الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوظيف الإخراجى التراثى للتمثيل والأغانى فى سلطان الغلابة

محمدعبدالمنعم

2011 / 11 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


التوظيف الإخراجى التراثى للتمثيل والأغانى فى سلطان الغلابة بقلم د/محمدعبدالمنعم بقسم المسرح بكلية الأداب جامعة الإسكندرية



بالنسبة لعنصر الأداء التمثيلي فقد اختار المخرج لممثليه أسلوباً لاواقعياً في الأداء، أسلوب لا يعتمد على التقمص والاندماج بقدر ما يعتمد على التشخيص في مجمله؛ إذ يسمح للممثل بالخروج عن الشخصية التي يمثلها لإلقاء قفشة كوميدية أو لإجراء حوار حي مباشر مع الجمهور ثم العودة للشخصية الممثلة مرة أخرى، وفي إطار هذا الأسلوب فمسموح للممثل بقدر من الارتجال، حيث ترك المخرج لممثليه مساحات عدة للارتجال الحر في مناطق كثيرة من العرض لعل أبرزها المساحة الحرة التي تركها للملك معروف ليحاور فيها جماهيره - باعتبارهم أهالي السلطنة - ويستفسر منهم عن أحلامهم وطموحاتهم وطلباتهم التي يريدوه أن يحققها لهم عن طريق الخاتم المسحور.

هذا فضلاً عن استخدام الممثلون لبعض الكلمات والجمل والعبارات المعاصرة التي يلتقطها الممثل أثناء سير العرض ويدسها في حواره مثل قول الملك معروف للملك سمعان السابق (بيقولوا عنك كلام زبالة)، وقوله لزوجته (تفتحي مكتبات ومستشفيات) في إشارة واضحة لزوجة الرئيس المخلوع مبارك، وقوله عن الملك سمعان (بدأ يلخبط في الحلل)، فضلا عن كلمات باقي الشخوص خاصة الجني وريما العرة وغيرها مثل كلمة (مُزة)، (دليڨري) وغيرها.

وبمتابعة أداء الممثلين لأدوارهم يتضح أن المخرج قد وزع الأدوار عليهم بعناية شديدة فوضع كل ممثل في مكانه المناسب، فكانوا أشبه بالضفيرة التمثيلية التي جدلت خصلاتها بإتقان مجموعة تملك إمكانات ومهارات متنوعة، فمنحوا الشخصيات الممثلة كيانات لها ملامح، ومنحوا العرض طاقاتهم الأدائية المتقنة، فرأينا الفنان (أحمد راتب) في دور الملك معروف مُمثلاً راسخاً قولاً وحركة وانفعالاً كما عهدناه دوماً، فاستطاع أن يتموج عبر خيوط الدور الذي يؤديه بتلقائية وحرفية شديدة مستحوذاً على قلوب الجماهير، لاسيما وقد عبر عن كل لحظة بإتقان واضح، فعرف كيف يصل بالمغزى المطلوب من الشخصية إلى مشاهديه بسهولة، معبراً عن معنى القيادة الحقة، وسمات القائد المطلوب في المرحلة الراهنة، وقد أجاد على المستويين سواء في الأداء الكوميدي، أو في أداء اللحظات الجادة.

أما (حنان سليمان) في دور ريما العرة زوجة الملك فكانت قادرة على إشباع كل مسارات الشخصية مستغلة في ذلك مرونة جسدها، وإمكانات صوتها، وتلقائية أدائها، في تحمل عبء الأدوار الرئيسية المركبة مثل هذا الدور المشبع، فهو دور مركب له أكثر من جانب ويؤَدى على أكثر من مستوى، فهي المرأة القبيحة السوقية، وزوجة السلطان، وملكة السلطنة، ثم هي المرأة الجميلة التي لها دلال أنثوي طاغي، والزوجة المتآمرة والمتمردة، والمرأة الظالمة الطاغية التي تقهر الشعب، وقد استطاعت حنان سليمان أن تستغل مهاراتها الأدائية بالوفاء بما يتطلبه الدور من جوانبه المختلفة، وقد نجحت في إضفاء طابع كوميدي على الشخصية فأمتعتنا كثيراً، خاصة وقد عرفت كيف تخلق تبايناً مميزاً عبر الصوت والحركة والإيماءة والإشارة بين أجزاء دورها المختلفة عندما تحولت من القبح للجمال ومن الخضوع للتمرد.

وبالنسبة للفنان (أحمد نبيل) الذي أدى دور العفريت فقد قدم دوره بخفة ظل شديدة، مستثمراً مهاراته الجسدية في إضفاء ملامح جديدة على أداء مثل هذا الدور فوق المسرح عبر قفزاته البهلوانية وحركاته الأشبه بالحركات السيركية، فجذب المشاهدين وحاز على إعجابهم خاصة وهو لم يستسهل في تقديم الدور بشكله التقليدي المتعارف عليه، وإنما أجهد نفسه ليضفي عليه بعداً ملهاوياً ساخراً في إطار التشخيص.

وبالنسبة للفنانة (شريهان شرابي) في دور الراقصة فقد استثمرت نعومة صوتها وأنوثة جسدها في تقديم ملامح الشخصية بطاقاتها الحية ودلالها الأنثوي فوق المسرح، وقدرتها على إشباع الدور رقصاً وأداءً وحركة.

أما الفنان (محمد صلاح) أحد رجال الملك وحاشيته فهو ممثل واع يمتلك إمكانات كبيرة في الأداء المسرحي تحتاج مساحة أكبر في العروض القادمة.

وقد ترك الفنان (محمد عابدين) في دور الملك السابق سمعان بصمة واضحة وحكم زمام دوره ولفت انتباهنا بتلقائيته في الدور وحيوية أدائه، وكذلك شريف عواد وأحمد الشريف ومحمد نجم فقد أجاد كل منهم في دوره.

ومن الممتع في هذا العرض أن المخرج قد غلف عرضه التراثي بطابع غنائي شعبي كوميدي، معتمداً اعتماداً أساسياً على أغاني الربابة والمطرب الشعبي كإطار رئيسي للعمل، موظفاً فرقة شعبية أقرب إلى التخت الشرقي، يرتدي أفرادها الزي الشعبي (الجلباب / اللاسة التي تلف الأكتاف / العمامة)، ويقبعون في صالة المشاهدين وسط الجماهير أمام مقدمة المسرح في يسار المشاهد، تتكون هذه الفرقة من ستة أفراد اثنان يطرقان الطبول، واثنان يعزفان على الربابة, وعواد، وعازف تشيللو.

ولعل اختيار المخرج لآلة غريبة كالتشيللو وسط آلات شرقية، يرجع لما يوفره التشيللو من أصوات موسيقية لها دلالة محددة مطلوبة في العرض قد لا توفرها الآلات الموسيقية الشرقية المستخدمة، وربما يعود كذلك لرغبة المخرج في المزج بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية ليخرج من إطار التخت الشرقي وإطار المحلية ليعطي - بواسطة الأغاني التي تعلق على أحداث العرض - طابع شمولي يتسق وشمولية القضية التي يعالجها، وقد ساعده ذلك المزج أيضاً على كسر مسار الموسيقى الشرقية، مما ساهم في كسر الإيهام المسرحي اتساقاً مع أسلوب الإخراج. وقد وظف المخرج تسع أغاني تفتتح العرض وتختتمه وتعلق على أحداثه، وكلها أغاني عذبة تصدرها الفرقة على إيقاعات ونغمات الموسيقى الحية، فكانت تذكرنا بالراوي الملحمي عند بريخت الذي يفتتح العرض ليقدم قصته وأحداثه، ويعطي فكرة عن شخوصه، ثم يقطع سير الأحداث بين الحين والآخر ليعلق عليها، ثم يختتم العرض.

ومن ثم لعبت الأغاني في هذا العمل دوراً سياسياً هاماً، حيث ألقت الضوء على مناطق كثيرة فيه وبلورت المغزى السياسي، كما ساهمت في كسر الإيهام على نحو ملحمي، فضلاً عن دورها في إنعاش الجمهور والتواصل معه، فرأينا الجمهور كثيراً ما يتواصل معها بالتصفيق الحار، والتعليق، والمديح على ألحانها وكلماتها وأصوات مؤديها أحمد سعد وفارس.

وتستحضرني هنا أغنية الافتتاح (ليل يا ليل يا ليل يا ليل) التي يغنيها أحمد سعد على الربابة وعلى إيقاعات شرقية متنوعة ليعطينا فكرة عن أحداث العرض، ونبذة عن بطله معروف الإسكافي فيقول: "معروف لا كان ابن وزير ولا ابن سلطان وكان فقير بالأوي ويطول علينا البال... بيشتغل إسكافي على أد أد الحال... يشقى النهار بطوله وزباينه زي الحال... وأكمنه شغال شغلته مملاش جيوبه المال"، وهي الأغنية التي تبدأ بمدح النبي وتخبر الجمهور أنها تحكي سيرة الملك معروف، وهي نفسها التي تختتم العرض وتُقدم عليها التحية، فكانت الأغاني جزءاً لا يتجزأ من نسيج العرض وبنيته الدرامية.

كذلك نذكر أغنية (مفيش فايدة) وأغنية (راودني خيالي) اللتين قدمهما فارس بشجن وإحساس صادق إذ يتميز بصوته العذب الطرب، كما يتميز الفنان أحمد سعد هو الآخر بصوت قوي حساس يتسم بالتلقائية فأعطى للأغنية الشعبية مسحتها الشعبية.


مع تحياتى

د/محمدعبدالمنعم
مدرس التمثيل والإخراج
بقسم المسرح بكلية الأداب
جامعة الإسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •


.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب




.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج


.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون




.. فرحة عارمة في غزة بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة | #عاجل