الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست النائحة المستأجَرَة كالنائحة الثكلى

نبيل هلال هلال

2011 / 10 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد ناضل الأنبياء لتحقيق غاية الأديان وهي حفظ التوازن بين مصالح الجميع وتغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد وحماية مصالح الناس من الفرعون والكهنة والملأ . وناضل الفقهاء- نضالا مشبوها – لقصْر الدين على مجرد الدعوة لإقامة الشعائر والطقوس متجاهلين تماما ما يعانيه الناس من ظلم وقهر وفقر, فالدعوة إلى العدالة والحرية إنما تعني معاداة السلطان وولى النعم , فنظروا إليها بعيون مغمضة . وبينما أراد الله للدين أن يحرر الناس ويهديهم إلى مقاومة الظلم , استخدم الكاهن هذا الدين نفسه للإيقاع بالمؤمنين في غياهب القهر والظلم . ومرت أحقاب طويلة من عمر الإنسانية تَأكَّد فيها أن العدالة لا توجَد مصادفة وإنما يجب النضال للفوز بها , والشعوب الغافلة التي تنتظر فرَج السماء لتهبها تلك الحقوق عليها أن تنتظر حتى قيام الساعة. وفقيه السلطان يمنع الأمة المقهورة المغلوبة على أمرها من مجرد الانتصاف لنفسها بالدعاء إلى الله , بل يأمرها بالدعاء للسلطان ! فلعل الله يعطِّف قلبه عليهم! وهو استخذاء ننزه النبي أن يقول به , إذ نسبوا إليه حديثا يقول :" لا تشغلوا قلوبكم بسب الملوك , ولكن تقربوا إلى الله تعالى بالدعاء لهم , يعطِّف الله قلوبهم عليكم" . بل يصل الأمر إلى حد اتهام من يطعن على الأئمة بالنفاق , فاصطنع فقيه السلطان حديثا نسبه إلى النبي يقول :"إن الرجل ليعمل كذا وكذا من الخير وإنه لمنافق , قالوا يا رسول الله , وكيف يكون منافقا وهو يؤمن بك ؟ قال: يلعن الأئمة , ويطعن عليهم " !
ولا معنى لأن يأمر الله المسلمين بالشورى ما لم تكن حرية الرأي مكفولة : الرأي والرأي المخالف , فليس في إبداء الرأي المخالف خروج على القانون , أو مناهضة مولانا السلطان , أو ازدراء النظام الحاكم , فلا أرتق لخلل الرأي من مشورة , فهي تفتح من الرأي عيونا مُنسدَّة. ولا يُستخلص الحق إلا بتضارب رأيين متعارضين يتم به استعراض ما بكل منهما من صواب وخطأ . أما التسليم بموقع الصواب في جانب دون آخر بلا سند فليس من الحق في شىء .
وقد كفلت وثيقةُ المدينة- الدستور-حريةَ الاعتقاد وحقوق المواطنة, وأقرت الحرية الإنسانية والخيار الإنساني . وبينما يسمح الله بحرية العقيدة فإن المستبد لا يسمح بحرية الرأي , وهذه الحرية كانت من أول ما تم سلبه عن طريق حكام المسلمين الذين لم يَدَعوا للناس سوى حرية النباح ما لم يعضوا .
لما استعمل معاويةُ بن أبي سفيان المغيرةَ بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين , أوصاه بمهامه الوظيفية ومنها المواظبة على شتم على بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد , وكذلك أوصى من ولِي إمارة الكوفة بعد المغيرة وهو زياد ابن سمية. وكان الصحابي حُجر بن عدي إذا سمع شتم علي بن أبي طالب يهب معترضا قائلا: " أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل , ومن تزكون-يقصد معاوية-أَوْلى بالذم . كان ذلك هو رأيه الذي دفع حياته ثمنا له هو وستة من أصحابه دُفن أحدهم حيا . كان ذلك مبلغ حرية الرأي في دولة الخلافة , وكان ذلك هو جزاء من تحدثه نفسه أن يرى غير ما يرى من بيده السلطة . ويتباكى فقهاء السلطان على العدل والحرية في زمن الخلافة , وليست النائحة المستأجَرَة كالنائحة الثكلى .

كان ذلك مسطورا - ولا يزال - في كتب تراثنا السياسي , كذلك إذا نظرت ( في الآداب المسيحية , تجد الطاعة العمياء هي قوامها, حقيقة أنها لا توصي أتباعها بتنفيذ أوامر السلطان إذا كانت مخالفة لنصوص الدين , ولكنها تأمرهم بالإذعان وعدم العصيان , مهما أصابهم من أذى)-انظر جون ستيوارت مل- عن الحرية.
ولا معنى لمسؤولية الإنسان أمام ربه ما لم يكن هذا الإنسان حرا مختارا , وبمقتضى عرض الأمانة على السماوات والأرض وقبول الإنسان لها وهى المسؤولية وحق الاختيار والحرية , يكون تنازُل الإنسان عن هذه الحرية والمسؤولية نقضا من جانبه لهذا الاتفاق . وقبول الإنسان للخضوع لأي سلطان آخر غير سلطان الله يكون هو الشرك الذي لا يغفره الله ({إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء116.
وصلاح الدنيا معتبَر من وجهين : أولهما عدل الحاكم , والثاني وعي المحكومين , فهما شيئان لا صلاح لأحدهما إلا بصاحبه , وليس شيء أسرع في هلاك الحرث والنسل ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور . نبيل هلال هلال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النائحة الثكلى تعبت من البكاء
صلاح الساير ( 2011 / 10 / 12 - 21:55 )
الاستاذ نبيل هلال المحترم
ان وضعنا المعاش اتعب النائحة الثكلى واتعب الجميع ان الخارطة السياسية تكشف ان دعات اللة
نهبت وقتلت عباد اللة وعلى النائحة الثكلى ان تأجر الاف من النائحات لتسد النقص فى المأتم
البشرية القادمة 000
شكرا ومع التقدير

اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل