الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود إدراك الإنسان ومعرفته للذّات الإلهيّة

امال رياض

2011 / 11 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما حدود إدراك الإنسان ومعرفته للحقيقة الإلهيّة؟

أنّ العرفان على قسمين: معرفة ذات الشّيء ومعرفة صفاته، ومعرفة الذّات تكون بمعرفة الصّفات ليس إلاّ حيث أنّ الذّات مجهولة غير معلومة، ولما كانت معرفة الأشياء بالصّفات لا بالذّات وهي مخلوقة محدودة، فكيف إذاً يمكن معرفة حقيقة الذّات الإلهيّة وهي غير محدودة، لأنّ كنه الذّات لأيّ شيء غير معروف وإنّما يعرف بصفاته، مثلاً إنّ كنه الشّمس مجهول ولكنّها تعرف بصفاتها الّتي هي الحرارة والضّوء، وكنه ذات الإنسان مجهول وغير معروف، ولكنّه يوصف ويعرف بصفاته، ولمّا كانت معرفة كلّ شيء بصفاته لا بذاته – حال كون العقل محيط بالكائنات والكائنات الخارجيّة محاطة على الرّغم من هذا فالكائنات من حيث الذّات مجهولة ومن حيث الصّفات معروفة – إذاً فكيف يمكن أن يعرف ذات الرّبّ القديم الأبديّ المقدّس عن الإدراك والأوهام، يعني لمّا كانت معرفة الشّيء ممكنة بالصّفات لا بالذّات فلا شكّ أنّ الحقيقة الإلهيّة من حيث الذّات مجهولة ومن حيث الصّفات معروفة، وفضلاً عن هذا كيف تحيط الحقيقة الحادثة بالحقيقة

القديمة، لأنّ الإدراك ناشئ عن الإحاطة، فتجب الإحاطة حتّى يمكن الإدراك، وذات الأحديّة محيطة لا محاطة، وكذلك تفاوت المراتب في عالم الخلق مانع عن العرفان، مثلاً هذا الجماد ما دام في رتبته الجماديّة فمهما ترقّى لا يمكنه إدراك القوّة النّامية، والنّباتات والأشجار مهما ترقّت فلا يمكنها أن تدرك قوّة البصر، وكذلك لا تدرك سائر القوى الحسّاسة، والحيوان لا يمكنه أن يتصوّر رتبة الإنسان يعني قواه المعنويّة، فتفاوت المراتب مانع من العرفان وكلّ مرتبة دانية لا تدرك المرتبة الّتي فوقها، إذاً فكيف تستطيع الحقيقة الحادثة إدراك الحقيقة القديمة؟

لهذا فمعرفة الله عبارة عن إدراك الصّفات الإلهيّة وعرفانها لا إدراك الحقيقة الإلهيّة، ومعرفة الصّفات أيضاً ليست معرفة مطلقة، بل إنما تكون بقدر استطاعة الإنسان وقوّته، والحكمة عبارة عن إدراك حقائق الأشياء كما هي أي على ما هي عليه، وذلك بقدر استطاعة الإنسان وقوّته، لهذا فليس هناك سبيل للحقيقة الحادثة لإدراك كنه الذّات، بل إنّها فقط تدرك الصّفات القديمة بقدر الطّاقة البشرية، فغيب الذّات الإلهيّة مقدّس منزّه عن أن تدركه الموجودات، وكلّ ما يدخل تحت التّصوّر إنّما هو إدراكات إنسانيّة، فقوّة الإدراك الإنسانيّ لا تحيط بحقيقة الذّات الإلهيّة، بل الذّي يقدر الإنسان على إدراكه هو الصّفات الإلهيّة الظّاهرّة الباهرّة أنوارها وآثارها في الأفاق والأنفس، وإذا نظرنا في الآفاق والأنفس نرى من الكلمات الإلهيّة آيات باهرات واضحة مشهودة، لأنّ حقائق الأشياء تدلّ على الحقيقة الكلّيّة.

ومثل الحقيقة الإلهيّة كمثل الشّمس المشرقة من علوّ تقديسها على جميع الآفاق، ومن ذلك الإشراق يأخذ كلّ من الآفاق والأنفس قسطاً

ونصيباً، ولولا هذا الإشراق وتلك الأنوار لما كان للكائنات وجود ولكنّ جميع الكائنات تدلّ عليها وتستضيء بها وتأخذ منها قسطاً ونصيباً.

أمّا تجلّي الكمالات والفيوضات والصّفات الإلهيّة فهي ساطعة لامعة من حقيقة الإنسان الكامل، يعني ذلك الفرد الفريد المظهر الكلّيّ الإلهيّ، لأنّ سائر الكائنات اقتبست منه شعاعاً، أمّا المظهر الكلّي فهو مرآة تلك الشّمس، تظهر فيها بجميع كمالاتها وصفاتها وآثارها وآياتها، فمعرفة الحقيقة الإلهيّة ممتنعة محال، وأمّا معرفة المظاهر الإلهيّة فهي معرفة الحق، لأنّ الفيوضات والتّجلّيّات والصّفات الإلهيّة ظاهرة فيها، إذاً لو اهتدى الإنسان لمعرفة المظاهر الإلهيّة فقد فاز بمعرفة الله، ولو غفل عن معرفة المظاهر المقدّسة حرم من معرفة الله، فثبت وتحقق أنّ المظاهر المقدّسة هم مركز الفيض والآثار والكمالات الإلهيّة، طوبى لنفوس اقتبست أنوار الفيوضات الرّحمانية من تلك المطالع النّورانيّة. ونأمل أن يستفيض أحبّاء الله كالقوّة الجاذبة تلك الفيوضات من مبدأ الفيض، ويبعثون بأنوار وآثار تجعلهم آيات باهرات لشمس الحقيقة.
من كتاب (( المفاوضات )) لحضرة عبد البهاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العجز عن الادراك ادراك
عبدالغني زيدان ( 2011 / 11 / 15 - 13:51 )
اسمحي لي ان سيدتي الفاضلة ان اقرأ عليك نبأ من كان قبلك في هذا السياق الذي لا احب طرحه قيل** فيك يا قرة العين غدا الفكر كليلا *** كلما اقترب منك الفكر شبرا فر ميلا
وكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك
هذا على صعيد الذات الالهية فالله سبحانه وتعالى لا يمكن ادراك الا صفاته المنزه المطلقة وفي هذا السياق يكون العجز عن الادراك ادراك في هذا المجال.


2 - الكمال لله وحده
شاهر الشرقاوى ( 2011 / 11 / 16 - 05:13 )

أمّا تجلّي الكمالات والفيوضات والصّفات الإلهيّة فهي ساطعة لامعة من حقيقة الإنسان الكامل،
**************
تحياتى استاذة امال
لا يوجد على الاطلاق انسان او مخلوق فى الوجود كله أكمل من محمد رسول الله
ومع ذلك فالكمال المطلق لله وحده
ولا يصح ابدا ان نصف اى انسان مهما كان بانه مظهر لتجليات جميع صفات الله
والا ما مات

انك ميت وانهم ميتون
وكل من عليها فان ...ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام

لا اله الا الله يا استاذة
لا اله الا الله
وتقبلى تحياتى


3 - أهلآ وسهلآ
امال رياض ( 2011 / 11 / 16 - 09:55 )
مرحبآ بك اخى عبد الغنى
نعم اخى الفاضل لا يعرف الله تعالى إلا بإدراك صفاته المنزة والمنزلة على رسله
شكرآ لك


4 - مرحبآ بك اخى شاهر
امال رياض ( 2011 / 11 / 16 - 10:01 )
لا إله إلا الله الواحد الأحد الذى لا يوجد سواه فى الكمال
صدقت اخ شاهر لا يوجد انسان كامل فالكمال لله وحده ومن بعده اختار رسله وانبياء ووهبهم هذه العصمة .. ولكن لى ملحوظة لبد ان اقف عندها وهى ان الأنسان يسعى للكمال الإنسانى فى حدود طبيعته البشرية . فلكل كائن حدودات مثل الجماد لا يمكن ان يرقى الى حس النبات ولا النبات يرقى الى طبيعة الحيوان ولا الحيوان يرقى ابدآ الى الأدراك العقلى للإنسان وبالتالى مهما ترقى الإنسان وكان شديد الذكاء والعلم والمعرفة لا يمكن ابدآ بأى حال ان يصل الى الكمال الألهي .. فالإنسان .. يسعى للوصول الى الكمال الأنسانى وليس الكمال الألهي والله خلق الإنسان على صورته ومثاله ليعكس صفات الله من كرم وعزة وغيرها من صفات تحلى بها الأنبياء والمرسلون ليكونوا قدوة حسنة لبنى البشر .. والجملة التى ذكرتها حضرتك هى تعنى رسل الله تعالى وأنبيائه الكرام نحن البهائيين نقول على رسل الله مظاهر أمرة على الآرض الذين يعكسون لنا كل تجليات الرحمن الرحيم وهم مثل المرأة الصافية النقية التى نقتبس منها فيوضات المولى .. شكرآ لك كل الشكر


5 - فكرة ك حد الشعرة
عبدالغني زيدان ( 2011 / 11 / 16 - 11:03 )
السيدة امال انا كنت قد عارضتك في محتوى الكلام حسب ما يقتضي المقال والمقام الا انني سابتعد قليلا عن الموضوع لاعبر لك عن اعجابي في قدرتك على طرح قضايا فعلا هي فكرة ك حد الشعرة ان الانسان اذا اراد ان يكتب في هذا السياق عليه ان يكون قادرا مسيطرا ولا فان الوقوع في الشرك قريب واثارة طوفان الاتقادات سيكون سريع
الا ان بعض العقول وارك منها تحتاج الى قناعات من اعماق سحيقة لاخضاع الدماغ لمثل هكذا حقائق وانا اجد كثيرا من الناس غير مؤهلين للغوص لمثل هكذا اعماق ليجارويك بها مما يثير الشك في نفوسهم اتجاه افكارك .اشكرك


6 - شكرآ لك اخ عبد الغنى
امال رياض ( 2011 / 11 / 17 - 11:58 )
فى الحقيقة هناك موضوعات كثيرة وعميقة لا يختلف عليها ابناء البشر وهناك ثوابت ترتكز عليها فطرتنا الإنسانية .. احب دائمآ ان اجول فى حقيقة الإنسان لنحاول نبنى الجسور ونهدم ان جميع علامات الأزمان تدل على أننا الآن في فجر عصر جديد في تاريخ الجنس البشري يصح تسميته -عصر وحدة العالم الإنساني- أو -عصر الاتحاد-. وان فرخ نسر الإنسانية معلق للآن بوكر صخرة الأطماع المادية القديمة الصماء، فهو للآن يخاف من بسط أجنحته للطيران مع انه كان من قبل يشتاق إلى أمر أعلى وأجل مما كان فيه فهو يتردد في ضيق التقاليد والأوهام القديمة، ولكن الآن انتهى عصر ذلك الضيق فهو قادر الآن على الطيران بأجنحة الإيمان والعقل إلى العوالم العليا، عوالم المحبة والوحدة، والحقيقة الروحانية، ولن يعود يتقيد بالتراب كما كان قبل نمو أجنحته،السدود بيننا .
-قد ارتفعت خيمة الاتحاد، فلا تنظروا بعضكم بعضا كغرباء، أنتم جميعاً أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد،.. ليس العالم إلا وطن واحد والبشر سكانه...- (لوح مقصود).


7 - السيدة امال
عبدالغني زيدان ( 2011 / 11 / 20 - 04:58 )
هنالك الكثير من الامور المعلقة على كاهل الزمن للوصول الى ما ترنو اليه الانفس انا احترم العقول الواعية امثالك والتي تحاول ان تتخذ من العقل والنقاط المشتركة بين الانسانية للوصول الى الوحدة الى انني اعقب على ما قرئته بين حروف كلماتك
انا بحقيقتي لست علمانيا ولا ماديا الا نني اجد اصحاب هؤلاء المذاهب غالبيتهم لا زالو متمسكين في افكارهم التي اسقطها العلم الجديث غير جديين لاتخاذ العقل والمحبة والاهم ما ذكرته الحقيقة الروحانية للوضول الى الوحدة الانسانية التي اظن ان علومهم غير مؤهله لاستشعار هذا البعد يتخذون من افكارهم ستارة ليتمسكو بالجانب العملي المنبثق من فكرهم لمصالح شخصية
انا احترم العقول مثلك الين يعرفون الحقيقة من باب الايمان الى ان حب الوحدة يجعلهم يستقون الحقيقة من جانب اصعب ليخاطب الجميع من منظور عقلي الى ان المحافظة على الايمان خير وابقى


8 - رسالة للسيدة امال
عبدالغني زيدان ( 2011 / 11 / 20 - 05:06 )
اراك تقومين بدعوة عامة لجوهر معين هل من الممكن ان تسعفيني في معرفة ذلك كتاباتك تذكرني بكتاب نتشيه على لسان زردشت وهو يدعو للانسان المتفوق


9 - أهلآ برسالتك
امال رياض ( 2011 / 11 / 21 - 19:36 )
مرحبآ اخى عبد الغنى
انا لا اقوم بأى دعوة دينية او عقائدية رغم انى اعتقد فى البهائية التى هى احدث الأديان ظهورآ .ولكن لا املك اى عصمة فى دعوة لدين الله يبعث دينه ويحفظه وينشره رغم اعتراض اى معرض وهذا رأيناه مع ظهور كل رسالة ولكن . ان كنت ترانى ادعوا فأنا ادعو الناس الى الوحدة والأتحاد من اجل انقاذ حياتنا ومن اجل العمل على إصلاح العالم .انى ادعوا كل البشر على التخلص من الأوهام البالية التى عبرت بنا الى الجهل والتخلف عن آدميتنا .ادعوا البشر ان يتراجعوا عن مسار الأختلاف والعصبية والعنصرية والتمييز والخصوصية وان يجهدوا فى نشر الحب والتسامح والأتحاد والتعاون على تنقية الفكر الفاسد الأنانى لنرجع الى فطرتنا التى خلقنا الله بها .. فطرة النقاء والخير التى غابت عن عالم الإنسانية وبدت البشرية وكأن السر صفة متأصلة فى الطبيعة البشرية وهذا بعيد عن الطبيعة التى فطر عليها البشر .. هذا ما ادعوا اليه ولا اهدأ ابدآ فى نشر روح التسامح وكل التعاليم النبيلة التى هى من سمات الرحمن الرحيم ..
وعمومآ هذا رابط معظم الكتب البهائية لمجرد الأطلاع على ما جاء به الله من حلول لكل http://www.bahaichatroom.org/Books/

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي