الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إغضبوا ولا تخطئوا

مرثا فرنسيس

2011 / 10 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إغضبوا ولا تخطئوا
بينما كان الأب ينظف سيارته الجديدة، أخذ ابنه-البالغ من العمر 5 سنوات- حصاة وخدش بها على جانب السيارة، وبغضب شديد ودون التأكد من حجم الخدش وماتركه من أثر، اندفع الرجل يضرب يد إبنه الصغير عدة مرات في إنفعال، بدون أن يشعر إنه يضربه بمقبض مطرقة. وفي المستشفى فقد الطفل جميع أصابعه بسبب الكسور الكثيرة التي تعرٌض لها، وعندما رأى الطفل أباه حزيناً على ماتسبب فيه لأبنه؛ قال له: متى ستنبت أصابعي ياأبي؟ كان لسؤال الإبن وقع الصاعقة على الأب الذي لم يتفوه بكلمة واحدة، وتوجه نحو سيارته وضربها عدة مرات بيده كتعبير عن الحزن والإحساس بالذنب .جلس الأب أمام سيارته وقلبه يعتصر من الألم والندم على فعلتِه، ثم نظر الى المكان الذي خدشه إبنه في السيارة وقرأ " أحبك يا أبي" وفي اليوم التالي انتحر الأب.
يقول سليمان الحكيم "مدينة منهدمة بلا سور الرجُل الذي ليس له سلطان على إنفعالاته". الغضب هو ردٌة فعل نفسية نتيجة أسباب داخلية أو خارجية، وتختلف أسباب الغضب من شخص الى آخر؛ فقد يغضب الإنسان عند حدوث شئ غير متوقع كفقدان الوظيفة، أو نتيجة التعامل مع شخص بعينه، أو نتيجة التعرض لخبرات تُحفِّز على الضيق؛ مثل أزمات المرور والازدحام، أو بسبب ظروف الحياة المختلفة مثل الإرتفاع الهستيري للأسعار وعدم تناسب هذا الغلاء مع المرتبات والدخول المحدودة،خاصة في ظروفنا الحالية، وأحياناً بسبب المرض أو الظروف العائلية، أو نتيجة استرجاع ذكريات مؤلمة. وتختلف أيضا طرق التعبير عن الغضب من شخصٍ لآخر- علماً بأن التعبير عن الغضب يُعَد علامة صحية- غير أن العنف المصاحب لهذا التعبير قد يؤدي إلى نتائج سيئة تفوق في تأثيرها السبب الأصلي للغضب، ومن ثَم قد يؤذي إنسان ما قريبا ً له في حالة غضبه، كأن يُطلٌق رجل زوجته في لحظة غضبه أو أن يضربها كتعبير عن غضبه أو أن يعتدي أحد الوالدين بالضرب على أحد الأبناء، في لحظات الغضب سواء كان الطفل سبباً فيها أو لم يكن، علما ًبأن هذا الإعتداء الغاضب بالضرب ليس وسيلة للتربية بقدر ماهو تنفيس عن غضب الأب و الأم لأسباب متعددة قد يكون من ضمنها خطأ الطفل، و لهذا التصرف رد فعل سئ على الطفل نفسيا ً وجسدياً. وأحياناً يتم إتخاذ قرارات أخرى خاطئة تخص الحياة أو المستقبل في لحظة إنفعالية، ونرى في هذه الأيام غضب المواطن المصري ، الذي كان يكبت شعوره بالضيق تجاه أمور كثيرة وحيوية تخص حياته، كانخفاض الأجر الذي يتقاضاه مقابل عمل ساعات طويلة مجهدة، ولايستطيع بهذا الأجر مواجهة متطلبات الحياة اليومية للإنسان العادي، من طعام ومصروفات مدارس وملابس وأدوية ومواصلات ومفاجآت اخرى، بالإضافة إلى إزدحام الشوارع، وفي هذه المرحلة الفارقة في مصر ومعظم البلدان العربية زادت مسببات الغضب والشعور بالظلم وعدم الأمان مما زاد من كثرة الإعتصامات وتعطيل الأعمال، والإنفلات الأمني،فزادت معاناةالمواطن العادي أضف الى ذلك إنعدام الديموقراطية وحرية الرأي وحرية العقيدة، مع أخطاء السلطة والحكومة والمجلس العسكري في مصر مما أدى الى مزيد من الغضب المخزون الذي بدأ بالفعل في الإنفجار. لكل إنسان الحق في التعبير عن غضبه وفي المطالبة بكل ماله من حقوق ، ولكن ليس من حق أي إنسان أن يسمح لغضبه أن يجتاح كل مايصادفه من أشخاص وأشياء؛ ليس من حق من يُعَبِّر عن الغضب المكتوم داخله أن يؤذي إنساناً آخر مهما كانت أسباب غضبه وجديتها وصدقها، أو أن يتلف ممتلكات الغير ، ليس من حق الغاضب أن يدمر سيارة ذاق صاحبها الأمٌرين حتى يدخر ثمنها ويحصل عليها؛ ليؤدي بها أعماله أو يصحب بها أطفاله إلى مدارسهم، ويدخر من راتبه الذي بالكاد يكفيه حتى يدفع أقساط السيارة، ليس من حق الغاضب أن يحرم أطفال من أبيهم بالإعتداء عليه في لحظة غضبه وإنهاء حياته، ليس من حق الغاضب أن يُتلف ممتلكات الدولة، وشوارعها ومبانيها، ليس من حق الغاضب أن يُخطئ، فلايمكن أن تكون بعض الإنفعالات السلبية التي نُسبت ظلماً للمتظاهرين هي مطالبة بحقوق ضائعة وهم يدمرون كل ماتصل إليه أيديهم، قكيف لمن يتألم لضياع حقوقه ويطالب بها-كيف يُدمر حقوق الآخرين؟ حيث يعلم جيداً كل من يحب مصر أنها لا تحتمل التخريب والتدمير ، يكفيها مايُثقل كاهلها من ديون، ويكفيها ماتحتاج اليه من إصلاحات، مصر تحتاج للبناء والتغيير والتطوير من كل فئات الشعب .
الغضب لاحدود له كما الحب أيضاً، في غضبك إختر الحب لتصبح ردود أفعالك تحت تحكمك. الأشياء صُنعت للإستعمال وخُلق الناس من أجل أن نحبهم، ولكن المشكلة في عالمنا اليوم هي أننا أصبحنا نستعمل الأشخاص ونُحب الأشياء، وفي تعبيرنا عن الغضب نجرح من نحبهم ونتلف الأشياء التي نحتاجها . مبررين لأنفسنا كل مانفعل تحت مسمى إننا في الغضب لا نعلم ماالذي نفعله.
يقول سليمان الحكيم أيضاً ان مالك روحه(أو إنفعالاته) خير ممن يأخذ مدينة، إغضب وعَبِّر عن غضبك فهذا حقك الذي لايستطيع إنسان أن يمنعك عن ممارسته، ولكن عندما تغضب لا تخطئ، وحاول أن تحول هذه الطاقة الغاضبة إلى طاقة خلاقة، إرسم، إكتب، إنفرد بنفسك قليلا حتى تهدأ واحذر ففي تعبيرك عن غضبك قد تؤذي نفسك أو تؤذي من تحبهم؛ ولابد أن تضع في الإعتبار أن اسباب الغضب قد تزول أو قد تظهر حلول للمشاكل التي سببت الغضب ولكنك لن تستطيع أن تزيل بسهولة تأثير كلمات أو افعال سلبية قد أقدمت عليها ،حيث لن يفيد الندم.
محبتي للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلام موزون.
محمد يعقوب يوحنا ن ورغ ( 2011 / 10 / 29 - 16:48 )
شكرا على المقال الشيق.اتمنى من اعماقي ان يعمل الناس بهذه النصائح و الافكار.


2 - احسنت كتابة
زهير دعيم ( 2011 / 10 / 29 - 19:54 )
الاخت الاستاذة مرثا : احسنت كتابة ، فالغضب يا اختاه ريح تطفىء سراج العقل..
حريّ بنا ان نتريث ونتمهّل كما يتمهّل علينا الرب المحب. مقالك رائع فيه التحذير والتنبيه والوعظ.سلمت يمينك


3 - رائع كالعادة
شاهر الشرقاوى ( 2011 / 10 / 30 - 00:38 )
اختنا الغالية مرثا فرنسيس

بعدالسلام التحية
اسمحى لى ان اشارك فى موضوعك الرائع باية من كتاب الله وحديث شريف من احاديث رسول الله لاثبت لك ان النبع واحد .والمنبع واحد ... نور يخرج من مشكاة واحدة

يقول المولى فى كتابه العزيز واصفا للمؤمنين بحق:
(والكاظمين الغيظ ...والعافين عن الناس ....والله يحب المحسنين )

ويقول الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه:
(ليس الشديد بالصرعة ...اى بقوةالجسد وشدة الصراع ....ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب)

وتقبلى خالص تقديرى واحترامى


4 - أفكار تستحق المحاولة ، وليس في المحبة ما يضير
الحكيم البابلي ( 2011 / 10 / 30 - 01:23 )
مقال جميل أختي مارثا
حتماً الكلام والوعظ في أمور المحبة والتسامح خير الف مرة من كل غضب الأرض
ولكن .. الكلام سهل جداً ، وبعض الظروف والملابسات لا تسمح للإنسان بالعفو والتسامح ، فما نحنُ إلا بشر ، ونملك نقاط ضعف وقوة ، ولو كُنا نملك مقدرة الإنسان الكامل ( السوبرمان ) لما كُنا بشراً
ولا يخفى عليك بأن بعض البشر الآخرين لا تُثنيهم عن شرورهم محبتنا أو تسامحنا أو ( أدر له الخد الآخر ) ! بل على العكس ستزداد آلامنا كلما عفونا وسامحنا الشرير منهم
ولهذا فالمحبة والتسامح ليست إكسيراً سحرياً يعمل في كل الأوقات وفي كل الظروف والمناسبات ( كُن فيكون ) ، وهذا واقع الحال ، ومن المهم جداً جداً أن نعرف من يقف في الطرف الآخر ، وإلا فالمسألة ستنقلب وبالاً علينا
ومع هذا فكلامك ونصائحك ذكية ورائعة وتعمل المعجزات في أغلب الأحايين ، وعندما نُراجع أنفسنا بعد مقال كهذا ، نجد إننا فرطنا بالكثير من الناس وبالكثير من المواقف التي كان من الممكن جداً أن تكون لنا بدلاً من تكون علينا
الف شكر للمقال ولشخصيتك الرائعة دوماً ، وليس عيباً لو قلتُ : كنتُ أتمنى بعض إنضباطك الشخصي لنفسي ، فلا أحد معصوم عن ألخطأ
تحياتي


5 - الكاتبة الهادئة الناقدة .....سلام ونعمة
مريم نجمه ( 2011 / 10 / 30 - 11:52 )
تحية المحبة للأخت السيدة مرثا فرنسيس

دائما تضعيننا يا صديقتي العزيزة أمام أسئلة تحتاج إلى نقاشات وحوارات متنوعة واّراء مختلفة حتى نحل المشكلة أو نضع لها تصور منطقي مقبول , لماذا ؟
موضوع قيم وواقعي ويومي في ... حياتنا وتاريخنا العام والخاص الماضي والحاضر , أحسنت معالجته وطرحه .
اّه يا صديقتي كم يختلج في الصدور ويتراكم من اّهات وأوجاع وتخلف في ثقافتنا وممارساتنا وتعليمنا وووو الخ ... وحكامنا وانتخاباتنا ودساتيرنا وكل مايسئ إلى ثوراتنا التي انطلقت لتغير الواقع الموبوء فكانت النصال من وراء ظهورنا تقتل كل إنبات أخضر أو زرع وردة للمحبة ..
إحترامي ومودتي


6 - الفاضل محمد يعقوب يوحنا ن ورغ
مرثا فرنسيس ( 2011 / 10 / 30 - 12:50 )
سلام لك
شكرا لمرورك وتعليقك وثنائك على المقال
ارجو لكل انسان ان ينعم بسلام داخلي وهدوء في ردود افعاله
محبتي وتقديري


7 - أخي العزيز زهير دعيم
مرثا فرنسيس ( 2011 / 10 / 30 - 12:53 )
سلام لك
شكرا لك من القلب
يصعب على الإنسان ان يكتم غضبه ولكنه يستطيع ان يدرب نفسه على التحكم في ردود افعاله عند الغضب
صدقت استاذ
محبتي واحترامي


8 - اخي العزيز شاهر الشرقاوي
مرثا فرنسيس ( 2011 / 10 / 30 - 12:58 )
سلام لك
شكرا لمرورك وتعليقك
مداخلاتك تبين قلب مخلص وصدقا ارحب بك
محبتي وتقديري


9 - إغضب ولا تخطئ..وقد شُبٌه الغضب بالجنون
جيني ( 2011 / 10 / 30 - 20:36 )
وصيٌة مهمة جداً
تقي الإنسان من الندم بعد أن يهدأ من غضبه
والندم يتعلٌق بالضمير
كلما كان الضمير حيٌاً كلما كان الندم أشد قسوة على النفس

لقد امتلكني الحزن على الطفل وخاصة بعد أن علمنا أنه كتب عبارته الرقيقة--أحبك يا أبي --ه

قصص كثيرة عن ظلم الوالدين لأولادهم الصغار..يستضعفون صغرهم فيقسون عليهم كمتنفس عن الغضب في داخلهم
قد يصل الضرب لحد الموت كلنا سمعنا بهذه القصص
..والطفل نراه يبكي وكأنه يقول
أحبك يا أبي لماذا تضربني ؟؟؟؟

يا ريتنا نبتعد عن ضرب الأطفال في البيت أو في المدرسة
ويصبح الضرب جنحة يعاقب عليها القانون كما في البلدان المتطورة

الضرب لا يفيد ..لكنه يؤذي إيما إيذاء
سلُمَ قلمــــكِ المربٌـــي


10 - أخي العزيز الحكيم البابلي
مرثا فرنسيس ( 2011 / 10 / 30 - 21:00 )
سلام لك
شكرا لمرورك وتعليقك الغني
اتفق معك فقد اصبحت الأمور اكثر استفزازا ولم نعد نحتمل ماكنا نحتمله من قبل ولكن التعبير عن الغضب بطرق مؤذية سواء لمشاعر الاخرين أو لممتلكاتهم هو مزيد من الخسائر النفسية والمادية
التحكم في رد الفعل هو من الأمور التي يمكن التدريب عليها، صدقا اخي ليس هناك مستحيل على الانسان اذ يمكنه التحكم في سلوكياته بشكل رائع ان هو اصر على المحاولة وادرك قيمة هدوء النفس
محبتي وتقديري


11 - الصديقة الغالية مريم نجمة
مرثا فرنسيس ( 2011 / 10 / 31 - 13:41 )
سلام لكِ عزيزتي
شكرا لتعليقك الجميل وتأييدك لي ولما اكتب
زاد الغضب جدا في الوقت الحالي ولم يعد الأمر مجرد غضب وصراخ في وجه الآخر وسب وقذف وتشابك بالأيدي بل اصبح استخدام السلحة البيضاء وايضا النارية وكأنه مزاح! الأمر مقلق ومزعج ، والانفعالات وتداعياتها من الآمور التي للإنسان قدرة على التحكم فيها
ارجو لكِ كل الهدوء والسلام في الداخل والخارج
محبتي سيدتي وكل احترامي


12 - صديقتي العزيزة جيني
مرثا فرنسيس ( 2011 / 10 / 31 - 20:59 )
سلام لكِ
شكرا لزيارتك الجميلة لمقالي
نعم عزيزتي القصة مؤلمة، وهناك ملايين من القصص المؤلمة التي يكون ضحاياها اطفال او كبار تلقوا رد فعل عنيف وغاضب ومؤذ خاصة من الأقرباء
اشاهد باستمرار هذا المشهد المؤلم لأم تلطم طفلها او طفلتها بكل وحشية واهانة على مرأى من المارة في الشوارع او داخل وسائل المواصلات وارجو ان تختفي هذه المشاهد الى الأبد
سعدت بكِ
محبتي وتقديري

اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah