الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات والنساء وتقسيم الشعوب

نوال السعداوى

2011 / 10 / 18
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



سافرت إلى إيران لحضور مؤتمر طبى، قبل أن يطير إليها الخمينى من باريس، لإجهاض الثورة الشعبية الإيرانية التى انفجرت ضد النظام عام ١٩٧٩، وتحويلها من ثورة سياسية اقتصادية اجتماعية تنشد العدالة والحرية والكرامة للفقراء والنساء وكل الشعب،

إلى ثورة دينية إسلامية تنشغل بملابس النساء ولحى الرجال وتركيب الميكروفونات على مآذن الجوامع وإشعال الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة والمسلمين وغير المسلمين.

أذكر أننى تسللت من وراء أجهزة الأمن فى قاعة المؤتمر الطبى العقيم الذى كان يتحدث عن وسائل تعقيم النساء والرجال، وانطلقت إلى الشارع لألتقى الثوار، منهم الكاتب جلال آل أحمد وزوجته الدكتورة سيمين دانشوار،

الكاتبة وأستاذة فى جامعة طهران، كان طلاب الجامعات وطالباتها فى تلك الأيام قبل اشتعال الثورة بفترة قصيرة يعقدون اجتماعاتهم السرية فى البيوت أو المطاعم أو تحت الأرض، يجهزون للثورة بعيداً عن عيون جلالة الشاه والسافاك البوليسية، السجون ممتلئة بالشباب والشابات، ممن قرأوا كتابات جلال آل أحمد وسيمين دانشوار وغيرهما من الكتاب المعارضين للشاه والاستعمار، صودرت كتبهم فى إيران، لكنها انتشرت خارج البلاد.

فى أحد المطاعم الشعبية جلست مع عدد من الطلاب والطالبات، كانوا يتحدثون عن الدكتور مصدق، رئيس الوزراء، الذى قام بتأميم البترول الإيرانى عام ١٩٥١، مما ضرب المصالح الاستعمارية البريطانية والأمريكية فى إيران، بالإضافة إلى مشروعه للإصلاح الزراعى وتحديد ملكية الأراضى، تآمر ضده الشاه وقوى الاستعمار، تمت إقالته من منصبه عام ١٩٥٢ فثار الشعب ضد الشاه مما اضطره إلى الهروب خارج البلاد،

ثم عاد إليها بقوى الاستعمار وفلوله فى الداخل، تمت محاكمة مصدق وعاش سجيناً حتى مات عام ١٩٦٧، انقضت عشر سنوات بعد موته، يختزن فيها الشعب الغضب ويعانى الفقر والقهر، حتى انفجرت الثورة الشعبية الكبرى ١٩٧٩ فهرب الشاه ولم يجد بلداً يؤويه، حتى أمريكا التى أفقر وقهر شعبه من أجلها تخلت عنه، لم يجد له قبراً يدفن فيه إلا فى مصر.

حاول الاستعمار كعادته مع فلول الشاه إجهاض الثورة التى كانت تهدف إلى تحرير إيران وبترولها من القبضة الأمريكية البريطانية، والقضاء على الفساد والفقر والاستبداد، استخدم الاستعمار أداته السحرية (الدين) فى تحويل الثورة الشعبية الاقتصادية السياسية الاجتماعية الديمقراطية إلى ثورة دينية تقوم على الاستبداد والطاعة العمياء (للخمينى وآية الله)، وإراقة دماء الشعب تحت اسم الكفر والتكفير.

ما حدث للثورة الإيرانية يتكرر بالنسبة للثورة المصرية اليوم، بدأت الثورة فى مصر سياسية اقتصادية اجتماعية من أجل العدالة والحرية والكرامة للفقراء والنساء وكل الشعب، ثم ما لبثت القوى الاستعمارية الخارجية مع فلول النظام السابق يدعمون ويمولون رجال الدين من سلفيين ووهابيين وصوفيين وسنة وشيعة وغيرهم،

وكما طيروا الخمينى من باريس إلى طهران طيروا القرضاوى والسلفاوى إلى ميدان التحرير، وتغلبت اللغة الدينية السلفية على كل الساحة السياسية والإعلامية فى مصر، يدلنا تاريخ الثورات فى الغرب والشرق، من الثورة الروسية إلى الأمريكية إلى البريطانية إلى الفرنسية وغيرها أن ورقة الدين والفتن الطائفية لعبت دوراً أساسياً فى إجهاض الثورات عن طريق تقسيم الشعب، وإقصاء الأغلبية الثورية،

النساء والعمال والفلاحين عن المشاركة فى تحقيق أهداف الثورة، تحت شعارات دينية، متناقضة، ترفع النساء والفقراء والشهداء إلى السماء فى الخطب فقط، ثم تهبط بهم إلى حضيض الأرض فى الفعل والواقع والقانون، يعلن الإعلام أن المرأة هى الأم المقدسة،

الجنة تحت قدميها، ثم يلقى بها وطفلها فى سعير الجحيم، بسبب جريمة الأب النذل، بلغة نزار قبانى الشاعرية، يضرب الحكام فى بلادنا المثل السيئ لرجالهم من الشعب، بأحد الملوك العرب الذى ينتهك عذرية فتاة صغيرة كل شهر حين يصبح القمر بدراً، ثم يطردها فى اليوم التالى مع مبلغ من المال. إن ولدت طفله بعد الشهور التسعة لا يعترف به ابناً شرعياً.

تأتى الثورات الشعبية بنسائها وشبابها وعمالها لتضرب النخب الثقافية والاقتصادية وملوكهم ورؤسائهم، تسقطهم عن الحكم كما حدث فى الثورة التونسية والمصرية والإيرانية والروسية والأمريكية والبريطانية والفرنسية، لكن سرعان ما تتعاون قوى الدولة والدين، فى الأرض والسماء وما بينهما، تلتحم فلول الداخل والخارج لتجهض الثورة،

فتضرب أول ما تضرب نساءها وفقراءها، لا يفضح المستور فى الحاضر إلا المكشوف فى الماضى، وعلينا دراسة تاريخ الثورات لنحمى ثورتنا من الإجهاض أو الانزلاق إلى قاع البئر العميقة.

كنيسة واحدة لم تحترق طوال أيام الثورة المصرية، امرأة واحدة لم يتحرش بها أحد طوال أيام الثورة، شعار واحد دينى لم يرتفع طوال أيام الثورة، لكن الآن تحولت السياسة إلى مباراة دينية بين السلفيين والصوفيين والإخوان والأخوات والشيعيين والسنيين وأحزاب دينية جديدة تحت أسماء عجيبة لم نسمع بها ولا نعرف من أين هبطت علينا من كوكب فضائى أو من بطن الحوت، لا نعرف من أين تأتيها كل هذه الأموال والفضائيات والتحالفات،

ومن جعل أصحاب اللحى الطويلة المستعارة نجوم الشاشة ابتداءً من الشيخ الشعراوى حتى الشيخ السلفاوى زعيم السلفيين، ومن يدعو اليوم إلى تقسيم مصر (كالسودان) إلى جنوب مسيحى وشمال إسلامى، ألا تتوحد صفوفنا اليوم كما توحدت أيام الثورة وننجح فى ضرب الثورة المضادة كما نجحنا فى عزل مبارك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقاڵة واقعية
طاهر حاج حسن ( 2011 / 10 / 18 - 20:22 )
مقاڵة واقعية بکل معاني الکلمة، شيئ الوحيد في کل الثورات لحد الان هو نقص في الوعي الطبقي، هذا النقص تعطي للجلاد ان ياخذ بزمام السلطة. حتی زالک الحين تبقی الطبقة العاملة لا تعرف المصالح الطبقية و الاهداف التي تناضل من اجلها، تبقی زمام الحيات بيد .الطبقة المستغيلة. مع احلی تمنيات لدکتۆرة نوال السعداوي، انتي تستحقي اجمل التقدير


2 - ذهبوا بغنمي واوجعتهم سبا
عبد الله اغونان ( 2011 / 10 / 19 - 02:19 )
ما اسهل الجلوس في المكاتب وكتابة المقالات وشن الحروب اللفظية وكتابة قصائد الهجاء وتبرير الكسل السياسي والهزيمة وفقدان المصداقية والحنين الى زعماء الانقلابات
كثرالمحللون والمتباكون على اطلال الاوهام وكل يدعي انه الحكيم الذي يملك الترياق .ينقصكم ان تقنعوا المرضى بالعلاج.عندما تفهمون مشاعر الشعوب
وتستمعون الى نبضهاوتحترمون خصوصياتها انذاك ستكتسبون من يستمع اليكم.
الميدان امامكم مارسوا الدمقراطية التي تتشدقون بحبها التاريخ سيحكم لكم او عليكم .هل النقابات المصرية مثلا مجموعات اميين ومغفلين حتى يتركوكم ويعطوا ولائهم لخصومكم.الايام القادمة ستعطيكم الجواب.


3 - الثورة هدم وما بعدها بناء
أسماء ذات النطاقين ( 2011 / 10 / 19 - 16:22 )
في الثورة يحاول الثوار هدم جميع المظاهر التي أهانت إنسانيتهم ، وحطت كرامتهم وهزت أمنهم ، لكن البناء صعب جدا ، لأنه يحتاج إلى دعائم وأسس متينة ، حتى لا يكون معرضا للسقوط في أي فترة من الفترات ، ومن بين الدعائم القوية التي تعطي للبناء قوته ومتانته الدين ولكنه أفيون الشعوب كما يقول كارل ماكس ، فقد يستخدمه الحاقدين سبيلا لتعدد الطوائف واشعال الفتن في الشعب الواحد ، مما يعرقل عملية البناء ، وبالتالي تصبح عملية البناء أصعب كثيرا من عملية الهدم


4 - هل لنا من عبد الناصر جديد؟
سامي المصري ( 2011 / 10 / 19 - 18:01 )
عظيمة يا نوال، دائما تضع الحقائق لتنير الشعب المغيب بأسلوبها السهل الواضح... إن ما تعانيه مصر اليوم هو من نفس الأسلوب الحقير للاستعمار الأمريكي في تدمير وإرهاب الشعوب مخفيا نفسه وراء الدين المتأسلم المفسد.. لقد نجح عبد الناصر فيما لم يستطعه مصدق العظيم، في أن يخطف من الاستعمار القذر مصر ليعطيها فرصة للحياة لمدة 15 عاما... خلالها تحالفت كل قوى الشر ضده لتمزقه هو ومصر والمصريين في عام 1967.. وذلك أعطى الفرصة للسادات ليبيع نفسه ومصر بكل خيانة للقوى الوهابية الصهيونية الأمريكية المشتركة، بينما الكثير من المثقفين في غيبة وموات كامل وعدم إدراك لحقيقة المرحلة. وأخذنا السادات في خط هابط إلى أن سلمتنا قوى الشر ليد مبارك وعصابته الذي نزل بمصر وشعبها إلى أعماق مخيفة... وقامت الثورة العظيمة، ومرة أخري تتخاطفها قوى الاستعمار لتسلمها ليد من لا يرحم ليثير الإرهاب والرعب في الشعب المصري، لينتزع من مصر حقها في الحياة ... هل لنا من عبد الناصر جديد؟ وهل لمصر أم الحضارات من خلاص من بين براثن قوى البغي التي يطلقها الاستعمار ليبتلعها؟ لكي يا مصر سلاما .. تحية للعظيمة نوال في إدراكها الواعي؛

اخر الافلام

.. تفاصيل تغيير كسوة الكعبة .. لأول مرة المرأة السعودية تشارك ف


.. لحظة انتشال امرأة أوكرانية على قيد الحياة من تحت أنقاض مستشف




.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح حكم -ذهاب المرأة المتزوجة ل


.. رئيس الوزراء: سنعمل على تعزيز دور الشباب والمرأة في كافة الم




.. لبنان.. دراسة لمؤسسة سمير قصير تؤكد تعرض 37% من الصحفيات للت