الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل العظيم هو دور تاريخي

مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي

(Magdy Abdel-hadi)

2011 / 10 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يشكل الرجل العظيم ظاهرة متخارجة وواقعها، بكافة معاني هذا الواقع جغرافياً وتاريخياً، بل هو دائماً وبالضرورة إبناً باراً بهذا الواقع، من حيث محايثته له، وولوغه فيه، واندماجه به.

فلا يكون هذا الرجل العظيم عظيماً إلا بقدر ما يتماهى واتجاه الحركة التاريخية، وقوانينها الحاكمة في إطار واقعه المُعين، حيث تُناط هذه العظمة بمدى وعيه باتجاهات هذا الواقع، ومتطلباته التاريخية، وبمدى موضعة هذا العظيم لذاته ومُجمل فعاله ضمن السياق والاتجاه العام للحركة التاريخية، بما يدفعها قدماً على طريق التقدم الاجتماعي والإنساني.

وكثيرة هى النظريات التي صيغت في مفهوم البطولة، وفي معنى العظمة، وقد بلغ الشطط ببعضها أن تفسر التاريخ على ضوء البطولة، فترى التاريخ موضوعاً للإرادة البشرية للأبطال والعظماء والأقوياء، من سياسيين وعسكريين وفلاسفة ومفكرين ورجال دين، مُلغية لكافة القوانين الفاعلة والصانعة لذلك التاريخ، ومُختزلةً إياه من ملحمة عظيمة من العوامل والضرورات والتفاعلات المتعارضة والمتشابكة، إلى رغبات وأهواء وسجايا، كذا محاسن ومثالب هذا أو ذاك من الملوك والحكام!!

وعلى جانب آخر إشتط بعضهم باتجاهه للجبرية المُطلقة، المُتجاهلة لأي فاعلية إنسانية، فالإرادة البشرية لا دور لها، ولا أهمية لعبقرية أو بطولة مفكر أو زعيم، فما هو سوى أداة صماء بيد عمياء، يتجسد مسارها وأدائها في النهاية في الصيرورة التاريخية المُحددة سلفاً، ليس بغائية مُسبقة، بل بقوانين وحتميات مادية صارمة، لا تعرف للإنسان دوراً ولا ترى له آثراً!!

وكما أن الفضيلة هى وسط بين رذيلتين، والعدل وسط بين ظلمين، فالحقيقة وسط بين شططين!! فالحقيقة أن التاريخ ليس بتلك البساطة ليُختزل في معادلات من الدرجة الأولى، وبحيث يصبح إما بلا قانون، فتتلاعب به المصادفات من أهواء ومطامح وسجايا بشرية من جهة، أو يصبح مساراً حديدياً لا يملك له ولا فيه البشر، فعلاً ولا آثرا ً من جهة آخرى!!

فكما أن للتاريخ قوانيناً وجدليات واقعية، فإن للفعل البشري المتوائم معه دوره الحاسم في كثير من الأحوال، وقد يعمل الإثنان بتناغم، كما قد يتعارضا، وهنا تتمايز الدرجات وتتباين الفروقات، فالضرورات المادية والجدليات الإجتماعية يبقى لها الحسم على المدى الطويل، فلا يؤثر غياب البطل سوى في تأخير إنجاز المهمة التاريخية المُعينة، أو إنجازها على وجه آخر من النقص أو القصور، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، قد تتيح هذه التفاعلات الاجتماعية ذاتها لفرد إمكانية التغيير في الخصائص والملامح الذاتية لظاهرة تاريخية معينة، وبحيث تتلبس تلك الظاهرة ببصمة واضحة مميزة لهذا الفرد، بما يميزه خاصةً من أهواء وسجايا، وذلك بحكم ما قد تتيحه – تلك التفاعلات الاجتماعية - له من قوة طاغية مُتفردة، ناجمة عن طبيعة علاقات القوة المُنبثقة عن العلاقات الإنتاجية والاجتماعية المعينة، والهياكل السلطوية والمؤسسية المرتبطة بها في المجتمع الذي يمارس ذلك الفرد سلطته فيه.

وهكذا يلعب المفكر والزعيم التاريخي دوره ضمن شروط وظروف تاريخية موجودة ومصنوعة سلفاً، وما عليه سوى إدراك دوره التاريخي بتلمس ووعى الضرورة التاريخية والعمل بمقتضاها، وفقاً لقيم التقدم الإنساني والاجتماعي، فليس الرجل العظيم بصانع لتاريخ – رغم أن هذا صحيح بدرجة ما وعلى مستوى معين من المقاربة التاريخية – بقدر ما هو دور تاريخي.

وهذا الدور التاريخي هو نقطة الإنطلاق الدائمة في فهم ودراسة الرجال التاريخيين، حيث من خلاله تتسنى معرفة ضرورتهم، وكيف استقاموا بأعباءهم وتحملوا مهامهم، كذا كيف كان آثرهم الخاص والشخصي - بفكرهم وممارساتهم - في التاريخ، في سياق فعلهم في الدور التاريخي الذي اضطلعوا به، كمسئوليتهم التاريخية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال