الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة المخزن والسيرورة التي لا تريد أن تنتهي

محمد بودواهي

2011 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في المغرب تسجل مؤسسة المخزن حضورا قويا في جميع تضاريس المجتمع وتفيد كثيرا في تفسير معطيات المشهد السياسي والثقافي والمجتمعي . تحيل المؤسسة المخزنية مفهوميا على الكثير من الوظائف ، لكنها تظل أكثر اتصالا بحقل السلطة بكل ما تعنيه من قوة إلزامية قهرية تفرض الطاعة والإدعان والامتثال للأوامر . فهي تعني نظاما للحكم يتميز عن أي نظام سياسي آخر بمخزنيته ، كما تشير إلى الوظيفة السلطوية للدولة والحكومة . فأيا كانت الظاهرة المخزنية التي تبصم المجتمع المغربي فإن لها علاقات وصلات مباشرة وغير مباشرة مع ظواهر أخرى ، ومع الفائت منها تحديدا ، ولهدا يبدو مهما وضروريا أن ننطلق من الماضي نحو الحاضر لفحص المخزن كسلطة وكوظيفة ولعلاقاته المفترضة للإقتراب أكثر من حقيقته .
إن حضورية المخزن في مغرب ما قبل الاستعمار الكولونيالي وأثنائه أيضا تحرض على البحث عن ظروف الانطلاق والنشأة وكدا اختراقه لجميع تفاصيل المشهد المجتمعي المغربي . فبداية المؤسسة المخزنية انطلقت ماليا وانتهت سلطويا وسياسيا موجهة لسلوك الأفراد فارضة عليهم الطاعة والإدعان . وظهور كلمة مخزن ارتبطت فعلا بسلطة المال ، وهي بالإضافة إلى إشارتها إلى المكان الدي تحفظ فيه الأموال ، فهي تشير إلى كل العاملين المكلفين بالخزن والحفظ ، وإلى عماله الدين يعملون في دائرته . وبحكم السلطة التي يوفرها المال ، وبالنظر إلى الظروف القهرية والقمعية التي يجمع عن طريقها هدا المال ، فقد صارت لمؤسسة المخزن سلطة خاصة تجدرت وتقوت في الجسم المجتمعي ، وبدلك انتقلت المهام المخزنية من جانبها المالي الاقتصادي البحت إلى مجال السلطة والحكم بامتياز .
والمخزن في حقيقته لم يكن فقط دولة أو حكومة كما هو معروف في القاموس السياسي وإنما نظاما خاصا للحكم والتحكم والسيطرة ، فهو عبارة عن سلطة خاصة تقوم على دعم السلطة المركزية اعتمادا على القوة العسكرية لتثبيت امتداداتها الطبيعية والقسرية في النسيج المجتمعي القبلي الدي لم يكن خاضعا لتلك السلطة عبر تاريخه الطويل . فقد كان يستخلص الضرائب ويقوم بوظيفة التحكيم في المجال العقاري ، فضلا عن فرض مبدأ الرقابة ، وعلى طول هده العمليات التي تغلفها سلطة قهرية متسلطة واصل المخزن امتداداته وسجل حضوره على كافة الأصعدة وبكافة الأشكال .
ولقد كان العنف خيارا استراتيجيا في المشروع المخزني في مواجهة بلاد القبائل وهو ما يفسر تلك السلطة المطلقة التي كانت في يد مسؤولي إداراته المختلفة . غير أن بالإضافة إلى هدا الخيار القمعي العسكري الدي كان يستعمل عند الضرورة ، كان المخزن يعمل على توظيف آليات أخرى يحبل بها الواقع المجتمعي تفيد كثيرا في تكريس الوضع القائم والقبول بسياسة الخضوع والإدعان أهمها العنصر الديني لما يتضمنه من دلالات رمزية . وفي هدا الإطار قام المخزن بتوطيد علاقاته مع الزوايا خدوة لأهدافه ومصالحه التي تنحصر بالضبط في إحكام القبضة على جميع القبائل التي كانت تمثل ما يسمى بنظام ( السيبة ) .
ومصطلح المخزن غالبا ما يحمل دلالة فيها غضاضة لأنه يرتبط بأسلوب الإدارة العتيقة المحكم الدي يقاوم الحريات الواسعة . وملامح المخزن تبقى غامضة حيث أن الحكومة نفسها لا تعد جزءا منه . يختار المخزن أعضاءه أساسا على طريقة المحسوبية من خلال استخدام شبكاته الخاصة . فهو عتيق ورجعي ومتطور جدا في توزيع كل من السلطة والثروة باستخدام الزبونية والمحسوبية قصد ربط المجتمع المغربي بالعرش واستمالة الكثير من معارضيه ومنتقديه ، ويعتبر المسؤول عن تفشي الفساد والرشوة والتخلف وعلى القمع والاضطهاد وغياب الديموقراطية ، وعلى ما يسمى بسنوات الرصاص ، وتتمثل طريقته في الحكم على توزيع الأموال والأراضي والسيارات الفاخرة والتراخيص والامتيازات في مجالات اقتصادية محكمة مثل حفر واستخراج الرمال أو تصاريح النقل والصيد أو غظ الطرف عن أداء الضرائب ، من أجل شراء الولاء والتبعية من أعضائه أو لاكتساب أعضاء جدد ....
لقد انتبهت السوسيولوجيا الاستعمارية مبكرا لهده الوظائف التدجينية التي يضطلع بها المخزن في المجتمع المغربي ، ولهدا أوصت الإقامة الفرنسية بعدم هدم هده المؤسسات المخزنية بل بتدعيم حضورها وتقويتها فعمدت إلى إعادة الدفء لها واهتمت بها كموضوعة متميزة حتى لا تراهن دوما على البعد العسكري بل تلجأ إليها أحيانا كوسيلة في خدمة الشرعية والمشروعية ولو بمعناها الشكلي .
يحتل مصطلح المخزن حيزا كبيرا في الخطاب السياسي المغربي ، والكثير من كتابات الفاعلين السياسيين تشير إلى أن جوهر إشكالية الانتقال الديموقراطي بالمغرب هو طبيعة البنية المخزنية للسلطة سواء كانت سياسية اقتصادية أو ثقافية ، ثم كتافة استعمال هدا المصطلح لدى فئة واسعة من المواطنين وبمضامين غالبا ما ترتبط بالعنف والتسلط والفساد والرشوة والحكم خارج القانون ... ومن هنا يصبح المخزن في الموروث الشعبي غير جدير بالثقة ، بل ومن المفروض على كل مغربي أن يأخد منه الحدر ...
فسلطة المخزن ، وبفضل ما تتوفر عليه من آليات مؤسساتية ، وبفضل ما تستثمره من علاقات مع الهياكل المجتمعية الأخرى ، وما توظفه من دعائم إيديولوجية ، تصير في النهاية سلطة فوق السلط ، توجه وتنمط وتدجن وفق معطيات القائم من الأوضاع وخدمة لما يرتضيه الدين يستفيدون فعلا من هده السلط . وهي بدلك تتبوأ مرتبة أولى في نظام السلطة والحكم في المغرب . هدا النظام الدي يتكون إجمالا من ثلاث أنظمة متداخلة هي :
السلطة المخزنية التي هي سلطة السلط ، والإدارة والحكومة ويعتبر البرلمان أحد توابعها ، والسلطة الاقتصادية والمالية التي ارتبطت بالسوق السوداء والاحتكارات والرشوة والمخدرات والتي تتحرك في غالب الأحيان تحت حماية السلطة . والسلطة المخزنية تبقى فوق كل السلط الأخرى نظريا وعمليا وهي المالكة للقوة والتوجيه ، ولهدا ينعدم مبدأ الاختصاص ويصير اجتياح كل المجالات المجتمعية أمرا مفروضا ، حيث يغدو الفصل بين السلطات الدي يؤكد الخيار الديموقراطي غير دي اهمية في المشروع المخزني . فالمخزن القوي هو مخزن لا مكان فيه لفصل السلطات ، وبدلك يكون هو الفاعل الوحيد الدي يراكم تجربة السلطة ويستطيع بلورة أهداف شمولية والتحكم في آليات التدبير والتنفيد . فهو المؤسسة الوحيدة التي استطاعت أن تحافظ على وجودها الرمزي والفعلي داخل المجتمع المغربي وتمكنت من الاستفادة من التحولات التكنولوجية التي عرفها العالم ابتداء من احتكاكها بالستعمار الفرنسي .
فحتى إن كان هدا المخزن العتيد يسعى إلى مأسسة عمله وإلى إضفاء الشرعية والمشروعية على جل ما يقوم به بهدف الامتداد والتجدر في أعماق المجتمع إلا أنه لم يقطع مع ممارساته التقليدية . فالتغيير الدي يلوح به لا يعدو أن يكون تغييرا ظاهريا ومناسباتيا ، دلك ان التوجه المخزني التقليدي الهادف دوما إلى الاحتواء والضبظ والقهر هو ما يتم الاتكاء عليه . فهو مصر بآلياته ومؤسساته على اختراق كل الهيئات والوظائف والفعاليات المجتمعية والسياسية واستثمار كل كافة الإمكانيات والسلط الرمزية سعيا وراء المخزنة الشاملة . مخزنة لها تصورها الخاص ومشروعها المجتمعي ، نخبها ، مريدوها ، ديموقراطيتها الفريدة ، إجماعها الدي هو فريضة وواجب ديني .....
غير أن التطورات الحالية التي تعرفها المنطقة في ظل الدينامية الثورية ، وحركة الشعب المغربي في إطار حركة 20 فبراير من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ، بعد أن تفاقم الوضع وتراكمت المحن واشتد الظلم ودوست الكرامات وقهرت الأنفس ، وبعد أن باح صوت الشعب دون أن يجد له آدانا صاغية من أجل أن تنتقل الدولة المغربية من المخزنية إلى الديموقراطية وبشكل سلمي وسلس .... ألا يبحث هدا المخزن على أن تنعرج هده السيرورة إلى اتخاد العنف الثوري سبيلا ، أو على الأقل أن تنتقل الحركة بأجندتها النضالية إلى أساليب الاعتصام والعصيان المدني المنظم ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ادخال المقدس الى التاريخ ,اخراج الانسان منه1
tarik berdai ( 2011 / 11 / 2 - 08:05 )
هذا التشخيص الاشعاعي لهيكل السلطة و ميكانزمات ادائها في المغرب اثار في فكرة روادتني منذ القديم عن وحدة المصير البشري ووحدة الحقيقة فالخصوصية الثقافية ما هي الا خربقة #لتقديس الكوانب#:
- القداسة ما هي الا آلة من آليات السلطة فالدماء الالهية سرت دائما في شرايين الملوك انظر متلا ملوك فرنسا الميروفينجيين الذين اختلقوا اسطورة ذرية المسيح و ماريا المجدولية لاظفاء الشرعية على انفسهم
-ادخال المقدس الى التاريخ هو اخراج الانسان منه معظلتنا الاساسية هي مركزية الغيبي في الثقافة الشرقية ومن ثمة غياب القيم الانسانية من هذه الثقافة فسلم القيم الثقافية لدينا هو اساسا محايث و ليس من انتاج المجتمع الانساني الدي لايسمح له بالبث في حياته التي هي اساسا ملك له قبل اي شئ
-لا ننسى ان المسيحية هي دين شرقي مثله مثل اليهودية و الاسلام و ان سيطرة هذه على الفكر الاوربي بين القرن الرابع و السادس عشر كان بداية الفترة الظلامية و تراجع المنظومة الكلاسيكية التي تضع المواطن في مركز معظلة الوجود و احلال الله مكانه عبر #المخزن# الفاتيكاني و معاونيه الذين يحكمون بحق نابع من السماء
ظواهر العصر الوسيط الاجتماعية و السياسية


2 - ادخال المقدس الى التاريخ ,اخراج الانسان منه2
tarik berdai ( 2011 / 11 / 2 - 08:40 )
و ان تزامن مملكة الله مع مملكة التسلط ليس صدفة,لانهما موضوعيا متلازمين;و اي ملاحظ للتاريخ البشري الذي ما هو الا المختبر الوحيد للتجربة الانسانية لا يسعه الا المصادقة على هذا
تاريخ الاستبداد بدا في الانحسار مع دخول العنصر الانساني مرة اخرى معترك التاريخ.اي العقلانية و النزعة الانسانية كمحكين للقيم التي يجب ان يتبناهما المجتمع الجديد مما قاد راسا الى الثورات الثلاث التي اسست للحذاثة الانجليزية و الفرنسية و الروسية و هي ثوراث لائكية باعتبار,اي طاردة للله من دس انفه في الشؤون البشرية ومراهنة حقيقية على العقل و العلم و المؤسسات الدستورية بدل الله و الميتافيزيقا و الامام الخليفة
النخب المغربية يجب ان تقف بصرامة لنزع اللثام عن طبيعة ما يعترينا فهو ليس مشكل اصلاحات دستورية او حتى انتخابات نزيهة لان من يعتريه الشك ان من سوف يربح هذه الانتخابات هو من يمتلك زبيبة اكبر و من يحمدل و يسبح اكثر لانه في فضاء من الامية و من غياب تقاليد النقاش الحر المتعدد الغير مشروط , و في فضاء استحوذ عليه المقدس بشكل مطلق (رغم ان هذا المقدس لم يستطع ان ينتج اكثر من القمل و الغبار)مذا يمكن ان ننتظر!!!!!

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah