الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكرة الإصلاحية في (رسالة التوحيد) للشيخ محمد عبده

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2011 / 10 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تكشف (رسالة التوحيد) عن الكمون الإصلاحي الديني العميق في فكر الشيخ محمد عبده، وبالأخص ما يتعلق منه بإمكانية ارتقاء الإصلاح إلى تأسيس ما يمكن دعوته بالليبرالية الإسلامية، أي الفكرة التي تقر بجوهرية العقل والعقلانية والمصلحة الاجتماعية والحرية ونبذ التقليد والقبول بالشريعة الوضعية. وهي أفكار ليست معزولة عن اختمار الفكرة العقلانية والتنويرية والإصلاحية والليبرالية الآخذة في الانتشار النسبي والعميق بين النخب الفكرية والاجتماعية والسياسية آنذاك. بمعنى تكاملها المتراكم ضمن السياق العام لصعود الفكرة الاجتماعية السياسية والإصلاح الشامل وأهمية العلم والحرية والقانون بالنسبة لإعادة بناء النفس.
أما القيمة التاريخية والفكرية والروحية لأراء ومواقف الشيخ محمد عبده فتكمن بقدر واحد فيما يمكن دعوته بمنظومة الرؤية الفكرية وطاقتها الداخلية بوصفها منظومة ذاتية تلقائية. بعبارة أخرى، إن الفكرة الليبرالية الكامنة في الإصلاحية الإسلامية للشيخ محمد عبده تستمد أصولها وحدودها في الوقت نفسه من تراث الأمة العقلي. فإذا كانت الحدود الضيقة في جملة من المواقف مثل فكرته عن أن "العقل وحده لا يستقل بالوصول إلى ما فيه سعادة الأمم بدون مرشد الهي"، وان الدين "أقوى العوامل في أخلاق العامة، بل والخاصة. وسلطانه على نفوسهم أعلى من سلطان العقل الذي هو خاصة نوعهم"، وما شابهها، فإنها تبقى مجرد تصورات وإحكام وليست عناصر فعالة في منظومة الفكرة الإصلاحية. بمعنى انها تبدو في مظهرها محاصرة بقاعدة التكرار والاجترار للفكرة اللاهوتية عنه انه لا دين بلا عقل ولا عقل بلا دين، ولا دين بلا أخلاق ولا أخلاق بلا دين، فإنها تبقى في نهاية المطاف مجرد صيغة تقليدية لها أسسها الذاتية في التقاليد الإسلامية العقلية والأخلاقية المتسامية، التي لم يكن بإمكان الشيخ محمد عبده التحرر منها، لكنها تنحل وتتلاشى في تيار الفكرة الإصلاحية العقلانية وجوهرية الاعتدال. لاسيما وان الشيخ محمد عبده كان يدرك بان الدين لا يصنع بالضرورة عقول الأمم، كما انه ليس ضامنا للأخلاق. بل أن اغلب التجارب الكبرى للأمم الحية على امتداد التاريخ تدحض هذه الفرضية الخائبة. إلا أن قيمتها التاريخية في فكر الشيخ محمد عبده تقوم في محاولاتها استنهاض الطاقة العقلية والأخلاقية استنادا إلى تقاليد العرب والمسلمين الذاتية. وهي المقدمة الضرورية لتأسيس الفكرة الإصلاحية والليبرالية ايضا.
فالليبرالية هي أولا وقبل كل شيء تراكم الرؤية العقلانية والإصلاحية بمعايير التجارب الذاتية للأمم من اجل تثبيت فكرة النظام والحرية الوضعية. وهي الفكرة التي تتخلل من حيث الجوهر منظومة الفكرة الخفية الذائبة في "رسالة التوحيد"، بوصفها جزء من البحث عن بدائل نظرية وعملية محتملة، كمال نراها في افكاره عن رفضه الشامل للتقليد باعتباره مصدر الباطل والمضرة (العقلي والعملي). من هنا رفعه لمهمة العقل الكبرى بالنسبة للدين والدنيا على السواء، وجوهريته بالنسبة للنظر والعمل. بحيث نراه يرفع من شأن الفلسفة بوصفها أسلوبا معرفيا ومنظومة عملية إلى مصاف الذروة الضرورية بالنسبة للإصلاح ورفض التقليد. ومن وحدتهما أراد تقرير وتأسيس فكرة الإصلاح بوصفها مبدأ جوهريا في الدين الإسلامي، وحقيقة من حقائقه الكبرى. مع ما تحتويه من إمكانية التأسيس التلقائية لاعتبار "الروح الإلهي" روحا إنسانيا مترقيا في مدارك الإصلاح العقلي والأخلاقي، أو في مدارك تطهير العقل وتنزيه النفس. بحيث نراه يضع هذه الفكرة فيما يمكن دعوته بضرورة وعي الذات بالشكل الذي يجعل من نشاط الأمم صوب تطهيرها العقلي والأخلاقي مقدمة إبداع النظام الحقيقي في وجودها، أي إبداع نظام الوحدة المتنوعة. انطلاقا من أن الاجتهاد يطلب الكمال، والكمال يفترض الاجتهاد. من اعتباره رأي القائلين بالجبر "هدما للشريعة ومحوا للتكليف وإبطالا لحكم العقل البديهي وهو عماد الدين". من هنا بحثه في شخصية النبي محمد التاريخية والواقعية عن مثال قابل للاستلهام. وبالتالي نفي وتذليل التقاليد اللاهوتية الكسيحة التي جعلت من النبي محمد صنما ينبغي عبادته.
إن الحصيلة الفعلية للأفكار التي بلورها الشيخ محمد عبده في (رسالة التوحيد) ترمي إلى بناء منظومة الإصلاح العقلية والأخلاقية العملية الإسلامية. وفي هذا كانت تكمن بذور ما يمكن دعوته بالليبرالية الإسلامية. وهي المهمة التي لم يجر استكمالها في تقاليد الفكر النظري والعملي الإسلامي لحد لان، بوصفها الصيغة المكملة للفشل التاريخي الذي رافق صعود الفكرة الليبرالية الدنيوية، أو بصورة أدق بسبب مقتلها السياسي بفعل صعود موجات الشعبوية الراديكالية التي سادت التاريخ العربي الحديث والمعاصر. مع ما ترتب عليه من انحراف التقاليد الإسلامية العقلانية صوب التطرف والغلو والانغلاق، كما نراه في موجة الشعبويات الراديكالية (الأصولية). وكلاهما يصبان في مستنقع الانحلال والانحطاط. وهذا بدوره يعيد مهمة تأمل وتطوير الفكرة الإصلاحية التي بلور الشيخ محمد عبده منظومتها الأولية قبل قرن من الزمن باتجاه دفعها صوب تأسيس ليبرالية إسلامية حقيقة وفعالة في الوعي الاجتماعي والسياسي العربي.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية بعد أدائه -الكارثي-


.. أوربان يجري محادثات مع بوتين بموسكو ندد بها واحتج عليها الات




.. القناةُ الثانيةَ عشْرةَ الإسرائيلية: أحد ضباط الوحدة 8200 أر


.. تعديلات حماس لتحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسط




.. عبارات على جدران مركز ثقافي بريطاني في تونس تندد بالحرب الإس