الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكفير، مقولة دينية أو متخيل تاريخي؟

اليامين بن تومي

2011 / 11 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



هل يمكن أن أقول اننا أستلبنا تاريخيا بالاستعمار و ثقافيا بالمفاهيم الدوغمائية التي جعلت قضايانا في حكم الانتهاء عرضا و صياغة ؟ إنه تاريخ المصادرات الكبري داخل منظوماتنا الإسلامية العربية، تاريخ يشبه الرمال المتحركة داخليا ؛ داخل جغرافيتنا تؤثر فينا و لا تؤثر في غيرنا ، فكلما انزاحت بنية رملية كانت أخرى أفضع و ربما أروع ، تحركت تلك الكثبان لتبني قداسة هنا و ربما دناسة هناك ..إنها في العام الأغلب بناء داخلنا لا خارجنا ، فالكائن الوحيد الذي يتأثر في العالم هو العربي، مجبول على الانفعال نتاج طبقات التقليد التاريخي الذي ترسخ بنية معرفية قارة لا تخرج عن دائرة الأخذ من المحفوظ باعتبار الحافظ مثقفا يستدعي التاريخي ، لا بصفته طبقة معرفية ناظمة في الخطاب المعاصر بل بصفته مصادرة لطبقة الراهن ..إنه مثقف لا يختلف عن الحفارة البترولية التي تقتات على طبقات الأرضي، لا لاستخراج التراكيب الكيميائية فيه بل لنقله محفوظا من الطبيعة إلى غيرنا .
إنها الصناعة الوحيدة التي يتقنها العربي و تفنن فيها بامتياز التنقل؛ باعتباره وظيفة بدوية أسست للرحلة تلك الصفة الملازمة للعربي ، بين النقل و التنقل تشكلت المساحات الدوغمائية في تاريخ العقل العربي المبني على نظام ثنائي صارم بين الايمان والكفر .
لعل القارئ يسأل وما علاقة الكفر أو التكفير بهذه المساءلة للتاريخ؟
هنا فقط أقول إنني لا أبحث في المبحوث من التاريخ بقدر ما أريد أن أستنطق هذا المفهوم الذي أصبح فعلا حضاريا مهما يعمل على إزاحة خطاب وتركيز آخر ، لقد صنع التكفير لنفسه شخصية مفهومية في سماء ثقافتنا العربية تتحرك فيما يشبه الطوفان لتقليم الخطابات النقيضة وهنا مكمن الخطاب الذي ينجر عن الشخصية المفهومية للتكفير ،حين تصبح أنظمة الرقابة تابعة و لازمة ضرورة لاشتغال المفهوم على مسطح معين، بحكم معين أو بآخر .لأن التكفير هو ذلك السياج الحافظ لنظام الأمة الثقافي فيما يدعيه المثقف البياني فكل خروج عن دائرة المحفوظ بما قيمة تحافظ على التراثي يعد مروقا يؤدي بصاحبه إلى الاستبعاد ،وهو استبعاد متعدد الأبعاد لعل هذا ما حصل لنخبة من المثقفين المعاصرين على رأسهم نصر حامد أبو وزيد حيث بدأ الاستبعاد معرفيا بهدم خطابه من الخارج ، بتعويره قياسا على القوالب الجامدة للنصوص الفقهية: أقصد هنا الخلاف الذي دار حول قضية الإجماع أو حول مفهوم النص .
ثم حصل استبعاد معرفي فوقي من خلال عدم ترقيته ثم الاستبعاد الأخلاقي بتطليقه من زوجته بحكم اشتغال المتخيل التاريخي للمفهوم لرسم ملامح نمطية عن التكفير و الارتداد و هو فيما يقول علي حرب استيلاب للرجل من داخله ، ثم استبعاد جسدي مكاني قاسي اشتغلت فيه آلية التكفير باعتبارها ناهضا مهما للعاطفة الجماهيرية التي أدت إلى نفيه من وطنه .
هذا مثال من عشرات عمل فيها المفهوم عملا تصاعديا من المنتهي في الصغر إلى المنتهي في الكبر ليفقد المفهوم البناء الديني و يصبح آلية تاريخية تجر نفسها كلما استدعت الحاجة لعمل الرقابة والمصادرة إلى الاشتغال .
و بالتالي فالمصادرات الكبرى تطورت نتيجة هذا الحراك الذي يسكن العقل التاريخي فالمفاهيم تسكن في منطقة ما، تعمل عمل الرقيب أو الحارس للتراث وفي كثير من الأحيان تكون حراسة مأساوية تكلف أي متجاوز لأسوار التراثي الإنهاك بإفراغه داخليا من الانتماء بل لتجفيفه تحتيا من الهوية و إلحاقه بمصادرة اخرى تؤدي انتهاءا إلى إخراجه من الملة ، وهي آلية شكلها العقل الانتكاسي الذي يعيش على واقع الهزيمة بمخيلة الانتصار ،إنه عقل مصاب بشرخ بين واقعين واقع النموذج /مكان التخيل، وواقع المصادرة/مكان التكفير .
وبالتالي تلك البنية التراجيدية تحتاج منا حقيقة إلى لملمة عناصرها لفتح مجتمع النقاش على الحوار لا الشنار، بالحوار فقط يمكننا التأسيس لللعقل التواصلي الذي يبني مجتمع المعرفة أما العقل المسكون بالمؤامرة لا ينتج إلا مخلوقات واهنة ضعيفة تعيش بمفاهيم الحرب في واقع السلام .
إننا نعيش بعقل خارج زماننا ،عقل صُنع بليل قديم جدا ، عقل يعيش الصور و يصنع الاستعارات المريضة، لا مكان اليوم للمصادرة والمحاذير علينا فتح الذرائع للتفكير في الحلول لاستئناف دورنا الحضاري، لا غلبة لنا بالعقل الترديدي الذي يعشق المحفوظات بل نحن بحاجة إلى عقل تحليلي لأزماتنا، لا تقديم وصفات تاريخية لزمن مختلف عنا شكلا ومضموما ، نحتاج إلى تثوير إنساننا الخاص إنسان الألفية الثالثة والسماء المفتوحة .
إن كل من يخالف القالب فهو سفيه و كل من ادعي النظر العقلي كافر، والكفر معناه التغطية والحجب إنه فعل صحراوي مقيت ، ويقال كفر بمعنى غطي عن الحقيقة لذلك الكفر و الغيط حيث تحجب النباتات عن أشعة الشمس ،هذا الاسقاط على الطبيعة جعل كل ممن يخالف أشعة الشمس كافرا رغم أن الحقيقة لا تجدها إلا بالاجتهاد خلف ضوء الشمس .
وبالتالي أخذت فهوم رجل الدين تساند الطبيعي و تروج له فعلا بسيطا و استسهاله حتي خاض العامة فيه و صار الكل يدلي فيه بهواه عن غير عمق ولا إيغال ذلك أن الفعل الطبيعي تساوق عندهم بالممارسة التدليلية على النص وأصبح كل من هربت عنه ناقته أسندها إلى دليل ديني .
ولو تأملنا الممارسة الدينية المعاصرة سنجدها فعل مليء بالخراب والعويل؛ إنه تقديس للفعل الأخروي القيومي على حساب الفعل الدنيوي على قيمة الفرح باعتبارها صنيعة دنيوية تدفع الإنسان للصناعة لا للفناء، فهذا التحاكم الطبيعي جعل التكفير معضد بلاغي لنمط عقلاني تَكوَّن وتراكم في مساحة الصحراء باعتباره محفزا على نزعة الفناء والخراب .
لذلك تشهد المدينة العربية تزاوجا في الخطاب بين بنيتين معرفيتين مختلفتين؛ معرفة تدفع إلى تناص مع القيمة الدنيوية فعلا عمرانيا و سلوكيا، وأخري متخيلة في العمق الوجداني تعمل على جذب الإنسان من الخلف نحو قيمة التراب، قيمة الفناء الموت الأنطولوجي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال