الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيقة المولود كأسطورة طقوسية

سامح محمد إسماعيل

2011 / 11 / 9
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


حيث ينتشر التخلف والفكر البدائي تولد الأسطورة وفيها يلعب عالم القداسة المفارق (السماء) دور البطولة ، وشخوص هذا العالم من آلهة وملائكة وشياطين وأرواح مقدسة تقرر في ظرف معين التخلي عن ترفعها وسموها عن العالم البشري والتورط في حدث أرضي ما بشكل مباشر، وعليه تنطلق الرواية الخيالية من معطيات بشرية إلى هذا العالم المفارق لتكتسب حينئذٍ قداسة إلهية تجعلها تترسخ في العقل الجمعي بشكل عميق يصبح فيما بعد أحد مكونات هذا العقل وأهم منطلقاته الرئيسية إلى الحد الذي يجعلها مسلمّة لا يمكن المساس بها ، وقد راجت صناعة الأسطورة في عصور كان الإنسان فيها يقف عاجزا عن التماهي مع العالم وتفسير ظواهره ، فلجأ إلى الخيال واحتمى به وأسقط عليه كل نقاط ضعفه وآماله ومخاوفه وربما عقده النفسية ومكوناته السوسيولوجية(الاجتماعية) ، هنا قدم الخيال حلولا سحرية وهدأ من نفس هذا الكائن الهائم على وجهه في البرية والذي أحال إليه ما عجز عن فهمه أو تفسيره ، ومن ثم تنوعت الطروحات الميثولوجية وتوغلت الأسطورة بمكوناتها البشرية وهالتها الإلهية بشكل جعلها تتجذر وتتعمق في داخل الوعي الإنساني ، بل وتحافظ على وجودها وسطوتها حتى في عصور العلم والمعرفة .

عقيقة المولود كأسطورة طقوسية :

تمثل الأسطورة الطقوسية أحد أبرز تجليات الميثولوجيا ، وهى تختص بطقوس الأفعال التي يراد من خلالها التقرب إلى عالم القداسة والحفاظ على رخاء المجتمع لأن إهمال الطقس يجلب غضب السماء ويستمطر لعناتها وبالتالي كان الحرص دائما على حرفية الطقس والإتيان به في مواعيده المحددة سلفا بمناسبات كالزواج والموت والميلاد ، والأسطورة الطقوسية تعبر في مضمونها عن معطيات البيئة التي تمارس فيها كما أنها تعبر عن قيم مجتمعية ورغبات غريزية وانفعالات نفسية أي أنها تعبر عن ثقافة هذا المجتمع الذي يمارسها ويقدسها في ذات الوقت .

كان الذبح للمولود من أبرز الطقوس التي عرفت في تاريخ الإنسانية ، فغريزة الإنسان التي تدفعه للتكاثر والإنجاب يكتنفها خوف وقلق من فقدانه ، وحيث أن المجتمعات الإنسانية الأولى كانت ذكورية بطبعها فإن تفضيل الذكر صاحبه خوف متزايد ، وبالتالي يأتى الطقس المقدس هنا كوسيلة وآداة لدفع هذا القلق بتقريب قربان للسماء التى تصبح آنذاك مكلفة بالحفاظ على حياة الصغير ومباركتها أيضا .

ظهر هذا النوع من الطقوس عند الفراعنة ، حيث تشير بعض الرسوم الجدارية التي تعود إلى عصر الدولة الحديثة إلى هذا الاحتفال الذي يجري بعد مرور أسبوع على الميلاد ، شكرا للآلهة التي حفظت الطفل من الأرواح الشريرة ، وتقربا إليها لتواصل حمايته مستقبلا ، وتتناول نصوص العهد القديم هذا الطقس بشيئ من التفصيل عند اليهود ،حيث تبدأ المراسم بنحر الذبيحة التي يقربها صاحب القربان واضعا يده على رأسها عند مذبح المحرقة ، ثم يرش الدم على المذبح بواسطة الكاهن :"...... كان دم الذبيحة يرش أولاً على المذبح الذى لدى باب خيمة الاجتماع وكان الكاهن فقط هو الذى يرشه فرش الدم للتكفير للمغفرة من عمل الكاهن فقط ويرش الدم على حائط المذبح وفى بعض الذبائح يرش الدم على الحجاب وأسفل المذبح إشارة إلى أن المذبح تأسس بالدم ولولا الدم ما كان هناك مذبح وإشارة إلى أن الصلوات التى تصلى على المذبح تأخذ قوتها من الدم" – سفر اللاويين)). وكان اليهود يذبحون عن الولد فقط ، أما البنت فلا يذبح عنها ، وبالتالي يعبر الطقس هنا عن نزوع مجتمعي نحو تفضيل الذكر والاهتمام بالفداء عنه دون الأنثى .

وكان طقس الذبح فداءا عن المولود عند العرب قبل الإسلام من أهم الطقوس على الإطلاق ، فالنبي محمد ضحى عنه بكبش حيث يقول ابن عباس :" لما ولد النبي عق عنه عبد المطلب بكبش وسماه محمدا" ، وكان يتم تلطيخ رأس الطفل المولود بدماء الشاه المذبوحة كفعل طقوسي قد يكون الغرض منه التأكيد على تخصيص الضحية للطفل المراد الفداء عنه ، وكاليهود لم يكن العربي يضحى عن البنات ، حيث يقول ابن بريدة :"كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسـه بدمهـا" ، ومرة أخرى يعبر هذا التمييز عن ثقافة مجتمعية ذكورية تهتم بالذكر وتفخر به وتحرص على حياته .

كانت عادة العقيقة عند العرب طقس يرتبط بالوثنية ويحرص على التقرب بدم الذبيحة إلى الآلهة لتقوم بدورها بحماية المولود الذكر ومباركته ، فهل يمكن أن يستمر طقس وثني مغرق في التمييز بين الذكر والأنثى في ظل رسالة جديدة تحارب الوثنية وتسعى إلى إلغاء الفوارق الجنسية ومنح المرأة واجبات وحقوق لم تكن موجودة من قبل .

إن الثقافة العربية الذكورية لم تتخلص من نزعتها البدوية التي تفضل الذكر ، ومن تراثها الوثني الذي ينزع بشكل لا ارادى نحو الأسطورة بكل ما يكتنفها من طقوس بدائية بفعل مكوناتها الشخصية والثقافية المغرقة في القدم والموغلة في تاريخها الإنساني وبعدها الجغرافي الصحراوي ، من هنا انطلقت المرجعيات الفقهية وكتب الرواية والحديث تروج لكثير من الطقوس الميثولوجية التي انتشرت في الجزيرة العربية قبل الإسلام ، ثم تقوم بعمل مماهاة لتلك الأساطير لتتوافق مع طبيعة الدين الجديد ، لكنها لم تبتعد كثيرا عن الأصل ، أي أنها تأتي بصيغ معدلة فتستبدل بعض التفاصيل الثانوية بأخرى لا تفقد الفعل الأساسي (النحر) تأثيره أو أهميته يروى عن أبي هريرة أن النبي قال :" إن اليهود تعق عن الغلام كبشا ولا تعق عن الجارية، فعقوا عن الغلام كبشين وعن الجارية كبشا" ، هنا يأتي التعديل الأول بذبح كبشين عن الذكر وكبش عن الأنثى في تأثر واضح بالنص القرآني "للذكر مثل حظ الأنثيين" وتبدو النظرة الدونية للمرأة في الثقافة الفقهية بالتعبير عنها هنا بلفظ "جارية" ،ثم يأتى التعديل الثاني في رواية أبي داود عن عبد الله بن بريدة " كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسـه بدمهـا فلما جاء الله بالإسـلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران" ، هنا يستبدل الدم في الطقس الوثني بالزعفران في الطقس الفقهي .

لقد تحكمت سياقات العقل العربي ومنطلقاته الذكورية وتراثه الوثني ، وثقافته التي تأثرت باليهودية في هذا الفعل الطقسي المسمى بالعقيقة والتى لا يمكن أن تؤسس لفعل إنساني حضاري وانما هي من فعل تراث وثني يرتبط بالذاكرة الرافضة للتغيير والتجديد والمتوجسة من الانطلاق إلى فضاءات العلم والمعرفة الرحبة مفضلة السير خلف القطيع نحو الانتحار العقلي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | تفاصيل مفجعة عن شبكة لاغتصاب الأطفال عبر تيك توك ف


.. دور قوى وجوهرى للمرأة في الكنيسة الإنجيلية.. تعرف عليه




.. اغنية بيروت


.. -الذهنية الذكورية تقصي النساء من التمثيل السياسي-




.. الحصار سياسة مدروسة هدفها الاستسلام وعدم الدفاع عن قضيتنا ال