الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 1

غالب محسن

2011 / 11 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 26


ضاقت به الدنيا ،
ولكنْ لم يَضِقْ ، هذا الشيوعيُّ الأخيرُ ، بها ...
وكان يقول : للأشجارِ موعدُها ، وإنْ طالَ الخريفُ سنينَ أو دهراً !
وكان يقول أيضاً : خمسَ مرّاتٍ تَـلـَوتُ الشِّعرَ في وطني ، لأبتدِئ الرحيلَ
... سعدي

يُحدثُنا أبو يزيد البسطامي ، وهو من كبار المتصوفيين " خرجتُ الى الحج فأستقبلني رجلٌ في بعض المتاهات فقال : أبا يزيد الى أين ؟ فقلتُ الى الحج . فقال : كم معك من الدراهم ؟ قلتُ معي مائتا درهم . فقال : فَطِف حولي سبع مرات وناولني المئتي درهم فأن لي عيالاً . فطفتُ حولَهُ وناولتهُ المئتي درهم " *

كلما تذكرتُ سعدي خطرت في بالي فكرة تنازع السياسة مع الثقافة ، وكلما تذكرتُ أحد المتصوفين وردت في ذهني فكرة تنافر الأخلاق والسياسة والدين . أنا السياسي المخضرم حتى الجنون ، عاشق الأدب والفنون ، في عالم الجن والأسطورة مفتون ، بلا أشرعة مبحراً مع المتصوفة الأولين ، أبو ذر وأدهم وأبن سبعين ، كلٌّ ، أنا وهم ، على ذاتِ الدربِ سائرين ، وأن أختلفت الموازين ، والحلم من حين الى حين ، مكبلاً بالتاريخ المضمخ بالحب ، والخيبة ، وغربة السنين ، وبالرغبة التوّاقة ، لأمرأةٍ أعرِفُها ، في فضاءاتٍ وحنين ، عَبَرَت وطناً ، لم يبق منه سوى تُراب وطين ، ومقابر وشياطين .

السلطة والدين ، عشق قديم

منذ القدم ، عندما بدأت تتشكل أولى ملامح المجتمع البدائي ، ظهر أول قادتنا ، بتفويض ، في المجتمع الشيوعي المشاعي . في البدء كان ذلك الظهور ضرورياً لمواجهة قساوة الحياة وجبروت الطبيعة من جهة وبسبب شحة الثروات وندرتها والتي لم تكن تكفي على أية حال كل أفراد المجتمع فكان عليهم تقنينها من جهة ثانية ، بالصدفة حيناً وبالحكمة حيناً آخراً . ومع أن الغريزة والعاطفة كانت على الأرجح هي محرك سلوك أولئك القادة ، خصوصاً في المراحل الأولى عندما كان الأنسان حيوان ، فقد كان هناك أيضاً رادع أضافي على سلطتهم أهمها الخوف من عقوبات الآلهة ( قبل أن يصبحوا ممثلين لها ) فضلاً عن القيود الأجتماعية الأخرى بما فيها مجلس القبيلة وكبارها . لكن أهمها على الأطلاق الأخلاق البدائية التي كانت تُعَبِّر عن حاجات وقيم المجتمع آنذاك في الصمود والأستمرار ليومٍ جديد ، لم تكن هناك غيرها مصلحة .

بتطور المجتمع التدريجي والأنتقال من مرحلة الصيد والتنقل الشاقة الى حياة أكثر أستقراراً مع الرعي أولاً ومن ثم الزراعة تالياً ، " تراكمت " مع بدايات تشكل المجتمع الطبقي " ثروات " المجتمع وأكسبت هؤلاء القادة ( الذين صاروا لاحقاً ملوكاً مدى الحياة ) القوة على تقرير مصائر الآخرين ولتصبح قوتهم الأقتصادية ، سلطتهم ، أقوى من تلك " الأخلاق " و " القيم " وأمضى من حد السيف بعد أن أشترت السلطة ممتشقيه ، بالمصاهرة والمتاجرة أحياناً وبالمخاطرة والمخاترة في مراتٍ أُخر .

غير أن سلطة هؤلاء القادة والزعماء ، كما يُخبرنا التأريخ ، لم يكن لها أن تنتصر بحد السيف وحده ولا بالمال أيضاً من غير التفويض الألهي الذي منح السيف القدسية بأعتباره مشيئة الآلهة ، فأُسكتت أصوات الرحمة .

هكذا حكم حمورابي الذي أستلم قوانينه مباشرة من يد آلهة الشمس ، و فرعون مصر ، توت عنخ آمون ، كان أسمه يعني " الصورة الحية للأله آمون " ، وفي الأساطير الصينية كان هناك الملوك الآلهة الثلاث ، وملوك العهد القديم كلن معضمهم تقريباً أنبياء ، أشهرهم داوود وأبنه سليمان وحفيدهم حزقيا ، بل وعندهم سَفَرَهم الخاص بهم في التناخ (في التوراة سفر الملوك 1 والملوك 2 ) . وهكذا أيضاً حكم ملوك أوربا بتحالف " مقدس " مع الكنيسة منذ أن أعتنق قسطنطين الأول المسيحية وجعلها الدين الرسمي للدولة الرومانية . ويعتبر هذا نقلة حاسمة في تأريخ المسيحية حيث وُحِدَت الأناجيل في مؤتمر نيقية عام 325 م الذي أُصعد السيد المسيح ، لا روحه كما يؤمن المسلمون ، الى السماء وصار هو الرب بعد أن كان أبن الأنسان ، تماما كما تماهى البسطامي مع الحق عندما هتف في لحظة تجلي " سبحاني ، ما أعظم شأني " .

أما الأسلام فقد جعل طاعة الحاكم من طاعة الله " يا ايها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وغالباً ماكان الخليفة العباسي يقرن أسمه بالله تذكيراً وترهيباً لمن قد يشك بتمثيل الحاكم للمشيئة الألهية ، المستنصر بالله ، المعتصم بالله ، المقتدر ، المعتز وغيرهم ولم يتفوق عليهم بالأسم سوى الفاطمي الحاكم بأمر الله بما لا يترك مجال لأي سوء فهم في الرسالة التي أراد أن يبعثها لرعيته .

ومنذ ذلك الوقت والى زمن غير منظور عَشِقَ هؤلاء القادة وأخلافهم السلطان والأديان . والعشق من هذا النوع ، تتوارثه الأجيال ، كرسالات الأنبياء ، فهل هناك ، بعد ذلك من يلوم أبو إسراء** عندما صرّح " أخذناها وبعد ما ننطيها " .

الدين منبع الخلافة لا الثقافة

لم تتمكن أية سلطة سياسية من تثبيت أركانها وبناء دولتها دون عنف ، هذا ليس خبراً ، ويشمل هذا كل أشكال الدول منذ نشأتها وحتى اليوم بما فيها الدول المتحضرة والتي تعتمد الديمقراطية كأسلوب لحل الأختلاف في الرأي . لكن الفارق كبير بين دولنا وتلك في شموليته وقساوته وخصوصاً في التمايز داخلياً وخارجياً رغم أنني لا أعتقد تماماً بقسرية هذا الفصل . والعنف لن يغادر أجهزة الدولة عموماً حتى تزول آخر مسبباته ، السياسة . فالدمع لن يفارق مآقينا قبل أن يفارق الخُبث سياسينا ، والعنفُ باقٍ ما بقيَ ماضينا . ودولة المصطفى دليلي .

أن عبقرية النبي محمد لا تتمثل ، كما أرى وغيري كثيرين ، في المجئ بدين جديد . فكل ما جاء به الوحي هو أما تأكيد لما كان موجود وسائد آنذاك من عادات ومفاهيم ، حتى في التفاصيل ، أو تعديلها لتبدو وكأنها جديدة . فالدعوة للتوحيد و ترك الشرك بالله ، الصيام والتعبد ، تحريم الخمر وقتل البنات ....الخ كلها كانت معروفة بين من يسميهم سيد القمني الحنفيين ، بينما يفضل علي الدشتي تسميتهم بالموحدين من أمثال قيس بن ساعدة ، أمية أبن أبي الصلت ، زيد أبن النفيل ، ورقة بن نوفل بل وحتى جد النبي عبد المطلب . والتوراة قد حرّمت أكل لحم الخنزير قبل ظهور الأسلام بأكثر من سبعة قرون . أما الحج فقد كانت ممارسة شعائرية معروفة و مهمة لدى القبائل العربية بما فيها الطواف حول الكعبة وتقبيل الحجر الأسود *** ورمي الجمارت والسعي بين الصفاة والمروة وغيرها من طقوس مرتبطة بمراسيم الحج .

أن تميز محمد كان في قدرته السياسية والتعبوية وفي بناء دولة ستقرر مصائر دول عديدة بل والعالم أجمع . فقد ناضل وحيداً تقريباً ألا من حفنة من الأقربين ومثلهم من والفقراء والمضطهدين ومن ثمن مع نفر من أتباعه لمدة ثلاثة عشر عاماً في مكة دون أن يتمكن من أقناع المكيين برسالته ، وكاد اليأس يأخذ منه أصحابه . هنا تفتقت ذهنيته العبقرية السيايسة قبل كل شئ في قراءة الواقع ، و طبعاً في صموده وثقته بنجاحه . فقد توصل الى قناعة هي في الحقيقة كانت خلاصاً مؤقتاً أولاً ثم رأى فيها أنتصاراً قادماً ، أعني التوجه للخارج بعد أن فشل في الداخل . هكذا توجه أولاً للطائف ألا أن محاولته هذه بائت بالفشل . لكن ذلك لم يثن من عزيمته و لم يدع هذه الفكرة جانباً بل أستمر يبحث حتى وجد ضالته في تنازع الأوس والخزرج في يثرب .

والخلاصة أن فصاحة اللسان وعذوبته بل ونبله في السور والآيات المكية لم تكن لها تأثيرات ملموسة تتناسب مع الثلاث عشر سنة التي قضاها بالتبشير لدعوته في مكة . بينما السيف الذي أعمله في صدور خصومه مباشرة بعد وصوله الى يثرب كان له أوسع صدى وماهي ألا بضعة سنين حتى ساد ليس في مكة وحدها بل وعلى كامل شبه الجزيرة العربية . ومنذ ذلك الوقت صارت تجربة المصطفى نموذجاً ، في السلطة ، أية سلطة كانت في حماية الدين .

لم تقدم كامل التجربة الأسلامية ، بعد ذلك ، مثالاً أكثر سطوعاً من تمسك الخلفاء والملوك والرؤساء والأتباع بروح هذه التجربة وأجتهدوا وأجادوا . تكبير " الله وأكبر" ، الكل يهتف بالتحية ، فقد غدت ثقافة شعبية ، لدى الجلّاد والضحية ، في البيتِ والمدرسةِ والأقبية ، في الملاعبِ ، في المتاحف ، في الأسواق الشرقية ، وتحت القبابِ العالية ، وفي الدهاليز الملتوية ، صارت هوية ، وفي الساحات والطرقات أصبحت قضية ، جهادية و أجتهادية ، فكله ينشد رب البرية ، بالكلمة أم بالبندقية .

يتبع جزء 2

د . غالب محسن

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* يعتقد هادي العلوي أن أبا سعيد قد ألّفَ الحكاية بنفسه ليوصل فكرة أن أطعام الفقراء أوجب من الحج . أنظر مدارات صوفية ص 60
** أبو إسراء هو رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، ننطيها باللهجة العراقية تعني نعطيها .
*** بل قد أثارت هذه تحفظات بعض الصحابة ففي حديث متفق عليه ، عَنْ عُمَرَ بن الخطاب أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ , فَقَبَّلَهُ ، وَقَالَ : إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ , لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ , وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ ... أنظر على سبيل المثال المستدرك للنيسابوري ويشيرعلي الدشتي في كتابه " 23 عاماً دراسة في السيرة النبوية المحمدية " ص 132 الى مثل هذه الشكوك لدى وأحد من كبار الفلاسفة والفقهاء الأسلاميين وهو الأمام أبو حامد الغزالي الذي لم يجد أي حكمة أو مبرر لشعيرة الحج عموماً لكنه " أطاع " لأنها كانت أمراً منجزاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العنف في المسيحية غير العنف في الإسلام
واثق السيد ( 2011 / 12 / 3 - 09:24 )

تحياتي للأستاذ الكاتب
كل مارد عن العنف في المسيحية لم يكن مستندا على الأنجيل ، فليس في الإنجيل ما يأمر أو يشجع تصريحا وتلميحا عن إستعمال العنف في نشر الدين ومن أستعمل العنف في ذلك فهو مخالفة للإنجيل واقوال المسيح وتبدأ الوصايا العشر التي أتخذت أساسا للديانة المسيحية باللاءات الثلاث : لا تقتل ، لا تسرق ، لا تزني ....
وأكثر من هذا قال: حبوا أعداؤكم

بعكس الإسلام كل ما حدث من العنف والقتل والإغتصاب من قبل المسلمين كان تنفيذا لما جاء في أومن القرآن أو من الدين الإسلامي وسلوك محمد رسول الإسلام ويبدأ بالفرضيات الثلاث : إقتل في سبيل الله ، وتحليل الغنائم بما فيها النساء للشعوب المحتلة أو المقهورة ( الأنفال )، ويقول أيضا أنكحوا ( إزنوا ) ما طاب لكم ، ومحمد أول ما بدءا بالقتل والإغتصاب بتفويض من إلاهه
وصور جنة الإسلام مبغى للمسلمين المؤمنين ، وكما يقول طه حسين في إحدى قصائده أن الإسلام جعل من الله سمسارا (ويقولها مصا ، قوادا !!!!!) يهيثئ المومسات والبغايا للمسلمين المؤمنين في الجنة
آمين

اخر الافلام

.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية