الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشكالية المسلمات العقلية الأولية

هيبت بافي حلبجة

2011 / 11 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



من أهم خصوصيات المنطق الشكلي ، أو المنطق الذي يستند في تصوراته على العقل الصرف ، هو أعترافه المباشر بوجود مسلمات عقلية اولية – آكسيومات – ليؤكد أنه لولاها لأنتفى في الفعل كل أسباب التحليل والتعليل ، وما كان لنا أي تجربة ذهنية ولأنعدمت بالتالي قيمة الجدل العقلي وعلل البرهان أو التفنيد والدحض ، ولأستبدت بنا حال من الفوضى الجامحة في عقر دارنا في منطقنا .
فبالأعتماد على تلك الأكسيومات نستحوذ على فرصة للتقدم في التحليل ، وأمكانية وضع المقدمات ثم الفروض ثم المناقشة المعرفية العلمية للوصول إلى عمليات محمودة في الأستنباط والأستدلال والنتائج المرجوة سلباُ أم إيجاباُ .
ويضرب أمثلة في ذلك ، أن الخط المباشر ما بين نقطتين – ب ، ج – هو بالضرورة أقصر الخطوط ما بينهما . والخطان المتوازيان لايلتقيان أبداُ . وأن توازى واحد من الخطوط المتوازية – ب ، ج ، د – مع خط مستقل آخر مثل – ص – توازت البقية معه بالنتيجة . والأكبر من الأكبر هو بالقطع أكبر من الأصغر ، والأصغر من الأصغر هو بنفس القطعية أصغر من الأكبر . كما أن الكميات – ب ، ج ، د – إذا تساوت كل كمية بمفردها مع كمية مستقلة أخرى مثل – ص – تساوت فيما بينها بنفس وجاهة المنطق السابق ، كما إن الكميات المختلفة – ب ، ج ، د – فيما بينها لايمكن أن تتساوى كلها مع كمية أخرى مثل – ص – تساوت مع إحداهن . وكذلك القضية بصددالأطوال ، فإذا تساوى مجموع الأطوال – ب ، ج ، د - مع طول آخر مثل – ص – فإن كل طول من تلك المجموعة هو بالنتيجة أصغر من – ص – وهكذا يمكننا أن نضرب آلاف من الأمثلة ، التي كما قلنا ، وحسب المنطق العقلي المحض ، تؤلف ديمومة وميكانيزم البعد الأولي في العقل البشري ، ومن ثم في منطقه ، ومن ثم تشكل الفحوى الجوهري لمعرفته ، وإلا لأنهدمت أيضاُ القيمة التطبيقية في المعاملات ولأستتب اللامعين واللامحدد على كل أدراكاتنا ومداركنا .
ونذكر فقط – لأن ذلك سيكون موضوع حلقة مستقلة – إن هذه التصورات تزامنت وقادت أصحابها إلى وضع المبادىء الثلاثة للمنطق الصوري ، وهي ، مبدأ الهوية الذي يرمز له ب – هو هو - ، ومبدأ عدم التناقض الذي نختزله في الآتي – هو لا لا هو - ، ومبدأ الثالث المرفوع الذي ينفي أي أمكانية لأحتمال ثالث . ونضرب مثالاُ توضيحياُ ، الشجرة ، أما أن تكون موجودة ، أو ألا تكون ، ولايجوز أن نفترض أي أحتمال ثالث .
إن هذا المنطق يبدو متماسكاُ جداُ ، وصلباُ في منطقه الخاص ، ومنسجماُ في أصوله ، إلى درجة لايمكن لأحد ، سواء من الزاوية النظرية أو من الزاوية التطبيقية ، أن ينكر أو يجادل في سطوته على عقلنا وفكرنا ، لكن ، ومن الجانب غير المرئي ، الجانب غير التقليدي ، الجانب الذي يحطم بعدنا الخاص البسيط ، يصطدم هذا التصور العقلي لهذا الفرضيات بالتصور التجريبي الذي يفرض نفسه من خلال قوانينه اللصيقة به وحده ، فليس التصور العقلي هو الذي يمنح الخصوصية لتلك الحيثيات ، إنما هي التجربة ذاتها التي تحتضن كل خاصية ممكنة . فحينما نزعم إن الخط المباشر ما بين حلب و الشام ، أو ما بين الرياض ومكة ، أو ما بين بغداد وأربيل ، هو أقصر الخطوط ما بينها ، هو فقط كذلك في المجال التصوري التخيلي ، أو على أكثر تقدير ما بين نقطتين في بناية هندسية حيث لايكمن للمجال الكوني ولا لمفهومي السرعة والتسارع أن تمارس دوراُ واضحاُ في تكوين الأختلاف ، أو أن يكون هذا الأخير على درجة كبيرة جداُ من الضآلة حيث لايمكن ألا أسقاطه أو أغفاله لعدم الأحساس به أصلاُ ، أما في المجال اللاتصوري ، أي المسافة الحية ما بين النقطتين ، والتي ليست لها أي علاقة بكروية الأرض بالقطع ، يهوى ويذوي دور التصور ليبرز دور التجربة نفسها ، كما هو ، فلاعلاقة لإرادتنا في تصوره ، ولا علاقة لتصورنا في إرادته ، فالتجربة هي التي تقرر ، بل هي التي تمارس ذاتها دون ضابط خارجي ، دون أن تكترث لأحد .
وعندما نتحدث عن التجربة ، فأننا نتكلم هنا عن الكون الذي قد قرر مفهوماُ آخراُ يختلف عن التصور الشكلي ، لأنه لايعترف أصلاُ بالخطوط المستقيمة ، فكل شيء في الطبيعة من حيث الأبعاد هو منحني ، والأنحناء ليس صفة في الأبعاد كما قد نتوهم ، إنما هو في بنيويتها ، بفحوى إن الأنحناء ليس صفة شكلية خارجية للكون ، بل هو خاصية أبعاد – أبعاد الكون – لما له من قوة الجوهر في ذاته .
كما أن اللاثبات في الأبعاد ، الذي نرده جزئياُ وفي هذه الحلقة إلى مفهوم آينشتاين في العلاقة ما بين هذه المقولات – الكتلة ، السرعة ، التسارع – هو الجوهر الآخر المكمل لصفة الحي ، وللأنحناء ، ويجسد من حيث الفعل المؤثر أحد أهم شرط الديمومة الداخلية في علاقتها بمفهوم التطور ، والتنوع ، والتحول ، بعيداُ عن مفهوم الأمتداد الطبيعي الساذج .
فإذا كانت صفة الحي هي جوهر كائنية الشيء ، التجربة ، الكون ، فإن الأنحناء هو جوهر أحتواء الجوهر السابق ، وسيكون عندئذ اللاثبات هو جوهر علة وجود الجوهرين السابقين ، وليس معلولاُ لهما أو لأحدهما .
فالكون لايدرك الصفات المعاكسة لهذه الجواهر الثلاثة – صفة الحي ، الأنحناء ، اللاثبات - ، فالموت أو الجمود مفاهيم غريبة عليه هو لايستطيع حتى أن يتصورها ، وكيف يمكن له أن يتصورها وهو لا يحايثها ، وهو يمقتها وينبذها سيما من خلال مفهوم اللاثبات . ثم لو حدث أن هناك موت أو جمود ، وهو بالقطع مرفوض ، لأنتفت الأبعاد أساُ ولحدثت أزمة في حيثيات الكون نفسه ، تماماُ مثلما لايستطيع الميزان العادي التغامل مع الأوزان في عاصفة هوجاء تزور كل أنواع الضغط على كفتيه .
كما أن الكون لايستطيع أن يؤتلف من خلال – المستقيم – الذي يعني هنا تحديداُ الأنحطاط والذوي والذهاب إلى الكهولة والشيخوخة ، وأنوه مسبقاُ إن مفهوم الضوء الذي حسب نظرية آينشتاين يسير كالسيف القاطع ، غير دقيق هنا ، لسبب بسيط هو أن الضوء هو من – العوامل الكونية – وليس الأرضية ، لذلك فإن التعامل معه بهذه الصورة هو نوع من التبسيط ، فالمسافات بالنسبة له ما بين النجوم والكواكب يقاس بنفس القدر عندما تحدثنا عن – المستقيم – في التجربة الهندسية وبمقدار عدة سنتيمترات ، لذلك نحن نعتقد أن الضوء ما بين المجرات سيسلك سلوكأُ آخراُ ، ينسجم على الأغلب مع مفهوم الأنحناء ، وإلا أصبح الكون في المجال الخطأ ، ولايمكن أن يكون الأمر كذلك .
كما أن الكون ، ومن زاوية أخرى ، لايلتزم بالثبات لأنه لو ألتزم به لأنعدمت أمكانية الحركة الداخلية والخارجية سواء في مفهوم الشيء بحد ذاته ، أم في مفهوم الأبعاد بحد ذاتها ، وهذا سيعني إن الطبيعة عديمة المعنى ، عديمة الأثر ، سلبية التفاعل ، موجودة كمعطى مسلوب الغاية .
إلى أين يفضي بنا ذلك ، نذكر بعض النتائج ونحتفظ ببعضها الآخر إلى حين الحديث عن المذهب التصوري ، مكانها اللائق بها .
الأستنتاج الأول : إن هذه المسلمات الأولية لايجوز لأحد أن ينكر أهميتها ووجودها سيما في علاقتها بمفهوم التصور الساذج للأدراك ، وفي كل المسائل الحيوية التطبيقية والتعليمية ، لكن خارج ذلك ، الكون لايدري مطلقاُ أي شيء عنها في خواصه ، ولا في تحولاته ، ولا حتى في طفراته .
الأستنتاج الثاني : إن الكون لايتألف من الأشياء والجسيمات والتي من المفروض أن نضعها ما بين قوسين ، بل من الأبعاد التي هي في الفعل خاصية الكائنية فيه . فالشيء أو الشكل أو الجسيم هي تعابير تناسب بالضبط محتوى تلك المسلمات الأولية .
الأستنتاج الثالث : إن الطول أو الأرتفاع أو العرض ، إن وجدت ، فهي وحدات منحنية ، أو هي ، على أدق تعبير ، هي وحدات هندسية فراغية منحنية .
وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر