الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في عالم المفاهيم(حول العلاقة بين النسبي والمطلق)

نقولا الزهر

2004 / 12 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المطلق، والحقيقة المطلقة، ومنطق الواقع، وطبيعة الأمور، واللوغوس بحسب فلاسفة الإغريق و(الكلمة) لدى يوحنا الإنجيلي، و(الكلمة الفعل) لدى غوته، كل هذه المفاهيم تعبر عن مفهوم الإله الواحد أو الله الذي هو نافٍ للآلهة والمتألهين على الأرض كما قال هيراقليط اليوناني.
مفهوم المطلق أو الله أو الإله الواحد لم يعرفه سوى الإنسان العاقل والصانع وهو حاد للنسبي وعامل الإنطلاق من الماضي والحاضر إلى المستقبل. وكان (الياس مرقص) يرى أن إلغاء المطلق من الفلسفة والفكر والسياسة يؤدي إلى أن يستطلِقَ النسبي ويتحول إلى إله. وربما الكاتب السوفييتي مكسيم غوركي ألف كتابه (أين الله) وكذلك انطلق هو وصديقه لوناتشارسكي ليشكلا (جماعة الباحثين عن الله) بعد أن قرر يوسف ستالين تحنيط لينين وتكريس طقس الزيارة والحج إلى ضريحه في الساحة الحمراء؛ أي حينما صمَّمَ على استطلاق النسبي و تأليهه، وبعد تحويل الماركسية- اللينينية إلى دين وأشخاصها إلى آلهة.
إن إلغاء المطلق لا يعني في الواقع إلا إلغاء المستقبل وتكريس الماضي كشيء كامل وتام(التمامية والاكتمالية والسلفية = integrisme) وهذا يعني إيصاد باب المعرفة والعلم والبحث والاكتشاف.
دائماً هنالك مجهول لدى الإنسان ولا ينتهي، وهذا المجهول هو منجم علم المعرفة الذي لا ينضب، يكتشف مكامنه الإنسان بشكل دائم بمفاهيمه المتوفرة لديه، وعبر عمله وممارسته يحصل على معارف جديدة أكثر تقدماً. فالحقيقة المطلقة موجودة في الحقائق النسبية وفي الوقت ذاته هي حد لها(النفي).
بهذا المعنى يمكن فهم مقولات مثل (الله أكبر، الله أعلم) أي أن المطلق أكبر من النسبي وأعلم منه وحادٌ له، وهذا يعني أن الله أو المطلق حاضر ومضارع ومستقبلي، والمستقبل حادٌ للماضي والحاضر، وهكذا نصل إلى أن هذين الأخيرين أي الماضي والحاضر غير تامين وغير مكتملين بل ناقصين باستمرار ومعرضين للتغيير والنفي(negation) والإصلاح وإعادة التشكيل (reforme). وقد قال المتصوف الإسلامي الكبير(النفري): علم مستقر جهل مستمر؛ وكذلك قال ماركس لا علمَ كامل إلا في خلية النحل؛ وهكذا قال أيضاً الفيلسوف والعالم المتدين باسكال.
والنقص الموجود دائماً في النسبي هو عامل التقدم وفي اللحظة التي يعتبر النسبي المنجز في المجتمع أنه أصبح كاملاً يدخل هذا المجتمع في الاستنقاع ويتوقف عن التقدم.
من هذا المنطلق نرى أن الذين يقدسون الماضي ويعتبرونه آخر المعرفة وأخر العلم هم معادون للمطلق ولله رغم كل ادعاءاتهم بأنهم يمثلونه. وينطبق هذا الأمر أيضاً على الماركسيين اللينينيين الذين حولوا الماركسية إلى دين وكذلك على الناصريين الذين ديَّنوا الناصرية والقوميين الذين قدسوا اللغة العربية واعتبروا القومية العربية رسالة خالدة.
وإذا كان ديكارت قد اعتبر الله أحد أحجار الزاوية في منهجه في البحث فهذا يعني أن العلم والمعرفة النسبيان يحدهما الله وينفيهما باستمرار. فإلهه مستقبلي تماماً وهكذا كان الأمر لدى طه حسين، أي الشك في منجزات الماضي والحاضر ليس بهدف إلغائهما بل للتحقق من ما بقي راهنا وصالحاً من أدوات المعرفة في الماضي وما أصبح بالياً ومن ثم الإنطلاق إلى معارف جديدة.
وتبدو موضوعية مفهوم المطلق (أو الله ) الذي هو في الأساس مفهوم إنساني من خلال دوره في العلاقة بين الهدف والنتيجة وتحديد الفرق بينهما في كل ممارسة إنسانية. فالطريق إلى الهدف يشتمل على الواقع والقدرة على رؤية هذا الواقع أثناء الممارسة ونسبية هذه القدرة الإنسانية. وفي هذه العلاقة بالذات حول مدى قرب أو بعد النتيجة عن الهدف الموضوع من قبل الإنسان قبل شروعه بالعمل لتحقيقه يكمن مفهوم (مكر الله) أو كما سمَّاه هيجل (مكر العقل أو مكر التاريخ) أو كما سمَّاه الياس مرقص(مكر الواقع). ويعتبر انجلز في هذا الإطار، في معرض الكلام على الثورة وتوفر ظروفها الموضوعية والذاتية، أنه مهما كان الإعداد لهذه الشروط أقرب إلى الكمال (ففي اللحظة الأخيرة لابد من المغامرة حين البدء في الثورة) وهذه المغامرة تنطلق من اعتبار أن الفرق بين النسبي الممارس واكتشافات الواقع الحقيقية حتى لو كان صغيراً جداً، فهذا الفرق كفيل بأن لا تكون النتيجة مطابقة للهدف. والطامة الكبرى إذا كان هذا الفرق كبيراً جداً بينهما كأن يكون الهدف في الغرب والنتيجة في الشرق، كما حدث بالنسبة إلى حركة التحرر العربية وبالنسبة إلى المشاريع التي وضعتها والنتائج التي وصلت إليها. وفي هذا الإطار في الذات قال غوته: "إن النظرية رمادية يا صاحبي والحياة هي الخضراء "؛ أي أن النظرية ناقصة دائماً ومعرضة للتصحيح دائماً على ضوء الواقع والظروف المستجدة.
و لم تكن الفلسفة الشعبية في بلادنا العربية بعيدة عن معالجة مكر الله أو مكر الواقع وموضوع العلاقة بين الهدف والنتيجة حينما قالت: لا ينطبق دائماً حساب البيدر على حساب الحقل، ولا(حساب القرايا على حساب السرايا)، أو حينما قال أبو الطيب المتنبي: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
هذا المفهوم عن (المطلق) وعلاقته بالنسبي موجود في الماركسية وموجود لدى هيجل وماركس وانجلز ولينين وسبينوزا وديكارت وغوته ومحي الدين بن عربي وتشيخوف وغوركي ولوناتشارسكي ودوستويفسكي وفلسفة التاو الصينية وابن رشد والنفري ولدى معروف الرصافي والشيخ المصري الأزهري السوربوني المعاصر (عباس عبد النور) من دمنهور........ وكثيرون من هذا العالم.......
نقولا الزهر
دمشق في 16/12/2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا تعتبر الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة خطوة تم


.. الناتو يعلن عن خطة شاملة لتسليح وتمويل الجيش الأوكراني




.. نافذة إنسانية.. شبح الجوع يعود إلى شمال غزة مع استمرار إغلاق


.. وزير الإعلام السعودي: دور الحكومة أصيل في تنظيم الحج ولا أحد




.. -عن روح أبي-.. طفل من غزة يوزع التمر صدقة عن والده الشهيد