامي حتى اصبح اسلاموفوبيا ولا زالوا يحفرون قبورهم بايديهم لا بيد غيرهم .عنصريون مقيتون يرفضون الآخر يدعون ملك الحقيقة وهم ابعد ما يكون عنها.عوض ان يحاربوا الجوع في العالم كما يفعل اسيادهم الامريكيون والارؤربيون هم يدعمون الارهاب والقتل والمشكل انهم يقتلون بعضهم العراق نمودج حي لذالك.الاخوان سيجرون مصر الى ما لا تحمد عقباه والمصائب آتية لا محالة من كل حدب وصوب والنظام السوري يقتل الشعب وهو لم يطلق رصاصة واحدة من اجل الجولان.والحبل على الجرار...

اخر الافلام

.. تفاصيل تغيير كسوة الكعبة .. لأول مرة المرأة السعودية تشارك ف


.. لحظة انتشال امرأة أوكرانية على قيد الحياة من تحت أنقاض مستشف




.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح حكم -ذهاب المرأة المتزوجة ل


.. رئيس الوزراء: سنعمل على تعزيز دور الشباب والمرأة في كافة الم




.. لبنان.. دراسة لمؤسسة سمير قصير تؤكد تعرض 37% من الصحفيات للت