الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوع خطير..؟!

ميرا جميل

2011 / 10 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وصلني من أحد المواقع التي أشارك في الكتابة فيها، طلب للمشاركة في موضوع "خطير جدا"(!!)يحمل عنوانا مثيرا: "هل سيدخل المسلمون وحدهم الجنة دون خلق الله ؟"
قرأت واحترت بين البكاء أو الضحك؛ قرأت مشاركات لبعض الكتاب حول الموضوع الخطير، فتغير إحساسي من الضحك أو البكاء إلى حيرة وقلق حول متاهات الوعي والعقل والاتزان عند الإنسان. فهل من الممكن أن يشغل هذا "الموضوع الخطير" مثقفين وأكاديميين في مجالات علمية، بدل مسائل الفيزياء، مثلا، أو الاكتشافات التي تغير مجرى العلوم، مثل اكتشاف جزيئات سرعتها أكبر من سرعة الضوء؟ أو موضوع الانفجار الكبير وتشكل الكون ؟ أو طرح بدائل لمجتمع الفساد، عبر رؤية حداثية لمجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية والتطور الاقتصادي والتعليمي والعلمي؟ أو إنجاز نظام ديمقراطي يضع الإنسان في رأس سلم أولوياته؟ أو رؤية ثقافية لبناء مجتمع يقرأ ويترجم ويجدد رصيده الثقافي، فلا يبقى غارقا في متاهات الماضي التي استهلكت بموضعها وبغير موضعها حتى السأم؟! مسائل كثيرة هامة جدا، وخطيرة جدا، تدفقت في ذهني وأنا أمنع نفسي حزنا من الضحك.
وصلت إلى كندا منذ سنة، كمحاضرة زائرة في جامعة "مكجيل" في مونتريال، وتجدد بقائي بسبب الاهتمام غير العادي بقضايا الشرق الفكرية والاجتماعية. وأعترف أن هذا الموضوع "الخطير" أثار، حين طرحته بدون تعقيب أمام طلابي، ضحكا صاخبا في القاعة، لم أتمالك نفسي إلا المشاركة بالضحك. ثم تراكمت الأسئلة والتعليقات، وشعرت في بعضها بمهانة أن أكون ممثلة لثقافة تعيش على فتات الخرافات والغيبيات. بل وسئلت أيضا: هل هذا الأمر يتمشى مع الربيع العربي؟
ونأتي للتفاصيل. السؤال الذي وجه لي للمشاركة بالكتابة عنه كان كالتالي:
صرح الصحفي بلال فضل بتصريحات خطيرة على تويتر، إذ قال : " كيف أؤمن برحمة الله، وأنا أكره مجرد الإقرار أن رحمته يمكن أن تسع جميع الذين عملوا الصالحات، وأن جنته يمكن أن تسع كل الأتقياء والمحسنين، فمن هو الأبله الذي يتصور أن الله خلق مليارات البشر لكي يلعبوا دور الكومبارس في تمثيلية مشهد النهاية فيها أن يدخل المسلمون فقط إلى الجنة ؟ " .
والآن نضع هذه القضية الخطيرة بين أيديكم، لكي نستمع منكم إلى ردود علمية وموضوعية بعيدا عن الأسلوب الإنشائي أو الأسلوب الانفعالي .. نريد أجوبة حاسمة لكي نرد بها على مثل هذا الكلام الخطير .
انتهى الإقتباس.
وجاء ردي بعد تردد: المؤسف أن موضوعا سفسطائيا يشغل هذا القدر من الحوار. فقضايا الإنسان على وجه الأرض هي المواضيع الهامة، وهي التي تحتاج إلى قدر من الوعي لمعرفة الصواب من الخطأ والصحيح من الضلال، في إقرار مناهج سليمة لإدارة شؤون المجتمع والرقي بالإنسان.
مثل هذه الأسئلة تشغل عقول البسطاء بقضايا فوقية غير ذات بال. افعل لآخرتك كأنك تموت غدا، أي تصرف بما يليق بصفتك البشرية. تصرف كانسان. الجنة هي موضوع رمزي، والويل لنا إذا توهمنا بأننا نعرف عنها أكثر مما نعرف عن واقعنا اليومي. إن الطرح الديني جاء من باب الترهيب والترغيب، أي لم يكن دافعا معرفيا، إنما دافعا أخلاقيا.
من المؤسف أن ينشغل عشرات "المثقفين والمتعلمين" بهذا الموضوع "الخطير"، واعطائه صفة العلم، بينما هو موضوع بائس في مقياس العقل المتنور. ويروقني بهذه المناسبة أن يكون ردي بحكاية سمعتها في روايات عديدة، وها أنا أقدم صيغة جديدا للحكاية، بدل الثرثرة بلا معنى:
وقف احد الملائكة ( كل طائفة تسمي ملاكا حسب ما يريحها) على باب السماء، يستقبل الناس الصالحين الوافدين إلى الجنة. فطلب الملاك من الشخص الواقف في الدور : عرف نفسك وأذكر أفعالك. فقال الرجل: أنا مسلم سني، فعلت الخير كل عمري، لم أفوت فريضة، ولم أرتكب ما يشعرني بتأنيب الضمير. كنت مثالا للإنسان الصالح ، والمنفذ لكل تعاليم الدين. فقال له الملاك بعد أن فحص أوراقه الثبوتية وسجله العدلي: تفضل ادخل واذهب إلى غرفة 168 ولا تلتفت إلى بقية الغرف في الطريق، رغم الضجة والصخب التي في داخلها.وهكذا دخل الرجل سعيدا إلى 168، وهو يكاد يطير من الفرح.
ثم جاء دور مسلم شيعي، فطلب منه الملاك، مثل سابقه، تعريف نفسه وذكر أفعاله. قال: أنا مسلم شيعي كنت مثالا لطيبة النفس، ولم أرد على ذمي من مخالفي عقيدتي ولم أؤذ أحدا في حياتي والتزمت بتعاليم الدين. فحص الملاك أوراقه الثبوتية، وملفه العدلي وقال له: اذهب إلى غرفة 270 ولا تلتفت إلى الغرف الأخرى حيث الصخب والضجيج. فدخل الرجل مليئا بالسعادة، راكضا كالصاروخ إلى غرفة 270.
وهكذا قابل الملاك مختلف الناس من طوائف إسلامية عديدة. ثم جاء دور المسيحيين من كل الطوائف؛ لاتين واورتوذكس وكاثوليك وموارنة وأقباط وسريان ومعمدانيين وأتباع مختلف الفلق المسيحية. ثم شهود يهوه والماسونيين، ثم جاء دور البوذيين والمجوسيين، وبعدهم جاء دور الشيوعيين من مختلف فلقهم؛ ماويين وتروتسكيين وستالينيين وتقليديين وتيارات أخرى يصعب تذكرها. ثم جاء دور القوميين من تيارات مختلفة والشوفينيين على أشكالهم، وكان يرسل كل شخص إلى غرفة مختلفة، ويوصيه بعدم الالتفات إلى الضجيج والصخب في مئات الغرف الأخرى التي يتعالى فيها الصراخ والهتافات والغناء وضرب الطبول. بذلك تجاوز عدد الغرف مئات كثيرة لشدة الاختلاف وكثرة العقائد والتحزبات والجمعيات والألوان والأجناس. ثم جاء دور رجل يهودي، فكان هذا الحوار:
- من أنت؟
-أنا يهودي مؤمن وصالح، لم أفعل غير الحق، وتنفيذ أوامر الرب بقتل أعدائه فقط.
- اذهب إلى الغرفة 99 ولا تلتفت إلى الغرف الأخرى رغم الصخب والضجيج فيها .
- ولماذا الصخب والضجيج ؟
- هذا ليس شأنك.
-ولكني ابن الجنة الآن، ولا بد أن أعرف ما يدور حولي.
- انتم اليهود دائما حشريون، لا تقنعون بما خصص لكم.. اذهب إلى غرفة 99 وانتهى الأمر.
إلا أن اليهودي أصر بعناد أن يعرف مسألة الغرف الأخرى والضجيج، فقال:
لم أقرأ في التوراة أن في الجنة غرفا وصخبا وضجيجا . هذا أمر غريب لا بد من أن توضحه لي. هل من ملحق للتوراة لم يصلنا؟ غضب الملاك من عناده، ولكن القرار الرباني حسب التسجيلات في الحاسوب تشير انه من أهل الجنة. فقال له: انتم حشريون دائما، أصحابك اليهود من أتباع حاخامك في الغرفة 99،
والغرف الأخرى فيها أبناء طوائف أخرى، بل ويهود من أتباع حاخامات آخرين، وبالطبع أعضاء حركات وتنظيمات مختلفة.. وكل مجموعة في غرفتها، تظن أن لا أحد غيرهم في الجنة، لذلك يفرحون ويصخبون ويضجون، ويلقون الخطابات ويرقصون محتفلين بوصولهم إلى الجنة. وأنالا أريد أن أعكر صفو فرحهم، وتوهمهم أنهم الوحيدون في الجنة!
ستذهب الآن من أمامي، أم أرسلك لآخر الدور لتنتظر سنوات حتى تمثل أمامي مرة أخرى؟!


ميرا جميل ( بروفسور) McGill University- Montreal, Quebec)

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشيطان مؤمن وموحد بالله
Amir_Baky ( 2011 / 10 / 27 - 13:18 )
الشيطان الذى يغوى البشر و يمكر عليهم ليقعوا فى فعل الخطيئة لابد أن يكون مؤمن بوجود الله ليتحداه. فالسؤال هنا هل الإيمان فقط يضمن دخول الجنة؟ ولو كانت الأعمال هامة لدخول الجنة فهل الإرهاب و قتل البشر بأسم الله من الصالحات؟


2 - تناقض لا افهمه
ALP ( 2011 / 10 / 27 - 19:51 )
لك كل التقدير سيدتي

تقولين :من المؤسف ان ينشغل عشرات -المثقفين والمتعلمين- بهذا الموضوع...الخ

هذا الذي لا افهمه كيف تجتمع الثقافة والتعليم مع الغباء في شخص واحد؟

هل من المعقول ان يقوم الله (على فرض انه موجود) بتعذيب الناس عذاب ابدي لذنب اقترفوه او

لترك ممارسة الطقوس خلال حياتهم القصيرة ؟ يتخيلونه كملك لا يريد الطاعة لسواه ، يحب ،

ويكره ،ويغضب ، وينتقم ،ويعاقبب بالشوي بنار ابدية. حتى لو كان اعتى المجرمين سيرق قلبه

بعد يوم او شهر او سنة

لك الحق ان لا تعرفي هل تبكين ام تضحكين على بؤس هكذا عقول

تقبلي مودتي


3 - واقع مريض
عنان السعيد ( 2011 / 10 / 27 - 21:13 )
من المؤسف ان المجتمعات العربية غارقة حتى أذنيها بالجهل والخرافات ، وهذا أيضا بفضل برامج التعليم ، المبنية على التلقين الببغاوي
ان تحرير العقل العربي هي مهمة بالغة الصعوبة، ولا يبدو ان التغييرات التي انجزها الربيع العربي قادرة على الفصل بين الماضي الخرافي والواقع الموضوعي. بين العقل المضلل والعقل الواعي
لا جديد تحت الشمس. تونس العلمانية تقع في براثن الماضوية
هذا يظهر كم نحن في مؤخرة المركب الحضاري ، كم نحن تائهين وفاقدين للوعي والمعرفة العلمية
خوفي ان الربيع العربي سيصبح خريفا عربيا قبل ان تورق ازهار الربيع.


4 - الثقه بما يرجى والايقان بامور لاترى
حكيم العارف ( 2011 / 10 / 28 - 02:23 )
انا مقتنع تماما ان الاطفال لهم الفردوس والسبب الوحيدانهم يؤمنون بوجود الله دون شك .... لان الايمان هو الثقه بما يرجى والايقان بامور لاترى ...

مثال لهذا ( البركه) ... (حفظ الله ).... اشياء اخرى.

اما الخرافات بالثعبان الاقرع وعذاب القبر والاشياء المخيفه فلاتأثير لها لمن يؤمن بالله الحقيقى ...

والانجيل يعطى شبع روحى وعقلى لمن يقراء للفهم ... واتحدى وجود اى كتاب قبل الانجيل يقول -احبوا اعدائكم ,باركوا لاعنيكم- ... لان من يستطيع ان يفعل هذا يكون قريبا من الله ...

هل تعرف لماذا !! ... لان الله يجدفون عليه ليلا ونهارا وينسبون اليه حماقات وهو برئ منها مثل من يقول -اعتدوا عليهم , ترهبون به عدو الله -..

و هو مازال يحبهم و يمطر على الجميع خيرات ويتركهم الى النهايه ..

هل من قال -احبوا اعدائكم - سيقول لاحقا -اعتدوا عليهم ... , ترهبون به عدو الله ... - ...

الرجا التمييز بين اله اليهود والمسيحيين وبين اله الاسلام ..

ربنا يفتح قلوبنا وافهامنا لنفهم الكتب ...


5 - التعليم النافع والبحث العلمي
ذ محمد ساامي ( 2011 / 10 / 28 - 15:01 )
المشكلة استاذتي الفاضلة في النظم التعليمية بالعالم العربي بالخصوص . ففي السبعينات حين كنا طلابا بالثانوية كنا ندرس الفلسفة , والفكر الاسلامي في ان واحد , وكنا نسمع ان الدين افيون الشعوب , كما كنا نتعلم , ان الاشياء ما وراء الطبيعة او الميتافيزيقا عندما نصل هنا يجب ان تنوقف على لالاقل حتى لاينكسر عقلنا ويتيه لهذا نكتفي بطرح لسؤال من ؟ متى ؟ كيف ؟ اين ؟
الامة حين لاتستطيع ان تنتج ما تلبس ولا تنتج ما تاكل ووووووو فن الافضل لها ان تبقى تبحث عن الجنة وجهنم وما بينهما ..
هذا هو حالنا نحن العرب للاسف البطن وما تدلى .....
تحياتي استاذة ا.لفاضلة .


6 - ملاحظات
ميرا جميل ( 2011 / 10 / 28 - 16:54 )
اتابع التعليقات باهتمام .

ما يطرحه الزملاء هي تشخيصات صحيحة، للأسف العقل العربي مشلول بفعل اساليب التعليم التي تقتل التفكير والابداع الفكري وتحرم الطالب من استعمال عقله، وتحوله الى لاقط لما يقوله المعلم، وخاصة الشيخ الذي يبعد 10 قرون
عن عصره
الجنة والنار اساطير للترغيب والترهيب
الانسان العاقل المتزن هو انسان فعال ونشيط لما فيه خير مجتمعه وهو الأحق بالجنة من الواهمين بحوريات وغلمان


7 - شيوخا وشبابا على حد سواء؟؟
ذ محمد ساامي ( 2011 / 10 / 28 - 18:34 )
المشكل ايا استاذة الفاضلة تمترس اكثر في الوضع التعليمي الراهن اليس فقط لمن تسمينهم بالشيوخ .فهؤلاء للاسف غاصوا في فتاوى الوضوء ومبطلات الوضوء وزواج القاصر والمسيار والمخيار
ليس الشيوخ فحسب وانما الشباب ايضا الذين يتولون في الراهن مهمة التعليم فيمكن ان يستبد بفكر طفل وكذلك بالنسبة للمنهاج التعليمي . تصوري اننا لاحضنا يوما في مقرر دراسي للسنة الخامسة ابتدائي ما مضمونه (ان تارك ا
لصلاة كافر ويجب قتله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الحمد لله ان الوزارة تفهمت القنبلة .وحذفت هذه السخافة
وقد نجحت يا دكتورة يا فاضلة في جرنا الى متابعة هذاالموضوع لموضوع الشيق الذي يحتاج فعلا الى ندوة علمية وبحث اكاديمي لوضع حد للتسيب الحاصل في مناهجنا التعليمية


8 - المتوازيان لا يلتقيان الا في السعودية
ميرا جميل ( 2011 / 10 / 28 - 19:17 )
قرأت في مقال لأحد المفكرين العرب استعرض برامج التعليم في السعودية، انه جاء في كتاب الهندسة ان المتوازيان لا يلتقيان الا باذنه تعالى
ويبدو لي ان المتوازيان لن يلتقيا حتى باذنه!! شكرا على ملاحظاتك
ميرا

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب