الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أما أنا فأقول لكم

نهرو عبد الصبور طنطاوي

2011 / 10 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أما أنا فأقول لكم: (من يزرع التكبر والاستعلاء على المصريين* يحصد فوز فلول الوطني والإسلاميين)، رغم ملاحظاتي الكثيرة ومآخذي العديدة على المصريين في كثير من سلوكياتهم وطباعهم وثقافتهم، إلا أنهم يبهرونني بوضع كل من يتكبر ويستعلي عليهم ويتعاظم أو يحتقرهم ويتجاهلهم تحت أقدامهم ويطئونه بأحذيتهم حتى ولو كان يحمل لهم (الزبد والعسل). وهنا يكمن الفارق الكبير والبون الشاسع بين خطاب شباب الثورة والدخلاء عليهم وأدعياء العلمانية وأدعياء الليبرالية والمدنية ومخبري (أمن الدولة سابقا) من الإعلاميين والصحفيين والكتاب، وبين خطاب التيارات الإسلامية والمجلس العسكري وفلول الحزب الوطني للشعب المصري وكيف يخطبون وده ويقدرونه ويحترمونه حتى ولو بالخطاب الأجوف.

طالعتنا وسائل الإعلام أمس بفوز الدكتور (حسام كامل) المحسوب على النظام السابق، برئاسة جامعة القاهرة في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة بحصوله على (51 صوتا) مقابل (31 صوتا) لمنافسه الدكتور (محيي سعد). وأنا أعتبر هذا (عقابا أليما) من قبل النخبة الجامعية المثقفة ضد كثير من أصوات شباب الثورة والدخلاء عليهم من الإعلاميين والصحفيين وأدعياء العلمانية وأدعياء الليبرالية والمدنية، الذين تعالت أصواتهم كبرا واستعلاء وصراخا ولعانا وسبابا وقذفا وسخرية واستهزاء بكل من اختلف معهم من التيارات الأخرى سواء كانوا من الحزب الوطني أو من التيارات الإسلامية أو من قادة المجلس العسكري أو حتى من غالبية الشعب المصري الذين يُسَمَّون بـ (الأغلبية الصامتة).

وليست هذه هي النكسة الأولى لهؤلاء، ولكن سبقتها نكسات ثلاث، الأولى كانت في نتائج الاستفتاء على الدستور التي اكتسح فيها الإسلاميون وفلول الوطني والغالبية الصامتة، والثانية: في انتخابات (نقابة الصيادلة) التي فاز واكتسح فيها (الإخوان المسلمون) وأصبح نقيب الصيادلة (إخوانيا)، أما الثالثة: فهي انتخابات (نقابة المعلمين) التي اكتسح فيها كذلك (الأخوان المسلمون) بأكثرية المقاعد، وبقية نتائج الانتخابات القادمة ستأتي قريبا.

وهذا يعني أنه كلما قام شباب الثورة والدخلاء عليها وأدعياء العلمانية وأدعياء الليبرالية ومخبري (أمن الدولة سابقا) من الصحفيين والإعلاميين والكتاب بصب جام لعناتهم وسبابهم وتكبرهم واستعلائهم وعجرفتهم و(ردحهم) على الشعب المصري كلما قام الشعب المصري بوضعهم تحت أقدامه واصطف جنبا إلى جنب مع المجلس العسكري وفلول الوطني وجماعات الإسلام السياسي.

لقد بُحَّت الأصوات ومن بينها صوتي منذ نجاح الثورة، منادين ومطالبين شباب الثورة والدخلاء عليها والكائنات الفضائية التي هبطت من السماء على الثورة والثوار، ولم يكن أحد يسمع بهم من قبل، أن يتواضعوا مع الشعب المصري ليخطبوا وده، وأن يخففوا من حدة استعلائهم وغطرستهم واستكبارهم، ومن حدة لهجتهم ولعناتهم وقذائفهم ضد من يختلف معهم، وضد المجلس العسكري وقادته، وضد فلول الوطني، وضد الإسلاميين ورموزهم، ولكن،،،،
لقد أسمـعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد

لقد كتبت عددا من المقالات عقب الاستفتاء على الدستور في شهر (مارس) الماضي ونشرتها بجريدة (روزاليوسف اليومية) ونصحت فيها شباب الثورة وأدعياء العلمانية والليبرالية والإعلاميين والكتاب والصحفيين بأن يتواضعوا مع الشعب المصري ولا يخاطبوه بتلك الحدة، وألا يعتدوا على معتقداته وثقافته ورموزه بهذه الفجاجة وهذه الصلافة وهذا الاستعلاء، لكن: (أفأنت تُسْمِعُ الصُّمَّ أو تهدي العُمْيَ ومن كان في ضلال مبين)، وكان من بين المقالات التي نشرتها في هذا الصدد مقال بعنوان: (نتائج الاستفتاء بين الليبرالية والدين) وقلت فيه:

(لقد رأى بعض الناس أن نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية كانت بمثابة صفعة يد قاسية على وجوه دعاة الدولة المدنية، والبعض رأى أنها لم تكن صفعة، بل كانت لكمة موجعة، والبعض الآخر رآها (قذفة بحذاء قديم) في وجوه وعلى رؤوس دعاة العلمانية والديمقراطية والدولة المدنية، وأيا يكن توصيف نتائج الاستفتاء ووقعها على هؤلاء، علينا أن نعرف ابتداء من هم دعاة الدولة المدنية في مصر؟، ولماذا استحقوا هذه الصفعة أو اللكمة أو القذفة عن جدارة واستحقاق؟، إن دعاة الدولة المدنية في مصر هم أكثرية الإعلاميين والمثقفين والكتاب الذين يحتلون ويغتصبون ويسطون على أدوات ووسائل مخاطبة وعي الشعب المصري من خلال البرامج التلفزيونية في القنوات الحكومية والخاصة، سواء من القائمين على إعداد وتقديم هذه البرامج أو من ضيوفها الزبائن الدائمين من المحللين والسياسيين والقانونيين والمختصين الذين لا يتغيرون، وكذلك هم أكثرية الذين يحتلون ويغتصبون ويسطون على مساحات أغلب المقالات في الصحف الحكومية والخاصة، ويُنَصِّب جميع هؤلاء من أنفسهم أوصياء على جموع الشعب المصري القاصر عن الفهم وعن الاختيار بمسلميه ومسيحييه، وهم وحدهم الذين يرون أين تكمن منفعة الشعب وأين تكمن مضاره.

أكاد أجزم وأقطع بأن هؤلاء لا يعلمون شيئا عن طبيعة التركيبة الفكرية والثقافية والدينية للشعب المصري، بل وأكاد أجزم أن هؤلاء الناس لا يعلمون شيئا عن المفاهيم الفكرية والعلمية الحقيقية لمعنى الدولة المدنية، وكذلك الدولة الدينية، وأكاد أجزم وأقطع أن هؤلاء ومن خلال (ردحهم) عبر عشرات السنين للإخوان المسلمين والتيارات الدينية الأخرى في برامجهم وصحفهم هم من استفزوا التطرف الديني لهذه التيارات وهم من أوقدوا جذوة انحياز التيارات الإسلامية المطلق لأفكارهم المتطرفة، وهم من ألهبوا الحماسة الدينية لجموع الشعب المصري في أن ينحازوا لهم ويتعاطفوا معهم، حتى أصبحت التيارات الإسلامية المتشددة بهذه القوة وهذا الانتشار الواسع الذي نراه الآن في الشارع المصري، لقد ظل دعاة العلمانية ودعاة الدولة المدنية ومن يسمون بـ (دعاة التنوير) على مدار العصور المختلفة للأنظمة السياسية المتعاقبة يعملون كدروع إعلامية للدفاع عن الأنظمة الإجرامية المستبدة ضد عدو الأنظمة الوحيد (التيارات الإسلامية)، وليت دفاعهم كان عن طريق الحوار الفعلي الحقيقي القائم على العلم والوعي الحقيقيين بأفكار هذه التيارات ومنابعها وجذورها، وليتهم قدموا خلال هذه السنوات الطويلة فكرا دينيا وسطيا حقيقيا كبديل عن الأفكار المتطرفة لهذه التيارات يجتذب إليهم جموع الشعب المصري ويأخذ بألبابهم. إنما كان دفاعهم عبارة عن نفخ في نار ظنوا أن نفخهم فيها سيطفؤها، بل لم يزدها نفخهم فيها إلا اشتعالا واتقادا.

لقد عمل دعاة العلمانية والديمقراطية والدولة المدنية لعشرات السنين على مواجهة (التيارات الإسلامية) المتطرفة بتفزيع الناس وتخويفهم منهم، وعملوا على تشويههم وازدرائهم وتحقيرهم والسخرية منهم وتخوينهم وشيطنتهم، وفي المقابل كانت (التيارات الإسلامية) أكثر ذكاءً ودهاءً منهم، فقاموا يستخدمون من حالة (الردح الإعلامي) و(الشرشحة الصحفية) التي يقودها ويقوم عليها دعاة العلمانية والليبرالية والدولة المدنية، وسيلة وفرصة ذهبية لتجييش الشعب المصري وتحريضه دينيا ضدهم، وألقت التيارات الإسلامية في روع الشعب المصري أن دعاة العلمانية والليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية عبارة عن مجموعة من الملحدين والمارقين من الدين الذين يعادون الإسلام ويحاربونه ويتهجمون على شريعته في برامجهم وصحفهم، فصدقهم الناس ووثقوا بهم وشايعوهم وتعاطفوا معهم سواء بوعي أو بغير وعي.

وما زاد طين دعاة الدولة المدنية بلة، أنهم اتخذوا من قضايا المسيحيين ومطالبهم ومظالمهم وسيلة وذريعة لضرب التيارات الإسلامية وتحريض الشعب المصري ضدهم، وقاموا بالانحياز إلى هذه المطالب بصورة حمقاء بلهاء، بها الكثير من الإثارة والاستفزاز، مما مهد الطريق أمام التيارات الإسلامية للعب على هذا الوتر الحساس، فاتخذت التيارات الإسلامية من هذا الانحياز دليلا جديدا يقدمونه لجموع الشعب المصري (المسلم) على أن دعاة العلمانية والديمقراطية والدولة المدنية يناصرون المسيحيين وينحازون لهم ضدكم وكي تتأكدوا أن هؤلاء ليسوا بمسلمين ويكرهون الإسلام ويتواطئون ضده وضد المسلمين، فصدقهم الناس وشايعوهم وناصروهم على ذلك، إن دعاة الدولة المدنية فعلوا بالمثل ما فعلته الدبة الساذجة التي قتلت صاحبها من فرط حرصها الأحمق والأبله عليه، وكذلك فعلوا بالمثل ما كان يفعله الرئيس السابق (محمد حسني مبارك) في معالجته الحمقاء لقضايا ومطالب ومظالم المسيحيين.

لقد أثبتت نتائج الاستفتاء بما لا يدع مجالا للشك حتى هذه اللحظة وبعد ثورة 25 يناير وبعد انهيار الاستبداد والطغيان واندحار مليشيات تزوير الانتخابات أن كلمة التيارات الدينية (الإسلامية والمسيحية) في مصر هي العليا وكلمة الذين تعلمنوا وتمقرطوا وتمدنوا وتلبرروا وتنوروا هي السفلى، وليس من برهان جلي واضح على هذا إلا القراءة المتأنية في نتائج الاستفتاء، فالملايين الأربعة عشر الذين صوتوا على التعديلات الدستورية بـ (نعم) هم في أغلبهم من المسلمين الذين لم يصوتوا بـ (نعم) عن قناعة سياسية بجدوى (نعم)، إنما هم هبوا لتلبية نداء التيارات الإسلامية التي أوحت إليهم بأن التصويت بـ(لا) سوف يقضي على هوية مصر الإسلامية، وسوف يهدد بإلغاء المادة الثانية من الدستور، وسوف تتحول مصر إلى ماخور كبير للكفر والضلال. وكذلك الملايين الأربعة الذين صوتوا بـ (لا) هم في أغلبهم وبنسبة 95% منهم مسيحيون، وتصويت المسيحيين بـ (لا) لم يكن عن قناعة شخصية أو وعي معرفي بمدلول (لا) سياسيا، إنما كان تصويتا تلبية لنداء القيادات الدينية الكنسية العليا، التي أوحت إليهم بأن القول بلا هو معارضة مقدسة لخيار التيارات الإسلامية التي صوتت بـ (نعم)، كي لا تتحول مصر إلى دولة يحكمها الإسلاميون.

وبعملية حسابية بسيطة نستطيع من خلالها أن نفرز جميع الأصوات فنخرج من قالوا (نعم) تلبية لنداءات التيارات الإسلامية جانبا، وكذلك نخرج الذين قالوا (لا) جانبا من المسيحيين الذين كان تصويتهم بـ (لا) تلبية لتوجيه قادة الكنيسة، فكم يا ترى سيكون عدد الذين قالوا (لا) عن قناعة شخصية ووعي سياسي حقيقي؟ وكم يا ترى سيكون عدد الذين قالوا (لا) من الذين تعلمنوا وتمقرطوا وتمدنوا وتلبرروا وتنوروا؟، الجواب: لن نجد منهم نسبة تذكر رغم ذلك الحشد والتجييش الإعلامي الذي كان يقف وراءه دعاة الليبرالية والديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية، وهذا يؤكد بكل وضوح وجلاء أن نتائج الاستفتاء كانت صفعة قوية على وجوههم لضحالة أفكارهم وتجاهلهم للشارع المصري وانعزالهم عنه وتجاهل الشارع المصري لهم وانعزاله عنهم، صفعة قوية لهم على أنهم كانوا يخاطبون الشعب المصري من برج عاجي وبنفس الطريقة التي كان يخاطب بها الرئيس السابق حسني مبارك الذي كان يحتقر المصريين ويحتقر معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم ورموزهم وينظر إليهم من علِِ، صفعة قوية لهم على عدم نزولهم إلى الشارع المصري واختلاطهم بملايين البسطاء وهم أكثرية الشارع المصري من الذين يقطنون الأحياء الفقيرة والأرياف والصعيد، صفعة قوية لهم على اكتفائهم بمخاطبتهم الشعب المصري من أمام كاميرات البرامج ومن خلال مقالات الصحف ومن داخل مكاتبهم المكيفة، فيا ترى هل سيفيقون بعد تلك الصفعة الموجعة؟ وهل سيعون الدرس على بساطته؟؟.

إن من المفارقات العجيبة والمدهشة ومن سخرية القدر في الوقت نفسه أن دعاة الديمقراطية والليبرالية والعلمانية والدولة المدنية رغم ما يمتلكون وما تحت أيديهم من آلة إعلامية جهنمية ضخمة ليس لديهم أي تأثير يذكر في جموع المصريين مقارنة بالتيارات الإسلامية التي لا تمتلك صحيفة واحدة ولا برنامجا واحدا في أية فضائية من فضائياتهم، بل إنني أجزم وأقطع بأن خطبة جمعة واحدة من شيخ سلفي أو إخواني أو أزهري أو من أي تيار إسلامي لها من التأثير والقدرة على الإطاحة بكل ما كتبه وقاله وألفه وفكر به دعاة العلمانية والليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية عبر عشرات السنين، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا غائب عن الوعي أو مغيب عن الحياة.

وينبغي علينا أن نفرق بين الفكرة في ذاتها أية فكرة تدعو إليها أي جماعة بشرية، وبين دعاة الفكرة وحملتها، فدعاة الفكرة وأصحابها قد يسيئون إلى الفكرة ذاتها على أهميتها وضرورتها، ومن ثم يعافها الناس ويلفظونها، بسبب سوء عرضها من قبل دعاتها، وهذا بالضبط ما فعله ويفعله دعاة الليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية في مصر، فهم كانوا وما زالوا عامل رئيسي وفاعل في تقسيم مصر على أساس ديني وليس التيارات الإسلامية كما يعتقد معظم الناس، إن دعاة العلمانية والليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية هم في مأزق حقيقي لا يحسدون عليه، بل إنهم يمثلون عقبة كأداء أمام وعي عموم الشعب المصري بمدلول وحقيقية وأهمية الدولة المدنية، ومن هنا أقول ينبغي على دعاة الدولة المدنية إن أرادوا أن يرفعوا من وعي الشعب المصري تجاه الدولة المدنية وأهميتها أن يعيدوا النظر في أفكارهم بشكل جدي وعملي، وكذلك في آليات تواصلهم مع جموع الشعب المصري كله، وكذلك في لغة خطابهم، وعليهم أن يعيروا اهتماما كبيرا للحساسية الدينية للشعب المصري، وأن يحترموا معتقداته ورموزه وعادته وتقاليده ومقدساته حتى وإن لم يتفقوا معها، وأن يحترموا مشاعره الدينية، فالشعب المصري لدية قابلية مفرطة للاستثارة الدينية، وإن لم يتنبهوا لهذا فسوف ينقرضوا من المشهد السياسي والثقافي والفكري والإعلامي المصري كما انقرضت اللغات الميتة ويمسون مجرد نقش على حجر عتيق) انتهى.

ومن أحسن قولا من الأستاذ (عماد الدين حسين) في مقاله الصادر صباح اليوم (الجمعة الموافق 14 / 10 / 2011م) في جريدة (الشروق) تحت عنوان: (مغزى عودة حسام كامل)، الذي قال فيه:

(قواعد اللعبة الديمقراطية تحتم علينا أن نتقبل بصدر رحب فوز الدكتور حسام كامل برئاسة جامعة القاهرة بحصوله على 51 صوتا مقابل 31 صوتا لمنافسه الدكتور محيى سعد.
الدكتور حسام كامل كان محسوبا على النظام السابق، وعندما استشعر الحرج قدم استقالته لكن الحكومة رفضتها مرات كثيرة، ثم قبل الاحتكام للعملية الديمقراطية، واستطاع أن يعود رئيسا للجامعة بصورة لم يكن يتخيلها فى أكثر أحلامه وردية، لأنه عاد منتخبا وليس بهذه «الواسطة» أو هذا «التقرير».
لكن إذا ونحن فى كل الأحوال لا نناقش شخصيته أوعلمه كنا نقبل بعودته إيمانا بالديمقراطية، فإن قواعد اللعبة السياسية تحتم علينا توجيه أقسى نقد ممكن للحكومة والمجلس العسكرى، بل ولبعض الحركات المعارضة، هذه الأطراف الثلاثة استهلكت الوقت وتفننت فى إضاعته حتى نصل إلى موقف يتكتل فيه الكثير من فئات الشعب لإعادة الكثير من رموز الحزب الحاكم عبر صندوق الانتخاب.
لو أن الحكومة أوفت بوعدها وأقالت كل رؤساء الجامعات فى أول أغسطس الماضى، عندما كانت الروح الثورية فى أوجها، ما كنا قد وصلنا إلى هذا اليوم، بل إن هناك تقارير أن ضغوطا ــ بعضها حكومى ــ تمت ممارستها على بعض رؤساء الجامعات كى لا يقدموا استقالاتهم باعتبار أن القائم بأعمال رئيس الجمهورية هو الذى يعينهم، وبالتالى هو الذى يقيلهم.
السيناريو الذى حدث منذ بداية الثورة وحتى الآن يوحى بكارثة مقبلة، خلاصتها أن هناك لعبة جهنمية ـ لا أعرف أن كانت حدثت بالصدفة أم تم الترتيب لها ـ هدفها تكفير الناس بكل ما يمت للثورة بصلة.
وللأمانة فإن بعض الثوار ـ أو حتى المحسوبين على الثورة زورا وبهتانا ـ لعبوا دورا غاية فى السلبية فى الإساءة للثورة خصوصا بعد اعتصام 8 يوليو وعدم فضه فى الوقت المناسب، والتفنن فى إغلاق ميدان التحرير، ومحاولات الصدام المستمر مع القوات المسلحة، وأخيرا اللغة المتعالية من بعض الشباب ضد فئات كثيرة من الشعب المصري.
الأخطر أنه وإذا لم يقتصر الأمر على الجامعات فقط، فإنه قابل للتكرار فى أماكن أخرى خصوصا فى الانتخابات البرلمانية التى انفتح باب ترشيحها قبل يومين، وشهدت هجوما من المحسوبين على الفلول.
يسأل كثيرون: إذا كانت الثورة وممثلوها قد فشلت فى التأثير على أساتذة الجامعات والمثقفين فى إعادة انتخاب شخص محسوب على النظام القديم، فهل ستنجح فى التأثير على قطاعات شعبية كثيرة ليس لديها وعى سياسى كافٍ، ولا يشغلها جدل النخبة بل لقمة العيش والمرتب واسعار السلع.
الوقت يمر تماما.. وهناك فرصة أن تتنبه قوى الثورة إلى عدم الانجراف والسقوط فى الفخ الذى ينصب لها كل مرة وللأسف تقع فيه، من أول التجاذبات والمعارك بين التيارين الليبرالى والإسلامى ونهاية بفخ الفتنة الطائفية.
لو استمر السيناريو بنفس اندفاعه الراهن فإننا قد لا نستغرب إذا شهدنا مجلس شعب مقبل يطالب بالقبض على ائتلاف شباب الثورة بتهمة العمالة لصربيا أو بوركينا فاسو!) انتهى.


نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 0164355385 _ 002
إيميل: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الانتخابات
صلاح الساير ( 2011 / 10 / 14 - 20:28 )
الاستاذ نهرو طنطاوى المحترم
كل الكلام الذى تفضلت بةرائع ولكن ستتعب انت والمسلمين وسوف تندم على اليوم الذى انتخبت بة
الاسلاميين لماذا؟...بعد ان ينتصروا فى الانتخابات سوف ينقسموا الى احناف وحنابلة وشوافع
ومالكى ومتصوفة كلا يطلب لة وزارة وتتسع الفجوة تتحول الى مفخخات ومسدسات كواتم الصوت
ويزداد الفساد الادارى والمالى وبعدها تترحم ل حسنى مبارك00
شكرا مع التقدير


2 - كلام منطقى ولكن
Amir_Baky ( 2011 / 10 / 14 - 20:49 )
الغريب فى الشعب المصرى أنه يدعى التدين رغم أن المؤمن لا يلدغ من نفس الجحر مرتان. فكيف أنتخب نفس الأفعى التى تلدغنى؟ ففى الصعيد مثلا يصرخ الصعايدة من التهميش و أصبح الصعيد منفى للمدرس و الضابط و المحافظ الفاشل. وهذا بسبب سياسات الحزب المنحل. والآن رموز نفس الحزب هم اللذين يترشحون هناك و سيكسبون. سيدى الكاتب هل تعتقد أن هذه الظاهرة مفهومة؟ وهل مبدأ اللى نعرفه أحسن من الذى لا نعرفه هو السائد الآن. المشكلة ليس فى ليبراليين أو علمانيين أو سياسة تعالى. المشكلة فى ثقافة شعب كل تاريخه كان محكوم من غير مصريين. فجمال عبد الناصر هو أول مصرى يحكم البلد وهو من العسكر. فيمكن أن تقولها بصراحة أنه لم يوجد مصرى مدنى حكم مصر. فدعاة الليبرالية و المدنية ينحتون فى صخر الثقافة المصرية التى تكونت على مدار قرون من الزمان لتحقيق حلم لم يحدث لمصر أصلا


3 - روعة
ابراهيم المصرى ( 2011 / 10 / 15 - 03:39 )
اهنئك سيد نهرو الحكيم على هذا المقال ولكنى اعيب عليك ذكرك للنخبة المثقفة اكثر من مرة دون ان تنبة القاريء انها ليست كل النخبة المثقفة فى مجتمعنا فهى فصيل تربت على تقاسيم النظام الفاشستى المسقط فكانت تدافع عنة وتبرر مساوئة وقبحة لذا ينكرها معظم شعبنا ولايثقون بها وكم اتمنى ان ينزل بعض ممن يثرثرون فى الصحف والفضاءيات للانتخابات القادمة ويورونا هيحصل الواخد منهم على كم صوت؟ انهم منعزلون ولايعرفون مكوناتنا الفكرية كما ذكرت واتمنى ان تاتى الانتخابات ببيئة وسياسات جديدة تفرز وتظهر النخبة الوطنية المثقفة الحقيقية المستلهمة لتراثنا والقادرة على ىتحقيق النهضة وارجو منك سيدى ان تعطى للجانب الاقتصادى دورة فى تشكيل الوعى والطبقة لانى استشعر اغفالك لة دوما فى كتاباتكم اللتى احرص على فراءتها ولااخفيك انى اتعلم منها وبالاخص الكتابة الاسلامية


4 - لكل حقيقة وجهان
رشا احمد ( 2011 / 10 / 15 - 14:56 )
السيد المحترم كاتب المقال
وجدت فى مقالك الكثير من الاراء احادية الفكر اما لانك لا تقرا الاحداث بشكل جيد او لانك تضل من يقرا لك عن عمد
فى بداية المقال ذكرت ان للمصريين القدرة على وضع اى احد تحت الحذاء حتى لو قدم لهم العسل وتناسيت تماما ان المصريين شعب عاطفى لا يحتكم الى العقل فى كثير من اموره وانا هنا اتحدث عن عموم الشعب وليست نخبه الثقافية او مريدى السلطة منه -وليس تعاطفهم مع الرئيس السابق فى احد خطبه بعد قيام حركة 25 يناير ببعيد-
اما عن النكسات التى تعرض لها ادعياء الليبرالية ومؤيدى الدولة المدنية والانتصار الكاسح للاسلاميين حتى وقتنا هذا فلعل من ابرز اسبابه واولها هو التمويل الخارجى .ولا يخفى عليك حجم الاموال المدفوعة لاسقاط مدنية الدولة والعودة بها الى العصور المظلمة بسرعة الصاروخ
مازلت تسمى ماحدث فى يناير بانه ثورة وللحق اقول اننى لم ار الى الان ثورة لا يحكمها ثوارها والا ماذا يفعل المجلس العسكرى فى الحكم بتكليف من الرئيس السابق ؟
واخيرا من يدعو لليبرالية هو بالفعل لا يهمه الدين او الجنس او العرق مثلما يفعل اصحاب اللحى سواء مسلم او مسيحى
تقبل مرورى

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah