الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيان شيعي ضد الفتنة

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2004 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البيان الذي أصدره عدد من رجال الدين الشيعة الأسبوع الماضي يلفت النظر إلى حجم التضخم الذي بلغته الفتنة في بلد صغير في حجمه مثل الكويت ، لكنه بدا أنه مصدر تأجيج نار الفتنة الطائفية في العالم الإسلامي اليوم ، وقد تبدلت الأدوار تماما فبعد أن كانت البلد منارة ثقافية ومعرفية تساهم بدور مرموق في النشر الثقافي والمعرفي تدنى هذا الدور إلى مستوى إنتاج وتصدير النفايات التاريخية .
لا أعلم إلى أي مدى يمكن تعميم هذا الحكم لكن المؤسف أن أغلب التوجهات الإسلامية متورطة فعلا في تأجيج نار الفتنة ، وكأنها تتقرب إلى الله بتعقيد العلاقات بين الطوائف وإثارة المزيد من الكراهية بين المذاهب ، بما لا أتذكر له مثيلا فيما قرأت إلا ما جرى أثناء الصراع الطائفي بين الدولتين العثمانية والصفوية ، وإلا فيصعب أن تجد لغة هابطة في الحوار كما يجري تداوله حاليا في كراسات وصحف ومجلات ، تستهلك خلاله " كل جهة " كافة الألفاظ المقززة لتبادل الاتهامات وضرب معتقدات الآخرين .
خلال الأيام الماضية حصدنا الكثير من توجيه الشتائم وتبادل الاتهامات ، ابتدأت من خلال مطبوعتين الأولى مرخصة وتصدر بإذن من وزارة الإعلام ، والثانية يحررها عدد من الأفراد دون ترخيص يقال أنها تطبع في الخارج ، الأولى تحاول الانتقاص من الشيعة وعقائدهم والثانية تنتقص من عقائد السنة ورموزهم التاريخية ، و على هامش هذه المنشورات نشهد سجالات حادة لا تخلوا من اتهام جماعات إسلامية سنية لأخرى شيعية بأنها تقف وراء الفتنة ، كما تابعنا أقلام صحفية استنفذت كل ألفاظ السباب وقاموس الشتائم للنيل من المتورطين في الفتنة وتعميمها على كل أتباع المذهب المختلف .
فكان المشهد الكويتي غاية في الغرابة ، وصفه أحد رجال الدين في العربية السعودية عبر اتصال هاتفي بقوله : كانت الكويت تصدر العربي وعالم المعرفة إلى العالم ، وانتهت اليوم إلى تصدير منشورات الفتنة ؟
استراتيجية مواجهة الذات
حسنا . إن القول بأن جهات خارجية أو بعض التوجهات الدينية أو الفكرية هي من يؤجج الفتنة ويُصر على إثارتها أمر يُمكن أن يتضمن بعضا من الحقيقة ، لكنه بالتأكيد لا يعبر عن كل الحقيقة ، واللجوء إلى العنف لضرب تلك الجهات أو الأفراد بيد من حديد لن يساهم في حل المشكلة ، ولن تتحول الفتنة والكراهية إلى أخوة ومحبة ، وإنما سوف تساهم القوة المستخدمة إلى إصرار المتطرف على قوله واعتبار نفسه ومن معه شهداء في مسلك الحق .
ويبدو لي الآن أن العلة في أساسها أكبر من جهة تدعم أو أخرى تدين ، إذ من السهولة أن تموت أي ظاهرة طارئة وسلبية لو لم تجد البيئة التي ترعاها ، وهو ما يفسر لنا سبب انشداد شعوبنا نحو منزلقات الفتن أي كان مصدرها ، ذلك أن " البيئة " التي نتحرك فيها تساهم في نمو الظواهر السلبية ، وتدعم المشاريع الطائفية والفئوية التي تعتمد على الإثارة ، بينما تقاوم الأفكار الجادة وتؤد المشاريع النوعية في مهدها في منتهى السهولة واليسر .
ما ازداد تيقن منه يوميا أن العلة تكمن في تدني مستوى فهمنا للدين بما لا يرتقي إلى مراد الدين ومقاصده ، لن أكون سلبيا كثيرا فأهضم جهود وفروض من نظَّروا في الوحدة الإسلامية ، وبذلوا الوقت في سبيل تلبية دعوات حوارية أخوية تُخرجنا من ضيق الصدور إلى رحابة الوطن والناس ، لكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من تسجيل رأيي بكل صراحة بكون أغلب هذه الاستجابات تندرج تحت بند المجاملة ( مجاملة الآخر ) ، والمجاملة تؤجل الصراع لكنها لا تحل المشكلة ولا تمنع من تكرار الإثارة .
في النصف الأول من القرن الماضي انطلقت دعوة الشيخ محمد رشيد رضا الشهيرة " لنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه " والتي رفعها تاليا الشيخ حسن البنا وبشر بها ، ورغم وجاهة وتقدم هذه الدعوة ، إلا أن " استراتيجية الأعذار " تقف عاجزة أمام مجتمع يتوالد فيه دعاة الفتنة ، وأعتقد من الأفضل الآن وصاعدا اعتماد " استراتيجية مواجهة الذات " ، والتي يمكن من خلالها لكل طرف أن يعيد بناء نظرته إلى نفسه وإلى الآخرين متحررا من قيود الصراعات التاريخية ، ومنتفضا على الإفهام البشرية المغرقة بتراثيها وتقليديتها .
ذلك أن ظروفنا اليوم أصعب من أن نستمر في المجاملة والأعذار ، وتستدعي أن نقلع عن التبسيط وندخل سويا إلى عالم التخطيط وتبادل الأفكار للخروج بوطن واحد ، وهذا لا يمكن أن يتم دون البدء بإعادة قراءة التاريخ بطريقة جديدة ومبتكرة ، قراءة موضوعية منصفة وليست طائفية . فعمق مأساتنا أن ما هو متوفر بين أيدينا تاريخ مصبوغ بطائفيته ، لعبت به أمزجة القوة والمال والميول النفسية والعاطفية ، إن إعادة قراءة التاريخ تؤدي إلى تجديد نظرتنا إلى الراهن ، وتمنحنا فرصة طيبة لترميم نظام قيمنا الذي عفرته سنوات الخصام الطائفي .
لست في مقام النصيحة لكني في مقام التحذير من إصرارنا العزف على الوتر الطائفي ، والتحذير من خطورة السكوت في ميدان الكلام ، ومن خطورة التباطؤ في مسيرة إصلاح نظرتنا إلى التراث ، وما نتوارثه من إسلام طائفي هو ضد إسلام القيم ، لا أشك لحظة واحدة أن الكثيرين سوف يرفضونه كلما كشف عن وجهه أكثر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في