الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل الذات بين وهم المثقف وواقعية السياسي

محمد ماجد ديُوب

2011 / 10 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من نافل القول أن جدل هيجل وجدل ماركس كلاهما صحيح كل من وجهة نظره المغايرة للأخرى ولكن إن بقيا جدلان منفصلان سيبقى الخلاف بينهما مستمراً حتى نهاية الوجودلأن كلاً منهما يعتمد أولية خاصة به ,فجدل هيجل يعتمد أولوية الأ فكار وجودياً بينما ماركس يعتمد أولية المادة وجودياً والخلاف بين الأولويتين يشبه كثيراً الخلاف حول أولوية البيضة أم الدجاجة ولاعجب أن ديكارت يقول مناصراً أولوية هيجل بقوله الشهير أنا أفكر إذاً أنا موجود (مبدأ الكوجيتو )في حين أن العلامة إبن سينا وقبل الإثنين بزمن بعيد قال من هو هذا الأنا ؟ هل هو الكائن الموجود مادياً قبل الفكر أم أنا المفكر دون وجود مادي ؟

إلا أنه ومن المفارقات العجيبة أن يأتي الجواب من علم النفس الذي أقر بوجود الجدلين معاً وفي اللحظة ذاتها في هذا الكائن الحي المدعو إنسان على الرغم من إنفصالهما قبل ظهور الإنسان . فكيف يكون ذلك ؟

يثبت علم النفس مبدأ كوئه عالم النفس الفرنسي الشهير الذي يقول إذا حدث صراع بين المشيئة والإرادة فإن النصر حتماً للمشيئة وأظن أن الدكتور صادق جلال العظم قد إعتمد هذا المبدأ في كتابه الشهير نقد الفكر الديني والذي يبين فيه أن إبليس عصى الإرادة الإلهية ولكنه لم يعصِ المشيئة الإلهية وبذلك لايمكن إدخاله في خانة الكفار أو الأشقياء في يوم الحساب

هذا المبدأ يؤكد أن الجدلين هما في آن معاً موحدان في الذات الإنسانية بحيث يمكن القول أن الصراع في داخل الذات الإنسانية هو بين العقل والغريزة حيث يمكننا أن نعتبر وبصواب كبير أن العقل هو الإرادة والغريزة هي المشيئة

إن ما يسمى غريزة هو في الحقيقة مجموعة المكتسبات من اليبئة وضروراتها والتي تراكمت وتعززت عبر ملايين السنين كغرائز الأكل والشرب والتنفس والجنس وغيرها عبر تطور الحياة منذ ملايين السنين

إن التربية الفكرية إذا ما تعززت عبر بيئة متواصلة في ظروفها وشروطها تتحول إلى غرائز كما نجد عند كل البشر الذي يصبح الفكر العقائدي لدى كل منهم وكأنه مورٌث جينياً فكما تجد المسلم ينسى كل متطلبات حياته ويندفع كالمجنون عندما تتعرض عقيدته للنقد الجارح كذلك تجد من هم من عقائد مختلفة إلا أن كلمة الحق يجب أن تقال ففي كل المجتمعات المتسامحة في عمليتها التربوية تجد أن الحالة الغرائزية لديهم أقل حدة وبكثير إذا ما قيست بتلك الموجودة عند المسلم والسبب هو أن المسلم في تربيته يتعرض ومنذ طفولته لضخ عقائدي هائل مدعوماً بسلوكية( الصلاة الهامة والخطيرة في آن لما لها من دور في تعزيز الفكر الديني خمس مرات في اليوم ) والصيام والحج والشهادة لذلك نجد فتاوي كثيرة تنتشر كما النار في الهشيم كمثل تارك الصلاة كافر حتى بتنا نرى في مجتمعاتنا من يكفرون علنا من هم أمثالي من تاركي الصلاة والصوم ورافضين لمبدأ الحج الذي يحمل طياته نفاقاً ما بعده نفاق إذ أن المرء مهما ارتكب من معاصي وحج ولم يرفث عاد كيوم ولدته أمه وكذلك عن مغفرة الصيام المقبول

إن الفرد في مجتمعنا الإسلامي مازال يعاني من مشكلة الفصام في السلوكيات الشخصية فترى عقله في مكان وهواه في ماكن مغاير تماما لأن الهوى هو إنعكاس لمشيئته والتي هي ليست سوى فكرة استلبت لاوعيه وبالتالي غريزته ماتزال هي المنتصرة حيث لم يستطع هذا الفرد أياً يكن أن يتجرأ ويقوم بعملية تقييم وتقويم لمخزونه الفكري الذي تربى عليه فهو المقدس الذي لم يتجرأ على مقاربته حتى الساعة

إن ما تقدم يسمح لنا بمقاربة خطرة إلى حدٍ ما هذه المقاربة التي سيرى فيها البعض من أدعياء الثورة أو مؤييدها على النظم الحاكمة مساساً بهم بشكل لن يتحملونه

هذه المقاربة هي بين غرائزية المثقف وعقل السياسي وهنا سوف نجد أن الأمر سيكون معكوساً بإنتصار عقل السياسي على غريزة المثقف وسبب ذلك هو أن أنهما يوجدان في حالة إنفصال وليسا في وحدة واحدة لكي يفعل اللاوعي فعله وينحي الوعي حيث أن المثقف لايرى سوى أحلامه ويعتقد أنها هي الواقع بعينه بينما السياسي يرى الحقائق كما هي على الأرض ويتعامل معها بذاتها محاولاً التأثير عليها ودفعها بإتجاه أن تسير وفقاً لما يريد بعكس المثقف الذي لايراه كما هو بل يراه كما يحلم به ويريده أن يكون لذك نرى كتابات الكثير من المثقفين والذين بدأت تشغلهم السياسة هي أقرب لكتابات يرجون فيها أمراً ولكن الواقع أمر آخر

هذه الكتابات التي تفتقر في غالبتها لأبسط مقومات الرؤية السياسية بل إن معظهما يفتقد حتى للغة الحلم وينحدر إلى مستوى السباب والشتائم والتحريض الرخيص التافه في أحيانٍ كثيرة والأمثلة على ذلك كثيرة بل وقد تم سحب الأمر بإتجاه الحوارات على هذه الموقع المحترم حتى ليحسب المرء نفسه أنه لايقرأ صفحة على الحوار المتمدن بل يقرأ جريدة رخيصة صفراء وما سبب ذلك سوى أن بعض هؤلاء المثقفين وللأسف يعتقدون أنهم بمثل هذا السباب وتلك الشتائم سيصنع ثورة هي وإن حدثت فسترمي به خارج سياق حركتها كما حدث مع الكثير من مثقفي مصر وليبيا

إن غريزة المثقف هي حالة فردية ولكن لننظر وبدقة للحالة الغرائزية التي تجتاح الشرع المصري والليبي والتونسي واليمني وهنا الخطورة إذ أن الحالة الجماعية للغريزة هي حالة مدمرة لأن مخزونات هذه الجماهير من أفكار في لاوعيها الفردي والجمعي هو مستقى من تربيتها الدينية المتشددة والتي لاتستطيع قبول الأخر المختلف كما يحدث وللأسف الآن في مدينة حمص السورية حيث يتم تهديد من ليسوا على مذهب أو طائفة أو دين المتمردين بالرحيل عن المدينة أو التعرض للقتل ويتم بين الحين والآخر هجومات فردية أو جماعية محدودة بالأسلحة النارية وقذائف الأر بي جي على أحياء وبيوت هؤلاء المختلفين فكما إغتال برهان غليون عقله وترأس مجلساً إخوانياً فإن بعض أبناء بلده وعشيرته يحاولون إغتيال وطن

هنا يتضح الفرق بين غريزة المثقف وعقل السياسي فغريزةالمثقف ( شهوة السلطة ) انفلتت بعدوانية واضحة تريد إشباعاً غير آبهة بكم الضحايا أو بمصير الوطن برمته
أما العقل السياسي للسلطة في سورياً فأمر آخر تماماً فهي تعرف تماما( السلطة) كيف تدير اللعبة السياسية غير أبهة بمطالب إشباع شهوة المثقف لأنها تعرف أن السياسة هي ليست فقط فن الممكن بل هي أيضاً فن بناء القوة وفن إدارتها

هؤلاء المثقفون بدأؤوا يتبرمون من العرب والمجتمع الدولي ويتهمون العالم بالوقوف إلى جانب النظام وسبب ذلك لأن المثقف ليست السياسة لعبته والعالم لايتعامل مع الحالمين بل مع الواقعيين والذين يمتلكون القوة القادرة على أن تقول لهم لا عند الضرورة

ماذا يعرف هؤلاء المثقفون الحالمون عن قوة النظام العسكرية أو عن قوة تحلفاته المبنية على أسس إستراتيجية أو حتى عن قوته الشعبية أو قوته المالية وهنا أقول لهم اسألوا السيد أردوغان الذي رش مؤخرة مجلسهم بالماء البارد على حد تعبير طلال الخوري ما سبب ذلك الرش فلو كان بطلاً وصادقاً مع شعبه ومعهم لأجاب لكنه أجبن من ذلك وعرف أنه تم تعويمه لتحطيمه فسوريا لاهو ولاأسياده بقادرين على اللعب معها ومن لايصدق فلينظر إلى الداخل التركي ولير ما يجري جيداً وكم هو عمر ألباشا في السلطة والزمن القريب جداً جداًسيثبت ما نقول

هنا سوف ينبري البعض لكيل التهم والسباب والإفتراء بأن ما أكتبه هو تشبيح للنظام ولكن أتمنى قبل أن يقوموا بذلك أن يفهموا أني أكتب كسياسي يعرف الكثير الكثير مما يلزمهم معرفته ولايهمني من هو حاكم سوريا لأن ما يهمني أن تكون سوريا أرضا وشعباً بخير إذ لاضرورة لكي نعرف ما مدى قوة النظام أن نجبره على خوض حرب قد تأتي على الأخضر واليابس في الشرق الأوسط وأقسم بكل مقدسات الأرض أني لاأبالغ ولأأقول إلا بعضاً مما أعرفه

على المثقف أن يجعل في لاوعيه شيئا مختلفا عما هو موجود الآن وإلا فالكارثة ستحل عليه أولاً لأن شهوة السلطة في مثل الحالة السورية هي سلوك إنتحاري لامراء فيه
فهل ينتصر جدل الحياة على جدل الموت ؟؟سؤال مجرد سؤال برسم مثقفي المعارضة السورية وحدهم فقط لاغير

في المقال السابق ذكرت ماذا بعضاً مما يقوله قانون العامل (س) في الحراك العربي وأخذت الحالة السورية مثلاً أرجو أن يكون هذا المقال قد أكمل بقية ما يقوله هذا القانون في الحالة السورية ...ودمتم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بعد القراءة !!!
درويش السيد ( 2011 / 10 / 21 - 09:54 )
بعد القراءة ... تلاعبت بي الخواطر لأتسائل هل على المثقف لكي يكون واقعيا ف عليه الانخراط بمدرسة الواقع العاهر وحزف المسافة ( الواقية ) مع السياسي والتخلي عن سند ثقافته واقصد به حلمه / وهمه بنظر الكاتب هنا ؟, واتسائل ماذا ستكسب او سيبقى للثقافة من هذا المثقف الواقعي اي المدجّن المتخلي عن الحلم /الوهم ... لصالح الواقع / العهر ؟؟؟ , وبنفس الوقت ف أين هذا السياسي الواقعي /العاهر الذي يتحدث عنه المقال ؟ ... هل هو حقا مجردا من الوهم / الحلم ومجرد اداة واقع/عهر ؟؟؟ , وكيف نستطيع تقديم المساعدة هنا لهذا او لذاك اي للمثقف والسياسي لكي لايتلوث بهراء التذاكي والخلط ما بين الثقافة والواقع او مابين الثقافة والايديولوجيا ؟.


2 - أخي المحترم درويش
محمد ماجد ديُوب ( 2011 / 10 / 21 - 10:53 )
أسئلتك محقة ومشروعة وهي من كثير أسئلة لطالما شغلت بالي كثيراً إذ كيف نوفق بين السياسة والثقافة أو الثقافة والسياسة إلا أن الأمر الذي أراه أكيداً هو بعد المثقف عن المستوى المنحدر كثيراً لكي لاتصبح الثقافة أدب سوقي بكل ما في الكلمة من معنى والأكيد أن عالم السياسة هو عالم مصالح بغض النظر عن طموحاتنا المشروعة في رؤية عالم وردي .ألا ترى معي أن أدباءنا ومثقفينا أصبحوا موالين ومعارضين أبواق رخيصة وتحريضية للأسف عند هذه الجهة أو تلك ؟؟؟بدلا من يكونوا تنويريين يضيؤون دروب المستقبل نحو عالم أفضل بدون هذا السباب وتلك الشتائم التي تشي بموقف سياسي قذر له مآرب بعيدة جداً عن خدمة قضية أو هدف تنويري أكثر منه موقف ثقافي سياسي إنساني ولك كل الإحترام والتقدير


3 - الاستاذ محمد ماجد المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 10 / 21 - 18:42 )
تحية وتقدير
قرأتها صباحاً واعدت ذلك الان واجد انك فيها وتعني بصدق مستقبلها وتهتم بذلك
من يتهمك هم ال....لا استطيع اكمالها لشعورني انك ترفض ذلك
دع فيصل ونفاقه فعليه ان يناضل ضد سيدهم الهاشمي ويترك للشعب السوري القصاص ان اراد من المتأمرين عليه ممن يريدون تمزيقه ومن فيصل البيطار
اتمنى ان يتم تشكيل لجنه لتؤشر كتابات البعض اليوم وتسجلها بعد حين وتحيلهم لمحاكم الشعوب
هؤلاء الصغار لم يقدموا لشعوبهم شيء في يوم من الايام اتمنى ان يطلب منهم الانتحار بشرط تحرر شعوبهم سيجيبون نحن ها هنا قاعدون ...سيقولولماذا لا ينتحر جارنا
هولاء اشباه ح....لا شرف لهم ولا قيم ولا يفكرون بالشعوب بل يفكرون بالانتقام وهم لم يخسروا شيء من اهلهم وهم من سلموا رفاقهم الى الدكتاتور وتنعموا بموائد الدكتاتور الذي كان يعطيهم بيد وينكحهم في مكان اخر


4 - أخي العزيز رضا
محمد ماجد ديُوب ( 2011 / 10 / 21 - 21:22 )
لقد صدقت إن هؤلاء لايهمهم سوى تلبية غريزتهم الإنتقامية ولكن المؤلم أنهم ما زالوا يتاجرون بدماء غيرهم ولم يحسوا بالخجل من أنفسهم بعد. لك محبتي وتقديري

اخر الافلام

.. شاهد.. إماراتي يسبح مع مئات الفقمات وسط البحر بجنوب إفريقيا


.. الأمن العام الأردني يعلن ضبط متفجرات داخل منزل قرب العاصمة ع




.. انتظار لقرار البرلمان الإثيوبي الموافقة على دخول الاستثمارات


.. وول ستريت جورنال: نفاد خيارات الولايات المتحدة في حرب غزة




.. كيف هو حال مستشفيات شمال قطاع غزة؟