الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آساطير ألأولين- عقائد ما بعد الموت-3

كامل علي

2011 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


( وخشية الانوناكي تطيل ايامك على هذه الارض)....أسطورة سومرية.
(ما رجائي إنّما الهاوية بيتي وفي الظلام مُهدت مضجعي قلت للفساد انت ابي وللديدان انتِ امّي واختي. اذن اين رجائي. رجائي من يراه. إنّه يهبط الى ابواب ألهاوية).... العهد القديم: أيوب الخروج، الاصحاح 10: 19-22.
(عندما تحين النهاية فإن من اتبع البهتان سوف يُرَدُّ إلى أسوأ مقام، ومن اتبع الحق فسوف يُرَدُّ إلى أسمى مقام)...... زرداشت-نشيد الغاثا.
(من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية).....السيد المسيح.
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)..... سورة الجاثية – الآية - 24

الانسان يخاف من المجهول اكثر من خوفه من العدم. فقد تساءل الانسان منذ القدم بعد ان اكتسب الوعي نتيجة تطوّر دماغه، ما المصير بعد الموت؟ اين سنذهب بعد الموت؟ ماذا سيحدث بعد الموت؟
عقائد ما بعد الموت مرت بمراحل تطوّرية عديدة بعد اكتساب الانسان الوعي، الاجابات جاءت مختلفة باختلاف العصور التي مرّ بها الانسان عبر تاريخ الحضارة الانسانية.
في سلسلة مقالات ( أساطير ألأولين ) سنحاول القاء الضوء على مختلف عقائد ألإنسانية المتعلقة بما بعد الموت عبر رحلة تبدأ باساطير الحضارة السومرية والبابلية والآشورية وألزرداشتية ومعتقدات الاديان الابراهيمية ( اليهودية والمسيحية والاسلام).

4- الزرداشية:
عقائد ما بعد الموت الزرداشتية احدثت انقلابا فكريا في المعتقدات الدينية ونلاحظ تأثيراته في الديانات الابراهيمية (اليهودية والمسيحية والاسلام)، فلأول مرة يتعرّف الفكر الانساني على مبدأ الثواب والعقاب في ألآخرة، ويُمكن تقسيم عقائد ما بعد الموت الى ما قبل الزرداشتية والى ما بعد الزرداشتية.
يوضّح اللاهوت الزرداشتي بكل دقّة وتفصيل حياة العالم الآخر.
فبعد الانتصار النهائي (لاهورامزدا) الاله الممثل للقوى الخيّرة والضياء والنظام على( أهريمان) الاله الممثل لقوى الشر والظلام والفوضى. يتوّج أهورامزدا الها واحدا احدا مطلقا على الاكوان وتبعث الاموات من مرقدها الى يوم الحساب فيوضع امام كل انسان ميزانه الذي يوزن حسناته وسيئاته، فمن زادت حسناته فالى نعيم دائم ومن كثرت سيئاته فإلى جحيم مقيم.
يرتبط معتقد نهاية التاريخ ارتباطاً وثيقاً بمعتقد البعث والحساب والحياة الثانية. فبعد أن دخل الموت في نسيج الحياة خلال فترة التمازج بين الخير والشر صار الموت من نصيب كل كائن حي، وبوابة عبور من حالة الجيتنغ المادية إلى حالة المينوغ الروحانية الهلامية القاصرة. فالأرواح بعد مغادرة الأجسام عقب الموت تبقى في برزخ المينوغ تنتظر يوم القيامة بشوق وترقُّب لكي تلتقي بأجسادها التي تبعث من التراب.
يحدثنا زرادشت في أناشيد الغاثا عن مصير الروح بعد الموت وأحوالها إلى زمن البعث والنشور. فبعد مفارقتها الجسم تَمثُل الروح أمام ميترا قاضي العالم الآخر (وهو رئيس فريق الأهورا الذين يشكلون مع الأميشا سبنتا الرهط السماوي المقدس) الذي يحاسبها على ما قدمت في الحياة الدنيا من أجل خير البشرية وخير العالم. ويقف على يمين ميترا ويساره مساعداه سرواشا وراشنو اللذان يقومان بوزن أعمال الميت بميزان الحساب، فيضعان حسناته في إحدى الكفتين وسيئاته في الأخرى. وهنا لا تشفع للمرء قرابينُه وطقوسه وعباداته الشكلانية، بل أفكاره وأقواله وأفعاله الطيبة.
فمن رجحت كفة خيره كان مآله الفردوس، ومن رجحت كفة شره كان مثواه هاوية الجحيم. بعد ذلك تتجه الروح لتعبر صراط المصير، وهو عبارة عن جسر يتسع أمام الروح الطيبة، فتسير الهوينى فوقه إلى الجهة الأخرى نحو بوابة الفردوس، ولكنه يضيق أمام الروح الخبيثة، فتتعثر وتسقط لتتلقَّفها نار جهنم. هناك أنغرا مانيو نفسه يسوم المذنبين سوء العذاب. أما من تساوت سيئاته وحسناته فيعبر الصراط إلى مكان وسط بين النعيم والجحيم، حيث يستمر في وجود باهت كظل شبحي بلا إحساس ( في الدين ألإسلاميتطوّرت هذه ألفكرة فالذين يتساوى اعمالهم الحسنة والسيئة ينتظرون في منطقة عالية بين ألجنّة والجحيم تُسمّى بألأعراف، إلى أنْ يقرر ألله مصيرهم).
هذا وتقدِّم شروح اللاهوتيين الزرادشتيين مزيداً من التفاصيل حول هذه القيامة الفردية. فبعد أن يوارى الميتُ مثواه الأخير تمكث روحه عند رأسه ثلاث ليال تتأمل في حسناتها وسيئاتها. وخلال ذلك يزورها ملائكة الرحمة إن كانت من الصالحين، أو شياطين العذاب إن كانت من الكافرين، فيسومونها سوء العذاب ( في ألمعتقد الإسلامي يزور ألميّت في ألقبر ملكان هما منكر ونكير لإمتحان ألميّت). وفي اليوم الرابع تُساق الروح إلى جلسة الحساب(في ألمعتقد الإسلامي يكون ألحساب في يوم ألقيامة وليس بعد أربعة ايام من ألوفاة).
وبعد اجتياز امتحان الميزان الذي يقرر مكان ألروح تتجه إلى الصراط، وهو عبارة عن جسر يشبه السيف: فإذا كان العابر روحاً خبيثة فإن السيف يستدير بطرفه الحاد نحو الأعلى، فتخطو الروح عليه ثلاث خطوات، هي الفكر السيئ والقول السيئ والعمل السيئ، وعندما تحاول الخطوة الرابعة تنزلق إلى مهاوي جهنم؛ أما إذا كان العابر روحاً طيبة فإن السيف يستدير بطرفه العريض لتعبره الروح إلى الطرف الآخر بسلام.
وفي رواية أخرى، نجد أن الصالح، بعد خطوته الأولى على الصراط، تهب عليه ريح عطرة آتية من الجنة، وعند منتصف الصراط تظهر له فتاة في ريعان الصبا لم تقع العين في الحياة الدنيا على أجمل منها، فيسألها: "من أنتِ؟" فتقول: "أنا عملك الطيب." ثم تأخذ بيده إلى الجنة. وأما الإنسان الطالح، فبعد خطوته الأولى على الصراط تهب عليه ريح نتنة من أعماق الجحيم، وعند منتصف الصراط تظهر له عجوز شمطاء نتنة لم تقع العين على أقبح منها، فيسألها: "من أنتِ؟" فتقول: "أنا عملك السيئ." ثم تقبل عليه وتعانقه، فيهويان معاً إلى الجحيم.
يتألف الجحيم من عدة دركات، يقع أسفلها في مركز الأرض، حيث يتكاثف الظلام حتى يمكن إمساكه باليد، وحيث يتصاعد نتنٌ لا تطيقه نفس بشرية أو شيطانية. فيستقبل كل درك أهلها حسب فداحة ذنوبهم، وتُقدَّم لهم من صنوف العذاب ما يوازيها. أما السماء فتتصاعد على ثلاث درجات تقابل الفكر الحسن والقول الحسن والعمل الحسن. فالدرجة الأولى عند خط النجوم، والثانية عند خط القمر، والثالثة عند خط الشمس. فتصعد الروح هذه الدرجات تباعاً وصولاً إلى السماء العليا غارو–ديمانا، أو مسكن الغناء، وهناك تقيم في بركة وسلام إلى يوم الحساب الأخير.
بظهور المخلّص شاوشنياط* تحل الأيام الأخيرة وتقترب الساعة: يوم تلفظ الأرض ما أُتخِمَت به من عظام الموتى خلال مراحل التاريخ الثلاثة، ويُفرَغ الجحيم والفردوس من سكانهما ليعودوا إلى الحشر العظيم. هناك يلتقي من مات منذ آلاف السنين بمن بقي حياً إلى يوم الدينونة، ليأتي الجميع إلى الحساب الأخير. في ذلك اليوم، يسلِّط الملائكة ناراً على الأرض تذيب معادن الجبال وتشكل نهراً من السائل الناري ما من أحد إلا وارده. فأما الأخيار فيعبرونه كمن يخوض في نهر لبن دافئ؛ وأما الأشرار فينجرفون في التيار الذي يفنيهم ويمحو عن الأرض أثرهم بعد عذاب أليم.
ويكون جند الظلام قد اندحروا في المعركة الفاصلة مع جند النور واستؤصلت شأفتهم، فيغوص في نهر النار إلى أعماق الجحيم حيث لجأ أنغرا مانيو ومن بقي معه، فيلتهمهم جميعاً ويتم التخلص من آخر بقايا الشر. كما أن الجحيم نفسه يتطهر مثلما تطهرت بقية أجزاء الكون، ويغدو إقليماً من أقاليم الأرض الزاهرة. عند ذلك يعيش الذين عبروا نهر النار سالمين في أرض جديدة وتحت سماء، هي نفس الأرض ونفس السماء وقد تطهَّرتا وصارتا نقيتين إلى الأبد. ثم يقوم أهورا مزدا بسقيا هؤلاء الأخيار شراب الخلود الذي يجعل أرواحهم وأجسادهم في اتحاد أبدي، ويغدون خالدين في جنة وِسعُها السماوات والأرض، كل بقعة فيها ربيع أخضر دائم، وتحتوي على كل شجر وثمر وزهر.
* شاوشنياط (أو شاوشيانز) – هو الذي يقود المعركة الفاصلة بين قوى النور وقوى الظلام. وسوف يولد المخلِّص شاوشنياط من عذراء تحمل به عندما تنزل للاستحمام في بحيرة كانا سافا، فتتسرب إلى رحمها بذور زرادشت التي حفظها الملائكة هناك إلى اليوم الموعود ( في العقيدة ألمسيحية ألإله المخلِّص أبن ألله أيضا يولد من عذراء ولكن عن طريق روح ألقدس).
المصادر:
مغامرة العقل الأولى...... فراس السوّاح
ميلاد ألشيطان...... فراس السوّاح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اساطير
د.كاظم الربيعي ( 2011 / 11 / 8 - 09:06 )
تحية طيبة من اعماق القلب .الموضوع جميل واعتقد ان العقل الشرقي واحد ان كان زرادشتي او يهودي او مسيحي اوصابئي او مسلم .


2 - د.كاظم الربيعي
كامل علي ( 2011 / 11 / 8 - 13:30 )
تحية عطرة
شكرا لمرورك د. كاظم، حقا ما قلت فكلنا ننهل من نبع واحد


3 - مجرد سؤال اخي کامل
خسرو ( 2011 / 11 / 8 - 18:35 )
تحیة لك و لقراء الحوار .هل یوجد سفر فی العهد القديم بأسم ایوب الخروج ؟
این هذا النص فی العهد القدیم ؟
ما رجائي إنّما الهاوية بيتي وفي الظلام مُهدت مضجعي قلت للفساد انت ابي وللديدان انتِ امّي واختي. اذن اين رجائي. رجائي من يراه. إنّه يهبط الى ابواب ألهاوية
ايوب والخروج سفران لوحدهما لایوجد في العهد القديم بأسم سفر ايوب الخروج لك منی کل الاحترام


4 - خسرو
كامل علي ( 2011 / 11 / 9 - 06:43 )
عزيزي خسرو
شكرا للتصحيح واعتذر للقراء لحدوث السهو

اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل