الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يستطيع الاسلاميون ان يغدروا بنا؟

طلال عبدالله الخوري
(Talal Al-khoury)

2011 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل يستطيع الاسلاميون ان يغدروا بنا؟
بعد ان وصل الاسلاميون للحكم بتونس, وهم مرشحون أيضا بان يصلوا للحكم باكثر من بلد, مثل: سوريا, مصر واليمن,...الخ, من خلال الانتخابات الديمقراطية, كثر الجدل حول نوايا الاسلاميين المستقبلية, حيث هناك تخوف من انهم سيتنكرون للديمقراطية, والبرنامج الانتخابي الليبرالي الذين اوصلاهما للسلطة؟!

من الملاحظ حاليا بأن الاسلاميون قد قفزوا على قطار الثورات العربية, وساهموا بانجاح هذه الثورات بشكل او بآخر. ولقد غيّر الاسلامينون ايضا من خطابهم, وتبنوا الخطاب الليبرالي, ولقد قام المرشد الروحي للاسلاميين, يوسف القرضاوي, بتأصيل للديمقراطية من التراث الإسلامي, وهذا كان يسيرا له لأن الاسلام يتميز بأنه حمال اوجه. وذهب الاسلاميون الى ابعد من ذلك حيث وعدوا بانصاف المرأة! فالمتحدثة باسم المجلس الوطني السوري ذو الاغلبية الاسلامية, بسمة قضماني, هي امرأة غير محجبة! والمتحدثة باسم حزب النهضة ايضا امرأة غير محجبة, واعتبر اعضاء من الحزب بحملاتهم الانتخابية بان شرب الكحول( المحرم شرعا) حرية شخصية، كما قدم الحزب وعوداً بأن يحافظوا على قوانين الأحوال الشخصية؟ اما حماس التي وعدت ناخبيها برمي اسرائيل بالبحر, تراقب هي الآن الاسرى الفلسطينيين المحررين بصفقة شاليط, لكي لا يزعجوا اسرائيل؟ اما اسلاميو مصر فيتحاورون مع الاميركان علناً؟

في هذه المقالة نريد ان ندلي بدلونا في هذا النقاش الهام والحيوي والمصيري, محاولين الاجابة على السؤال التالي:

لو فرضنا جدلاً بأن هناك نية لدى الاسلاميين بالغدر بنا فهل يستطيعون ذلك؟

للاجابة على هذا السؤال اريد ان اعرج الى التاريخ قليلاً, لكي أجلب منه مثالا قريبا من حالة الاسلاميين الذين قد يظنون بانهم يستطيعون ان يخدعونا, مثلما ظن اجدادنا عندما دخلوا الاسلام لكي يحافظوا على ممتلكاتهم, بانهم يستطيعون المناورة مؤقتا ثم يرتدون عن الاسلام عندما تسنح لهم الفرصة؟ ولكن الحقيقة هي انه بعد جيل او جيلين اصبح اجدادنا من الذين دخلوا الاسلام من اشد المتدينين بالاسلام!

لايضاح هذه الفكرة ساسرد قصة مثل يتداوله السوريون منذ مئات السنين بجلساتهم, وبسبب غياب المراجع التاريخية الموثوقة, يحق لنا استخدام القصص المتواترة لتوثيق تاريخنا. لقد اصبحت خاتمة هذه القصة مقولة شعبية يستشهد بها السوريون عند محاولة احد الاشخاص البسطاء بغدر من هو أدهى منه, فيقول السوري بهذه الحالة: اجينا لنسلم, لقينا الخوري عميؤذن (اي اتينا لنشهر اسلامنا, فوجدنا القسيس قد سبقنا وهو الآن ينادي بالآذان)؟
مناسبة هذه القصة: هي بعد الفتح الاسلامي لبلاد الشام كانت كل سوريا وبكامل قراها مسيحية متدينة. ولتأليف قلوب الناس على الدخول بالاسلام ( المؤلفة قلوبهم: مبدأ معروف بالاسلام لاغراء الناس للدخول بالاسلام) كان هناك عرف اسلامي مفروض يقضي بانه, بأي قرية, اذا أسلم ولو شخص واحد بهذه القرية, فيتم اقتسام املاك القرية من اراض بين المسيحيين والمسلمين مناصفة! اي يصبح هذا الذي ادعى انه اعتنق الاسلام مالكا لنصف اراضي القرية, ويبقى النصف الاخر لبقية سكان القرية من المسيحيين!
تقول القصة: كان باحدى القرى السورية خوري يملك كل اراضي القرية التي ورثها ابا عن جد. وكان هذا القسيس بحكم منصبه الديني والاقتصادي يفرض الكثير من الطلبات على سكان القرية من الفلاحين الذين يعملون لديه. فامتعض مجموعة من الفلاحين وارادوا ان يلقنوا هذا القسيس الذي اهلك كاهلهم بمتطلباته درسا لا ينساه, وارادوا ان يشهروا اسلامهم لكي يحصلوا على نصف املاكه من الاراضي! لاشئ يخفى على القسيس بالقرية وقد عرف بنوايا فلاحيه. ذهب الفلاحون الى اقرب مكان فيه مسجد لكي يشهروا اسلامهم فوجدوا القسيس قد سبقهم باشهار اسلامه واخذ ينادي بالآذان لكي يعلم الجميع بقراره. طبعا اخر ما كان يريده هذا القس هو ان يخسر نصف املاكه لفلاحيه ولو كان على حساب دينه, فعند حسابات الملك تنتهي وتتوقف حسابات الله. وبما أن الخوري قد سبقهم باشهار اسلامه, فلا يحق للفلاحن مقاسمة المسلم على املاكه, وبقي القس مالاكا للارض وبقي الفلاحون يعملون لديه. وهنا,طبعا, اطلق الفلاحون مقولتهم الشهيرة والتي يستخدمها السوريون: اجينا لنسلم, لقينا الخوري عميؤذن. أي بمعنى اخر: ارتضينا لانفسنا ان نكفر لكي تصطلح احوالنا, ولكن حتى الكفر لم يسعفنا؟ طبعاً, بالنسبة للسوريين في ذلك الوقت كان اشهار الاسلام هو الكفر! والكفر بالنسبة للسوري هو اشنع اثم يمكن ان يرتكبه الانسان ولا يجاريه اي أثم اخر .
طبعا لو حاول اي من الفلاحين او سادتهم بأي وقت من الاوقات الرجوع الى دينه الاصلي, لكان حكم الردة والقتل بانتظاره, هذا عدا ان اسرته ستخسر كل امواله وممتلكاته. ولكي يتجنب اي من الذين اسلمواشبهة الردة وبالتالي حكم الردة, فقد بالغوا باظهار تدينهم بالاسلام,.. وجيلا بعد جيل من المبالغة بالتدين, اصبح لدينا هذا المستوى المفرط من التدين في معظم البدان العربية والاسلامية والذي نراه الآن.

نحن نجزم بأن عبقرية الرسول وسر انتشار الاسلام يكمن في ان رسول الاسلام قد طور هذه المنظومة المتكاملة من شروط الاسلمة والتي تقول: اما الاسلام او الجزية او الحرب, ثم مكاملتها مع قانون الردة لمنع الذين يدخلون بالاسلام من الخروج منه. وبهذه التقنية البسيطة استطاع رسول الاسلام ان يخضع عشرات الشعوب المتحضرة والتي تمتد حضارتها الى آلاف السنين ومتجذرة بعمق التاريخ وهي الشعوب العربية, والارامية والعبرية والاشورية والسريانية والفارسية والقبطية والامازيغية والتركية والاوروبية والحضارات الاسيوية حتى الهند عبر افغنانستان وبكاستان حتى بلاد الهند والسند, وهذا الانجاز لم يسبقه اليه احد بتاريخ الانسانية.

اذا في منظومة الرسول للاسلمة كان حكم الردة بالقتل هو الرادع لمنع الذين دخلوا بالاسلام من التراجع عنه, فما الذي سيمنع الاسلاميين الحاليين من الارتداد عن الديمقراطية وبرامجهم الليبرالية؟؟ الذي سيمنعهم هو العوامل التالية:

اولا: ان العالم, الآن, قد تغيّر! وبالتالي الشعب العربي قد تغيّر كأحد مكونات شعوب العالم, فلا يستطيع الاسلاميون ان يعزلوا شعبنا بعد الآن عن بقية شعوب العالم كما فعل حكامنا المستبدين بالسابق والذين تخلصنا منهم اصلا لهذا السبب, واصبح شعبنا يزخر بالمثقفين والمتنورين والعلمانيين والذين تخرجوا من ارقى الجامعات بالعالم, ولن يستطيع احد معاملته كالقطيع, بعد ذلك, كما كان يفعل الطغاة سابقا,لان جدار الخوف قد تحطم وتقنية الثورات والاعتصامات اصبحت معروفة للجميع.

ثانيا: التكنولوجيا المتطورة التي سهلت من تواصل الشعوب مع بعضها البعض و بالتالي اصبحنا كمن يعيش بقرية كونية ننشد الحرية والديمقراطية.

ثالثا: لكي يستطيع اي حزب ان يقود حكما بوقتنا هذا ويرضي شعبه, فيجب عليه ان يقود تنمية اقتصادية, والتنمية الحقيقية لا تتم الا باستخدام اقتصاد السوق التنافسي, وهذا الاقتصاد لا يكون ناجحا وتنافسيا الا اذا كانت الحكومات لا تتدخل باقتصاد السوق. واذا فشل الاسلاميون اقتصاديا فسيعزف الناس عن انتخابهم.

اهم عقبة تجعلنا نتوجس من اعطاء الاسلاميين فرصة بالحكم هي المال الوهابي الذي يجد بالاسلمة وسيلة لاستمرار نظامه؟؟ فنحن على يقين بان البترودولار سيتدفق الى الاسلاميين لشراء الذمم والاصوات؟؟ ولتقوية حكمهم وتثبيته؟ ولكن من جهة اخرى لدينا امل بأن المال الوهابي لم يعد يستطيع ان يتغلب على الجيل الحالي المتنور والمتسلح بالتكنولوجيا والمتكامل مع العالم الخارجي بالعولمة. من جهة ثانية, فان المال الوهابي لم يعد قادرا على تغطية كلفة الاسلمة التي اصبحت مكلفة عليه وخاصة بانه هو اصلا بحاجة لهذا المال لبلاده للقيام بالمشاريع الاقتصادية لتنمية بلاده لكي لاتثور بلاده ضده ايضا.

مما سبق نرى, بأن كفر الاسلاميين بالاسلام وقبولهم بمبادئ الليبرالية لكي يجمعوا بين السلطة ويتمتعوا بهالة القداسة الاسلامية, لن تنجح معهم ,ولكنهم بالحقيقة بانهم سيتحولون الى علمانيين متشددين وبدون اي قداسة اذا ارادوا ان يحكموا في عصر العولمة. ونحن نعتقد بان فوز الأحزاب الإسلامية بالانتخابات الديمقراطية، ستنهي من تربية الأوهام في عقول الأسلاميين، لانهم سيضعون انفسهم بين خيارين لا ثالث لها، إما أن تتبنى هذه الاحزاب حكماً علمانياً ديموقراطياً، كما في حزب العدالة والتنمية التركي، وبذلك تخسر قداستها وشعاراتها الدينية المضللة، أو تعاند الحقائق وتصطدم بحائط العناد والفشل من الناحية السياسية والاقتصادية، وبالتالي يعزف الناس عن انتخابهم, وبهذه الطريقة الباهظة الثمن سيلاقي الاسلام السياسي حتفه, وحتما بالنهاية, سيتم فصل الدين عن الدولة كما حدث في اوروبا.
وفي الختام نحن نجزم بأنه كما اصبح السوريون وغيرهم من متدينين ومتعصبين بالاسلام, بنفس الطريقة سيتحول الاسلاميون مع الزمن لاشد المتعصبين للعلمانية, فليس من السهل الغدر بالشعوب في وقتنا الحالي.

طلال عبدالله الخوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مصلحة الغرب دعم الديكتاوريات وليس تقدم الشعوب
علي سهيل ( 2011 / 11 / 8 - 10:16 )
تحياتي واحترامي
البنود الثلاثة التي ذكرتها اي ان العالم تغير ولا يسمح للدكتاتوريات الاستمرار في الحكم، والتكنلوجيا المتطورة التي جعلت العالم قرية واحدة ، والتنمية الاقتصادية شرط من استمرارية الحكم، ستكون سد منيع لكبح جماح الانفرادية واستقصاء الاخر.
هذه البنود لم توصلهم للحكم ولن تكون مقياس او معيار لاستمرارهم في الحكم، نلاحظ تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في ايران لم تكبح جماح الانفرادية والتسلط بل زاد القمع واقصاء الاخر المعارض من نفس التيار الفكري، وايضا التجربة التي خاضتها حماس في حكم غزة ورغم الحصار والوضع الاقتصادي السيء وزيادة معدل الفقر المدقع وعدم الانتاجية الاقتصادية في جميع المجالات وتحول المجتمع إلى مستهلك فقط لم يزعزع انفرادها في الحكم بل زادت سيطرتها وتحكمها في جميع مجالات الحياة.
استمرار الدكتاتوريات وحكم الفرد الواحد تم في الماضي بدعم مباشرمن الغرب او تغاضيه والاستفادة القصوى من تلك الاوضاع فاستمر حكمهم تحت حجج واهية، وايضا قفز الاسلام السياسي على الحكم وتمهيد الطريق له و بمباركة الغرب لان مصلحتهم المتبادلة ليست بتقدم الامة العربية بل بتخلفها لتسهيل استغلال مواردها


2 - Optimistic.......but??
Raad mosses ( 2011 / 11 / 9 - 03:06 )
Dear Talal,
You are so optimistic and this could be right if you talk about Tunis because of their background but the others I have doubt. but Also we have to take in our considerations not all Arabic countries like Saudi Arabia rich country to spend billions of dollars on religious stuff. They have to go with business mind otherwise they will lose everything forever. Also strategy of America and Europe will help them go with this mind or that mind? Regards


3 - maybe yes mabe not
saadmosses ( 2011 / 11 / 9 - 03:52 )
dear talal your article is very nice like as a research for the history but you didnot take your considerations about the islam growing in the west and try to support their people in middle east , i believe the west did abig mistake when they accept moslims as immigrants in the west and they collect the money from west people tax payer as a refugee, so i believe the world future willbe very dark for a while and willbe bloody every where, idont think we will see any shinny life in the closer time till 50 year from now the cancer now all over my dear thanks dear


4 - افهم تخوفاتكم المشروعة
طلال عبدالله الخوري ( 2011 / 11 / 9 - 13:53 )
كل الشكر للسادة القراء والمعلقين الذي ابدوا ارأء متباينة منها ما يتفق ورأي المقالة ومنها ما يخالف فكرة المقالة. فكل الشكر لقراءة المقالة والتعبير عن الرأي والاختلاف بطريقة حضارية.
انا افهم جميع السادة الذين رفعوا مخاوفهم من الاسلاميين وانا اعتبر بان مخاوفهم وتحفظاتهم مشروعة 100%
واخص بالشكر الاستاذ علي سهيل
والسيد الفاضل سعد موسى

والسيد الفاضل رعد موسى

كل المودة


5 - ألإسلام غول يأكل حتى أبائه ؟
سرسبيندار السندي ( 2011 / 11 / 10 - 16:55 )
بداية تحياتي لك ياعزيزي طلال وتعليقي ؟

1 : الحقيقة المرة والساطعة تقول أن ألإسلام غول يأكل حتى أبنائه إذا ما جاع ، بشهادة الواقع والتاريخ ؟

2 : لقد إكتشف الغرب ولو متأخرا أن لأ دواء للمسلمين إلا إشغالهم بالحروب والإقتتال مادام فصول الربيع لايستحقونها ، وما التسميات (الربيع العربي ) إلا مقدمة لفصل طويل من الشتاء القارص جدا ؟

3 : ورغم هذا وذاك لايصح في ألأخير إلا الصح ، ولكن الثمن سيكون باهظا جدا ؟


6 - نظرية المؤامرة
طلال عبدالله الخوري ( 2011 / 11 / 10 - 17:25 )
تحية للفاضل س. سندي على المرور وابداء الرأي
انا افهم ما ورد بتعليقك...
ولكن شخصيا لا اميل الى نظرية المؤامرة..
مع العلم بأن جميع الدول تسعى لتحقيق مصالحها بابخس سعر ممكن.

تحياتي للجميع


7 - تعليق وصل لبريدي
طلال عبدالله الخوري ( 2011 / 11 / 11 - 16:15 )
الشرق الاوسخ
مج
ليت من ياتي ويخلص البشر من سرطان الاديان والقوميات العقيمه
ليت من ياتي ويسحق الشرق الاوسخ بشرا على وجه هذه الارض
الشرق الاوسخ يحتوي اوسخ واقذر والئم ا لبشر بل هم سبب تعاسة مل البشر
هم من علم الناس الحقد والحسد واللئم والكراهيه
هم شعوب جشعه لا تشبع ولاتقنع
هم شعوب لا تفلح في شئ الا في الاذى والدمار والخراب
هم شعوب سرطانيه خبيثه قاتله اينما ذهبت
هم شعوب لاتنتج الا الالم والقهر
هم كتل حقد وكراهيه متحركه
November 10, 2011 10:15 PM

رد الكاتب على السيد مج
انا افهم موقفك الاستأصالي من الاديان ولكن التجربة العملية للشعوب المتحضرة تعلمنا بان ما نحتاجه للتخلص من سرطان الاديان هو فصلها عن الدولة
اي بمعنى اخر وقف عنها التمويل وحجب عن قوة السلطة.
وهاتين الخطوتين كفيلاتان بايقاف سرطان الاديان
كل المودة

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ