الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الانتحار حرقا و الانتحار عريا

يحيى الوكيل

2011 / 11 / 17
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


الانتحار هو أقصى انتهاك للجسد، و بيد صاحب أو صاحبة هذا الجسد بحيث يؤدى إلى الدمار الكامل و الموت لمن قام بهذا الفعل. و قد اتفقت الديانات الإبراهيمية الثلاثة بكل طوائفها على تحريمه و عد من يقوم به كافرا.
لا شك أن كل من يقرأ ما سبق متفق تماما مع ما أوردت، و من لا يوافق على التعريف السابق و نواتجه فلا حاجة به لأن يكمل قراءة هذا المقال..

لكننا سنختلف مع الواقع أو نكذب على أنفسنا لو سلمنا بما سبق على أنه حقيقة مطلقة – بالرغم من أنه يبدو كذلك.
و دعونى أسرد عليكم سلسلة من الوقائع التى حدثت فعلا لنحكم على قدر الصدق الذى يتعامل به العقل الجمعى المصرى مع واقع حياتنا.

فى العصر المملوكى قام حريق فى حمام عام للنساء فهرب البعض عرايا للطريق و لكن تغلب حياء بعض النساء على ضرورة الفرار من النار و اخترن أن يمتن حرقا – و هذا انتحار بكل ما تحمل الكلمة من معنى – على أن يكشفن أجسادهن العارية لأغراب فى الطريق؛ و صارت فعلتهن مثلا يقول "اللى اختشوا ماتوا"؛ مع أن تصرف من هربن هو أقرب للعقل و حتى للدين الذى يبيح المحظور فى حالة الضرورة، إلا أن العقل الجمعى المتشبع بذكورية حجرية متخلفة لحد التعطن لم يقبل ممن هربن الفعل العاقل و أضفى الفضيلة على من انتحرن بكل غباء.
و فى هذا كل النفاق. فلو أن الحريق كان فى حمام للرجال و هرب الرجال عرايا لما لامهم أحد، لكن النساء يملكن أجسادا تفوق التقديس عند من يفكرون بأنصافهم السفلى – هذا لو كانوا يفكرون أصلا – و من أجل هذه الأجساد فليذهب المنطق و العقل و الإنسانية بل و الدين إلى الجحيم.

فى السنوات الماضية ابتلى العالم و خاصة فى منطقتنا الشرق أوسطية بظاهرة المفجرون الانتحاريون من الإرهابيين، و هم طبعا انتحاريون لأن ما يفعلونه ينطبق بالضبط على تعريف الانتحار المقدم عاليه، و الذى أنت موافق عليه بالضرورة إذا كنت قد وصلت لهذا السطر فى المقال؛ لكن من يدفعونهم لهذه الأفعال يسمونهم بالإستشهاديون – و يقنعونهم بأنهم كذلك فعلا قبل القيام بأفعالهم الإرهابية.
و فى هذا كل النفاق؛ فكيف يكون شهيدا من مات كافرا؟ و هم كفار لأنهم لم يموتوا فى نزال لديهم فيه فرصة للنصر و النجاة بل ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة. لكن الإظلاميون الذين يدفعونهم لهذه الأفعال يمارسون أقصى درجات النفاق عندما يسمونهم شهداء، و العقل الجمعى المتشبع بهمجية القتل و نشوة الدماء لحد العفن يفرح بهذه الأفعال و يهلل لها و يطنطن و يضع هؤلاء "الشهداء" موضع الفخر و الشرف؛ و أيضا فليذهب المنطق و العقل و الإنسانية بل و الدين إلى الجحيم.

و من شهور قليلة فجر بوعزيزى فى تونس شرارة ثورة قلبت نظاما باطشا بأن حرق نفسه و انتحر بعدما زادت عليه ضغوط من القهر و الظلم و العسف بلغت مداها فى الصفعة التى تلقاها على وجهه من يد تلك الشرطية، فطبق المثل الشعبى الذى نقوله عندما يطفح بنا الكيل: "يعنى أولع لكم فى نفسى؟!" – و بينما نقولها عادة على سبيل التهديد فقط لأن العقل يمنعنا عن فعلها، فعلها هو و انتحر و كان لانتحاره تأثير موجات صادمة هزت طبقات الشعب التونسى الذى أحس بالألم الذى دفع بوعزيزى للانتحار و هب ببساطة حتى لا يضطر كل تونسى للإحساس بمثل هذا الألم.
و صار بوعزيزى بثورته على الظلم التى انتهك فيها هو نفسه جسده لأقصى درجة بطلا للثورة و شهيدا – مع أنه منتحر! لكن العقل الجمعى الثائر قرر انه شهيد فصار شهيدا... هكذا!

و فى مصر تصاعدت فى الأشهر التى تلت أحداث يناير سطوة الإظلاميين و التلفيين، و مارسوا قهرا على كل حر الفكر أو مخالفه لهم بأى شكل، و طبعا مارسوا قهرا على النساء أكثر من غيرهن لما فى ثقافتهم البدوية الأصل من احتقار للنساء و نظرة حيوانية للعلاقة بين الرجل و المرأة التى هم بالأساس لا يفهمونها – و سأتطرق لها فى السطور القادمة؛ و كان لابد لأحد من أن يثور على كل هذا القهر و التسلط.

فتاة شابة اسمها علياء لم تطق القهر الممارس ضدها بسبب جنسها و لا أكثر و النظر إليها على أنها نجسة و أنها عورة ممن يلوح أن بأيديهم زمام الأمور فعليا إلى يصبح الأمر بشكل "رسمى"؛ و أخرجت من مخزنها الثقافى المصرى مكنون المقولة التى نلجأ إليها عندما يفيض بنا الكيل و القائلة "يعنى أطلع لكم من هدومى؟؟"، و "طلعت فعلا من هدومها".
قامت علياء بانتهاك جسدها بنفسها لأقصى درجة عندما عرضته عاريا على صفحات الفيس بوك، و هذا يمثل انتحارا و هو انتحار فعلا على الأقل على المستوى المعنوى؛ لكن هل وصلت الرسالة من هذه المحاولة كما وصلت رسالة بوعزيزى؟
لا شك ان هناك الكثير من الموجات الصادمة التى أعقبت ما قامت به علياء، لكن و كما تعلمنا فى الجيولوجيا فهناك موجات بانية و موجات محطمة و مدمرة – و فعلة علياء للأسف لم يأت عنها إلا النوع الأخير؛ لم يفهمها أحد، و تعامل معها الكل بمبدأ "اللى اختشوا ماتوا" الذى اتفقنا مسبقا على أنه ضرب من ضروب النفاق فنزعوا عنها كل فضيلة و ألبسوها كل نقيصة و شر، و لم يفكر أحد أن يسبر غور الجرح النفسى الذى جعلها تنتهك نفسها هذا الانتهاك.
أما من توجهت إليهن من بنات جنسها فلم يختلف رد فعلهن كثيرا عن رد فعل الجنس الآخر؛ فلم تحرك فيهن ثورة كما فعل انتحار بوعزيزى بل غلبت العقلية الذكورية حتى على تفكير الإناث و نظرن لفعلتها شذرا بدل أن يكن هن من فهمن دوافعها و الخطر الذى ألجأها للخروج عارية هربا من نيران حريق الإظلاميين و التلفيين.
هى عندى فتاة مجروحة اقترفت انتحارا
فمن كان منكم قلبه قد من صوان، فليرجمها به

ثم أنه حدث و لا حرج عن النفاق، فأمامنا فعلّى انتحار لبوعزيزى و علياء، رفعنا فيها الأول لمرتبة القديسين و خسفنا بالثانية خسفا للدرك الأسفل من النار؛ لكن لأن الفعلة الأولى سلمت السلطة للإسلاميين هللوا لها، أما الفعلة الثانية فتناهضهم و تفضحهم و تقاوم سطوتهم و تسلطهم و قهرهم صارت فاعلتها من الشياطين.

الأخطر دلالة فى كل هذا هو العقلية التى تتعامل بعشرات المكاييل مضحية بكل قيم الحق و الخير و العدل، و التى تجدها فى جنسى المجتمع و ليس فى ذكوره فقط؛ و التى انهارت على صورة عارية نشرت على الفيس بوك – و الغريب ان غيرها الكثير على النت؛ لكن هؤلاء العاريات لسن "من بنات القبيلة" فلا بأس من انتهاك أجسادهن.
لابد من علاج هذا الهوس الجنسى و الذى لا يترك مجالا لفهم الحب كقيمة و ممارسته كمشاعر و أحاسيس.
لن ينصلح حالنا لأن المجتمع يربى الأولاد ليكونوا ذكورا فقط ينظرون للجنس الآخر على أنهن مجرد إناث فى قطيع فلا يشغله منهن غير المتعة و الجنس، و هو المفهوم البدوى الذى تسرب للثقافة الإسلامية حتى اعترف بها أحد أقطاب "الإعتدال" الإسلامى و هو الشيخ الشعراوى فى تفسيره لآيات القرآن عندما قارن بين شراء المرء مسدسا لعبة لابنه و بين شراءه حلقانا و سلاسل لبناته "لأنهن خلقن للمتعة" بنص كلامه.
ربوا أولادكم ليكونوا رجالا، يحترمون النساء و يفهمون أن العلاقة الحميمة هى أعلى درجات ممارسة الحب و ليست فقط ممارسة للجنس كما البهائم. علموهم أن يكونوا رجالا يحمون النساء و يحبوهن و لا ينظرون إليهن بشهوة فارغة أو فى دونية حقيرة؛ علموهم الشجاعة أصل كل الفضائل لكى يزهوا أمام نسائهم بفروسيتهم و شهامتهم و صدقهم و علمهم و تزهوا النساء برجالهن. و ربوا بناتكم على أنهن زهرات البستان و لكنهن برغم رقتهن أصل كل شجرة فيه، فهن لسن فى مرتبة أدنى من الرجال بل فقط يختلفن ليتكاملوا معا؛ ربوهن أيضا على الشجاعة و لا تربوا فيهن الاستكانة و الضعف الذى يمحو الشخصية.
وقتها فقط لن نجد دعاوى لنقاب او دعاوى للتعرى
و لن نحتاج لمنتحرين يقودون حركاتنا الجمعية، بل سيجمعنا العقل و يقودنا الضمير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من بقايا جاءت من العراق.. الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمر


.. العربية ويكند | معايير السعادة لدى الشباب.. و تأثير وسائل ال




.. الصحفيات في غزة تحت النار في ظل سياسات القمع والتمييز


.. الصحفية غدير بدر




.. كيف تؤثر وسائل التواصل على نظرة الشباب لتكاليف الزواج؟