الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هامش على العلاقة المعاصرة بين الإسلام والمسيحية .

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثمة تساؤل يفرض نفسه على هامش العنف ذى الطابع الطائفى المتنامى فى مصر بين المسلمين والإقباط بشأن الوعى بموقف الكنيسة المعتمد تجاه ( عقيدة الإسلام ) والذى يعكس رؤيتها الحالية حول الإسلام وقضايا الحواروالتقارب مع المؤمنين به.

فالبين من مطالعة الخطاب المتداول أن هناك غياب بشأن تأصيل التقدم التاريخى المطرد للعلاقة بين الطرفين والتى دفعت - منذ منتصف القرن الفائت - نحو تجسير الهوة والحيلولة دون أزكاء الخلافات القديمة بينهما .

فللمرة الأولى منذ أربعة عشر قرنآ - هى عمر الإسلام - ناقش المجمع الفاتيكانى الثانى ( 1962 – 1965 ) على مستوى مذهبى /عقائدى أشكالية العلاقة بين الكنيسة و الإسلام وبهدف بلورة تصريح كنسى نهائى حول الديانة الإسلامية .

وكان ذلك حدثآ استثنائيآ فى تاريخ المجمع المسكونى الأعلى وصفته المطبوعات الكاثوليكية فى حينه ( بالإنقلاب الكوبرنيكى ) - على ضوء ما تمخض عنه من نتائج فى موقف الكنيسة حيال الإسلام .

والثابت أن بروز " الإسلام " خلال هذه الحقبة كداعم لحركات التحرر الوطنى ولأفكار الإستقلال والتقدم السياسى والإجتماعى هو ما جذب أنتباه المجمع صوب الإسلام وتجاه حسم أشكالية الإعتراف به والتواصل مع أتباعه.

ومن هنا صدر تصريح خاص من الكنيسة الكاثوليكية بشأن العلاقة مع ديانة الإسلام – جاء فيه بالنص ما يلى :
" أن الكنيسة تنظر بعين الإعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الآله الواحد الحى القيوم الرحيم القادر على كل شيىء خالق السماء والأرض ومكلم البشر . فالمسلمين يجهتدون فى أن يخضعوا بكليتهم لأوامر الله الخفية كما خضع له أبراهيم الذى يستند الإيمان الإسلامى اليه وبطيب خاطر. وأنهم يجلون يسوع كنبى وأن لم يعترفوا به كآله ويكرمون أمه مريم العذراء كما أنهم يتضرعون اليها أحيانآ . علاوة على ذلك فأنهم ينتظرون يوم الدين عندما يثيب الله كل البشر القائمين من الموت . ويعظمون الحياة الاخلاقية ويؤدون العبادة لله لاسيما الصلاة والزكاة والصوم . وأذا كانت نشأت على مر القرون منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين فان المجمع يحض الجميع على أن يتناسوا الماضى وينصرفوا باخلاص إلى التفاهم المتبادل ويصونون ويعززون معآ العدالة الإجتماعية و الخيور الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة الناس جميعآ " .

عبرقراءة النص السابق يمكننا أن نستخلص عددآ من الملاحظات الهامة - تتقدم على النحو التالى :

أولآ : أن الإعلان الكاثوليكى يقدم للمرة الأولى وصفآ أيجابيآ لبعض أهم أركان العقيدة الإسلامية ويؤسس لقواعد من التعاون والحوار بين الطرفين على أرضية مشتركة لتحقيق العدالة وتعزيز السلام الإنسانى وأنطلاقآ من فكرة ( التوحيد ) التى تشكل الأساس الملائم للتفاهم المتبادل بين المسيحيين والمسلمين .
ولعل ذلك هو ما دشن فى مرحلة - مابعد المجمع الفاتيكانى الثانى - تيارآ مؤثرآ فى الكنيسة يدعوإلى الإعتراف بالصلة الروحية بين الديانتين وعلى سند من جوهر( العقيدة التوحيدية ) فيما بينهما .

ثانيآ : تأكيد تبعية المسلمين "للتقاليد الإبراهيمية الإيمانية " وكنقطة لقاء هام مع المسيحية , وعلى تقدير المسلمين ليسوع ومريم المجدلية وهو ما يشير إلى موقف القرآن من المسيح فى آية : ( رسول الله وكلمته إلى مريم وروح منه ) , وتكريمه للعذراء مريم فى أكثر من موضع, الأمر الذى يفتح بابآ للتقارب بين الديانتين .

ثالثآ : أعتداد التصريح " بالحياة الأخلاقية للمسلمين" . فالأساس القيمى لسلوك الفرد و المجتمع الإسلامى أصبح محلآ للإعتبار بشكل رسمى من جانب المجمع المسكونى . وهو ما يمثل نقلة نوعية فى هذا الإطار أذ يهدر بصورة قاطعة الفكرة المسيحية التقليدية عن ( الإنحلال الخلقى للمسلمين ) .

رابعآ : تأكيد المجمع على شعائر العبادات الثلاث ( الصلاة و الزكاة و الصوم ) عند المسلمين نظرآ لتماثلها مع دوائر العبادة المسيحية . فالوثيقة تسعى هنا لإبراز نقاط الإلتقاء ( العملية ) بين الديانتين لمواجهة نقاط الإختلاف والتباين ( العقائدية ) بينهما . فضلآ عن الإنتقاء المجمعى اللغوى لمفردات من مدونة ( أسماء الله الحسنى عند المسلمين ) تتفق مع التصورات المسيحسة عن ( الرب ) وتمثل مكافئآ لها فى القرآن .

هذه المقررات الكنسية جاءت كفتح جديدة فى تاريخ العلاقة بين الإسلام والمسيحية , وكان من الممكن أن تمهد الطريق نحوأفاق من التفاهم المستمر بين الجانبين .

ولكن برزت معطيات جديدة دفعت نحوعرقلة التواصل والحوار بين الديانتين , حيث أختزن تيار الإسلام السياسى - الذى أستمر صعوده منذ نهايات القرن الفائت - عداءآ للمسيحية وفق تصوراته الفقهية والإفتائية , ومن خلال تمسكه بأحكام الديار التقليدية , وتقسيمات / فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان التى أعتمدها .

كما أنعش حضورهذا التيار أفكار ما يسمى " بعقد الذمة التاريخى الحاكم لعلاقة النصارى بالمسلمين " داخل البلدان الإسلامية حيث جرى التعامل مع مسيحى الشرق باعتبارهم " أهل ذمة " لا يجب أن يتمتعوا بحقوق المواطنة الكاملة .

كما أن أنظمة الحكم العربية - التى عجزت عن تحقيق أفكار التكامل القومى وعن تأسيس دولة مدنية حديثة - أخذت فى توظيف الدين لأجل مصالحها السياسية والدهرية ,وعمدت فى هذا الإطار لتزكية الصراع الطائفي فى مجتمعاتها والتحريض ضد المسيحيين - وهو الأمر الذى أنعكس بدوره على علاقتها مع الفاتيكان ورعايا الكنسية.

كما أن المخيال الشعبى العربى مازال ينظر إلى ( العالم المسيحى ) ضمن خانة المناصرين والمدافعين عن الوجود الصهيونى فى فلسطين وهو الأمر الذى يخلق شعورآ متجددآ بالعداء والتعصب نحوهذا العالم .

وكانت الإنتكاسة الأخيرة حينما تقدمت كتابات ونظريات روجت لفكرة صراع الثقافات والديانات فى عالم مابعد الحرب الباردة وأحداث الحادى عشر من سبتمبر ودفعت لتبوأ " الإسلام " مكانة الفكرة " الشيوعية " التى كانت سائدة فى روسيا السوفيتية وأوروبا الشرقية .

وحيث صعد تيار المحافظين الجدد و اليمين فى أمريكا وأوروبا ليزكى التصنيف اللاهوتى للبشر بين ( أخياروأشرار ) ويعزف على الوتر المسيحى الأصولى باعتبار الإسلام عدوآ جديدآ فاشيآ وأن ديانته تحض على العنف وتخريب الحضارة والتقدم الإنسانى .

و الثابت أنه خلف تلك التوجهات السياسية اليمينية تتوارى خطط وأستراتيجيات أملتها مصالح الرأسمالية الإمبريالية بهدف أستمرار الهيمنة الإقتصادية , وتحرير أزمتها من مدخل " العدو الإسلامى والحرب ضد الإرهاب والتطرف " , وزيادة حوافز وأرباح المجمع العسكرى الصناعى كأثر للحروب القادمة و الصراع الجديد مع هذا العدو الدينى .

كما أن هذه القوى تسغعى للحفاظ على أوجه التفاوت الإجتماعى والطبقى العالمى , وهو الأمر الذى يستلزم الإستنزاف المستمر لفائض القيمة من دول المحيط / الجنوب ذات الهوية والكثافة الإسلامية بحكم التاريخ والجغرافيا .

على المسلمين أدراك أنهم ليسوا بصدد حقبة تاريخية جديدة تحيى أرث الصراع الصليبى مع العالم المسيحى – وكما يروج لذلك تيار الإسلام السياسى أو اليمين الغربى المحافظ - وانما هم داخل معركة " سياسية و أقتصادية ووجودية " مع المشروع الرأسمالي المعولم والمعسكر الذى يروم نهب واستنزاف ثروات وخيرات و مقدارات شعوبهم .

ثمة واجب مطلوب على "الأزهر" أن يضطلع به فى هذا سياق دفع الحوارالإيجابى مع الفاتيكان , وبهدف أطفاء ثائرة الغضب وأزالة أسباب الإحتقان , وأن يشكل – قبل ذلك كله - وعيآ ناضجآ و متقدمآ لجماعة المسلمين بشأن حقيقة هذا الصراع الدينى مع الفاتيكان وأبعاده وما يخفى ورائه من مصالح سياسية وأقتصادية .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأي الفاتيكان و رأي الأزهر
أسعد أسعد ( 2011 / 10 / 11 - 17:35 )
أستاذ عماد
شكرا لك لأنك أوردت رأي الفاتيكان الرسمي في الإسلام ... ما رأيك أن تورد رأي الأزهر الرسمي في المسيحية ... طبعا أنت ربما تخجل من هذا لكني سأوفر عليك المشقة و الإحراج
لقد أفتي الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر بأن المسيحيين كفار... و هذا ليس هو ر أي الشيخ إنه رأي القرآن و الإسلام
أما الشيخ مفتي الديار المصرية فقد أفتي إن قساوسة المسيحيين حشاشين
يا سيدي هذا هو الإسلام الصحيح بحسب القرآن و الحديث بلا لف و لا دوران .... جميع الآيات القرآنية عن التعايش السلمي مع غير المسلمين منسوخة و أنت تعلم هذا جيدا
أستاذ عماد أرجو أن تعيش الحقيقة الإسلامية و لا تتخذ التقية مبدأ لك و لو إنك لو فعلت هذا
فستصير خارجا مرتدا يحل دمك
أرجوك أن تدرس الإسلام الحقيقي و تعترف به و لا تدفن رأسك في الرمل
تحياتي و محبتي في إسم المسيح يسوع
أسعد أسعد


2 - الاسئلة التى لا اجابة لها ؟
صلاح الساير ( 2011 / 10 / 11 - 19:05 )
كل الاسئلة التى طرحتها هى مشروعة ولكن المفقود فى سلسلة الاسئلة هى ماذا نريد من المستقبل
وكيف التحرك نحو الامام وقد تطول الاشئلة ولا نجد اى جواب ولكنى اجد ان هناك امل فى الافق
بان الصراع الطبقى بين (الاغنياء)و(الفقراء)هو الاساس فى التحرك السياسات الدولية ..لذا يتطلب
وحدة صلدة من القوى التقدمية واليسارية والفئات الكادحة والدينين المتنورين فى مواجهة المد
الاستغلالى الراسمالى العالمى عند هذا تذوب الصراعات الجانبية والطائفية فى هذا الصراع الكبير
وهذا يتطلب من كافة القوى صاحبة المصلحة الانسانية المباشرة لهذا العدف التاريخى لاجل بناء
المجتمع الانسانى الامن وفق العدالة الاجتماعية 0000
شكرا ومع التقدير

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي